مقدمة
تتعرض النساء في كل من المجال الخاص والعام إلى أشكال متنوعة من العنف والتمييز، وذلك يشمل العنف الجنسي بكل أشكاله، بداية من التحرش الجنسي وحتى الاغتصاب. وبالرغم من وجود بعض التدابير التي اتخذتها الدولة المصرية للحد من وقائع العنف الجنسي، كتعديل المادة 306 أ مكرر من قانون العقوبات وتعريف جريمة التحرش الجنسي للمرة الأولى في تاريخ القانون المصري، وقيام المجلس القومي للمرأة بإصدار عدة استراتيجيات متعلقة بالعنف الواقع على النساء ومنها استراتيجية مكافحة العنف ضد المرأة في عام 2015 واستراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030 في عام 2017 والتي تحتوي على محور الحماية، لاتزال جرائم التحرش الجنسي والعنف الجنسي متفشية في كل من المجال الخاص والعام.
ولا يخلو المجال العام من وجود الصحفيات به، بل تصطدم الصحفيات بالمجال العام بشكل كبير، نظراً لما تتطلبه مهنتهن من الاشتباك مع أماكن مختلفة وتغطية ومتابعة الأحداث المجتمعية وأيضا الخاصة بالدولة، وتحليلها وعرضها للرأي العام، وتشمل وظيفتهن أيضاً التطرق لقضايا ومواضيع شائكة تجعل مهنتهن خطرة في بعض الأحيان، واحتمالية تعرضهن لوقائع عنف أكثر من نظرائهن الصحفيين الرجال، نظراً لكونهن نساء وواقع أن العنف الموجه للنساء شديد الصلة والارتباط بنوعهن.
يتعرض العاملون والعاملات بالصحافة للكثير من المتاعب والعقبات سواء في المجال الخاص أو العام أثناء مباشرة مهنتهم/ن. وإن كان العاملين/ات يشتركوا جميعا في تحمل تلك العقبات مثل التعرض لوقائع العنف والتهديد والابتزاز والمضايقات الأمنية، بل والتعرض للقتل أحيانا أثناء تغطية بعض الحوادث والقضايا، إلا أن الصحفيات العاملات بذات المجال يتحملن بشكل مضاعف تلك الإشكاليات والمخاطر، حيث تظل تلك النساء مهددات بخطر التعرض المحتمل لوقائع العنف الجنسي المختلفة ، وتتعقد تلك الإشكاليات عندما تتعرض بعض الصحفيات لوقائع عنف واستغلال جنسي داخل مقار عملهن أو من قبل زملائهن الرجال. الأمر الذي يترتب عليه مسؤولية مضاعفة على المؤسسات الصحفية وكذلك نقابة الصحفيين بحماية الصحفيات بالشكل الذي يضمن سلامتهن وكرامتهن خلال أداء وظيفتهن. كما يصعب الفصل بين مدى جدية المؤسسات الصحفية المهنية والنقابية بالالتزام بالسياسات واللوائح المعنية بمناهضة العنف ضد النساء وبين نسبة تمثيل الصحفيات داخل الأجهزة الداخلية للنقابات والمؤسسات الصحفية وموقعهن من المناصب العليا.
تهدف هذه الورقة إلى بحث أهم الإشكاليات التي تتعرض لها الصحفيات سواء في المجال الخاص أو العام بالإضافة إلى تقديم مقترح بإنشاء لجنة خاصة تعني بمناهضة العنف ضد النساء، ولجنة أخرى تعني بقضايا النوع داخل نقابة الصحفيين. ويأتي ذلك انطلاقا من اهتمام نظرة للدراسات النسوية بأهمية قضية العنف الجنسي ضد النساء وضرورة توفير التدابير والسياسات اللازمة لحمايتهن من العنف الواقع عليهن.
