السياسات العامة وجائحة كورونا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - يارا طرابلسي

ورقة بحثية

11 ديسمبر 2022

 

مقدمة

أدَّت جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى آثار كارثية في معظم أنحاء العالم. وسعت الدول جاهدة لاحتواء هذه الأزمة في مجال الصحة العامة والتعامل مع ما خلَّفته من آثار على الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، نُشرت أبحاث تهدف إلى توثيق آثار الجائحة الأقل وضوحا على العديد من الفئات المختلفة، وتحليل تلك الآثار. وأشارت الناشطات النسويات في أنحاء العالم إلى المحنة التي تمر بها الفئات السكانية المهمَّشة بالفعل في مواجهة أزمة جائحة كوفيد-19، وانتقدن تقاعس الحكومات عن اتخاذ الإجراءات اللازمة على هذه الجبهات، واقترحن سياسات بديلة. وقد أخفقت الحكومات في معالجة العديد من الصعوبات وأوجه الضعف المحددة الناجمة عن جائحة كوفيد-19 في المجالات الطبية والاقتصادية والاجتماعية، حتى عندما اتَّخذت عددا من الإجراءات الشاملة لدعم القطاع الصحي والاقتصاد. ومن ثمَّ، شهدنا تجمُّع العديد من الجهات الفاعلة حول هذه الثغرات، ومنها ثغرة شديدة الأهمية تتعلق بالنساء.

فقد وضعت السلطة الأبوية النساء في موقف ضعيف بالفعل قبل هذه الجائحة العالمية، غير أنَّ التداعيات الناتجة عن التدابير الطارئة التي اتَّخذتها الحكومات، مثل تكثيف حجم الخدمات الأساسية والرعاية الصحية، والإغلاق، والتباطؤ الاقتصادي، وكذلك التدابير الصحية، كان لها آثار سلبية بوجه خاص على النساء. وقد تبيَّن أن النساء حساسات بوجه خاص للتغيرات الضخمة في السياسات المطبقة وفترات الانكماش الاقتصادي، كما أثبتت جائحة كوفيد-19 أنها ليست استثناء من تلك القاعدة (Holmes et al. 2020 وMatthewman and Huppatz 2020). ولهذا السبب، حاولت المنظمات الدولية وبعض الدول تصميم ما اتخذته من تدابير على نحو يراعي الفروق بين الجنسين، ومن ثمَّ، صياغة سياسات تدعم النساء وفقا لاحتياجاتهن الخاصة. وقد تباينت النهوج والأساليب المتَّبعة بهذا الشأن، وكذلك فعالية التدابير المتَّخذة، وتباين كذلك مستوى انخراط هذه الجهات الفاعلة مع الجهات الأخرى التي سلَّطت الضوء على الحاجة إلى مثل هذه التدخلات.

وأشار محللون إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمكنت في البداية من السيطرة على معدل انتشار العدوى بصورة جيدة. غير أن هناك مراقبين يرون أن من المرجَّح أن تعاني المنطقة من تداعيات اقتصادية كبيرة من شأنها أن تدفع نسبة كبيرة من سكانها إلى الوقوع في براثن الفقر (OECD 2020 وWong 2020). وتشير الآراء إلى أن حزَم التحفيز الاقتصادي وشبكات الأمان الاجتماعي التي توفرها حكومات الشرق الأوسط غير كافية لاستيعاب الصدمة الناتجة عن أزمة جائحة كوفيد-19 على سكان هذه الدول. وبالإضافة إلى ذلك، لم تؤخذ المسائل المتعلقة بالنوع الاجتماعي بعين الاعتبار في التدابير المتخذة لوضع خطط التصدي للجائحة سوى في عدد قليل من الدول. ومن ثمَّ، ونظرا للوضع السيء أصلا الذي تعيشه النساء في المنطقة، بالإضافة إلى تقاعس الحكومات، ستفقد النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير مما كن يتمتعن به في وضع اجتماعي هش بالفعل.

وفي تونس ولبنان،  كانت جائحة كوفيد-19 بمثابة عبء إضافي في بيئة متقلبة وغير مستقرة بالفعل، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة تماما. فمن ناحية، مرَّت تونس لتوها بانتخابات شهدت حالة من النزاع الشديد، وتعيش في مناخ سياسي متقلب وغير مضمون. ومن الناحية الأخرى، يشهد لبنان انتفاضات شعبية عارمة وانهيارا اقتصاديا وماليا مدمرا. وبينما سارعت الدولتان إلى اتخاذ التدابير الملائمة لكبح جماح الأزمة الصحية الوشيكة، تعرَّضتا لانتقادات شديدة من جماعات المجتمع المدني والمنظمات النسوية بسبب تقاعسهما عن تقديم الدعم اللازم للنساء. غير أن تفاعل كل دولة منهما مع هذه الجماعات كان مختلفا، وهو ما يُعزى إلى اختلاف شكل العلاقات بين المنظمات النسائية والحكومة في كل دولة قبل الجائحة، وهي علاقات تكوَّنت نتيجة عمليات تاريخية وسياسية أخذت فترة طويلة من الزمن.

وسوف ينظر هذا التقرير في التدابير السياساتية المختلفة التي اتَّخذتها الدولة في كل من تونس ولبنان استجابة لجائحة كوفيد-19 وتوابعها فيما يتعلق بالاحتياجات الخاصة بالنساء ومواطن ضعفهن. كما سيحلل التقرير الدور الذي لعبته المنظمات والحركات النسوية في هذه العملية، وسيقيِّمه بناء على أوضاع هذه الجماعات في بلد كل منها قبل الجائحة، والنُهُج التي تتَّبعها هذه الجماعات وأيديولوجياتها وأنشطتها.

النهج المفاهيمي

يلتزم هذا التقرير باتباع نهج نسوي إزاء عمليات الحشد والحوكمة. وفي لحظة حرجة مثل تلك التي يمر بها العالم حاليا، من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه النساء في العمليات الاقتصادية اليومية على الصعيد العالمي، بالنظر إلى ما تقوم به النساء من أعمال حساسة داخل المنزل وخارجه على السواء، وترد أدناه مناقشة لآثار ذلك. ونحن نفهم أن هذه المساهمة الكبيرة من النساء في اقتصادات بلادهن كثيرا ما تحجبها المظالم التي تصاحب عمل النساء، بدءا من سوء المعاملة إلى التقليل من قيمة عملهن وتجاهله، وهو ما يجعل هذا العمل وكأنه "لا عمل"، سواء كان مدفوع الأجر أم لا. ومن الأمثلة على ذلك أعمال الرعاية المنزلية، التي كثيرا من تُقلل قيمتها ويُنظر إليها على أنها واجب طبيعي على النساء، دون الاعتراف بها كشكل من أشكال العمل.

وبوجه عام، تتألف أعمال الرعاية من الأنشطة التي تنطوي على توفير الرعاية والإعالة للأشخاص والأشياء على حد سواء، ضمن "المجال المنزلي" في أغلب الأحيان. ويُنظر إلى أعمال الرعاية على أنها من واجبات النساء، وفقا لتقسيم العمل التقليدي والأبوي الذي يحصر النساء في المجال الخاص ويفسح للرجال المجال العام. ويرى المؤمنون بهذا التقسيم أن على النساء أن يعتنين بالشؤون المنزلية دون أجر، وأن يتولين تربية الأطفال وتلبية احتياجات المنزل والطهي. أما الرجال، فيعملون خارج المنزل مقابل أجر، ويتولون الإنفاق على المنزل. وتعمل السلطة الأبوية على إخفاء عمل النساء، ومن ثمَّ، هي مسؤولة عما تواجهه أعمال الرعاية من إهمال وتقليل لقيمتها، وتسهم كذلك في هشاشة وضع عمل النساء في القطاع غير الرسمي، أكبر صاحب عمل تعمل لديه النساء في جميع أنحاء العالم (Bonnet, Vanek and Chen 2019).

وفي كثير من الأحيان، يكون العمل في القطاع الرسمي غير مضمون، ويفضي إلى حالات استغلال وعنف، سواء تمثَّل ذلك في سرقة الأجور أو المضايقات. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال القطاع الرسمي غير مفهوم بصورة جيدة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نظرا لصعوبة جمع البيانات عنه. ومع ذلك، بالنظر إلى أن عددا كبيرا من النساء يعملن في هذا القطاع، يؤدي تجاهله في الإحصاءات الرسمية إلى إخفاء الظروف الحقيقية التي تعمل فيها النساء، ونتيجة لذلك، تصبح احتياجات النساء ومطالبهن في هذا القطاع غير مرئية. وللأسف، تتجلى هذه الأيديولوجيات الأبوية في عمليات إنتاج المعارف عن النظم الاقتصادية في أنحاء العالم، حيث لا يتم تناول أوضاع النساء، ولا تُقاس إسهاماتهن سوى بناء على معدلات مشاركتهن الرسمية في القوة العاملة، وهو ما يؤدي إلى ندرة البيانات المجموعة والمصنفة حسب النوع الاجتماعي عن الوظائف والقوة العاملة وأعمال الرعاية وما إلى ذلك. ومع ذلك، لا ينبغي أن يؤدي التركيز على النساء إلى إخفاء الديناميكيات المتعلقة بالعوامل الاجتماعية المحدِّدة للهوية والوضع مثل الطبقة الاجتماعية والأصل العِرقي والميل الجنسي والهوية الجندرية والجنسية وغير ذلك. ومن ثمَّ، ووفقا للخصائص المذكورة أعلاه، قد تجد بعض النساء أنفسهن في أوضاع أكثر هشاشة، وخصوصا في سياق هذه الجائحة. وخلاصة القول إن هذا التقرير يعطي الأولوية لجميع أشكال عمل النساء، باعتباره موضوعا يحتاج إلى عملية تضمين وتقييم وتمثيل، والتقرير ملتزم جدا بتحقيق هذه الغاية.

وأثناء هذه الجائحة، نُشر عدد كبير من المؤلفات التي تسلط الضوء على هشاشة أوضاع النساء إزاء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأزمة جائحة كوفيد-19 (Bolis et al. 2020، وDe Paz 2020، وDel Boca et al. 2020، وHolmes et al. 2020، وHidrobo et al. 2020، وHupkau and Petrongolo 2020). وكثيرا ما تكون منظمات دولية مثل البنك الدولي أو منظمة ’أوكسفام‘ (Oxfam) هي من يجري هذه الأبحاث والدراسات أو يكلف بإجرائها. وفي حين بدأت هذه المنظمات بالفعل في إدماج عناصر النهج المبيَّن أعلاه - مثل الاعتراف بالعبء الذي تمثله أعمال الرعاية المتجاهَلة على النساء، وتمثيلهن المفرط في القطاع غير الرسمي -، فإنها لم تعترف بعد بما بذلته النساء من جهود للحشد والتنظيم والدور الذي لعبنه من أجل المطالبة بالعمل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين واتخاذ التدابير المتعلقة بالنوع الاجتماعي، بصرف النظر عن عدد من المبادرات الخيرية هنا أو هناك. ويتماشى ذلك مع ما شهدته الحركات النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تجاهل تاريخي، في الوقت الذي تسود فيه النظرة المستشرقة التي ترى النساء في المنطقة باعتبارهن كائنات سلبية تُستهدف بالإيذاء. ويتجنب التقرير استخدام هذه الصور النمطية عن النساء من خلال اعترافه بإرادتهن، والتشديد على أنهن لا يتحملن هذه الظروف بسلبية، بل يعملن باعتبارهن عناصر فاعلة من أجل حشد الموارد والمطالبة بحقوقهن. وعلى الرغم من أنهن يواجهن بعض التحديات في هذا السياق، لا تزال نساء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قادرات على إيجاد طرق مبتكرة للالتفاف حول هذه العوائق والتغلب عليها. ولهذا الغرض، يعترف التقرير بالجهود التي بذلتها نساء المنطقة على مر التاريخ من أجل كسب حقوقهن وكرامتهن، وكذلك بكفاحهن الطويل وإسهاماتهن الضخمة من أجل تحقيق ذلك. وينظر التقرير إلى هذه الجهود بمنظور نقدي يتفهَّم الانقسامات الداخلية التي تشهدها هذه الحركات والنقاشات الجارية داخلها، وكذلك الفصائل المختلفة التي تناضل من أجل تمكين النساء. ومن ثمَّ، لا يُشار إلى "الحركة النسوية" هنا على أنها كتلة متماسكة ومتجانسة، بل كمجموعة متنوعة من المنظمات والهياكل والنُهُج والأنشطة والأيديولوجيات، تربط بينها علاقات مختلفة ومعقدة.

ويستند هذا التقرير إلى أبحاث مكتبية ومراجعة للمؤلفات في هذا المجال، وتكمله مقابلات شخصية مع عدد من النسويات اللاتي يدرسن هذا الموضوع على المستوى المحلي. وقد أُجريت الأبحاث عن موضوع جائحة كوفيد-19 وآثاره المتعلقة بالنوع الاجتماعي في أنحاء العالم، وكذلك توابعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى وجه الخصوص، في تونس ولبنان. وقد أُجريت مراجعة للتدابير المحددة المتخذة في البلدين بهدف التصدي للجائحة وآثارها الاقتصادية، والاعتبارات المتعلقة بالنوع الاجتماعي التي أخذتها (أو لم تأخذها) هذه التدابير في الاعتبار. وبالإضافة إلى ذلك، أُجريت مراجعة تاريخية لتاريخ الحركات النسائية والنسوية في هذين البلدين، وكذلك المشهد الحالي لجهود الحشد النسائي ، بما في ذلك التدابير التي اتخذتها هذه الحركات في مواجهة الجائحة، ومستوى تفاعلها مع الدولة من أجل تحقيق ذلك.

النساء في ظروف الجائحة

          تؤدي الأزمات العالمية مثل أزمة جائحة كوفيد-19 إلى مجموعة من الآثار الضخمة خارج المجال الصحي، منها آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية. وتشير خبيرات المسائل المتعلقة بالنوع الاجتماعي والناشطات النسويات دون تردد إلى أن هذه الآثار تكون أقوى وأكثر حدة عندما يتعلق الأمر بالنساء. واستنادا إلى كل من الدروس المستفادة من جائحات سابقة مثل الإيبولا وفيروس نقص المناعة البشرية، وكذلك الملاحظات الأولية المستمدة من جائحة كوفيد-19، تمكنت الناشطات النسويات من تحديد الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي لهذه الأزمة الجديدة التي تواجهها الصحة العامة. وترِد أدناه محاولة لتوضيح مستوى تعقيد تداعيات الجائحة وآثارها على النساء، مع إيلاء اهتمام خاص لتلك السمات ذات الصلة باقتصادات الجنوب العالمي ومجتمعاته.

التوظيف والفقر

          أدت عولمة سلاسل الإمداد إلى انتقال المصانع وعمليات الإنتاج الزراعي إلى الجنوب العالمي، حيث أصبحت النساء هنَّ العاملات المثاليات فيها. وأتى هذا التحول نحو "بروليتارية النساء"، وهي العبارة المستخدمة في وصف هذا التركيز المتزايد للنساء في الوظائف المنخفضة الأجر في البلدان النامية، مقترنا بخطاب يزعم أن هذا التركيز أمر طبيعي. ويُعزى ذلك إلى أن الأيديولوجيات المتعلقة بالنوع الاجتماعي تصور النساء على أنهن فئة سهلة القياد وخاضعة، وذلك يجعلهن أكثر ملاءمة للعمل في خطوط التجميع في المصانع، وكذلك في الحقول. ونظرا لأن عمل النساء يُعتبر مكملا لعمل أزواجهن من الناحية المالية، يتقاضين أجورا أدنى، وهو ما يجعل تكلفة تشغيلهن أقل من وجهة نظر أصحاب العمل (Collins 1990, Mills 2003). وتتزايد هذه الاتجاهات نحو إفقار النساء وحرمانهن من الأمان الوظيفية، وبالنظر إلى أنهنَّ يتركزن في القطاعين الصناعي والزراعي، وهما قطاعان يشهدان تقلبات كبيرة في الوقت الراهن، وتزداد فيهما الخطورة التي تشكلها البطالة. وبالإضافة إلى ذلك، لا تُتاح فرص العمل عن بُعد سوى للأسر المعيشية الأكثر ثراء، ويندر أن تتاح فرص من هذا القبيل في الصناعات التي تتركز فيها النساء (باستثناء مجال التعليم، على الرغم من صعوبة توفرها حتى في هذا المجال)، وهو ما يزيد من مخاطر أن تفقد النساء وظائفهن، أو بدلا من ذلك، أن يتعرضن لخطر العدوى بسبب استمرارهن في العمل خلال فترات الإغلاق. وعلاوة على ذلك، تتركز النساء في المهن المتسمة بمعدل عال من مخالطة الآخرين (على العكس من المهن في مجال الإنشاء أو الموارد الطبيعية، وهي صناعات يسيطر عليها الرجال ويقل فيها معدل مخالطة الآخرين) (Pangborn and Rea 2020). غير أن بروليتارية النساء أتت مصحوبة أيضا بتزايد الطابع غير الرسمي الذي يتسم به عملهن. فقد أدى انكماش القطاع العام في أنحاء العالم في نفس الفترة تقريبا، وهو ما يُعزى إلى حد كبير إلى سياسات التكيف الهيكلي والسياسات الليبرالية الجديدة، إلى إخراج العديد من النساء من هذا القطاع الأكثر أمانا واستقرارا إلى القطاع غير الرسمي.

وكما ذكرنا فيما سبق، تمثل النساء أيضا جزءا كبيرا من القوة العاملة في القطاع غير الرسمي، وخصوصا في القطاعات الزراعية. وفي المعتاد، لا تشمل الإحصاءات هذا النوع من العمل وأشكاله، ولا تؤخذ بعين الاعتبار في سياق تصميم السياسات. ونتيجة لذلك، تظل ظروف النساء ومطالبهن في الاقتصاد الرسمي غير مرئية. وفي الاقتصاد الرسمي، تتقاضى النساء أجورا أقل من نظرائهن الرجال عن نفس العمل، ويُعزى ذلك إلى تفشي الأفكار الأبوية التي تعتبرهن "مُعيلات ثانويات"، ولكن في سياق الاقتصاد غير الرسمي، تكون هذه الفجوات في الأجور أكبر بسبب غياب التنظيم والمساءلة. ومن الواضح أن هشاشة العمل في القطاع غير الرسمي آخذة في التزايد، حيث يمكن أن يُطلب إلى العاملين في هذا القطاع، دون التمتع بأي حقوق أو حماية رسمية، أن يعملوا في ظروف خطيرة وأن يتحدوا سياسات الإغلاق، كما قد يُجبرون على العمل لساعات طويلة، في الوقت الذي تُسرق فيه أجورهم بزعم أن أصحاب الأعمال يواجهون مصاعب مالية في ظل حالة الانكماش الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يكون من حق العاملين في القطاع غير الرسمي الحصول على التعويضات أو المساعدات الاجتماعية الرسمية في حالة فقدان الدخل أو الوظيفة، بالنظر إلى كونهم غير مسجلين لدى الدولة بصفتهم جزءا من القوة العاملة. وفي حالة الفئات الأكثر ضعفا على وجه الخصوص، مثل الأسر المعيشية التي ترأسها نساء والنساء كبيرات السن، وهي فئات من المرجح أن تكون فقيرة بالفعل، قد تكون هذه المساعدات المقدمة في حالات الطوارئ ذات أهمية حاسمة في أوقات كهذه.

العاملون الأساسيون

          على الرغم من أن إجراءات الإغلاق اكتسبت شعبية بين الحكومات كأحد التدابير لمواجهة جائحة كوفيد-19، لا يزال على عدد كبير من السكان المندرجين في فئة "العاملون الأساسيون" أن يمارسوا أعمالهم دون توقف، نظرا لأنهم يعملون في مهن لا غنى عنها في هذا الوقت. وتشمل هذه الوظائف، كما هو متوقع، وظائف القطاع الصحي، وكذلك وظائف قطاع الزراعة وبعض الخدمات وقطاع النقل وما إلى ذلك. وتشكل النساء نسبة كبيرة من هؤلاء العاملين الأساسيين. وفي المقام الأول، تمثل النساء جزءا كبيرا من قطاع الرعاية، حيث يعملن كممرضات وأخصائيات اجتماعيات وعاملات نظافة وما إلى ذلك. ولهذا السبب، قيل إن النساء يحاربن في الخطوط الأمامية في مواجهة هذه الجائحة، بالرغم من أن الأبطال التقليديين الذين تُشيد بهم الحكومات والمواطنون على السواء عادة ما يأخذون شكل الطبيب الذكر بمعطفه الأبيض. ويتجلى هذا التحيز أيضا في أن العاملات الأساسيات يحصلن على قدر من الملابس الوقائية ومعدات الحماية أقل بكثير مما يحصل عليه نظراؤهن من الذكور، على الرغم من أنهن يمثلن الأغلبية الساحقة في القطاع الصحي (De Paz 2020). ومن ثمَّ، تتعرض النساء لخطر العدوى بكل تداعيته على نحو مضاعف، بما في ذلك التعرض للوصم الاجتماعي والإقصاء.

وبالإضافة إلى هذه العواقب، عادة ما يؤدي كون النساء يشغلن المستويات الدنيا من التسلسل الإداري الهرمي في القطاع الصحي إلى تعريضهن لخطر الاستغلال، بذريعة حالة الطوارئ. ففي جميع أنحاء العالم، أبلغت النساء عن أنهن يعملن ساعات إضافية مقابل أجر ضئيلا أو دون أجر على الإطلاق، ويُطلب منهن أن يقدمن تضحيات إضافية لمكافحة الجائحة لا يطلبها أحد من نظرائهن الذكور. وتتعرض لذلك العاملات غير الرسميات في المراكز الطبية بوجه خاص، حيث يعملن كمساعدات وعاملات نظافة وما إلى ذلك، وهي مهن لا تتيح إمكانية الانضمام إلى أي نظام للحماية الاجتماعية. وتتزايد وتيرة التعاقد مع العاملين من هذه الفئة في أوقات الأزمات، بنفس المبررات، ومن المرجح أن يكون العديد من هؤلاء العاملين الجدد من النساء. ونظرا للمكانة التي تشغلها النساء في هذا القطاع، من الغرابة بمكان أن يوجد هذا التباين الكبير بين التمثيل المفرط للنساء في هذا القطاع وندرة وجودهن في مراكز صُنع القرار. فمن النادر أن نجد نساءً يشغلن مناصب قيادية أو إدارية في القطاع الصحي، أو يشغلن أي مقاعد في المجالس التنفيذية الخاصة بالكيانات العاملة فيه. ويشمل ذلك المناصب العليا في النقابات والاتحادات المهنية، والمناصب الإدارية والتنظيمية في المستشفيات، وكذلك المناصب الحكومية ذات الصلة مثل تولي وزارة الصحة أو رئاسة اللجان وفرق العمل المعنية بمكافحة جائحة كوفيد-19. وهذا يعني أن آراء النساء بشأن التدابير المتخذة والسياسات المطبقة لمواجهة الجائحة وتداعياتها أقل وزنا من آراء نظرائهن الرجال، ومن ثمَّ، أن احتياجاتهن وما يواجهنه من تحديات - إذا ما اعتبرنا أن النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية ملتزمات بالفعل بمراعاة الاعتبارات المتعلقة بالنوع الاجتماعي في وضع السياسات وتنفيذها، وهي مسألة سنتناولها بمزيد من التفصيل أدناه - لا تؤخذ بعين الاعتبار في سياق وضع هذه التدابير.

أعمال الرعاية

          يزداد أيضا عبء أعمال الرعاية الذي تتحمله النساء في أوقات الأزمات. وكما ذكرنا فيما سبق، فإن أعمال الرعاية مسألة تتعلق بالنوع الاجتماعي، حيث يُنظر إليها في كثير من الأحيان على أنها من واجبات النساء، وفقا لتقسيم العمل التقليدي والأبوي الذي يحصر النساء في المجال الخاص ويفسح للرجال المجال العام. ويرى المؤمنون بهذا التقسيم أن على النساء أن يعتنين بالشؤون المنزلية دون أجر، وأن يتولين تربية الأطفال ورعاية كبار السن وتلبية احتياجات المنزل والطهي. أما الرجال، فيعملون خارج المنزل مقابل أجر، ويتولون الإنفاق على المنزل. ولا يزال بعض هذه التصورات قائما، حتى عندما يتحول هذا العمل إلى سلعة محددة، مثل العمل المنزلي المدفوع الأجر والتمريض، وهما مهنتان لا يزال يُنظر إليهما بأغلبية ساحقة على أنهما من أعمال النساء. وفي الحالات التي لا يتوافر فيها سوى عدد محدود من الخدمات الاجتماعية، وتسيطر المعايير المتعلقة بالنوع الاجتماعي على المشهد، يكون عبء أعمال الرعاية الواقع على عاتق النساء أكثر أهمية من أي وقت مضى لعمل الاقتصاد بكفاءة. ففي غياب خدمات مثل المساعدة في رعاية الأطفال وخطط التقاعد الملائمة، من المرجح أن يقع عبء هذه المهام على عاتق النساء، حتى في الحالات التي تدفعهن فيها الضغوط المالية إلى القيام بعمل مدفوع الأجر أيضا. ويعني التقليل من قيمة هذا العمل أنه لا يُعتبر عملا في كثير من الأحيان، ونتيجة لذلك، لا تتقاضى النساء عنه أي أجر، ولا يُعترف به كجهد يتطلب قدرا من الوقت والطاقة، في حين لا يزال يعتبر عملا هاما لا غنى عنه. ومن ثمَّ، يُنظر إلى "عمل النساء" على أنه نشاط أقل لا يعادل أشكالا أخرى من العمل المدفوع الأجر، بل ويُنظر إليه على أنه واجب طبيعي على النساء بوصفه ميلا فطريا أو بيولوجيا لديهن. وكثيرا ما تؤدي لغة هذا الخطاب إلى ظهور أصوات تزعم أنه من الواجب ألا يؤدي النضال من أجل الاعتراف بهذا العمل والتعويض عنه إلى "إفساده".

          ونظرا لأن تدابير الصحة العامة تدعو إلى تطبيق الحجر الصحي والعزل الذاتي، لا يزال من المتوقع من النساء اللاتي يعملن عن بُعد من منازلهن أن يتولين أعمال الرعاية داخل المنزل، بالإضافة إلى رعاية أطفالهن أثناء دروس التعليم المنزلي، أو الاعتناء بالمنزل، أو إعداد الوجبات للمقيمين معهم في المنزل على نحو دائم في ظل هذه الظروف. وقد بدأت الحكومات تميل إلى اعتبار خدمات رعاية الأطفال ودور الحضانة من الأمور غير الأساسية، انطلاقا من رؤية مفادها أن أعمال الرعاية التي تقوم بها النساء تتسم بقدر لا متناهي من المرونة ولا ينتج عنها أي تكاليف، والأمر بالطبع ليس كذلك. وفي ظل هذه الأوضاع وما تنطوي عليه من تطبيق لقواعد التباعد الاجتماعي، تفقد النساء أيضا القدرة على الاعتماد على الشبكات والأنظمة التي عادة ما كانت تقدم لهن الدعم، مثل الجيران والأصدقاء والأقارب. وقد أظهرت الدراسات أنه على الرغم بعض التوقعات الإيجابية بأن الرجال قد يبدؤون في تأدية المزيد من أعمال الرعاية، بسبب زيادة تسليط الضوء على هذا العمل في ظل الظروف الحالية، لم يحدث تحول من هذا القبيل في الأدوار المتعلقة بالنوع الاجتماعي (Alon et al. 2020، وBlundell 2020، وCollins et al. 2020، وDel Boca 2020). وبما أن النساء يُوصفن بأنهن يتمتعن بمقاومة أفضل ضد الفيروس، بسبب تمتعهن بمناعة أفضل، قد يجدن أنفسهن مضطرات إلى تحمل مسؤوليات إضافية مثل تسوق مواد البقالة والأدوية. وفي كثير من الأحيان، تتولى النساء أيضا مسؤولية الأشخاص المصابين بأمراض كبت المناعة وكبار السن، باعتبار أنهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كوفيد-19. ويزداد تعقيد هذا الوضع بسبب بعض أصحاب الأعمال الذين لم تتعرض أعمالهم سوى للحد الأدنى من التعطيل، ويرون أن ظروف الحجر الصحي وأزمة الصحة العامة الحالية "فرصة"، دون مراعاة لمسألة أن توافر أماكن ومرافق العمل أمر ضروري لتمكين الكثيرين من القيام بعملهم بفعالية، وكذلك الضغوط الكبيرة التي تضعها هذه الأزمات على حياة الناس اليومية. ويمكن أن يكون لذلك أيضا تبعات خطيرة على الفتيات اللاتي قد يُجبرن على الانقطاع عن التعليم لكي يتفرغن لأداء واجبات الرعاية، أو بدلا من ذلك، البحث عن عمل لمواجهة الضغوط المالية. وتضرُّ أعباء أعمال الرعاية المتزايدة وغير المعترف لها بفرص العمل، وخصوصا في حالة الفتيات اللاتي يواجهن معدلات بطالة عالية بسبب نقص الطلب عليهن كقوة عاملة، على الأقل في إطار القطاع الرسمي. ومن غير المرجح أن يكون فهم هذه الاضطرابات بصورة كاملة أمرا ممكنا، بالنظر إلى ندرة البيانات عن الوقت المستهلك في أعمال الرعاية نتيجة للأيديولوجيات الأبوية التي تمحو قيمة هذا العمل وتتجاهل أهميته، وهي أيديولوجيات لها الغلبة حتى في سياق تصميم الأبحاث.

العنف القائم على النوع الاجتماعي والصحة

          من المرجح أن تؤدي إجراءات الإغلاق إلى تفاقم أوضاع النساء اللاتي يتعرضن للإيذاء الأسري، نظرا لأنهن مجبرات على البقاء داخل المنازل مع من يعتدون عليهن. ومن المرجح أيضا أن تزداد حدة الصعوبات والضغوط المالية إلى حد كبير نظرا لحالة الانكماش الاقتصادي الناجمة عن توقف العمل أو تباطؤه في العديد من الصناعات والقطاعات. ومن ثمَّ، ستشعر النساء بآثار هذه المتاعب العاطفية، بالنظر إلى المعايير الأبوية التي لا تتيح للرجال مجالا للتنفيس عن إحباطهم بطرق صحية، وبدلا من ذلك، تتغاضى عن العنف الممارَس ضد النساء باعتباره متنفسا طبيعيا لغضب الذكور. وفي ظل هذه الظروف، تتزايد صعوبة الوصول إلى الموارد وشبكات الدعم، بالنظر إلى أن الحصول على دعم الأسرة والأصدقاء قد يكون مستحيلا بسبب قواعد التباعد الاجتماعي، في الوقت الذي تكون فيه الملاجئ والخطوط الهاتفية المخصصة لمساعدة ضحايا العنف متوقفة عن العمل أو تعمل بطاقة منخفضة لأن الحكومات أعلنت أنها خدمات "غير أساسية". ونتيجة لذلك، وبالرغم من أن حالات العنف ضد النساء شهدت زيادة منذ بدء جائحة كوفيد-19، انخفض عدد التقارير بشأنها، وخفتت الأصوات المنددة بها (Gausman and Langer 2020، وBettinger-Lopez and Bro 2020). وتجدر الإشارة إلى أن الوجود مع مرتكبي الإيذاء في نفس المكان بصفة مستمرة يشكل عائقا آخر يحول دون الإبلاغ عن حالات الإيذاء ومرتكبيها أو تقديم شكاوى رسمية ضدهم، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من العنف ضد النساء في ظل غياب الملاجئ أو أنظمة الدعم.

          غير أن تقديم الدعم لضحايا الإيذاء والعنف ليس الخدمة الوحيدة المعرضة لخطر التوقف أثناء جائحة كوفيد-19 والإغلاق. ففي حين أصبح نطاق العديد من الخدمات الصحية محدودا، بزعم أنها غير ضرورية في هذه الظروف، أُعطيت الخدمات الصحية المقدمة للنساء، وخصوصا خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، أولوية دنيا. ونظرا للمواقف الأبوية التي تخفق في الاعتراف بما يكتسيه تقديم هذه الخدمات من أهمية لصحة النساء ورفاههن، انقطعت في الوقت الراهن الموارد المخصصة لخدمات مثل تقديم الرعاية في حالات الولادة وتوفير الفوط الصحية ووسائل منع الحمل. وأبلغت نساء في جميع أنحاء العالم عن الصعوبات التي يواجهنها في الوصول إلى هذه الخدمات، وهو ما يعرضهن لخطر العديد من الأمراض والمشاكل الصحية الناتجة عن الظروف القائمة.

التعبير عن الشواغل المتعلقة بالنوع الاجتماعي

          في جميع أنحاء العالم، أثبتت الدول عدم استعدادها لمراعاة الشواغل المتعلقة بالفوارق بين الجنسين في تدابيرها الرامية إلى التصدي لجائحة فيروس كوفيد-19، على الرغم من التحديات العديدة المبينة أعلاه، التي تواجهها النساء بوجه خاص. ولذلك من المهم أن نوجه اهتمامنا إلى أولئك الذين يبذلون جهود الحشد من أجل ضمان الاهتمام بقضاياهم ومناقشتها، ومنهم بالخصوص الجماعات النسوية والمنظمات غير الحكومية. وفي حين حظي موضوع التحديات التي تواجهها النساء في ظروف الجائحة باهتمام مؤسسات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة ’أوكسفام‘ وهيئة الأمم المتحدة للنساء وغيرها، لم تسلط هذه المؤسسات الضوء بصورة كافية على دور الجماعات النسائية المحلية في الضغط على الحكومات وكذلك اتخاذ ما يلزم لتقديم هذه الخدمات بنفسها في ظل عدم وجود سياسات حكومية بهذا الشأن. ومن هذا المنطلق، سوف ينظر هذا القسم في أنواع الأيديولوجيات والأنشطة التي تسترشد بها هذه الجهود التي تقودها مؤسسات المجتمع المدني، وكيف يمكن أن تتأثَّر كل من قدرة منظمة ما على الوصول وفعالية عملها بعلاقتها مع الدولة. وسيأخذ هذا القسم أيضا بعين الاعتبار مشهد جهود الحشد النسائي في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، مع ملاحظة الاختلافات في كل من تاريخ الجماعات النسائية المختلفة العاملة في المنطقة من ناحية، وهياكل هذه الجماعات من الناحية الأخرى.

          وفي المؤلفات العديدة المتعلقة بأوضاع النساء في الشرق الأوسط، تتمثل إحدى الهفوات الأكثر إثارة للحيرة في إغفال الجهود الدؤوبة والشجاعة التي تبذلها الحركات النسوية المختلفة العاملة في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، حظيت المنظمات والأنشطة النسائية ببعض الاهتمام في سياق الانتفاضات العربية الأخيرة، غير أن مشاركة النساء في الحركات الاجتماعية تسبق أحداث عام 2010 بفترة طويلة. فالنساء يشاركن بنشاط في الفعاليات المختلفة المطالِبة بالحقوق والعدالة منذ القرن التاسع عشر على الأقل، في إطار المناقشات الجماهيرية حول الاستقلال والقومية. ومنذ ذلك الحين، شاركت النساء وتنظيماتهن السياسية في طائفة متنوعة من جهود الحشد المعروفة تاريخيا، مثل الإضرابات العمالية والثورات المناهضة للاستبداد في جميع أنحاء المنطقة. ولذلك السبب، من الخطأ الفادح أن يخفق أي عمل يزعم أنه يهدف إلى تحسين أوضاع النساء في الاعتراف بجهود الحركات النسوية ودورها في تعزيز حقوق النساء في بلدانها (Al-Ali 2012; 2013). ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون الهدف من الجهود الرامية إلى تحسين أوضاع النساء في سوق العمل هو دعم الحركات النسوية في إعرابها عن مطالب النساء وطموحاتهن والتحديات التي يواجهنها في حياتهن اليومية.

          ومع ذلك، من المهم أيضا ألا نضع جميع أشكال النشاط النسائي المختلفة في سلة واحدة، وذلك لأن الحركات النسوية تُظهر تنوعا ملحوظا في منطقة الشرق الأوسط، تماما كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، ولها نُهُج وأنشطة وأيديولوجيات متعددة. ويعني هذا أيضا أنها تواجه مصاعب محددة وفقا لمجال عملها. وبوجه عام، تحشد معظم الحركات النسوية جهودها حول المواضيع المتعلقة بالتنمية، مثل التعليم والعمل وقوانين الأسرة والمشاركة السياسية، في حين يتناول بعضها المواضيع المتعلقة بالعدالة الاقتصادية على وجه التحديد. وفي وقت قريب نسبيا، ظهرت أيضا مواضيع أخرى مثل العنف ضد النساء والحقوق الإنجابية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحركات النشطة نادرا ما تقصر عملها على موضوع واحد، وبدلا من ذلك، تحشد جهودها حول مجموعة متنوعة من المواضيع المترابطة في إطار المطالبة بإعمال حقوق النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين. ولكن كما ذكرنا أعلاه، تتباين النُهج والمنظورات الأيديولوجية، بالنظر إلى أن هناك مواقف تتراوح بين الجماعات النسوية الإسلامية التي تشدد على أن المساواة بين الجنسين مستمدة من النصوص الإسلامية المقدسة، والمنظمات الليبرالية التي تنادي بتطبيق نظام السوق والتدخلات القائمة على الحقوق، والحركات الماركسية والشيوعية التي ينصب تركيزها على الفوارق الطبقية والمسائل المتعلقة بالنوع الاجتماعي والرأسمالية. وتتراوح أنشطة هذه الجماعات والمنظمات من حشد التأييد إلى الأعمال الخيرية، بما في ذلك تنفيذ أنشطة توفير الملاجئ وتقديم المساعدات (Joseph 1996; Al-Ali 2013). وقد سمحت هذه التعددية للحركات النسوية، كما سيظهر لاحقا في التقرير، بمعالجة الآثار المتعلقة بالنوع الاجتماعي لجائحة كوفيد-19 وغير ذلك من الأزمات بطرق متنوعة.

          وتواجه الحركات النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات متنوعة تتعلق على وجه الخصوص بالتطورات التاريخية والسياسية في المنطقة. وبوجه عام، يُقابل عمل هذه المنظمات بالتشكيك من جانب مختلف الجهات الفاعلة السياسية والجماهيرية. ويُعزى ذلك إلى العديد من العوامل؛ أولا، دعمت الأنظمة القومية الحاكمة التي وصلت إلى سُدة الحكم في العالم العربي في منتصف القرن العشرين العديد من المنظمات النسائية في إطار رؤيتها لتحديث بلدانها. وعلى هذا النحو، أصبح وجود بعض هذه المنظمات النسوية، أو الاهتمام بالمسائل المتعلقة بحقوق النساء، مرتبطا في أذهان الكثيرين بهذه الحكومات التي ثارت عليها شعوبها. وبالإضافة إلى ذلك، استغل ما خلَفها من أنظمة استبدادية وتحررية على السواء المنظمات الخيرية النسائية من أجل زيادة تعزيز سلطتها وتقديم واجهة أكثر ودية للعالم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه يندر أن تكون الجماعات المطالِبة بإعمال حقوق النساء على علاقة جيدة بحكومات بلدانها؛ بل على العكس من ذلك، تخضع بعض الناشطات ومنظماتهن لرقابة شديدة، وتسعى الدولة إلى تهميشهن عندما يعملن في إطار اللوائح التنظيمية الرسمية وباعتراف من الدولة، مما يجبرهن على محاولة الالتفاف على هذه المراقبة الرسمية من خلال تسجيل أنفسهن كمنظمات أو مراكز خيرية، أو بدلا من ذلك، العمل سرا.

ويجسد تلك التطورات تصاعد موقف الحركات الإسلامية المعادي لهذه النسوية المدعومة من الدولة ، حيث تواجَه بالرفض باعتبارها "غير أصيلة" و"مفروضة من الغرب"، وتُتَّهم كذلك بأنها تسعى للحلول محل القيَم الإسلامية والثقافية الصحيحة. وقد ظهرت هذه الحركات السياسية، التي أثبتت مهارتها في التنظيم والتعبئة والاستحواذ على السلطة السياسية، في سياق حالة عامة من خيبة الأمل إزاء ما أفضى إليه عمل أنظمة الحكم التحررية السابقة من فقر وبطالة واستغلال. وقد سطع نجم هذه الحركات نتيجة لقدرتها على توفير بديل سليم ومتماسك لما اعتبرته تدهورا حضاريا تسبب فيه الابتعاد عن "نظام أخلاقي أصيل" محدد (Dahlgren 2007 وMoghadam 1993). وتتبوأ النساء موقعا مركزيا من هذا الخطاب الذي ينظر إليهن من منظور "الأصالة الثقافية"، ويرى أن عليهن الاضطلاع بأدوارهن المحددة في إطار التقسيم الأبوي للعمل، أي أن يعملن في تقديم الرعاية دون إمكانية الوصول إلى المجال العام. وعلى الرغم من أن العديد من النسويات المسلمات يناقشن تفسير هذه الحركات لدور النساء في المنظور الإسلامي، لا تزال الجماعات النسائية مضطرة للتعامل مع هذه الاتهامات بعدم الأصالة، وأن تعاني من القيود المفروضة على أنشطتها، وتقويض ما تحرزه من تقدم في البلدان التي نجحت فيها الجماعات المحافظة في أن تكون جزءا من الحكومة. وعلى هذا النحو، تعرَّضت الجهود الرامية إلى النهوض بحقوق النساء لبعض الانتكاسات، منها مثلا فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، والاعتداءات البدنية والجسدية، وغير ذلك، وهو ما أدى إلى تعقيدات تعوق التقدم النسوي وخصوصا في أوقات الأزمات. وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أنه من المتوقع من النساء في ظل هذه الأيديولوجيات أن يعملن كمقدمات رعاية وربات منزل، تفتقر النساء اللاتي يعملن خارج المنزل، سواء بدافع الحاجة المادية أو أسباب أخرى، إلى الحماية القانونية اللازمة في حالات إساءة المعاملة أو الاستغلال، وهو ما يكتسي مزيدا من الأهمية في سياق أزمات مثل جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19).

          وقد دفعت جائحة كوفيد-19 العديد من هذه المنظمات إلى بذل جهود عاجلة للتعبئة وتقديم الخدمات بغية دعم النساء في هذه الفترة التي ثبت أنها بالغة الصعوبة. وتباينت الأساليب التي استخدمتها تلك المنظمات في التصدي لما تواجهه النساء من تحديات خلال هذه الأزمة قدر تباين المنظمات المذكورة أعلاه، وتراوحت بين المناصرة السياسية وتوزيع المعونات العينية وخدمات المساعدة الطبية عبر الهاتف، وغير ذلك. وسوف يبحث القسم التالي الديناميات القائمة بين هذه الأنشطة ومواقف المنظمات إزاء المجتمع، وكذلك تدابير التصدي الحكومية لجائحة كوفيد-19، مع التركيز على تونس ولبنان على وجه الخصوص.

تونس

التغيرات الاقتصادية في تونس

          من الضروري في البداية أن نستكشف حالة الاقتصاد السياسي في تونس، والأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم بها النساء بغية التوصل إلى فهم أفضل لوضعهن في تونس، ومن ثمَّ، فهم التحديات التي يواجهنها خلال فترة الجائحة. والاقتصاد في تونس خدمي إلى حد كبير، ولا يزال يضم قطاعا زراعيا وصناعيا كبيرا يمثل نسبة كبيرة من الصادرات، وصناعة سياحة مهمة وإن كانت متقلبة. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال تونس مستوردة صافية للأغذية، وتحتاج إلى جلب الغالبية العظمى من المواد الغذائية الأساسية من خارج البلاد. ويهيمن إنتاج البضائع ذات القيمة المضافة المنخفضة، مثل المنسوجات، على القطاع الصناعي في البلد. كما تنتج تونس كمية صغيرة من النفط يُستخدم أغلبها لتلبية الطلب المحلي. وتمثل تحويلات المواطنين التونسيين في الخارج، وخصوصا من يقيمون في أوروبا الغربية ومنطقة الخليج العربي، جزءا كبيرا من إيرادات البلد (World Bank 2018-2019).

          ونتيجة لأزمات الديون المتكررة التي تعرضت لها تونس خلال النصف الثاني من الفرن العشرين، اضطلعت الحكومة التونسية خلال العقود التالية بتنفيذ خطط تكيف هيكلي متنوعة بقيادة البنك الدولي وعدد من الجهات الشريكة، وهو ما أدى في المقام الأول إلى خصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة في القطاعين الزراعي والصناعي. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تسارعت وتيرة عمليات الخصخصة والتكيف الهيكلي تحت رعاية نظام ’بن علي‘. وكان من بين الإصلاحات الرئيسية الأخرى المنفذة رفع القيود التنظيمية المفروضة على سوق العمل، وسن قوانين تخفض الأجور وتيسر عمليات تعيين العاملين وفصلهم من العمل، وتستهدف مكافآت نهاية الخدمة وضريبة المرتبات. ونتيجة لذلك، ازداد حجم سوق العمل غير الرسمية، ولكن أتت هذه الزيادة مصحوبة بتدهور ظروف العمل. وكان إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية المؤهلة مثالا واضحا على ذلك، حيث تم تخفيف القيود والقواعد المنصوص عليها في قوانين العمل والبيئة، وكذلك السياسات المالية الأخرى، بهدف اجتذاب الشركات الأجنبية. وأدت هذه الإصلاحات إلى تحولات ضخمة في صناعة النسيج والملابس التي تشكل مكوِّنا حاسم الأهمية في الاقتصاد والقوة العاملة في تونس. وواجه هذا القطاع انخفاضات هائلة في الأجور، وتدهورا كبيرا في ظروف العمل، وكذلك في أنماط الملكية. ونظرا لأن الملابس المستوردة الرخيصة أصبحت متاحة بسهولة، وجدت الشركات الوطنية نفسها عاجزة عن المنافسة، واضطرت للخروج من السوق. وبالإضافة إلى ذلك، أدى إنهاء اتفاقية الألياف المتعددة إلى زيادة الضغوط على المنتجين التونسيين، حيث اشتدت حدة المنافسة العالمية مع دخول الصين إلى أسواق الولايات المتحدة وأوروبا. وأدى ذلك إلى فقدان أعداد كبيرة من الوظائف وازدياد معدل البطالة. كما أدى تراجع الإنفاق الحكومي في المجال الاجتماعي، الذي يغطي دعم الخدمات والسلع، جنبا إلى جنب مع الاستعاضة عن الضرائب التصاعدية على الدخل والشركات بضريبة القيمة المضافة، إلى آثار سلبية شديدة على الطبقات الأفقر (Hanieh 2013).

وفي إطار هذا المشروع، احتل الإصلاح الزراعي وضعا مركزيا، حيث تمت خصخصة جزء كبير من الأراضي الصالحة للزراعة التي كانت لا تزال تحت الحيازة المجتمعية أو الجماعية، وهو ما يسَّر تركيز ملكية الأراضي ومركزتها في أيدي عدد قليل من الأسر الغنية والمعروفة. وتربط هذه الأسر بالفعل صلات قوية بالدولة ونظام ’بن علي‘ والمراكز الحضرية، كما نجحت في استغلال وضعها المتميز لاكتناز ثروات طائلة من خلال صناعات الإنشاء والسياحة والنقل. وأفضى هذا الوضع المتميز أيضا إلى تمكين تلك الأسر من اقتناء أحدث تكنولوجيات الري، على حساب صغار المزارعين وملاك الأراضي. ونتيجة لما تقدم، شهدت معدلات انعدام ملكية الأراضي والبطالة ارتفاعا ضخما. كما أدت الصلات المتنامية مع السوق العالمية إلى تضخيم أثر تقلبات أسعار الأغذية عالميا على حياة سكان الريف والمناطق الحضرية الأكثر فقرا في أنحاء البلد. وعلى وجه الخصوص، تأثرت الحياة الريفية تأثرا كبيرا، وهو ما تجلى في مستوى سوء تغذية الأطفال الذي بلغ الثلث في المناطق الريفية، وتراجع إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي (المرجع نفسه). كما ازدادت الفجوة في معدلات الفقر بين سكان المناطق الريفية والحضرية مع مرور الوقت (World Bank 2020).

          وأفضت هذه التحولات الوطنية أيضا إلى التركيز على زراعة المواد الغذائية بغرض التصدير، ومن ثمَّ، إلى تنامي الأعمال الزراعية بقيادة الأسر الغنية المالكة للأراضي المذكورة أعلاه. وأصبحت المنتجات التي تحتاج إلى عمليات تصنيع ذات قيمة مضافة منخفضة تهيمن على المحاصيل، في حين تركَّز الإنتاج الزراعي في عدد محدود من السلع (زيت الزيتون والتمر من بين منتجات أخرى)، وهو ما يجعل المزارعين معتمدين بشدة على تقلبات سعر محصول واحد. ولم يسهم نمو الصادرات في النهوض بأوضاع المزارعين ومستوى معيشتهم، بل أفضى إلى العكس. فلا يزال معظم المزارعين يعملون في مزارع صغيرة وهامشية تعتمد على الأمطار، ولا يستفيد المزارعون الذين يعملون في زراعة المحاصيل الموجهة للتصدير من الأرباح التي تحققها حفنة صغيرة من الشركات الكبرى التي تمتلك المزارع وتسيطر على الأسواق ودروب التصدير. وبالإضافة إلى ذلك، يعطي هذا النظام الأولوية للأنشطة الزراعية الهادفة للتصدير، على حساب تلبية الطلب المحلي، وهو ما يتبين بوضوح من الكميات الكبيرة من الواردات. كما تركت الشركات الأجنبية، التي غالبا ما تكون أوروبية، بصمتها في مجال الأعمال الزراعية في البلد، مستفيدة في ذلك من عقود الإيجار الطويلة الأجل التي أبرمتها معهم الدولة التونسية للأراضي الصحراوية، وكذلك الشراكات التي أقامتها مع الشركات والمؤسسات المحلية (المرجع نفسه).

          وتتمثل أهمية هذا الاستعراض للتحولات التاريخية السياسة والاقتصادية التي شهدها البلد في توفير خلفية تتيح تسليط الضوء على أن هذه التغيرات اكتست إلى حد كبير طابعا متعلقا بالنوع الاجتماعي: إذ تتألف القوة العاملة في هذه المصانع والحقول إلى حد كبير من النساء، وخصوصا في قطاع العمل غير الرسمي. وتمثل النساء غالبية شاغلي هذه الوظائف، نظرا لكونهن يعتبرن عمالة رخيصة. ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى الأيديولوجيات الأبوية التي تعتبرهن مُعيلات ثانويات يمكن أن يتقاضين أجرا أقل. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تهتم رؤوس الأموال الباحثة عن العمالة الرخيصة بتشغيلهن لإبقاء التكاليف منخفضة. ولهذا السبب تحديدا، أوصى البنك الدولي على وجه الخصوص بأن تستفيد الحكومة التونسية من هذه القاعدة العمالية الكبيرة وغير المستغلة من النساء الريفيات للعمل في صناعة النسيج (المرجع نفسه). وتبعا لذلك، ازداد عدد النساء العاملات في هذا القطاع، وإن كان أغلبهن يعملن بعقود مؤقتة. وبالإضافة إلى ذلك، يفضي اللجوء إلى التدابير التأديبية في المصانع والمزارع إلى مزيد من التطويع والتهميش للقوة العاملة. وتتعرض النساء لطائفة متنوعة من أشكال انعدام الأمن والسلامة، والتحرش الجنسي، والعنف والإيذاء، وممارسات استغلالية أخرى مثل سرقة الأجور والعمل الزائد. وقد وردت تقارير عن مثل هذه الظروف وأكثر بشأن مصانع ومزارع في جميع أنحاء تونس، وطالما سعت النقابات العمالية والجماعات النسوية إلى التصدي لها.

الحركات النسوية في تونس

          بغية التوصل إلى فهم أفضل لردود أفعال الجماعات النسائية على هذه التغيرات الاقتصادية، وكذلك إزاء تزايد الضغوط خلال فترة الجائحة، من المهم أن نستعرض أولا نوع العلاقة التي تربط الحركات النسائية بالدولة. فللمنظمات النسائية تاريخ طويل في تونس، وهو تاريخ مشابه لتاريخها في منطقة الشرق الأوسط الأوسع. وفي بداية الأمر، لم تطالب المنظمات النسائية بالضرورة بأمور مثل العدالة أو المساواة بين الجنسين، وربما لم تكن مهتمة بذلك، بل كانت في الأغلب منظمات دينية تقدم مساعدات مادية وعينية للنساء، أو بخلاف ذلك، توفر لهن التعليم والتثقيف بشأن الأخلاقيات والسلوكيات السليمة المنتظرة من النساء في العصر الحديث. وفي الوقت نفسه، ظهرت العديد من المنظمات الأخرى خلال الفترة الاستعمارية، ركَّزت عملها في المقام الأول على القضية الوطنية والنضال من أجل تحرير النساء في إطار الدولة التونسية الحديثة المتوخاة (Arfaoui 2007).

وشهدت هذه الحركة نقطة تحول تاريخية مع استقلال البلد وما تلاه من سن قانون الأحوال الشخصية لسنة 1956 في ظل نظام ’الحبيب بورقيبة‘، الذي منح النساء العديد من الحقوق التي لا تزال غائبة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، بما في ذلك كفالة إمكانية الوصول إلى خدمات الإجهاض والحق في نقل الجنسية وغيرها. كما شجَّع ’بورقيبة‘ إضفاء الطابع المؤسسي على العديد من الجماعات النسائية الموجودة بالفعل، وخصوصا الجماعات ذات التاريخ الوطني مثل ’الاتحاد الوطني للمرأة التونسية‘، الذي أصبح المؤسسة الرائدة لشؤون النساء في تونس. ومع ذلك، واجهت هذه النسوية المدعومة من الدولة التحديات المذكورة أعلاه: فقد أصبحت مرتبطة بصورة وثيقة مع مصالح الدولة قبل كل شيء. وتعرَّض ’الاتحاد الوطني للمرأة التونسية‘ لانتقادات لهذا السبب تحديدا، وكذلك بسبب عجزه عن الدفاع عن مصالح النساء ومعالجة أوجه القصور في قوانين الأحول الشخصية، مثل قانون المواريث. واستجابة لأوجه القصور المذكورة، سرعان ما ازدادت وتيرة ظهور الجماعات النسوية خلال السبعينات من القرن الماضي، بهدف تعبئة الجهود اللازمة لمعالجة هذه المسائل، وإن كانت اضطرت للعمل سرا. وفي عام 1987، أدى صعود ’زين العابدين بن علي‘ إلى سدة الحكم من خلال انقلاب عسكري إلى زيادة إضفاء الطابع المؤسسي على المنظمات النسوية. وقرَّر الرئيس الجديد أن يتَّبع سياسات سلفه فيما يتعلق بالمسائل النسائية، من خلال اتخاذ تدابير كان منها الاعتراف الرسمي بـ ’الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات‘ و’جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية‘، وهما منظمتان بارزتان تعملان في مجال المناصرة وإجراء البحوث، وتعملان أيضا على نحو مباشر من خلال تقديم الخدمات وتوفير المساعدات الفورية.

وأفضى هذا الاعتراف إلى زيادة تسليط الضوء على عمل المنظمتين وتعزيز قدرتهما على التواصل إلى حد كبير، ولكنَّه جاء على حساب حريتهما في التعبير في ظل نظام حكم متزايد الاستبداد والمركزية، على الرغم من أنهما لم يصبحا من المرادفات لسلطة الدولة كما كان الحال مع ’الاتحاد الوطني للمرأة التونسية‘. كما أنشأ نظام ’بن علي‘ المزيد من المؤسسات داخل الدولة، مثل ’مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة‘، ووزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين. وهذه المؤسسات مسؤولة عن إجراء البحوث المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وكذلك توفير أشكال معينة من المساعدة والخدمات للنساء المحتاجات. وتميزت هذه الفترة أيضا بصعود نجم الحركات والمنظمات الإسلامية التي أعربت عن معارضتها الشديدة للعديد من السياسات والمواقف التي تطالب بها الحركات النسوية، فضلا عن قانون الأحوال الشخصية. واستمر موقف الدولة إزاء هذه الفصائل غامضا، وفي كثير من الأحيان، رضخت الدولة لمطالب هذه الفصائل المحافظة، في تعارض واضح مع مزاعمها بأنها تحمي حقوق النساء (Yacoubi 2016).

كما أدت ثورة عام 2011 والأحداث اللاحقة لها إلى تغيرات في هذا المشهد، وهو ما سمح بظهور العديد من الجهات الفاعلة الجديدة، ولكنَّه أدى أيضا إلى المزيد من التجزؤ والانقسام. وكانت الحركات النسوية والمنظمات النسائية نشطة وقوية في دعمها للثورة، وهو ما مكَّنها من المشاركة في تشكيل المشهد السياسي في فترة ما بعد المرحلة الانتقالية بصورة أكبر (Moghadam 2018). وعلى هذا النحو، بدأت مجموعات جديدة في تنظيم الأنشطة، غير أنها كانت من المنظمات الدينية التي تحصل على الجزء الأكبر من تمويلها من دول الخليج العربي، في إطار مساعي تلك الدول لتقديم المساعدات العينية والخدمات إلى أبناء طائفتها الدينية ، ونشر إيديولوجية تدعم إعادة أسلمة المجال العام. وبالإضافة إلى ذلك، تغيرت الأوضاع بدءا من تسعينات القرن الماضي، وهو تغير لا يزال مستمرا مع ظهور عدد كبير من المنظمات الجديدة خلال العقد المنصرم. كما أصبحت الوكالات الدولية جهات فاعلة وعوامل تغيير أكثر أهمية في مجال المسائل النسائية في جميع أنحاء العالم. وفي تونس، كان هذا يعني أن فرص الحصول على التمويل وإقامة الشراكات أصبحت أكثر توافرا من خلال المنظمات الدولية، مثل منظمة ’أوكسفام‘ وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وغيرها، وهو ما أتاح المجال لإجراء البحوث المتعلقة بالشؤون النسائية وتقديم الخدمات والمساعدات لمن يحتاجونها. غير أن هذه الوكالات عادة ما تعمل بالشراكة مع حكومات الدول، ومن ثمَّ، من النادر أن تنتقد سياساتها أو ما تُدخله من إصلاحات. وعلى العكس من ذلك، تنشئ الجهات المانحة الدولية تسلسلا هرميا جديدا تفرض من خلاله خطط العمل الخاصة بها دون تشاور مع الجهات الفاعلة المحلية. وعادة ما تركز خطط عملها على المسائل الإنمائية مثل التعليم ومشاركة القوى العاملة، دون دراسة المسائل الهيكلية التي قد تحتاج إلى عمليات تحول أوسع نطاقا تتطلب عدسة ناقدة (Mahfoudh and Mahfoudh 2014).

جائحة كوفيد-19 في تونس وتدابير التصدي لها

في هذه البيئة الموصوفة أعلاه، ضربت جائحة كوفيد-19 تونس. وسارعت الحكومة إلى الإعلان عن اتخاذ تدابير صحية عامة جرى اتخاذها لاحقا في أنحاء مختلفة من العالم، مثل تطبيق سياسة الإغلاق الشامل ومتطلبات التباعد الاجتماعي والاضطلاع بحملة توعية صحية واسعة النطاق. غير أن القيود المفروضة بموجب هذه التدابير خُففت منذ ذلك الحين، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الإصابات الجديدة، ودفع الحكومة إلى العودة إلى موقفها السابق. وبصرف النظر عن هذه الجهود الرامية إلى السيطرة على انتشار الفيروس، وهي جهود أشاد بها كثيرون أثناء الشهور الأولى من الجائحة نظرا لنجاحها في تحقيق أهدافها إلى حد كبير، أعلنت الحكومة أيضا عن حزمة تدابير إنقاذ تهدف إلى توفير الحماية الاجتماعية للفئات السكانية الأكثر عُرضة لخطر الخسارة المالية وعدم الاستقرار، وذلك من خلال تقديم أنواع مختلفة من المساعدات. وأخيرا، استهلت الحكومة برنامجا واسع النطاق يهدف إلى التخفيف من أثر الصدمات التي يواجهها الاقتصاد التونسي عن طريق اجتذاب المستثمرين وإعادة تأهيل قطاعات اقتصادية معينة هي الأكثر تضررا من حالة الانكماش الاقتصادي العالمي التي سببتها الجائحة. وسوف يستعرض هذا القسم محتوى التدابير الثلاثة التي اتخذتها الحكومة، ويحلل آثارها المتعلقة بالنوع الاجتماعي. وسوف يُستخدم ذلك أيضا في فهم الدور الذي اضطلعت به المنظمات النسوية استجابة للتدابير الحكومية، وكيف تعاملت هذه المنظمات مع أوجه القوة والضعف القائمة فيما تقدمه هذه البرامج لمعالجة ما تنطوي عليه الجائحة من آثار تتعلق بالنوع الاجتماعي.

وبعد عدة أيام من الإعلان عن أول حالة إصابة في تونس، مُنحت حكومة رئيس الوزراء ’إلياس الفخفاخ‘ صلاحية تسيير أمور الدولة بمقتضى الأوامر التنفيذية. وأطلقت الحكومة حملة اتصالات واسعة النطاق بشأن الجائحة، وعملت في الوقت نفسه من أجل ضمان استمرار تقديم الخدمات العامة. واشتملت التدابير الأولية التي اتخذتها الحكومة على تدابير صحية عامة مثل إغلاق المدارس، وفرض مواعيد إغلاق مبكرة على المقاهي والمطاعم، وإغلاق دور العبادة الجماعية، وحظر السفر من وإلى وجهات معينة، وإخضاع القادمين إلى البلد لحجر صحي لمدة 14 يوما. وانطوت المرحلة الثانية، التي بدأت بعد تسجيل أول حالة وفاة في مدينة المهدية، على حالة إغلاق كامل من خلال فرض حظر التجول ومنع السفر الداخلي. كما فرضت الحكومة العزل الإلزامي على كل من أثبتت الفحوص إصابتهم بفيروس كوفيد-19 (Brésillon and Meddeb 2020، وUNDP and MDICI 2020). وكفلت الحكومة تطبيق هذه القواعد وإنفاذها عن طريق نشر القوات المسلحة في البلد. ومع انخفاض عدد الإصابات الجديدة نتيجة لهذه التدابير المكثفة، أعلنت الحكومة أنها بصدد استهلال عملية تدريجية لتخفيف القيود، وهو ما أفضى لاحقا إلى طفرات جديدة في أعداد الإصابات، وهو ما استمر حتى وقت كتابة هذا التقرير وأدى إلى التعجيل بفرض الإغلاق الثاني.

وقبل هذه الطفرات، كانت تونس محط الإعجاب والإشادة لنجاحها في إدارة الأزمة، واعتُبرت نموذجا يُحتذى به. وأُشيد بتونس مرة أخرى بسبب تدابير الحماية الاجتماعية العديدة التي أعلنت عن اتخاذها بهدف دعم من يفقدون وظائفهم أو أمانهم المالي خلال هذه الفترة. وفي آذار/مارس 2020، أعلنت الحكومة عن أنها تنوي تخصيص مبلغ 250 مليون دينار تونسي للمساعدات الاجتماعية، ومبلغ 300 مليون دينار تونسي لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وحددت التدابير المتخذة وفقا لذلك. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة أنها ستمنح قروضا للأعمال التجارية في مجال السياحة والضيافة، الذي كان الأكثر تضررا من الأزمة. كما اتخذت الحكومة تدابير أخرى لزيادة عدد الأسرَّة المتاحة في وحدات العناية المركزية، في حين قدم البنك المركزي قرضا لوزارة الصحة لتمويل شراء المعدات الطبية، وأنشأ صندوقا لدعم المنشآت الصحية العامة، ووضع خطة لإرجاء سداد القروض. كما تلقت الحكومة موجات من الدعم الدولي من أوروبا وصندوق النقد الدولي وبلدان أخرى (Oxford Business Group 2020).

وأنشأت الدولة أيضا ’اللجنة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا‘ وكذلك هيئة مراقبة تولت مسؤولية توريد المنتجات والمواد الغذائية الأساسية وتوزيع المساعدات الاجتماعية، بالتنسيق مع اللجنة. وتقرر منح إعانات تُدفع مرة واحدة لعدة فئات سكانية محددة، اشتملت على الأسر المعيشية ذات الدخل المنخفض، والأسر المعيشية التي تتألف من المسنين أو ذوي الإعاقة، والأسر المعيشية التي لديها أطفال لا يحظون بالرعاية الوالدية. وتلقت هذه الأسر إعانة في شكل مبلغ مقطوع يُصرف مرة واحدة قدره 68 دولارا أمريكيا. وبالإضافة إلى ذلك، قدمت الحكومة مبلغا مقطوعا يُصرف مرة واحدة قدره 68 دولارا أمريكيا إلى 623 ألف أسرة معيشية تعمل في القطاع غير الرسمي وغير مشمولة بالفعل بأي برامج للمساعدة الاجتماعية، وكذلك إلى الأسر المعيشية التي اعتُبرت أكثر عُرضة للخطر. وعلى هذا النحو، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يتلقون تحويلات اجتماعية في تونس من 9.46% قبل أزمة الجائحة إلى 40% في تموز/يوليه 2020. كما اتخذت الحكومة بعض التدابير المتعلقة بالضمان الاجتماعي، بما في ذلك تقرير حصول المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 على إجازات مرضية مدفوعة الأجر، وتوسيع نطاق تغطية التأمين الصحي ليشمل جميع العاملين. كما زادت الدولة المعاشات التقاعدية وإعانات الإعاقة واستحقاقات الضمان الاجتماعي لمن يفقدون عملهم جزئيا (Gentilini et al. 2020).

وجرى تخصيص جزء من الأموال التي تلقتها تونس من أجل التعامل مع الأزمة لخطة إنقاذ اقتصادي تستهدف القطاعات الأكثر تضررا من الجائحة وما تبعها من إغلاق، وتهدف أيضا إلى محاولة إعادة تأهيل الاقتصاد. وهذه التدابير مهمة لأغراضنا في هذا السياق، بالنظر إلى أن العديد من النساء يعملن في هذه القطاعات الأكثر تضررا من الانكماش العالمي والوطني. وعلى وجه الخصوص، سلط محللون الضوء على ما تعانيه المنشآت الصغيرة والمتوسطة - التي تمثل 97.3% من مجموع المنشآت التونسية - والبالغة الصغر - التي تديرها النساء بأغلبية ساحقة - من ضعف في مواجهة الجائحة، وخصوصا في مجالات مثل الضيافة والمطاعم والنسيج والملابس وما إلى ذلك. وأبرز تقرير مشترك للحكومة التونسية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي زيادة معدل الفقر في البلاد، حيث رتفع من 15.5% إلى 19.7% بين النساء، مقارنة بارتفاعه بين الرجال من 14.8% إلى 18.7% (UNDP 2020). ووفقا لذلك، يتوقع هذا التقرير أن يشهد التفاوت في الأجور وتوفر الفرص مزيدا من التدهور. فقد تعرض الطلب على العمالة لصدمة كبيرة أثرت على قطاعات منها القطاع غير الرسمي، حيث أدى انخفاض مصادر الدخل وساعات العمل إلى زيادة المعروض من العمالة في القطاع غير الرسمي. وكان القطاع الزراعي، وكذلك قطاعات أخرى ذات صلة مثل إنتاج المواد الغذائية، واحدا من بين القطاعات الأكثر تضررا من الجائحة (ElKadhi et al.2020). ومن المتوقع أن يكون العاملون في القطاعين الزراعي والصناعي هم الأكثر تضررا، والعديد منهم من النساء كما ذكرنا من قبل. ومن المتوقع أيضا أن تعاني النساء من العواقب الاقتصادية المترتبة على الجائحة أكثر بكثير من الرجال في كل فئات العمالة تقريبا.

وسعت الحكومة التونسية بقيادة رئيس الوزراء ’إلياس الفخفاخ‘ إلى طمأنة المستمرين الأجانب وجذبهم نحو فرص الاستثمار المتاحة في البلاد، وقدمت الدعم إلى عدد من الصناعات، بما في ذلك السياحة. وبخلاف ذلك، أنشأت وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي التونسية وحدة لدعم القطاع الخاص بهدف تشجيع المستثمرين التونسيين والأجانب على مواصلة أنشطتهم، جنبا إلى جنب مع الدعم المقدم من هيئات ترويج الاستثمار. وفي كثير من الأحيان، تتركز هذه الجهود في القطاعات التي يُشجَّع الاستثمار فيها بالفعل وتشهد نموا منذ عام 2019، بما في ذلك الصناعات الميكانيكية والكهربائية، وصناعة مواد الإنشاء والخزف والزجاج. كما تكتسب قطاعات إنتاج صناعي أخرى مزيدا من الأهمية، وخصوصا في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل صناعة المستحضرات الصيدلانية والإلكترونيات والسيارات والطيران (Oxford Business Group 2020).

 

تقييم تدابير التصدي التونسية

أشاد كثيرون بتدابير التصدي التونسية وأثنوا على فعاليتها في الحد من انتشار الفيروس والدعم الكبير الذي قدمته إلى الأسر المعيشية الضعيفة وقطاعات الاقتصاد المتضررة من الإغلاق. ومع ذلك، سلط العديد من النقاد الضوء على ما تغفله أغلب التقارير التي تصدرها الجهات المانحة والوكالات الدولية عن التدابير التونسية للتصدي للجائحة، أي المسائل التي كان الناشطون المحليون يحاولون لفت الانتباه إليها لسنوات عديدة.وتتجاهل وسائل الإعلام الدولية هذه المسائل نفسها بغية الاحتفال بقصة "التحول الديمقراطي الناجح الوحيد" في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الربيع العربي.

وأول فجوة صارخة في هذا السياق، وهي فجوة تعاني منها تونس منذ عقود عديدة، هي عدم المساواة بين المناطق الحضرية في المدن وعلى السواحل من ناحية، والمناطق الداخلية الريفية من ناحية أخرى. وطالما كان ذلك من الأسباب الرئيسية للانتقادات التي يوجهها الناشطون المحليون إلى الحكومة، وخصوصا في ضوء عدم حدوث أي تغيير في هذا الوضع منذ الإطاحة بنظام ’بن علي‘ (Marzouki and Meddeb 2015). ومع أزمة جائحة كوفيد-19، تفاقمت هذه التناقضات وازدادت حدتها. وفي حين أن الحكومة التونسية نجحت بالفعل في توسيع نطاق خدماتها الطبية، وخصوصا فيما يتصل بزيادة عدد الأسرَّة وأجهزة التنفس في وحدات العناية المركزة، فإن المناطق الداخلية الريفية لا تزال تعاني من نقص كبير في هذه الخدمات. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما يكون الوصول إلى المستشفيات والعيادات القليلة المتاحة صعبا على سكان هذه المناطق ويحتاج إلى سفر طويل. وطالما عانت البنية التحتية لقطاع الصحة العامة، وكذلك الضمان الاجتماعي، من نتائج موجات التحرر الاقتصادي الجديد التي حرمتها من عدد من مصادر التمويل التي تشتد الحاجة إليها في ذلك القطاع، وهو ما جعل الحصول على الرعاية الصحية عبئا ماليا لا يمكن للكثيرين تحمله (Lamloum 2020 وBen Youssef 2020). وتعد الإشارة إلى أوجه الضعف المذكورة هذه أمرا مهما بالنظر إلى أن النساء الريفيات يمثلن أحد أفقر الفئات السكانية في تونس، وهو ما يعني أن الإصابة بفيروس كوفيد-19 تعرضهن لمخاطر مادية واقتصادية كبيرة.

ويفضي ترتيب أولويات الحكومة التونسية في مجال الاستثمار إلى تفاقم عدم المساواة المشار إليه. وكما رأينا أعلاه، تركز الحكومة ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي على النهوض بالصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل صناعة المستحضرات الصيدلانية والإلكترونيات والسيارات والطيران. وفي حين قدمت الحكومة دعما مباشرا إلى صناعة السياحة، فإنها لم تظهر أي اهتمام بدعم القطاعات التي تشكل فيها النساء الجزء الأكبر من القوة العاملة. وفي الواقع، تراجعت الاستثمارات في صناعات مثل النسيج والملابس. وبوجه عام، تراجعت الاستثمارات أيضا في قطاعات الزراعة وإنتاج المواد الغذائية وتجهيزها. وفي حين أن الاستثمار لا يوفر بأي حال من الأحوال ضمانات لتحسين أوضاع العاملين، خففت الحكومة التونسية كل ما رأت أنه من "عراقيل الاستثمار"، مثل قوانين العمل واللوائح التنظيمية المالية المطبقة في جميع القطاعات. وعلى هذا النحو، من الأرجح أن تتفاقم أوضاع العديد من النساء اللاتي يعملن في هذه القطاعات التي تفتقر بالفعل إلى الخدمات، وخاصة فيما يتصل بفقدان الوظائف والعمل في ظل أوضاع غير رسمية وغير مضمونة. ومن الأمثلة الرئيسية على هذا الإهمال الذي تتعرض له النساء العاملات في هذه القطاعات وفي ظل هذه الأوضاع حملة الاستنكار التي تحيط بمسألة "شاحنات الموت" (Dejoui 2019). فقد نددت جميع الأحزاب اليسارية ونقابات العمال والجماعات النسوية بالهياكل الاقتصادية التي تدفع بالعاملات الزراعيات إلى الاكتظاظ في الشاحنات وعربات النقل للذهاب إلى أعمالهن، بزعم أن هذه العربات هي وسيلة النقل التي توفرها أماكن العمل، على الرغم من أن نقلهن بهذا الأسلوب غير قانوني. وفي كثير من الأحيان، تؤدي هذه الأوضاع إلى وقوع حوادث مأساوية وحالات وفاة، وخصوصا بالنظر إلى حالة الطرق الخطرة وغير المعبدة التي تسافر عليها تلك العربات. وأثناء فترة الجائحة، لم تُتخذ أي تدابير لمعالجة هذه المسائل، على الرغم من كونها تمثل مشاكل ملحة حتى قبل الجائحة. ومع إعادة فتح المجال الاقتصادي والطفرات التي شهدها عدد الإصابات، ازدادت حدة تأثير هذه العناصر الخطرة على حياة النساء العاملات. وعلى الرغم من أن الحكومة قدمت بعض الدعم للأسر المعيشية التي تعمل في القطاع غير الرسمي، في شكل مبالغ مقطوعة تُصرف مرة واحدة، لم تكن تلك المبالغ الزهيدة كافية لتوفير أي نوع من الإغاثة، حتى على المدى المتوسط.

ومن الواضح أن الحكومة التونسية الجديدة في ظل قيادة رئيس الوزراء ’إلياس الفخفاخ‘ ورئيس الجمهورية ’قيس سعيد‘، وعلى الرغم من تشكيلها حديثا في إطار مشهد سياسي تنافسي وغير مستقر، لا تزال تتبع نفس أولويات الحكومات السابقة. وكما كان الحال منذ ثمانينات القرن الماضي، لا تزال مسألة خدمة الديون تشغل مكان الصدارة في كثير من الأنشطة السياسية وعمليات وضع السياسات. وقد وُصفت حزمة التحفيز الاقتصادي وشبكة الامان الاجتماعي بالفعل بأنَّهما "عبء كبير على القطاع المالي" (Oxford Business Group 2020)، بالنظر إلى حجم معاناة البلد من مشكلة الديون. ويبدو أن العمل من أجل خدمة الدين سيظل هو المسار الأساسي الذي ستتبعه الحكومة، وهو ما يشير إلى مستقبل أكثر تقشفا. وفي الوقت نفسه، انتهزت الحكومة هذا المناخ الضعيف وظروف الجائحة للبدء في تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاستبدادية والقمعية التي من شأنها أن تضع العراقيل أمام من يحشدون من أجل إعمال الحقوق، بمن فيهم الناشطات النسويات. وتشمل تلك الإصلاحات على سبيل المثال سن قوانين تحمي ضباط الشرطة وتضمن لهم الإفلات من العقاب، وكذلك تصميم قواعد الإغلاق بحيث يمكن استغلالها لمنع الاحتفال بثورة الياسمين. وعلى الرغم من هذه العوائق، تواصل الجماعات النسوية تنظيم المظاهرات في الشوارع، وهو ما يعرضهن لعمليات اعتقال جماعي واحتجازهن حتى اليوم التالي في السجون، دون مراعاة للمخاطر الصحية.

ومن ناحية أخرى، شهد العنف ضد النساء ارتفاعا حادا في ظل ظروف الإغلاق، وهو اتجاه واضح على الصعيد العالمي كما ذكرنا سابقا. وتجدر الإشارة إلى أن تونس واحدة من البلدان القليلة التي تتوفر فيها المعلومات ويمكن الوصول إليها إلى حد ما، وهو ما يُعزى في المقام الأول إلى جهود المجموعات النسائية والمؤسسات النسوية، وأحيانا ما تقدمة وزارة المرأة والأسرة وكبار السن من تعاون ومشاركة. وفي هذا السياق، وردت تقارير تفيد بأن الخط الهاتفي الساخن المخصص للإبلاغ عن حالات العنف المنزلي، وهي خدمة تقدمها الوزارة والمنظمات غير الحكومية المحلية، سجل زيادة قدرها الثلث في عدد المكالمات والشكاوى المتلقاة. ومرة أخرى، تتردد أصداء الاتجاهات العالمية على الصعيد المحلي، حيث تراجع مستوى التنديد بهذه الظاهرة، وهو ما يُعزى جزئيا إلى حقيقة أُشير إليها سابقا، وهي أن النساء لديهن فرص أقل للهروب من مصادر العنف والتمكن من تقديم بلاغات رسمية بشأنها، أو حتى الاستفادة من أي أنظمة دعم متاحة. غير أن ذلك يُعزى جزئيا أيضا إلى أن المسؤولين يتجاهلون النساء المبلغات بناء على آرائهم الشخصية بأن مثل هذه الحالات ليست ذات أهمية في الوقت الحالي، وأن معالجتها ليست الاستخدام الأفضل لوقتهم. وأفادت العديد من النساء بأنهن يتعرضن للسخرية والتجاهل عند تقديم بلاغاتهن، وهو ما يثنيهن عن اتخاذ أي إجراء آخر (Asharq al-Awsat 2020، وBoukhayatia 2020، وUNWomen 2020).

ومع ذلك، كانت الجماعات النسائية صريحة في آرائها بشأن هذه المسائل. وقد ناقشت جميع الجهات الفاعلة، بما في ذلك النشطاء على مستوى القواعد الشعبية والمنظمات الأكثر رسوخا في هذا المجال، طائفة متنوعة من الموضوعات المذكورة أعلاه، واستغلت ما لها من حضور على الإنترنت أو علاقات بوسائل الإعلام التقليدية من أجل التعريف بهذه المسائل ومناقشتها علنا في جميع أنحاء البلاد. وفي مناسبات عديدة، نجح الحراك النسائي في تونس في الضغط على الحكومة من أجل إعادة النظر في السياسات التي تميز ضد النساء وإصلاحها، ولم تكن فترة الجائحة استثناء من تلك القاعدة. وعلى هذا النحو، عندما شجبت الجماعات النسائية اعتبار ملاجئ النساء والخطوط الهاتفية المخصصة للإبلاغ عن حالات العنف خدمات "غير أساسية"، وتعليق خدماتها في وقت لاحق، ألغت الحكومة هذا القرار فيما بعد. وعلى نفس المنوال، شجبت الجماعات النسائية حكما اعتبر أن قضايا العنف الأسري والتحرش الجنسي والاعتداء الجنسي "غير أساسية"، ومن ثمَّ، يتعين تعليق النظر فيها (UNWomen 2020). ومع ذلك، ترد تقارير بأن إبلاغ النساء عما يتعرضن له من عنف واعتداءات لا يفضي في كثير من الأحيان إلى أي شيء، حيث يطلب منهن الضباط والمسؤولون الرجوع إلى من يسيئن معاملتهن، ويقابلون شواغلهن بالسخرية أو التهوين. ولا تزال هذه المسائل الهيكلية تمثل مشكلة كبيرة، على الرغم من وجود إطار قانوني لمعالجتها. ومن المسائل التي لا تزال قائمة أيضا أن الحكومة، وخصوصا وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، تفتقر إلى القدرات والخبرات اللازمة لمعالجة هذه المشاكل على نحو مباشر. وكان من نتائج ذلك اعتماد الدولة على مؤسسات المجتمع المدني لسد هذه الثغرات، وذلك من خلال الاعتماد الخطوط الهاتفية للإبلاغ عن حالات العنف والملاجئ وموظفات الدعم التي يتيحها المجتمع المدني.  

ولهذا السبب، أدت الجائحة إلى نتيجة أخرى وهي زيادة مستوى التعاون والتضامن بين الجماعات النسوية المختلفة النشطة في المشهد المدني التونسي. ومع ظهور جماعات راديكالية جديدة تهتم بالفئات المهمشة التي عادة ما لا ترعاها الدولة ولا توليها المنظمات النسوية المؤسسية القدر نفسه من الاهتمام - مثل مجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية، والمهاجرين، والمشتغلات/المشتغلين بالجنس - أتاح التعاون مع منظمات مثل ’الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات‘ و’جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية‘ فرصة لبلورة ما تعاني منه هذه الفئات من مخاوف، وإدماجه على نحو أفضل في خطط عمل هاتين المنظمتين، بالنظر إلى أن الحكومة لا تدقق في أعمالهما بالقدر نفسه. وينطبق الحال نفسه حتى عندما تتجاهل الحكومة نفسها هذه الشواغل الجديدة باعتبارها ذات أولوية منخفضة. وأفضى هذا التعاون والمشاركة إلى تقديم خدمات واسعة النطاق لمن هم في حاجة ماسة للمعونات النقدية أو العينية. ومع ذلك، وكما ذكرنا أعلاه، لا يزال عدم المساواة واضحا في نطاق الأنشطة المضطلع بها، وفقا للاختلافات الإقليمية، وخصوصا في المناطق الداخلية الريفية حيث ترى المجتمعات المحلية المحتاجة أن النُهُج الأكثر استراتيجية أقل أهمية من الحصول على مساعدات فورية.

ومن ثمَّ، تشجب المنظمات النسوية مسألة أن اعتراف الدولة الرسمي بالعديد من المشاكل المذكورة أعلاه وما اضطلعت به من إصلاحات قانونية لم يُترجم إلى تطبيق القوانين على نحو ملزم، أو تقديم المزيد من الدعم المادي لمعالجة هذه المسائل، أو توسيع نطاق عمل وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن وتعزيز أهميتها وقدراتها، حيث لا تزال تعتبر وزارة معنية بـ "مصالح متخصصة". ويبدو أن موقف المنظمات النسوية الأكثر رسمية، مثل ’الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات‘ و’جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية‘، لا يزال متأرجحا فيما يتعلق بالحاجة إلى إدخال إصلاحات هيكلية كبيرة كهذه، تتجاوز نطاق الإصلاحات القانونية البسيطة. وفي حين أن المنظمات صريحة ونشطة وحاسمة الأهمية في عملها الرامي إلى تسليط الضوء على مظالم مثل تلك الواردة أعلاه، وأن عملها أدى إلى إدخال تغييرات ملموسة في مواقف الحكومة، فإنها تعود أحيانا إلى استخدام الخطاب الإنمائي الذي يركز على التدابير الطفيفة والهامشية، بل وفي بعض الأحيان إلى اتباع سياسات رجعية بدلا من السعي من أجل إدخال تغييرات أكثر جوهرية. وعلى هذا النحو، وفي إطار شراكات مع الوكالات والجهات المانحة الدولية، قد تلجأ المنظمات إلى تقديم ودعم نفس أشكال الإعانات المالية والإصلاح التي تروج لها المنظمات الدولية، مثل التمويل المتناهي الصغر والخصخصة وتقديم القروض وغير ذلك من أشكال التحرر الاقتصادي الجديد التي أثبتت أنها باهظة التكلفة على النساء، سواء في المناطق الريفية أو الحضرية. وكما يتضح مما ورد أعلاه، هناك طريق محفوف بالمخاطر في جميع أنحاء الجنوب العالمي يتعين على العديد من المنظمات النسوية التي تحظى بالاعتراف الرسمي وتتلقى تمويلا دوليا أن تمشي فيه. وهذا الطريق سمة من سمات تعقيد هذه المنظمات، ويشير إلى الخلافات والنقاشات الداخلية التي قد تكون موجودة داخلها.

لبنان

اقتصاد الاحتيال الهرمي (Ponzi)

          إن فهم الاقتصاد اللبناني ليس مهمة سهلة. إذ لا تتوافر أي معلومات بشأن كيفية إدارة الأعمال اليومية في البلاد، أو إيرادات الحكومة، في الوقت الذي تتسم فيه المعلومات المتوفرة بالتناقض ولا يمكن لعموم الجمهور الاطلاع عليها. وينطبق القول نفسه على أوضاع النساء، حيث لا تتمتع الحكومة اللبنانية بقدرات عالية في مجال جمع البيانات نظرا لما تعاني منه من أوجه ضعف هيكلي وما تمر به من صراعات سياسية. ومن المؤكد أن الانهيار الاقتصادي الأخير في البلد مؤشر على تلك الضبابية، وفي نفس الوقت، يمثل عاملا آخر يربك الكثيرين ممن يحاولون الحصول على أرقام دقيقة. وعلى هذا النحو، نستند في هذا العمل إلى قدر ضئيل للغاية من المعلومات المتاحة، وإن كان ذلك لا يعني أننا لا نستطيع التمييز بين أنماط معينة واستخلاص بعض الاستنتاجات.

          في البداية، تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد اللبناني قائم على الخدمات، ويعتمد في معظمه على تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وعلى قطاعه المالي الذي يمر بفترة صعبة. ومن ثمَّ، يمكن القول بأن الاقتصاد اللبناني يعتمد على القطاع المصرفي والاستهلاك والإنشاءات والعقارات، ضمن إطار خدمي. ومن أجل توفير الدعم للاقتصاد، سمحت الحكومة بزيادة أسعار السلع والمنتجات، وبزيادة هوامش الربح عن طريق ضمان انخفاض أجور العمالة (Gaspard 2003، وBaumann 2016a، وBaumann 2016b). وعلى الرغم من وجود منظمات واتحادات (نقابات) عمالية، فإنها مؤسسات معقدة تهيمن عليها السياسات الطائفية منذ الحرب الأهلية، وفي الممارسة العملية، تشكل أدوات للمحسوبية والمحاباة بدلا من أن تعمل من أجل حقوق العمال. كما يعمل جزء كبير من القوة العاملة اللبنانية في الاقتصاد غير الرسمي، بما مثل 44% من إجمالي القوة العاملة في عام 2009، وهي البيانات الوحيدة المتاحة (Ajluni and Kawar 2015). وهؤلاء العاملين غير مسجَّلين لدى الحكومة بهذه الصفة، ولا يتمتعون بالأحقية في الحصول على استحقاقات. وهناك أسباب عديدة تفسر هذا العمل غير الرسمي، ولها علاقة كبيرة بالعمليات البيروقراطية الغامضة والطويلة والمربكة، وكذلك النفقات الباهظة، التي ينطوي عليها تسجيل العاملين وفقا لاشتراطات الحكومة. وعلى هذا النحو، يسمح هذا النظام بتكوين قوة عاملة رخيصة ومرنة يسهل استغلالها نظرا لكونها تعمل في سوق غير منظمة من ناحية، ولا يمكنها الاستفادة من أي آليات حماية أو تمثيل سياسي من الناحية الأخرى. ومن الضروري ملاحظة أن جزءا كبيرا من هذه القوة العاملة من اللاجئين الذين يمثلون نحو 1.7 مليون نسمة من تعداد لبنان البالغ 6.8 مليون نسمة. وبالنظر إلى أنَّهم ممنوعون من العمل في القطاع الرسمي، يُجبرون على العمل في القطاع غير الرسمي حتى يكسبوا رزقهم اليومي. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما تُشن "الحملات الأمنية" الموجهة ضد العاملين من اللاجئين، وخصوصا السوريين. وفي إطار هذه الحملات، يُلقى القبض على اللاجئين السوريين بذرائع قانونية مشكوك فيها، بدعم من مناخ سياسي عنصري يشجع على ارتكاب مثل هذه الأفعال ضد اللاجئين من سوريا وفلسطين وغيرهما (Kranz 2018).

          وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، أدى الإعلان عن فرض زيادة جديدة في الضرائب التنازلية مثل ضريبة القيمة المضافة، وكذلك على البضائع والخدمات التي تُستخدم يوميا إلى موجة غضب واسعة النطاق، خصوصا مع انتشار أخبار عن الأزمة الاقتصادية الوشيكة في البلد. وخرج اللبنانيون من جميع الطبقات الاجتماعية والطوائف الدينية والاتجاهات السياسة إلى الشوارع في العديد من المدن الكبرى والبلدات الصغيرة منددين بسوء إدارة الطبقة السياسية الحاكمة للبلد، ومطالبين بإسقاط النظام. وسرعان ما حاولت الطبقة الحاكمة تعزيز موقفها، مستخدمة في ذلك وسائل مختلفة لمحاصرة الاحتجاجات وتفريقها، بدءا من القمع العنيف واللجوء إلى الخطاب الطائفي ونهاية بمحاولات الترغيب واستغلال الاحتجاجات لتحقيق مصالح خاصة. ومع ذلك، وفي الوقت الذي هرعت فيه الطبقة الحاكمة إلى وضع هذه الاستراتيجيات، سرعان ما سقط القناع عن جميع المزاعم القائلة بأن الاقتصاد بخير وأن العملة المحلية قوية ومستقرة. وعلى الرغم من أن حاكم مصرف لبنان ادعى أنه لن تُفرض أي ضوابط على رؤوس الأموال، توقفت البنوك المحلية فجأة عن السماح للمودعين باسترداد أموالهم المودعة بالدولار الأمريكي، وهو ما يشير إلى احتمال استنفاد الاحتياطات الأجنبية وينبئ بأزمة سيولة قادمة. ومع ذلك، اتضح فيما بعد أن المودعين الكبار ومن تربطهم صلات بالنخب السياسية نجحوا في تحويل إيداعاتهم إلى خارج البلاد دون عوائق (Baumann 2020، وBerthier 2020).

          كما ظهرت سوق "سوداء" موازية للعملات الحرة، تُباع فيها العملة المحلية بثلث قيمتها الرسمية. ولم تنجح محاولات الحكومة لتنظيم هذه "السوق السوداء" المكونة من مكاتب الصرافة في وقف انخفاض "القيمة المتداولة" للعملة المحلية، التي شهدت انخفاضين آخرين، بالرغم من أن السعر الرسمي في البنوك ظل ثابتا على قيمته قبل الأزمة، أي 1515 ليرة لبنانية للدولار الأمريكي. وأدى ذلك إلى موجة من التضخم المفرط، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية على نحو صارخ، في حين أصبحت المرتبات تساوي جزءا ضئيلا من قيمتها السابقة. وفي الوقت الحالي، تشير التقارير إلى أن البطالة آخذة في الارتفاع بحدة، وأن معدلات الفقر تزداد بمعدل مثير للقلقـ على الرغم من عدم توفر أرقام رسمية بهذا الشأن (Chams 2020).

تاريخ الحركات النسوية اللبنانية

          يرجع تاريخ الحركات النسائية في لبنان إلى القرن التاسع عشر على الأقل، حيث تشابكت أنشطتها مع الحراك العمالي والنضال الطبقي. ومع ذلك، نجحت المنظمات النسائية في اجتذاب قدر أكبر بكثير من الاهتمام (وهو ما أدى إلى توثيقها بصورة أفضل) خلال العقود القليلة الأولى من القرن العشرين، أثناء فترة الانتداب الفرنسي على لبنان. وكانت عمليات التعبئة والمناظرات التي شهدها العالم العربي آنذاك هي مصدر الإلهام لهذه المنظمات التي انصب تركيزها على مسائل جديدة مثل الاستقلال وحقوق التصويت والتعليم وغير ذلك من أشكال المشاركة في الحياة العامة. وكان العديد من رائدات هذا العمل من بنات النُخب والطبقات العليا، واعتمدن في عملهن على المنظمات الخيرية من أجل النهوض بأفكارهن وتحدي الأعراف الاجتماعية الأبوية التي عارضنها (Stephan 2014).

          وكان المشهد بعد عام 1943 مماثلا، بعد أن حصل لنان على استقلاله وأصبح جمهورية مستقلة. ففي تلك الفترة، جرى تشكيل المزيد من المجموعات النسائية من بنات النُخب، أخذت أشكالا متعددة منها الديني والوطني والثقافي، أو وكفروع منبثقة عن منظمات للرجال. ومع ذلك، تجلى الطابع السياسي الذي اتسم به النضال السياسي النسوي آنذاك بعد فترة قصيرة، وتحديدا عند وضع قانون الانتخابات. حيث بدأت النسويات في تنظيم أنفسهن حول مواضيع محددة تتعلق بالقوانين الأبوية التي تمنعهن من التمتع بالعديد من الحقوق التي كانت الناشطات يطالبن بها في السابق. وفي عام 1951، أُنشئت ’جمعية التضامن النسائي‘ و’الاتحاد النسائي اللبناني‘، ولكن كانت الخطوط الطائفية تفصل بينهما. وفي عام 1952، اندمجت المجموعتان في إطار ’المجلس النسائي اللبناني‘، وهي منظمة جامعة تضم جماعات أغلبها ديني أو طائفي. ونصَّب ’المجلس النسائي اللبناني‘ نفسه متحدثا باسم الحركة النسوية اللبنانية، ولا يزال قائما حتى الآن، ولكن ينصب جل اهتمامه على تقديم الخدمات الاجتماعية اليومية (Civil Society Knowledge Centre n.d.).

          ونجح الباحثون والمؤلفون أيضا في تحديد "الموجة الثانية من النسوية اللبنانية"، التي أعقبت الموجة الأولى المشار إليها أعلاه، واكتسبت مكانة بارزة طيلة النصف الثاني من القرن العشرين وخصوصا في أواخر الستينات من القرن الماضي، وهي فترة اتسمت بانحسار تيار القومية العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي البداية، انصب تركيز الحركات النسائية على القضايا الإنسانية، وحظيت بالدعم في ظل نظام الرئيس ’فؤاد شهاب‘ الذي ركَّز على تقديم الخدمات. غير أن شكلا جديدا من التنظيم اليساري بدأ في الظهور، ونجح في إيجاد موطئ قدم لنفسه عن طريق العمل مع الأحزاب السياسية. وكان من بين هذه الجماعات ’التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني‘ - الذي لا يزال قائما ونشطا حتى يومنا هذا. وفي ذلك الوقت، تم تشكيل ’لجنة حقوق المرأة اللبنانية‘، وحصلت على الاعتراف الرسمي في عام 1970، ولا تزال تركز على المشاركة السياسية حتى الآن. غير أن هذه المناقشات والمناظرات سرعان ما توارت خلف الحاجة الملحة إلى معالجة التبعات المأساوية الناجمة عن الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وتقديم المساعدات الفورية للضحايا واللاجئين (المرجع نفسه).

          وفي الوقت الذي أخذت فيه الحرب الأهلية مجراها، بدأت تحولات عالمية مثل الإعلان عن ’عقد الأمم المتحدة للمرأة‘ في التأثير على طريقة مناقشة شؤون النساء في أنحاء العالم. ومن ثمَّ، ترددت أصداء جزء كبير من القضايا قيد المناقشة على الصعيد العالمي في المناظرات والنقاشات النسوية في لبنان، وتم تكييفها في سياقات مختلفة: حيث نوقشت على نطاق واسع مسائل مثل فجوة الأجور بين الجنسين، والقيادة السياسية للنساء، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغير ذلك من المواضيع المماثلة. وفي لبنان، أفضت هذه الظاهرة إلى ظهور عدة منظمات غير حكومية، وخصوصا خلال التسعينات من القرن الماضي، ركَّزت على التنمية والإصلاحات القانونية وتعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي. وعملت هذه المنظمات، التي كثيرا ما كانت تركز على مجموعة محددة من المسائل الملموسة، على بذل جهود التعبئة والضغط على الدولة لوضع تشريعات جديدة والاضطلاع بعمليات تحوُّل تخدم القضايا النسوية. وتعززت هذه المنظمات بما تزامن مع ظهورها من زيادة في توافر التمويل لمثل هذا النوع من المشاريع، وخصوصا التمويل المقدم من المنظمات الدولية والجهات المانحة النسوية. وفي حين نجحت هذه الجماعات في لفت الانتباه إلى العديد من المواضيع، وحصلت على قدر كبير من الدعم، استمر التعنت الحكومي إزاء مطالب هذه الجماعات، ولم تبدِ الحكومة اهتماما يُذكر بإصلاح الدولة من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وضمان التمتع بالحريات (Moughalian and Ammar 2019). وبالإضافة إلى ذلك، انصب تركيز المنظمات غير الحكومية على حشد التأييد واتبعت نهجا يركز على التنمية، وهو ما مثَّل عائقا حال دون نجاحها في تحقيق المزيد من التوعية، وجعل من النساء المشاركات على الأرض مستفيدات بدلا من شريكات، وعلى النحو ذاته، كان حاجزا فصلها عن التنظيمات ذات القواعد الشعبية الأكبر.

          وأفضت هذه الثغرات إلى ظهور ما عُرف باسم "الموجة الرابعة من النسوية اللبنانية"، التي مثلت طائفة من الجمعيات والمجموعات المتأثرة بالأعمال الأكاديمية وأساليب التنظيم الجديدة. واتبعت هذه المجموعات نهجا يركز أكثر على القواعد الشعبية، وطالبت باتباع مفاهيم أكثر راديكالية عن النوع الاجتماعي والحرية المتعلقة بالنوع الاجتماعي. وعالجت هذه المجموعات مسائل جديدة، وسعت من أجل تهيئة بيئة نسوية أكثر شمولا للجميع، كما سلَّطت الضوء على مواضيع مهملة مثل حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية، والعدالة، والحقوق الجنسية والإنجابية، وما إلى ذلك. ولهذه الجماعات علاقة متناقضة مع المنظمات غير الحكومية المذكورة أعلاه، كما أن لها آراء معقدة إزاء التمويل والأنشطة. ففي حين يعمل عدد من هذه الجماعات من أجل تقديم الخدمات الفورية، تركز جماعات أخرى على بناء القواعد الشعبية والمجتمعات المحلية. ويحصل عدد من هذه الجماعات على تمويل من منظمات دولية، في حين ترفض جماعات أخرى هذا التمويل، خوفا من أن يفضي الحصول عليه إلى التأثير على على طريقتها في إدارة الأمور، وفرض جداول أعمال الجهات المانحة عليها، وهي جداول قد تتضمن أهدافا تتعارض مع الأهداف الحالية لهذه الجماعات (المرجع نفسه). وتؤدي هذه المواقف إلى نشوء صعوبات في إدارة العمليات، وهو ما يفضي بدوره إلى صعوبة تفرغ العضوات لهذا العمل، فضلا عن أنها تحد من إمكانية التواصل والتفاعل مع الجماعات الأخرى. وفي حين أقامت عدة جماعات صلات وثيقة مع المنظمات غير الحكومية المعنية بالتنمية، وتعمل بالتعاون معها، يرفض عدد آخر من هذه الجماعات تلك الصلات وهذا التعاون على نفس الأساس، وهو ما يفضي إلى نشوء مسائل مماثلة تتصل بالتواصل والتأثير. وعلاقات هذه الجماعات بالمجلس النسائي اللبناني معقدة كذلك؛ حيث تدعم بعض الجماعات المجلس، باعتبار أنه استثمار مرحَّب به من الدولة في مجال الشؤون النسائية، وتتعاون معه على هذا الأساس. وفي نفس الوقت، ترفض جماعات أخرى المجلس بأسره، وتنتقده باعتباره واجهة زائفة وكيانا غير نسوي وغير مستعد لتحدي الحكومة، وغير مهتم بقطاعات كاملة من السكان، مثل مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية، ومجتمعات المهاجرين، التي قد تعاني أيضا من الممارسات الأبوية. وهناك جماعات أخرى تعترف بأوجه القصور الخطيرة التي يعاني منها المجلس النسائي اللبناني، ولكنها تحافظ على علاقات عملية معه بهدف الحصول على الموارد والعلاقات اللازمة لتعزيز قدراتها على التواصل وتنفيذ المبادرات اللازمة لعملها.

لبنان، جائحة كوفيد-19، وكل شيء آخر

          وفي هذا المشهد الصعب والفوضوي، ضربت جائحة كوفيد-19 لبنان. وأُعلن عن أول حالة إصابة في شباط/فبراير 2020، وبعدها ببضعة أيام، فُرضت تدابير الإغلاق الشامل. وتضمنت التدابير وقف الأنشطة الاقتصادية، وغلق المدارس، ومنع التجمعات والسفر من وإلى وجهات معينة، ونزل الجيش إلى الشوارع لضمان تنفيذ تدابير الإغلاق. وفي البداية، أعلنت وزارة الصحة أن جميع من أثبتت الاختبارات إصابتهم بفيروس كوفيد-19 سيتلقون العلاج في المستشفيات بتكاليف مخفضة. وقدم البنك الدولي مساعدات لهذا الغرض، حيث منح الوزارة قرضا قيمته 20 مليون دولار، وخصص لها مبلغا إضافيا قيمته 40 مليون دولار بهدف تعزيز قدراتها، وتزويد المستشفيات العامة بالمعدات اللازمة، وتوسيع نطاق عمليات الفحص والعلاج. وتضمنت التدابير أيضا منح إجازات مرضية مدفوعة الأجر للأطقم الطبية في العزل، أو لمن يُصابون بالفيروس (OECD 2020، وGentilini et al. 2020).

          ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة الناجمة عن الجائحة إلى تضرر لبنان إلى حد بعيد، أولا وقبل كل شيئ بالنظر إلى أثرها على تحويلات اللبنانيين في الخارج التي تشكل مصدر دخل كبير للبلد. ويؤثر فقدان الوظائف والقيود على السفر وغير ذلك من أشكال التغير الاقتصادي تأثيرا شديدا على قدرة اللبنانيين في المهجر على تحويل الأموال إلى وطنهم، وخصوصا من يعيشون في أوروبا أو بلدان الخليج العربي. ويعاني اللبنانيون المقيمون في بلدان الخليج العربي من الأزمة بوجه خاص، نظرا لانخفاض أسعار البترول والطلب عليه نتيجة للجائحة. ومن المتوقع أيضا أن يتعرض قطاع السياحة لصدمة كبيرة، وهو قطاع كان يواجه بالفعل تدهورا كبيرا على مدى الأعوام الماضية بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والتوتر التي يعيشها البلد. كما تدهورت حالة القطاع الزراعي أكثر، بالنظر إلى أنه تضرر بالفعل من الأزمة الاقتصادية وصعوبة الحصول على البذور والأسمدة والتكنولوجيات وما إلى ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تتراجع إمكانية الحصول على الخدمات الصحية تدريجيا، حيث تفتقر المستشفيات العامة إلى البنى التحتية والمعدات اللازمة للتعامل مع الأزمة بصورة سليمة، في الوقت الذي لا تزال فيه المستشفيات الخاصة باهظة التكلفة بسبب حالة الخصخصة المزمنة التي يعاني منها البلد. ويظل هناك عدد من المراكز الصحية التي لا يمكن دخولها سوى من خلال علاقات التبعية ورضا الأحزاب السياسية (OECD 2020).

وفي آذار/مارس 2020، وافقت الحكومة اللبنانية على حزمة تحفيز اقتصادي استجابة للصعوبات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 تتكون من 1.2 تريليون ليرة لبنانية، مخصصة لتقديم المساعدة إلى الأسر المنخفضة الدخل في البلاد، وكذلك تقديم الدعم إلى القطاعين الزراعي والصناعي، وخصوصا موظفي الرعاية الصحية والمزارعين وموظفي القطاع العام والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. وتهدف الحزمة الجديدة إلى مساعدة 200,000 أسرة عن طريق صرف مبلغ شهري لها قدره 400,000 ليرة لبنانية، ومساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمزارعين والعمال الحرفيين بمبلغ مقطوع مرة واحدة (Azhari 2020). كما تولى الجيش توزيع مساعدات غذائية بقيمة 18 مليار ليرة لبنانية بالتنسيق مع البلديات. وأعلنت الحكومة أيضا عن دعم حزمة من السلع الأساسية بهدف حماية الأسر المعيشية المنخفضة الدخل من آثار ارتفاع التضخم، وضمان تمكُّن الجميع من الحصول على هذه السلع خلال الفترات الصعبة الناجمة عن الجائحة، بالرغم من موجة التسريح الجماعي للعمال وتخفيض المرتبات التي تسببت فيها هذه الحزمة. وتشمل حزمة السلع المذكورة البيض والرز وأمواس الحلاقة والصابون وما إلى ذلك. غير أن حاكم مصرف لبنان أعلن في آب/أغسطس 2020 أن الحكومة ستتوقف عن تقديم هذا الدعم بسبب استنفاد الاحتياطات من العملات الأجنبية (Al-Arabiya 2020). وسوف يؤثر ذلك أيضا على ما كان يُقدَّم من دعم قبل كل من جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية، مثل دعم المحروقات والخبز وما إلى ذلك. ولا يزال هذا الدعم ، على الرغم من تسرب بعضه إلى غير الفقراء وآثار المحسوبية والتلاعب السياسي أساسيا وحاسم الأهمية لكثير من الأسر المعيشية الضعيفة في أنحاء البلد.

وقد تفاقم هذا الوضع المنذر بالخطر أكثر بعد الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت في 4 آب/أغسطس 2020. فقد أدى الانفجار إلى تدمير أهم موانئ لبنان وأكبرها بالكامل، حيث كان لبنان يتلقى أغلب وارداته. ولذلك أهمية خاصة بالنظر إلى اعتماد لبنان على هذه الواردات بسبب ضعف قطاعيه الزراعي والصناعي. وقد أودى الانفجار بحياة 200 شخص، وحرم أكثر من 300,000 شخص من منازلهم، من بينهم كثيرون لا يمكنهم توفير تكاليف الحصول على مكان بديل للمعيشة. وسرعان ما واجهت المستشفيات طوفانا من الجرحى، إلى درجة أنها اضطرت في نهاية المطاف إلى رفض قبول المزيد منهم، في الوقت الذي لم تقدم فيه الحكومة أي مساعدة باستثناء ما أعلنت عنه وزارة الصحة من إعفاء للمصابين من بعض الرسوم الطبية. وعلى هذا النحو، كانت المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني مصدر أغلب المساعدات المقدمة، التي كان معظمها في شكل مساعدات عينية مثل الأغذية وخدمات إعادة التعمير. وتدفقت المساعدات الدولية إلى البلاد، غير أن الشكوك والمخاوف بشأن استخدامها النهائي أفضت بدورها إلى إثارة فضائح فساد وتربح غير مشروع (BBC 2020 وHaidar 2020).

تقييم تدابير التصدي اللبنانية

          من الصعب انتقاد تدابير التصدي التي اتخذتها الحكومة اللبنانية إزاء جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية وانفجار ميناء بيروت، بالنظر إلى أن الحكومة ترى أنها ليست "دولة رفاه" (حسب تعبير ’مكرم ملاعب‘ المقتبس في Karam, Zureiqat and Rammal 2015)، وأن السياسات التي اتبعتها إزاء ما تقدم تتماشى مع هذا التعريف الذاتي إلى حد بعيد. فسرعان ما استُنفدت المعونات الغذائية، واستُخدمت المعونات الدولية في أغراض غير معلومة، ووجد الناس أنفسهم دون أحد يمكن اللجوء إليه، حيث انبرى السياسيون يقصون الحكايات بشأن ما ستواجهه البلاد من كارثة وشيكة واستنفاد لاحتياطات العملات الأجنبية. ونتيجة لذلك، لم تكن المساعدات القليلة المقدمة كافية لإعاشة المتضررين، حتى في أصعب لحظات الجائحة والأزمة الاقتصادية.

          وفي الواقع، تبيَّن في وقت لاحق أن المساعدات الاجتماعية المقدمة كانت تعاني من عيوب خطيرة، وخصوصا فيما يتعلق بما تنطوي عليه الجائحة من جوانب متعلقة بالنوع الاجتماعي. وعلى الرغم من الحماية المزعومة التي تتمتع بها العاملات والممارسات في القطاع الصحي، تم "تسريح" أعداد كبيرة من أطقم التمريض، التي يتألف معظمها من النساء والتي طالما عانت من نقص كبير في الكوادر المؤهلة، ولكن ظلَّ بإمكان هؤلاء النساء ممارسة نفس العمل بأجور قليلة أو دون أجر على الإطلاق. كما تم فتح أبواب التقدم للعمل في أطقم التمريض أمام اللاجئات واللاجئين، وهو باب طالما كان مغلقا أمامهم، ولكن بأجور زهيدة ودون إمكانية الحصول على أي شكل من أشكال الضمان الاجتماعي (OECD 2020a). وفي هذه الحالات، لا يحقق توسيع نطاق قانون العمل فيما يتعلق بمنحهم أجازات مرضية مدفوعة الأجر في حالة الإصابة بالفيروس أي فائدة، نظرا لأنه ينطبق على العاملين الرسميين فحسب. ولا يعالج القانون أوضاع العاملين غير الرسميين على الإطلاق، بالنظر إلى أن ذلك موضوع غير ذي أهمية من وجهة نظر الحكومة ووزارة العمل في لبنان.

ولا تتلقى النساء في هذه الأوضاع المحفوفة بالمخاطر أي نوع من المساعدات، باستثناء عدد قليل منهن تلقين المساعدات الغذائية والعينية المذكورة أعلاه. وتعرضت عملية تقديم حزم المساعدات إلى بعض الانتقادات بسبب عشوائية توزيعها وافتقاره إلى التنظيم، وهو ما أثار شواغل بشأن حالات تسرب للمساعدات وانعدام المساءلة والشفافية على نحو يؤدي إلى حالات المحسوبية والمحاباة (Malik and Haidar 2020). وقد أدى توزيع الدولة للمساعدات على هذا النحو غير المتساوي وغير الشفاف إلى إلحاق أضرار بالغة بثقة عموم الجمهور في الحكومة. وبدلا من ذلك، لجأ الناس إلى الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني طلبا للمساعدات اللازمة لسد الثغرات. وعلى هذا النحو، في حين أفضت الأزمات المتعددة وجائحة كوفيد-19 على وجه الخصوص إلى تقييد أنشطة الجماعات النسوية، وخصوصا فيما يتعلق بجهود التعبئة والخطاب السياسي والتنظيم، ضاعفت منظمات عديدة من جهودها في تقديم الخدمات، بالنظر إلى الأوضاع غير المسبوقة، على حساب مبادرات أخرى. وفي حين أن هذا العمل ضروري بالفعل، وهناك العديد من المجتمعات المحلية بأمس الحاجة إلى المساعدات والإغاثة، فإن التركيز على تقديم الخدمات دون غيره يتطلب تحديد المستفيدين، ومن ثمَّ يؤدي إلى التجزؤ والحد من إمكانية صياغة رؤية شاملة وواسعة النطاق لمساعدة من هم أشد تضررا من الأزمات.

          وعدم مشاركة النساء في تصميم السياسات التي اتبعتها الحكومة إزاء الأزمة، وكذلك عدم مراعاة تلك السياسات للمنظور المتعلق بالنوع الاجتماعي، أمر واضح للعيان. فلم تهتم الحكومة بالأسر المعيشية التي ترأسها نساء، على الرغم من كونها هي الأضعف والأكثر عرضة للفقر، كما لم تكترث لإمكانية عدم المساواة في إمكانية الحصول على الموارد داخل العائلة أو الأسرة المعيشية، أو لإمكانية تقديم معونات مخصصة للنساء وما يترتب على ذلك من آثار. ويتمثل أحد الأعراض الملموسة الأخرى لعدم الالتزام بالمساواة بين الجنسين وتحقيق العدالة الاجتماعية في غياب الفوط الصحية أو ما يماثلها من حزمة السلع المدعومة، وهو الأمر الذي سرعان ما نددت به النسويات والمنظمات غير الحكومية (Al-Arabiya 2020a). ومع ذلك، تراجع الاهتمام بهذه المسألة سريعا عندما خرج حاكم مصرف لبنان على وسائل الإعلام ليتحدث عن وجود احتمال بأن تتوقف الحكومة عن دعم جميع السلع بسبب استنفاد احتياطي العملات الأجنبية. ومع ذلك، وفي الوقت الذي سببت فيه هذه الأزمة موجة جديدة من الاستياء بين عموم السكان، فإن جماعات الناشطات والمجموعات المناهضة للطائفية والأوضاع السياسية القائمة لا تعترف دائما بأثر الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحة على النساء، ولا تدمج هذه الآثار في خطط مشاريعها أو جداول أعمالها. وفي كثير من الأحيان، تتجاهل الحكومات الناشطات النسويات اللاتي يثرن هذه الأمور باعتبار أنهن مهتمات بأمور ثانوية ومحددة للغاية، بل تنصحهن الحكومة باختيار مسائل أهم للعمل من أجلها بدلا منها. ومن ثمَّ، هناك الكثير من العمل الذي يتعين الاضطلاع به فيما يتعلق بتعميم مراعاة المنظور المتعلق بالنوع الاجتماعي على جميع المستويات، سواء كان ذلك في تنفيذ مشاريع اقتصادية وسياسية بديلة أو إدخال تعديلات على سياسات الدولة، خصوصا بالنظر إلى ما يجري حاليا من محاصرة وتهميش للقضايا النسوية واعتبارها ذات أولوية منخفضة أو مصالح "متخصصة"، بدلا من النظر إليها باعتبارها قضايا شاملة ومنهجية تهم الجميع. وقد لوحظ الشيء نفسه فيما يتصل ببذل جهود التعبئة وحشد التأييد بشأن المسائل التي تهم فئات مهمشة أخرى أو التي تتبع نهجا متعدد القطاعات، كما هو الحال في التعامل مع مجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية أو تجمعات المهاجرين.

          وقد أبدت الدولة تجاهلا تاما للفئات الأخيرة، وخصوصا اللاجئين والعاملين المهاجرين الذين لا يُقدَّم لهم أي شكل من أشكال المساعدة، وهو ما يتفق مع استراتيجية التهميش التي تتبعها الحكومة تجاههم قبل جائحة كوفيد-19 وفترة ما قبل الأزمة الاقتصادية. بل والأسوأ من ذلك، تعمل الحكومة من أجل زيادة التضييق على اللاجئين، وخصوصا السوريين، بزعم أنها تستجيب للحظة سياسية واقتصادية بالغة الدقة، وهو ما يزيد من الصعوبات التي يواجهونها في كسب العيش (Kimball, Gramer and Detsch 2020). وفي أيلول/سبتمبر 2020، أعلنت وزارة العمل عن إصلاح مزعوم لنظام الكفالة الاستغلالي - وهو نظام يشبهه البعض بالرق الحديث، حيث "يكفل" أصحاب الأعمال العمال المهاجرين الأجانب، وهو ما يمنح أصحاب الأعمال سيطرة قانونية شبه كاملة على هؤلاء العمال، بما في ذلك الحق في مصادرة وثائقهم الشخصية. غير أن ناشطات وباحثات قانونيات أشرن إلى أن هذا التعديل لا يمثل التزاما بإعمال حقوق العمال أو مساءلة أصحاب العمل، ومن ثمَّ، لا يعد "إلغاء لنظام الكفالة" كما زعمت الوزارة (HRW 2020، وKhalil 2020). وترك ذلك اللاجئين والعمال المهاجرين في وضع شديد الضعف، خصوصا وأن سبل عيشهم أكثر هشاشة من الفئات السكانية الأخرى، وتعمل نسب أكبر منهم في القطاع غير الرسمي والأعمال المنخفضة الأجر، وفي قطاعات أكثر هشاشة مثل أعمال الخدمة المنزلية، ويعيشون في بيئات مكتظة بالسكان بسبب ارتفاع الإيجارات في أنحاء البلد. وعلى هذا النحو، يمكن القول بأن اللاجئين والعمال المهاجرين أكثر عرضة لخطر العدوى وفقدان الوظائف وغير ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، لم تعترف الحكومة رسميا حتى الآن بالاتحاد المحلي للعمال المهاجرين، الذي كان من شأنه أن يمثل تحالفا قويا للمطالبة بحقوق العمال، بل نددت به.

