تدين المنظمات الحقوقية المصرية الموقعة على البيان النهج المستمر في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات في مصر منذ تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك حتى الآن. والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والآلاف من الضحايا والمعتقلين. وتؤكد المنظمات الموقعة أدناه علي أن زيادة رقعة العنف المجتمعي مرتبطة بإصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على انتهاج سياسات قمع حرية التعبير، وتمسكه باستخدام القضاء العسكري كأداة لقمع المدنيين والتنكيل بالنشطاء السلميين، وهي السياسات التي اتبعها المجلس العسكري مجددًا خلال عملية فضّ اعتصام وزارة الدفاع يوم الجمعة الماضي 4 مايو. ولم يتعلم حتى الآن القائمون علي إدارة شئون البلاد أن قمع التظاهرات وإصدار القوانين الاستبدادية المعطلة للحياة الديمقراطية والسياسية تزيد المواطنين المصريين إصرارًا علي التمسك بحقهم في التظاهر السلمي وأن قمع التظاهرات لا يؤثر سلبًا علي هذا الحق.
ويأتي فض السلطات للاعتصام بعدما قامت قوات تابعة للجيش بمرافقة أشخاص بزي مدني بالاعتداء على المعتصمين، واستخدم القوة في المظاهرات التي بدأت في ميدان العباسية منذ يوم 28 أبريل علي خلفية أعمال العنف التي بلغت ذروتها يوم الأربعاء الماضي الذي شهد اعتداء أفراد مجهولين الهوية، يرتدون الزي المدني، قاموا بإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين في ميدان العباسية، مما أسفر عن عشرات المصابين والشهداء وتعتقد المنظمات الموقعة أن هذا الاعتداء تم في ظل تقاعس متعمد من السلطات في القيام بدورها في تأمين حياة المعتصمين.
وفي هذا السياق تُبدي المنظمات دهشتها البالغة من مظاهر الاحتفال التي شارك فيها جنود الجيش في أعقاب فض الاعتصام مما يجعلنا نتساءل عن طبيعة الأوامر التي تلقاها الضباط والجنود قبل فضّ الاعتصام والشحن المعنوي الذي تلقوه من أجل إظهار الفرحة في قتل وسحل مواطنين عزل. وتؤكد المنظمات على أن غياب التحقيقات الجدية في تجاوزات قوات الأمن والجيش من شأنه زيادة إحساس الإفلات من العقاب الذي تشعر هذه القوات أنها تتمتع به.
لم تكتف قوات الجيش بالاعتداء على المعتصمين فحسب، بل أن اعتداءاتهم طالت الأطباء الميدانيين الذين كانوا يقومون بإجراء الإسعافات الأولية للمصابين في مكان الاعتصام، بعدما فشلت السلطات تأمين نقلهم إلى المستشفيات المجاورة. كما تدين المنظمات الاعتداءات السافرة التي تعرّض لها عدد من صحفيي ومصوري صحف المصري اليوم والبديل ومراسلي قناة مصر25 الفضائية، والتي أسفرت عن إصابات جسيمة لبعضهم، إضافة إلى احتجاز بعضهم لعدة ساعات -بواسطة الشرطة العسكرية- وعرضهم على النيابة العسكرية والتي أصدرت قرارًا بإخلاء سبيلهم، فضلاً عن مصادرة عدد من معدات التصوير والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة كانت بحوزة مصوري قناة مصر 25 الفضائية.
كما تدين المنظمات الموقعة استمرار سياسة القبض العشوائي على كل من تواجد بالقرب من مكان الاعتصام وتحويل المقبوض عليهم إلى النيابة العسكرية، مما يؤكد استمرار انتهاج المجلس العسكري لسياسة إحالة المدنيين لجهات قضائية عسكرية. وبدلاً من أن يعلن النائب العام المصري فتح التحقيق في الجرائم التي تم ارتكابها بحق المتظاهرين، تم القبض على أكثر من 300 ممن تواجدوا بمحيط وزارة الدفاع فضلاً عن 7 أشخاص آخرين بمحافظة السويس-بعضهم جريح ويرقد بعدد من المستشفيات- أُحيلوا جميعًا للنيابة العسكرية والتي أصدرت بحقهم قرارات بالحبس تصل لمدة 15 يومًا على خلفية مشاركتهم في الاعتصام،. بينما تم إخلاء سبيل 16 فتاة من المقبوض عليهن وبعض الصحفيين. هذا بخلاف القبض على 10 أفراد آخرين كانوا قد ذهبوا للتضامن أمام النيابة العسكرية يوم السبت الماضي مع المقبوض عليهم في فض اعتصام يوم الجمعة.
وتؤكد المنظمات الموقعة أدناه على أن إحالة المدنيين إلى النيابة العسكرية هو استمرار لقيام المجلس العسكري بدور الخصم والحكم في ذات الوقت حيث أن النيابة العسكرية التي تتبع وزارة الدفاع، والتي هناك دلائل على قيام أفرادها بارتكاب جرائم تعدي على المواطنين المصريين أثناء ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم، وهو ما يشكك في حيادية ونزاهة جهة التحقيق من الأساس. للأسف الشديد تأتي تلك الإحالات في نفس الوقت الذي يرفض فيه البرلمان المصري تحصين المواطنين المصريين من المدنيين من الإحالة للمحاكمات العسكرية الجائرة ويقبل بتعديلات تجميلية مقدمة من ممثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعديل بعض النصوص التي تُبقي على سلطات المجلس العسكري في إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، وعلى رأسها المادة ٤٨ من قانون القضاء العسكري، التي تبيح للمحاكم العسكرية الاستمرار في تحديد مجال اختصاصها.
وتنبه المنظمات الحقوقية على أن حق التظاهر والاعتصام السلميين مكفول بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومة المصرية، وأن ممارسة هذا الحق يوقع التزامات على الدولة ليس فقط بالسماح وإنما أيضاً حمايته وتأمينه من أي اعتداء، وأن الاعتصام أو التظاهر أمام الوزارات أو الجهات السيادية في الدولة لا يجب أن يستخدم كذريعة لفضهما باستخدام العنف ولا يعتبر قرينة على خرق مبدأ سلمية الاعتصام أو المظاهرة.
تذكر المنظمات الموقعة أدناه أن السلطات المصرية حافظت على حزمة القوانين القمعية من الحقبة الماضية، وخاصة القانون المتعلق بالتظاهر (قانون رقم 10 لسنة 1914) الذي يُعطي للسلطات الأمنية صلاحية مطلقة لمنع التجمعات العامة والمسيرات مستخدمًا عبارات فضفاضة يُمكن أن تطبقها السلطات بشكل تعسفي ويعطي السلطات الأمنية سلطات واسعة لمنع التجمعات العامة. وفي هذا المناخ المتوتر تخشى المنظمات الموقعة على هذا البيان من اتجاه مجلس الشعب لتقييد الحق في التظاهر، كما اتضح في النسخة الأولى من مشروع قانون تنظيم الحق في التظاهر المعروض الآن أمام اللجنة التشريعية بمجلس الشعب؛ وعليه فإنها تطالب مجلس الشعب بمراعاة المعايير الدولية لحماية الحق في التظاهر خلال مناقشة وإقرار مشروع القانون، والذي يجب أن ينص على ضرورة تقديم السلطات تبريرات واضحة ومحددة لمنع أو تقييد التجمعات، كما يجب أن ينص أيضًا على إمكانية استئناف قرارات المنع.
وتطالب المنظمات الموقعة بالآتي:
• إلغاء قرارات النيابة العسكرية بحبس المقبوض عليهم من النشطاء والمعتصمين وإخلاء سبيلهم ووقف إجراءات إحالتهم إلى المحاكمات العسكرية وإجراء تحقيقات في أعمال الترويع والقتل التي شهدها ميدان العباسية خلال الأسبوع الماضي، والكشف عن المتورطين فيها ومحاسبتهم أمام القضاء الطبيعي.
• ضرورة إلغاء التشريعات التي تنظم حق التظاهر والتجمع السلمي والتي يعود بعضها لحقبة الاحتلال البريطاني لمصر، وأن يتم وضع قانون ديمقراطي لتنظيم حق التظاهر يحمي المتظاهرين من الاعتداءات ويغل يد السلطات من التدخل في تنظيم هذا الحق.
• ضرورة قيام سلطات الدولة بدورها لاسيما في حماية الحق في الحياة وتأمين المتظاهرين من أي اعتداء، والكف عن التعدي على المستشفيات الميدانية والأطباء الذين يقدمون الإسعافات للمصابين.
• ضرورة أن يقوم النائب العام بفتح التحقيقات في مقتل العشرات من المواطنين طوال فترة الاعتصام وفي تقاعس قوات الأمن عن حمايتهم.
• تأمين عمل وسائل الصحافة والإعلام والتوقف عن أعمال التعدي و القبض عليهم ومصادرة أدوات عملهم، حيث أن مثل تلك الاعتداءات -لاسيما على وسائل الإعلام الخاص- يدل على أن السلطات ترغب في إخفاء حقيقة ما يحدث وأن يكون الإعلام المملوك للدولة هو الجهة الوحيدة الناقلة للأحداث.
الموقعون على البيان:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
- مركز هشام مبارك للقانون.
- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء.
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية.
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
- مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين.
- مركز الأرض لحقوق الإنسان.
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.
- مصريون ضد التمييز الديني
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي.
- نظرة للدراسات النسوية.