التمييز ضد النساء داخل نقابة الصحفيين
اتسم المجال العام في مصر طوال السبعة سنوات التي تلت أحداث الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وحتى الآن بعدم الاستقرار والتقلبات الحادة التي شابها أحيانا قدر كبير من العنف. وهو ما شكل خطورة على الصحفيين والصحفيات أثناء ممارسة عملهن وتعرضهن لانتهاكات واعتداءات جسيمة بدءا من الحبس والاعتداء والسرقة والعنف الجنسي وحتى القتل. وعليه تأتي أهمية تواجد النساء - وفي هذه القضية الصحفيات المهتمات بقضايا النوع - في المراكز والمناصب القيادية وصنع القرار للتأكد من وجود تدابير وإجراءات خاصة بحماية النساء من العنف الجنسي والعنف بشكل عام. ونظراً لعدم وجود صحفيات في هذه المراكز المحورية في نقابة الصحفيين، يساهم عدم وجود هذا العامل الهام في ازدياد وقائع العنف ضد الصحفيات. فبالرغم من مشاركة النساء فى تأسيس نقابة الصحفيين، لم يحظين بتمثيل ملائم فى مجالسها المتعاقبة، فعبر 75 عاماً بين 1941 وحتى 2016، لم تُمثل الساء سوى تسعة صحفيات فقط. وفي مجلس نقابة الصحفيين السابق نجد أن مجلس نقابتها البالغ عضويته 12عضواً منتخباً لم يوجد به سوى سيدة واحدة فقط وهي الأستاذة "حنان فكري". بينما جاء مجلس النقابة الحالي المشكل بعد انتخابات التجديد النصفي في مارس عام 2017 خاليا من تواجد أي صحفية. وهو ما لا يتناسب مع عدد النساء داخل النقابة الذي تخطى الـ 30% عام 2012. ولا شك أن ذلك من شأنه التأثير على وضع الصحفيات وعدم مراعاة قضاياهن بشكل جدي سواء من حيث ضعف تمثيلهن داخل أجهزة النقابة أو على نسبة تعيينهن وترقيتهن في المؤسسات الصحفية العامة أو الخاصة. وينعكس هذا الخلل على مواجهة قضايا العنف الجنسي اللاتي يتعرضن له أثناء أو بسبب عملهن، لا سيما وإن كانت تلك الوقائع موجهة من زملائهن ومن مدرائهن داخل الوسط الصحفي والنقابي.
وقد كشف تقرير نشره موقع "مدى مصر" في 23 من أغسطس عام 2016، عن بعض وقائع التحرش والاستغلال والعنف الجنسي المسكوت عنها ضد الصحفيات، حيث تتعرض العديد من الصحفيات للتحرش والاستغلال الجنسي من قبل بعض زملائهن ومدرائهن. ولكن أغلب من تعرضن لتلك الوقائع فضلن الصمت لأنهن يعرفن مسبقا الآثار المهنية والاجتماعية المترتبة على تقديم تلك الشكاوى على فرصهن في العمل والترقي مستقبلاً، فضلاً عن صعوبة إثبات بعض الوقائع بشكل قانوني خاصة إذا كان الأمر يتعلق ببعض المديرين والمسؤولين داخل المؤسسات الصحفية التي يعملن بها.