          وفي حالة الأشخاص الذين يمرون بهذه الظروف، وخصوصا النساء اللاتي يشكلن أغلب هذه الفئة، فإن ملاذهم الوحيد هو الوكالات الدولية أو المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. وفي هذه الحالة، عادة ما تُقدم المساعدات في إطار مبادرات تهدف إلى تقديم المعونات القصيرة الأجل إلى الفئات الأضعف. وتتراوح الجهات الفاعلة في هذا المجال بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعيات إثيوبية صغيرة مثل ’إغنا ليغنا‘ (Egna Legna). وقد أثبتت هذه الجمعيات مهارتها في تعبئة الموارد وتقديم المساعدات إلى الفئات الأكثر تضررا بصورة ملحوظة. وينطبق ذلك على أي مسألة أخرى تؤثر على النساء. فهذا هو الحال أيضا إزاء ارتفاع معدلات العنف ضد النساء، وهي ظاهرة تعالجها في أغلب الأحيان الخطوط الهاتفية المخصصة لمساعدة ضحايا العنف ومراكز الدعم التابعة للجمعيات والمنظمات غير الحكومية مثل LDGW و’كفى‘، في وقت لا تزال فيه الحكومة ترفض الاعتراف بوجود هذه الظاهرة حتى في ظل البلاغات اليومية. وفي ظل غياب الدعم الحكومي، أظهرت المنظمات النسوية والمنظمات غير الحكومية قدرا ملحوظا من التضامن بهدف مواصلة تقديم الخدمات للناجيات من العنف الأسري في هذه الأوقات الصعبة والمحفوفة بالقلق، على الرغم من تجزؤ المشهد العام ومحدودية المجال المتاح للنشاط النسائي.

الخلاصة

          تعد دراسة الحالة الواردة أعلاه لكل من لبنان وتونس كاشفة بوجه خاص، ولا سيما في ضوء الاختلافات القائمة في كيفية تصويرهما على الصعيد العالمي. وعادة ما يُشار إلى هذين البلدين باعتبارهما أكثر انفتاحا من غيرهما في الشرق الأوسط فيما يتعلق بحقوق النساء وحرياتهن. ولكن في الوقت الذي يُشاد فيه بتونس باعتبارها قصة نجاح جديرة بالثناء، وخصوصا في فترة ما بعد ثورة الياسمين، يجري تصوير لبنان عموما على أنه دولة ضعيفة تعاني من طائفة متنوعة من المشاكل. وأوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين هي ما يجعل المقارنة مثيرة للاهتمام، ويسمح باستخلاص عدد من الاستنتاجات بشأن أوضاع الحركات النسائية في المنطقة.

          والفرق الأكثر وضوحا بين البلدين في هذا الشأن هو أن أحدهما، على الرغم من القيود والجدل، طالما أظهر قدرا من الالتزام بحقوق النساء وقضاياهن، في حين لا يعِر البلد الثاني أي اهتمام طويل الأجل لتعزيز هذه الحلول أو معالجة تلك القضايا. وفي حين أن كلا البلدين لم يتقبل مطالب المجموعات النسائية بالكامل، كانت الحكومة التونسية أكثر استجابة لانتقاداتٍ وشكاوى محددة مقدمة من المنظمات النسوية، وقامت بتعديل القوانين المستهدفة وإتاحة عدد من القنوات للتفاعل مع الجماعات النسوية. أما الحكومة اللبنانية، فلم تسعَ إلى التحلي بأبسط قدر من الحساسية كنظيرتها التونسية، وتمثل إنجازها الوحيد المتحقق خلال الأعوام الماضية في حظر الاغتصاب الزوجي في عام 2017. ولم يختلف الوضع فيما يتعلق بجائحة كوفيد-19، حيث تعاملت الحكومة التونسية مع المسائل المثارة من قِبل النسويات والناشطات بقدر أكبر من الجدية مقارنة بنظيرتها اللبنانية، كما يتضح من الأمثلة الواردة أعلاه، حتى بالنظر إلى أن النظام الحاكم في كلا البلدين أعطى أولوية منخفضة لهذه الأمور واعتبرها "مصالح متخصصة".

          ومع ذلك، هناك بعض الأنماط التي يتعين على الناشطات الحذر منها. فقد أدت الجائحة إلى تفاقم المسائل التي كانت سائدة في المجمل قبل الأزمة، وقامت المنظمات النسائية بعمل عظيم من أجل تسليط الضوء على هذه المشاكل وإدماجها في خطاب الناشطات والمنظمات، وخصوصا المجموعات الراديكالية الجديدة التي تتبع نُهُجا متعددة الجوانب وتسلط الضوء على محنة بعض الفئات المهمشة التي تتعرض للتجاهل، على الرغم من محدودية المجال المتاح للعمل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن حشد التأييد بهدف الضغط على الحكومة لإدخال إصلاحات قانونية ليس كافيا، كما رأينا في الحالة التونسية. وفي البلدين، تشكل المنظمات المعنية بالتنمية والوكالات الدولية التي تعمل بالشراكة مع الدولة، حتى وإن كان ذلك بصورة جزئية، جزءا كبيرا من الجهات الفاعلة النشطة. ولكن حتى لو كانت الحكومة على استعداد لتقبل هذه الإصلاحات والتغيرات، فإن ذلك لا يضمن اختفاء "شاحنات الموت"، حتى وإن تم حظرها، أو ترحيب أقسام الشرطة ببلاغات العنف الأسري دون تقييد، حتى وإن اعتبرت المحاكم هذه البلاغات أساسية. كما أن العديد من هذه المسائل يتعلق بكيفية عمل الاقتصادات الوطنية وغير الرسمية، وكذلك بالمواقف والتصورات الأبوية التي تهيمن على المجتمع. ومن ثمَّ، يعد الاعتراف بهذه العقبات أمرا حاسم الأهمية، ويجب أن يكون جزءا من الخطاب النسائي. وعلى هذا النحو، يجب السعي من أجل إدخال تغييرات هيكلية، وخصوصا فيما يتعلق بتقديم مزيد من الدعم للمنظمات ذات القواعد الشعبية التي تسعى إلى توفير مساحات للنساء من أجل صياغة سياسات أكثر تحررا قد تتعارض في بعض الأحيان تعارضا مباشرا مع رؤية الحكومة للمجتمع والاقتصاد، أو ترى الحكومة أنها صعبة التنفيذ باعتبارها ثانوية الأهمية أو قد تؤدي إلى قلاقل لا داعي لها.

          ومن المؤكد أن الحركات النسائية والمنظمات النسوية لا تزال تقوم بعمل مثير للإعجاب، وتبذل جهودا ضخمة لتقديم الخدمات والمساعدات والمعونات، وكذلك توفير مساحات آمنة لطائفة متنوعة من الفئات السكانية المختلفة المتأثرة بما تنطوي عليه الجائحة، وكذلك أزمة الفقر والأزمة السياسية، من جوانب متعلقة بالنوع الاجتماعي. ولسوء الحظ، يتعين على هذه المنظمات والحركات أن تمارس عملها دون أي مساعدات أو ترتيبات حكومية لتلبية هذه الاحتياجات. وفي كثير من الأحيان، تضطر المنظمات والحركات إلى التخلي عن مواقف معينة وأشكال أخرى من التضامن من أجل أن تتمكن من تلبية هذه الاحتياجات الملحة. وهذا هو المشهد الذي يتعين على الحركات النسائية في الشرق الأوسط أن تعمل فيه حاليا، بصرف النظر عن مدى ما تبديه دولها من التزام مُعلن بتحرير النساء. وفي حين أفضت الجائحة إلى تسليط الضوء على عدد كبير من المسائل المشار إليها أعلاه، لا تزال هناك تحديات تحول دون إدخال التغييرات الهيكلية والتحويلية التي تشتد الحاجة إليها.


 

المراجع

Ajluni, Salem, and Mary Kawar. 2015. Towards Decent Work in Lebanon: Issues and Challenges in Light of the Syrian Refugee Crisis. Geneva: International Labor Organization.

Al-Ali, N., 2012. “Gendering the Arab Spring”. Middle East Journal of Culture and Communication 5 (1): 26-23.

Al-Ali, N., 2013. “Gender and Civil Society in the Middle East”. International Feminist Journal of Politics 5 (3): 216-232.

Al-Arabiya. 2020. “Lebanon Can Only Subsidize Fuel, Wheat for 3 More Months: Report”. Al-Arabiya.

Al-Arabiya. 2020a. “Period Poverty in Lebanon Rising amid Unprecedented Economic Crisis”. Al-Arabiya

Alon, T. et al. 2020. “The Impact of COVID-19 on Gender Equality: Working Paper 26947”. NBER Working Paper Series. Cambridge, M.A.: National Bureau of Economic Research.

Arfaoui, K. 2007. “The Development of the Feminist Movement in Tunisia 1920s-2000s”. International Journal of the Humanities 4 (8): 53-59.

Asharq al-Awsat. 2020. “Tunisia Lockdown Brings Rise in Domestic Violence”. Asharq al-Awsat.

Azhari, T. 2020. “Lebanon's Parliament Endorses $300m Aid Package”. AlJazeera.

Baumann, H. 2016. Citizen Hariri: Lebanon’s Neoliberal Reconstruction. New York: Oxford University Press.

Baumann, H. 2016. “Social Protest and the Political Economy of Sectarianism in Lebanon”. Global Discourse 6 (4): 634-649.

Baumann, H. 2020. “Lebanon’s Economic Crisis Didn’t Happen Overnight. So How Did It Get to This Point?” The Washington Post.

BBC. 2020. “Beirut Explosion: Donors Pledge Aid for Lebanon but Want Reform”. BBC.

Ben Yousef, S. 2020. “تونس. من يدفع ثمن فيروس كورونا؟”. Jadaliyya.

Berthier, R. 2020. “Grand Theft Lebanon”. Synaps Network.

Bettinger-Lopez, C. and Alexandra Bro. 2020. “A Double Pandemic: Domestic Violence in the Age of COVID-19”. Council for Foreign Relations.

Blundell, R. et al. 2020. “COVID-19 and Inequalities”. Fiscal Studies 41 (2): 291-319.

Bolis, M. et al. 2020. “Care in the Time of Coronavirus”. Oxfam Briefing Paper. Oxford: Oxfam GB.

Bonnet, F., Vanek, J. and Chen, M. 2019. Women and Men in the Informal Economy: A Statistical Brief. Geneva and Manchester: ILO and WIEGO.

Boukhayatia, R. and Yosra Frawes. 2020. “COVID-19 (Tunisia): Women, Violence and Confinement”. Europe Solidaire Sans Frontières..

Brésillon, T. and Hamza Meddeb. 2020. “Reform from Crisis: How Tunisia Can Use COVID-19 as an Opportunity”. Policy Brief. London: European Council on Foreign Relations.

Chams, D. 2020. “Lebanon at a Turning Point”. Le Monde Diplomatique.

Civil Society Knowledge Centre. N.d. “Women's Movements in Lebanon”. Civil Society Knowledge Centre.

Collins, C. 2020. “COVID-19 and the Gender Gap in Work Hours”. Gender, Work, Organization 1-12.

Collins, J. 1990. “Unwaged Labor in Comparative Perspective: Recent Theories and Unanswered Questions”. In Work Without Wages: Domestic Labor and Self Employment Within Capitalism. Albany: State University of New York Press.

Dahlgren, S., 2007. “Welfare and Modernity: Three Concepts for the ‘Advanced Woman’”. In Interpreting Welfare and Relief in the Middle East. Leiden: Brill.

De Paz, C. et al. 2020. “Gender Dimensions of the COVID-19 Pandemic”. Policy Note. Washington, D.C.: World Bank.

Dejoui, N. 2019. “Non aux camions de la mort”. L’Économiste Maghrébin.

Del Boca, D. et al. 2020. “Women’s Work, Housework, and Childcare, Before and After COVID-19: IZA DP No. 13409”. Discussion Paper Series. Bonn: IZA Institute of Labor Economics.

ElKadhi, Z. et al. 2020. “The Impact of COVID-19 on Tunisia’s Economy, Agri-food System, and Households”. Regional Program Policy Note. Washington, D.C.: International Food Policy Research Institute.

Gaspard, T. 2003. A Political Economy of Lebanon, 1948-2002: The Limits of Laissez-Faire. Leiden: Brill Publishers.

Gausman, J. and Ana Langer. 2020 “Sex and Gender Disparities in the COVID-19 Pandemic”. Journal of Women’s Health 29 (4): 465-466.

Gentilini, U. et al. 2020. “Social Protection and Jobs Responses to COVID-19: A Real-Time Review of Country Measures - Version 12”. Living Paper. Washington, D.C.: IMF Publishing.

Hanieh, A., 2013. Lineages of Revolt: Issues of Contemporary Capitalism in the Middle East. Chicago: Haymarket Books.

Hidrobo, M. et al. 2020. “Gender-Sensitive Social Protection: A Critical Component of the COVID-19 Response in Low- and Middle-Income Countries” IFPRI Issue Brief. Washington, D.C.: International Food Policy Research Institute.

Holmes, R. et al. 2020. “Gender and Inclusion in Social Protection Responses during COVID-19”. SPACE: Social Protection Approaches to COVID-19: Expert Advice Helpline. London and Bonn: DFID and GIZ.

HRW. 2020. “Lebanon: New Safeguards for Migrant Domestic Workers”. HRW.

Hupkau, C. and Barbara Petrongolo. 2020. “Work, Care and Gender During the COVID-19 Crisis”. CEP 2019 COVID Analysis. London: Centre for Economic Performance.

Joseph, S., 1996. “Gender and Citizenship in Middle Eastern States”. Middle East Report.

Karam, A., Ghaith Zureiqat, and Nizar Rammal. 2015. Social Protection and Safety Nets in Lebanon. Brighton: IDS.

Khalil, S. 2020. “Will Lebanon's New Domestic Worker Contract End 'Kafala Slavery'?”. Al-Araby Al-Jadeed.

Kimball, K., Robbie Gramer and Jack Detsch. 2020. “Beirut Explosion Imperils Lebanon’s Refugee Population—and Aid Routes to Syria”. Foreign Policy.

Kranz, M. 2018. “Lebanese Security Forces Crackdown on Syrians as Pressure Builds on Refugees to Return”. Al-Araby al-Jadeed.

Lamloum, O. 2020. “تونس. إدارة أمنية لجائحة كورونا على حساب الحق في الصحة”. Orient XXI.

Mahfoudh, D. and Amel Mahfoudh. 2014. “Mobilisations des Femmes et Mouvement Féministe en Tunisie”. Nouvelles Questions Féministes 33 (2): 14-33.  

Malik, A. and Jamal Ibrahim Haidar. 2020. “More Money is Not the Answer to Lebanon’s Troubles”. AlJazeera.

Marzouki, N. and Hamza Meddeb. 2015. “Tunisia: Democratic Miracle or Mirage?”. Jadaliyya.

Matthewman, S. and Kate Huppatz. 2020. “A Sociology of COVID-19”. Journal of Sociology 1-9.

Mills, M. B., 2003. “Gender and Inequality in the Global Labor Force”. Annual Review of Anthropology 32 (1): 41-62.

Moghadam, V. 1993. Modernizing Women: Gender and Social Change in the Middle East. Boulder: Lynne Rienner Publishing.

Moghadam, V. 2018. “The State and the Women’s Movement in Tunisia: Mobilization, Institutionalization, and Inclusion”. James A. Baker III Institute for Public Policy of Rice University.

Moughalian, C. and Zeina Ammar. 2019. Feminist Movement Building in Lebanon: Challenges and Opportunities. Beirut: RootsLab.

OECD. 2020. COVID-19 Crisis Response in MENA Countries. Paris: OECD Publishing.

OECD. 2020a. COVID-19 Crisis in the Middle East Region: Impact on Gender Equality and Policy Response. Paris: OECD Publishing.

Oxford Business Group. 2020. Tunisia COVID-19 Response Report. London: Oxford Business Group.

Pangborn, N. and Christopher Rea. 2020. “Race, Gender, and New Essential Workers during COVID-19”. Political Economy 2.

Stephan, R. 2014. “The Four Waves of Lebanese Feminism”. E-International Relations.

UNDP and MDICI. 2020. Impact Économique du COVID-19 en Tunisie: Analyse en Termes de Vulnerabilité des Ménages et des Micro et Très Petites Entreprises. New York and Tunis: UNDP and MDICI.

UNWomen. 2020. “Tunisian Women in the Face of COVID-19: During and After Confinement”. Policy Brief. New York: UNWomen.

UNWomen. 2020a. “Gender and Crisis of COVID-19 in Tunisia: Challenges and Recommendations”. Policy Brief. New York: UNWomen.

Wong, J. 2020. Regional Economic Outlook July 2020 Update: Middle East and Central Asia. Washington, D.C.: IMF Publishing.

World Bank, World Development Indicators.

Yacoubi, I. 2016. “Sovereignty from Below: State Feminism and Politics of Women against Women in Tunisia”. Arab Studies Journal 24 (1): 254-274.

 

 

رابط دائمhttp://nazra.org/node/736