وفيما يتعلق بعدالة الفرص بين الصحفيين والصحفيات، فتتعرض الصحفيات للتمييز وللممارسات السلطوية ذات الطابع الأبوي داخل المؤسسات الصحفية العامة والخاصة على السواء، فعلى سبيل المثال تقابل الصحفيات اللاتي يطلبن العمل بوظيفة "سكرتارية التحرير" بالاستهجان من قبل مدرائهن لأن تلك الوظيفة تتطلب المبيت في مقر العمل حتى ساعات الصباح الأولى للإشراف على إخراج وطباعة الجريدة وهو أمر يرفضه المدراء بدعاوى "أخلاقية" أو "حمائية" . ولا شك أن منع الصحفيات من التدرب ببعض المناصب الهامة والحيوية مثل "سكرتارية التحرير" و قصرها على الرجال فقط من شأنه أن يخل بمبدأ عدالة الفرص ويتسبب في توفير قدر أقل من الخبرات للنساء بالمقارنة بنظرائهن الرجال، وهو ما ينعكس على قلة عدد النساء اللواتي يتم تصعيدهن للمناصب العليا مثل "رئاسة التحرير" أو انتخابهن في مجلس النقابة العامة. وإذا كان هذا ما تعاني منه الصحفيات الحاصلات على عضوية النقابة، فوضع المتدربات اللاتي يعملن بالمؤسسات الصحفية لسنوات دون حصولهن على عضوية النقابة يظل الأسوأ على الإطلاق، فهن خارج إطار أي حماية مهنية سواء من النقابة العامة أو من المؤسسات اللاتي يعملن بها. والجدير بالذكر أن قيام نقابة الصحفيين بحمايتها للمتدربات وتوفير سبل الحد من تعرضهن للتمييز والعنف سيترتب عليه تشكيلهن كعضوات مستقبليات للنقابة وزيادة عدد الصحفيات داخلها.
إن توفير بيئة آمنة تحد من جرائم العنف بشكل عام والجنسي منها ضد الصحفيات والتأكد من تمثيلهن داخل نقابة الصحفيين لوضع السياسات المتجيبة للنوع واحتياجاتهن تحتاج إلى مراجعة آليات التحقيق الاداري لنقابة الصحفيين بشكل عام و للسياسات التمييزية التي تواجه الصحفيات بشكل خاص. ويترتب على ذلك تقديم مقترح بإنشاء عدة لجان من بينها لجنة مناهضة للعنف ضد النساء بالنقابة على النحو التالي.
أولاً : مقترح لجنة مناهضة العنف الجنسي ضد النساء
تختلف جرائم العنف الجنسي بمختلف درجاتها نوعيا عن الجرائم والمخالفات الأخرى التي تعنى بهم لوائح النظم النقابية مثل الاختلاس والسرقة والاعتداء البدني والتزوير، إلخ ، وبالتالي فإن يقتضي أسلوب معالجتها مع الوضع في الاعتبار صعوبة إثبات بعض الوقائع بشكل قانوني والصورة النمطية التي توصم بها النساء اللاتي يحاولن سلك طريق التقاضي أو الشكوى النقابية، عناية من متخصصين في التحقيق والتقصي مراعاة لطبيعة هذه الجرائم.
كما أن تواجد النساء والرجال داخل إطار مؤسسي ومكاني واحد تحكمه علاقات قوى متفاوتة بين المدراء والعاملين وبين أعضاء النقابة وزملائهن النقابيين مما قد يزيد من فرص "التكتم" وهذا يتطلب شكل جديد من قبل النقابة للتصدي بسياسة حازمة ضد العنف الجنسي بمختلف درجاته وبوجود آلية متخصصة للتعامل مع هذه الجرائم تراعي الطبيعة الخاصة لها. وعليه يأتي المقترح بتصميم وتفعيل آلية مختصة داخل النقابة من خلال إنشاء لجنة جديدة ودائمة بالنقابة تختص بفحص قضايا العنف ضد النساء باسم " لجنة مناهضة العنف الجنسي ضد النساء" تعني بـفحص شكاوى حالات العنف والاستغلال الجنسي ضد النساء في المؤسسات الصحفية العامة والخاصة، وتكون اختصاصاتها كالتالي:
إحالة الشكاوى المتعلقة باختصاصها إلى هيئة التأديب الابتدائية
ويأتي تشكيل اللجنة على النحو التالي:
ويأتي تعديل تشكيل هيئة التأديب الابتدائية وتتكون من:
أ) ثلاثة أعضاء يختارهم مجلس نقابة الصحفيين من بين أعضائه في أول كل دورة نقابية على أن يكون من بينهم سيدة على الأقل. وتكون رئاسة اللجنة لأقدمهم قيداً بجدول النقابة ما لم يكن أحدهم عضواً في هيئة مكتب مجلسها فتكون له الرئاسة
ب) عضو من الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام يتم اختياره من بين أعضائه الصحفيين
ج) مستشار من مجلس الدولة يختاره مجلس الدولة
د) إحدى عضوات مجلس نقابة الصحفيين التي لم تشترك في لجنة التحقيق يختارها مجلس النقابة
ويأتي حق رد أعضاء لجنة التحقيق وهيئة التأديب على النحو التالي: للشاكية أو من ينوب عنها حق تقديم طلب لمجلس النقابة العامة برد أحد أعضاء/عضوات لجنة التحقيق أو هيئة التأديب الابتدائية إذا توافرت فيه/ا الأسباب الآتية:
ويأتي مقترح الجزاءات التأديبية على النحو التالي:
ثانيا: مقترح لجنة قضايا النوع
كما تم الإشارة إليه سلفا، توجد ضرورة لإنشاء لجنة مختصة بقضايا النوع داخل نقابة الصحفيين لضمان بيئة مناسبة للصحفيات وتأخذ في الاعتبار الانتهاكات والتمييز الذي تتعرض له الصحفيات بسبب نوعهن، بالإضافة إلى تواجد آلية مستدامة تضمن تصميم وخلق السياسات التي تستجيب بشكل مستمر لاحتياجاتهن. ويقصد بمفهوم إدماج النوع: "عملية تقدير التداعيات الحاصلة على النساء وعلى الرجال نتيجة أي إجراء أو عمل مخطط له بما في ذلك التشريعات والسياسات والبرامج في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة. وهو استراتيجية لجعل مشاغل وخبرات النساء والرجال على حد السواء بعدا أساسيا في تصور وتنفيذ ومتابعة وتقييم السياسات والبرامج في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية بحيث يصبح بإمكان الرجال والنساء الاستفادة على حد السواء ولا تتم مفاقمة اللامساواة".
لا يقتصر مفهوم إدماج النوع في العمل النقابي على التأكد من المساواة "النظرية" بين النساء والرجال في قوانين ولوائح النقابات، ولكن يتجاوز ذلك لتحليل علاقات القوى بين النساء والرجال وبيان ملائمة التمثيل النسبي للنساء والرجال في المناصب القيادية والوظائف العليا وفقا لنسبتهم الإجمالية داخل النقابات من ناحية، وتقييم السياسات العامة للنظر في مدى توفيرها لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الأعباء والمسؤوليات بين النساء والرجال من ناحية أخرى. ولاشك أن تذليل الصعوبات وإزاحة العقبات التي تتفاقم آثارها على بعض أعضاء النقابات دون غيرهم بسبب جنسهم سوف يساعد في تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانيات وقدرات جميع عضوات وأعضاء النقابات مما يساهم في تنمية وتطوير العمل النقابي ككل.
ويتكون مقترح اللجنة المعنية من التالي: تنشأ بالنقابة لجنة دائمة باسم "لجنة قضايا النوع " تعني بــــتطوير اللوائح والنظم الإدارية والسياسات العامة للنقابة بشكل يراعي مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال وتمكين الفئات المهمشة. وتتشكل من:
أ) ينتخب مجلس النقابة أحد أعضائه ليعين مقرر للجنة قضايا النوع
ب) يجتمع أعضاء اللجنة بناء على دعوة المقرر الخاص باللجنة مرة كل شهر على الأقل لمناقشة برنامج العمل وأهم القضايا المطروحة داخل النقابة
ج) تشكل عضوية اللجنة العادية بواقع ثلاثة أعضاء على الأقل من كل لجنة قائمة بالنقابة العامة على أن يكون من بينهم سيدة على الأقل
د) يلتزم مقرر اللجنة بعرض تقرير نشاط اللجنة على مجلس النقابة بشكل دوري
وتأتي اختصاصاتها على النحو التالي: