"مرض الإدمان أيضًا مؤنث": تحليل نسوي للأبعاد الجندرية للإدمان وما تعنيه للنساء مريضات الإدمان والمتعافيات منهن

"مرض الإدمان أيضًا مؤنث": تحليل نسوي للأبعاد الجندرية للإدمان
  • "مرض الإدمان أيضًا مؤنث": تحليل نسوي للأبعاد الجندرية للإدمان

ورقة بحثية

28 يونيو 2018

مقدمة

 

تُعد قضية مرض إدمان المخدرات في مصر من القضايا التي يصعب تناولها لأسباب عديدة، فهي تُعتبر شأن يتردد البعض في التحدث عنه أو تناوله بدون التطرق إلى النظرة المجتمعية السلبية والحاكمة تجاهها، وارتباطها بتقييمات شديدة القسوة تجاه من يعانون من ذلك النوع من مرض الإدمان. وتتبع النظرة المجتمعية تجاه هذه القضية الهامة آثار تُعزز من تفشي مرض إدمان المخدرات؛ حيث يتحول إلى موضوع يصعب التحدث عنه بدون الشعور بالعار ومجابهة الوصمة المُلحقة به تلقائياً. ربما تغيرت النظرة تجاه مرض إدمان المخدرات في مجتمعنا المصري بعض الشيء نتيجة لعوامل كثيرة تشمل ولا تقتصر على مجهودات الأطباء والطبيبات والأخصائيين والأخصائيات النفسيات المتخصصين والمتخصصات في هذه القضية ودفاعهم عن مرضى ومريضات إدمان المخدرات، وزيادة حملات الوعي تجاه القضية، ووجود عدد كبير إلى حد ما من الأماكن العلاجية – سواء المُرخصة أو غير المُرخص منها - وكذلك وجود بعض التدابير الوطنية والإقليمية والدولية التي تهدف إلى الحد منها، بالإضافة إلى وجود مجتمعات تعافي ذاتية يستطيع أن يلجأ إليها مرضى ومريضات الإدمان  الذين يرغبون في التعافي. ولكن تظل الوصمة المجتمعية المُصاحبة لمرض إدمان المخدرات حاضرة في المجتمعات المتنوعة والمختلفة داخل مصر، وخاصة في المناطق التي يقطنها أُناس لا يملكون امتيازات الحصول على مناهج مجتمعية وإعلامية وطبية ذات الطابع التقدمي لعلاج مرض إدمان المخدرات.

 

كما تتأجج الوصمة المجتمعية المتعلقة بمرض إدمان المخدرات بشكل عنيف تجاه النساء مريضات إدمان المخدرات؛ فهن في الأساس نساء في مجتمع أبوي ينتهج ويتحلى بقيم وممارسات أبوية وذكورية تُعرضهن لتمييز وعنف مستمر، بالإضافة إلى رسم قوالب معينة وتقسيم الأدوار الذي يعطي أهمية للاهتمام لمن حولهن، وتحملهن عبء الحفاظ على شرف عائلاتهن والمجتمعات اللاتي ينتمين إليها. وتباعاً، بما أنه يتم اعتبار السلوك الخاص بمرض إدمان المخدرات سلوك "ذكري"، عادة يُقابل مرض إدمان النساء للمخدرات باستنفار وتهكم شديد مما يجعله غير مقبول مجتمعياً على الإطلاق. وبالتالي، تُعاني النساء مريضات إدمان المخدرات من حمل مضاعف؛ حيث تتحمل وطأة معاناتهن من مرض إدمان المخدرات نفسه، والنظرة المجتمعية لهن ونفور المجتمع بل وأسرهن منهن أيضاً، بالإضافة إلى عدم إدماجهن بشكل ممنهج داخل أية آليات أو تدابير يتم أخذها من الدولة بما تشمله من مؤسسات مختلفة سواء كانت طبية أو مجتمعية أو معلوماتية أو تأهيلية. وعلاوة على ذلك ونتيجة لكل الاعتبارات التي سلف الإشارة إليها، تُعاني النساء مريضات إدمان المخدرات من أشكال وأنماط مختلفة من العنف النفسي والجسدي والجنسي خلال رحلة مرض الإدمان النشط التي يتم تناولها في هذه الورقة. كما أنه سيتم تحليل البعد الجندري فيما يخص مرض إدمان المخدرات من النساء، خلال التعاطي النشط والتعافي أيضاً، لضرورة فهم العنف المستمر الذي تختبره النساء سواء خلال مرض الإدمان النشط، وعمليات الحصول على المخدرات، وتعافيهن من خلال مجتمعات تعافي ذاتية، وعلاقة ذلك العنف بكونهن نساء مريضات إدمان المخدرات. ويأتي ذلك انطلاقاً من اهتمام نظرة للدراسات النسوية بقضية العنف ضد النساء سواء في المجال الخاص أو العام، بالإضافة إلى أنواع العنف المختلفة التي تختبرها النساء في سياقات وأطر في الأغلب يكون مسكوت عنها، فالعنف ضد النساء لا يحدث في فضاء منعزل عن بقيتها، وهو ممارسة متفشية وممنهجة في جميع مجالات وسياقات الحياة المختلفة، سواء كانت خلال مرض إدمان المخدرات أو أي فضاء آخر.

 

أهمية الورقة ومنهجيتها

 

تنبع أهمية الورقة من دلالة وضع النساء مريضات إدمان المخدرات في مجتمعاتهن الخاصة والعامة، مع الوضع في الاعتبار أن وضعهن هذا مرتبط بشدة بكونهن نساء، وهو ما يتجلى بشدة من خلال توثيق وتحليل العنف النفسي والبدني والجنسي الذين يتعرضن له في السياقات المختلفة والخاصة بمرض إدمان المخدرات في هذه الورقة. وتأتي أهمية الكشف عن جرائم العنف التي يتعرضن لها سواء خلال إدمانهن النشط أو تعافيهن، حتى تُتاح الفرصة والمساحة للتعرف على احتياجاتهن وسبل توفير تدابير عن طريق الدولة أو المجتمع للحفاظ على حقهن في سلامتهن الجسدية وضمان المحاسبة حيال الجرائم التي يتعرضن لها. وتوجد أيضاً ضرورة إلى توفير آليات علاجية وتأهيلية مستجيبة للنوع وخصوصية كونهن نساء. كما أن الكشف عن أمثلة ونماذج من العنف الذي يتعرضن له سيتيح المجال لفتح النقاش بطريقة أوسع تجاه طرق الاستجابة الملائمة، ويخلق مساحة قد تشجعهن على التحدث عن هذه التجارب، بل والمطالبة بالتصدي لها، وسيخلق تحليل تلك التجارب نسويا الفرصة للتضامن معهن بشكل أكبر من المجتمع المصري، وربما حتى تفهمها، وخاصة أن العنف ضد النساء - بالرغم من تفشيه داخل كل من المجالين الخاص والعام - ينبع من أسس هيكلية على أساس خلل علاقات القوى بين النساء والرجال، وتأصيل جرائم العنف ضد النساء في هذه الهياكل المختلفة، سواء كان الخاصة أو العامة أو التي تشرف عليها مؤسسات الدولة وبما أنه لا توجد أية أدبيات أو تقارير أو أوراق توثق تجارب النساء مريضات إدمان المخدرات بشكل عام، سواء كان للاستغلال والعنف الذي يتعرضن له، أو كيفية مواصلة حيواتهن خلال التعافي وكيفية تعاملهن مع النظرة المجتمعية السلبية تجاههن، يبات من الضروري وجود هذا النوع من التوثيق، ليس لأهمية وجودها بحسب، ولكن أيضاً لتكون هناك مادة متوفرة يستطيع أن يستند إليها طوائف متنوعة من المجتمع ومؤسسات الدولة المعنية لتصميم خطط استراتيجية أو تطوير الموجود منها بالفعل لتناول هذه القضية وسبل مناهضتها؛ خاصة وأنه تزيد نسبة تحمل عبء مرض إدمان المخدرات والاضطرابات الناتجة عنه بين النساء عن الرجال، فخلال الفترة من عام 2005 وحتى 2015، بلغت زيادة نسبة تحمل النساء لهذا العبء بنسبة 25% مقابل 19% للرجال.

 

واعتمدت الورقة على منهج كيفي حيث تم عمل بحث مكتبي متعلق بالتقارير والأوراق التي تتناول القضية المعنية، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، كما تم عقد مقابلات مع إجمالي أربعة من الأطباء والطبيبات النفسيات والأخصائيين والأخصائيات النفسيات للتعرف على خصوصية مرض إدمان المخدرات للنساء، والتدابير المتاحة ومدى جدواها، بالإضافة إلى عقد مقابلة مع مسؤول البرامج بمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وبالرغم من استخدام بعض المعلومات الكمية المتوفرة في بعض التقارير السنوية لمنظمات مختلفة منها تقرير الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إلا أن الورقة لا تهدف للتوصل لإحصائيات خاصة بنسب مرضى ومريضات الإدمان أو تحليل حركة سوق المخدرات في مصر، وإنما لمعرفة إذا كانت توجد علاقة بين الحصر الكمي لمريضات الإدمان في مصر واستجابة تدابير الدولة لهن. وتم كذلك عقد مقابلات مع خمسة مريضات إدمان متعافيات للتعرف على بعض الوقائع التي تعرضن لها من عنف سواء كان خلال مرض الإدمان النشط أو في مجتمعات التعافي الذاتية، واثنان من مرضى الإدمان المتعافين للتعرف على نظرتهن لمريضات الإدمان المتعافيات وطرق تعاملهم معهن. كما أنه تتعمّد الورقة في استخدام الألفاظ التي تم اعتمادها في المقابلات البحثية في سرد أمثلة العنف الذي تتعرض له مريضات إدمان المخدرات المخدرات سواء خلال إدمانهن النشط أو في مجتمعات التعافي الذاتية للحفاظ على الطبيعة الأصلية للشهادات، بالإضافة إلى أهميتها في إظهار طبيعة العنف الذي يتم ممارسته وعلاقته بالوصمة المجتمعية المرتبطة بالنساء مريضات الإدمان وخاصة في وقائع العنف الجنسي والتي تؤكد على العلاقة الطبيعة الخاصة للعنف الممارس ضد مريضات إدمان المخدرات لمجرد كونهن نساء.

 

الصعوبات التي تم مواجهتها في العملية البحثية


تضمنت العملية البحثية لهذه الورقة عدة مصاعب، وأولها هو وجود أدبيات محلية محدودة للغاية – إن كانت منعدمة - تحتوي على توثيق كيفي أو تحليل لوضع النساء مريضات إدمان المخدرات بمصر، والجرائم التي تُرتكب بحقهن، أو الآلية التي تم من خلالها دمجهن في التدابير المأخوذة من الدولة تجاه ضمان تعافيهن، ومنها ورشة حضرتها وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي التي قابلت فيها 25 مريضة إدمان والتي عقدها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في عام 2017، والمعلومات التي أفاد بها مسؤول البرامج بمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن عقد ورشة بالتعاون مع وزارتي الصحة والداخلية وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي لسبل دعم النساء مريضات إدمان المخدرات وخاصة الحوامل منهن، والتي سيتم تناولها بالتفصيل في الورقة لاحقا. كما تم مواجهة صعوبة أخرى وهي وجود معلومات كمية من عينات تمثيلية عن أعداد النساء مريضات إدمان المخدرات في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مجردة من أية تحليل لكونهن نساء، من خلال التقارير التي يصدرها مكتب الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وتواجدت صعوبة أخرى متعلقة بعدم وجود أية معلومات عن مرض الإدمان وخاصة مرض إدمان النساء للمخدرات على موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووجود إحصائيات متضاربة عن نسب أعداد مريضات إدمان المخدرات في مصر، سواء كان من خلال تقارير لمنظمات معنية بهذه القضية أو أخبار صحفية، ولم تتمكن الباحثة من الوصول إلى رئيس صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي. وتباعاً، تم اتباع المنهجية المُوضحة أعلاه لعلها تستطيع الوصول لأكبر قدر ممكن من المعلومات الضرورية للورقة المعنية التي يمكن الاستناد عليها وتحليلها لتحقيق الغاية من البحث.

 

مرض إدمان المخدرات والوصمة التي تلاحق النساء مريضات الإدمان دوماً


تتباين الأدبيات التي تم الاطلاع عليها في تناول نسبة مريضات إدمان المخدرات مقابل مرضى الإدمان الرجال. فصرح مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي – الأستاذ عمرو عثمان – وصول معدل مرض الإدمان في 2016 إلى 2،4% من السكان، في حين أن التعاطي يصل إلى 10،4%، كما يفيد تقرير الخط الساخن للفترة من 2011 إلى 2013 لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان أن نسبة النساء مريضات إدمان المخدرات تصل إلى 3%، في حين أن تقرير آخر صدر من جامعة طنطا بعنوان: "الفروق الجنسية في طرق ومخاطر مرض إدمان المخدرات في مصر" في عام 2010 اعتمد على عينة بحثية تتكون من إجمالي 457 مدمن، 319 من الرجال مقابل 138 من النساء الذين ترددوا على العيادة الخارجية للطب النفسي بمستشفى جامعة طنطا في الفترة بين 2006 و2009، والذي قد يشير إلى أنه قد تكون نسبة النساء مريضات إدمان المخدرات أكثر من 3%. وبالرغم من أن المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان في مصر NCFTA أقر في عام 2008 بأن نسبة مرضى الإدمان في مصر تصل إلى 8.5% - أي 6 مليون نسمة - وأن نسبة الرجال مرضى الإدمان للنساء مريضات الإدمان 5:1، إلا أن د. إيهاب الخراط، الطبيب النفسي والمدير التنفيذي لمركز الحرية للتأهيل من مرض الإدمان يعتقد أن هذه النسبة في الحقيقة تصل إلى 3:1. وإن كان تباين هذه الأرقام والنسب يدل على شيء، فهو يدل على أنه لا توجد آلية واضحة مهتمة بوضع النساء مريضات الإدمان، وفي نفس الوقت، تُظهر قلة المعلومات المتعلقة بالنساء مريضات إدمان المخدرات نظراً لعدم سعيهن للعلاج – سواء كان ذلك نابع من اختيارهن أو رفض عائلاتهن لحصولهن عليه، خوفا من الوصمة المرتبطة بمرض إدمان النساء للمخدرات، والذي يتسبب في عدم وجود آليات متعمقة مستجيبة لاحتياجات النساء، ويعزز من الوصمة المجتمعية المُلحقة بهن، ويزيد من فرص ممارسة العنف عليهن. كما أن المعلومات المتوفرة للنسب الحقيقية غير محدثة أو متوفرة على المواقع الرسمية للمنظمات التابعة للدولة، ومنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، في حين أنه توجد بيانات محدثة في بعض المصادر الإعلامية والتي تغطي المؤتمرات التي تشارك بها هذه الجهات، كما سيتضح لاحقاً في الورقة.

 

وتؤكد د. منى عامر، رئيسة قسم علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة على هذه الأزمة، فطبقا لها، الثقافة المجتمعية تحتوي على الوصمة المتعلقة بمرض إدمان النساء للمخدرات وربطها بالعلاقات الجنسية في حين أن شرف العائلة مُلقى على أكتاف النساء، كما أنه لا توجد أية برامج شاملة تستهدف النساء؛ فمعظم حملات نشر الوعي تستهدف الرجال وبرامج الوقاية مصممة بفرضية أن مرضى إدمان المخدرات رجال ويتم استخدام أمثلة من الرجال في حملات التوعية. فعلى سبيل المثال، حملات التوعية المنطلقة من صندوق مكافحة وعلاج مرض الإدمان والتعاطي تحتوي على شخصيات عامة من الرجال مثل الفنان محمد رمضان ولاعب كرة القدم محمد صلاح والفنان محمود عبد المغني، ففي الفيلم الروائي "4X6"، يجسد عبد المغني دور مريض الإدمان، بينما تجسدان دور الأم والزوجة الفنانتين سوسن بدر وميما شامي. والأمر الذي يدعو للانتباه هو أنه حينما يتم تجسيد لأدوار النساء في الحملات المعنية، لا يتم استخدام دور لمريضات الإدمان النساء، وإنما يجسدن، كما في حالة بدر وجمال، الأدوار المتوقعة مجتمعيا من النساء وهي مسامحتهن للإبن والزوج مريض الإدمان وتعرضهن للعنف البدني منه دون تناول العنف الذي تعرضن له، مما يعزز بشكل غير مباشر التعتيم على واقع وجود نساء مريضات من الإدمان وبالتالي يزيد من عدم تقبلهن مجتمعياً. إن كون مريضة إدمان المخدرات امرأة والوصمة المتعلقة بها مرتبطة بالنظرة المجتمعية للنساء بشكل عام، فالأدوار المتوقعة مجتمعيا على النساء تنافي تماما واقع مرض إدمان النساء للمخدرات. فطبقاً لد. ألفت علام، الاستشارية النفسية إكلينيكيا، أن المشكلة الرئيسية التي تواجه النساء مريضات إدمان المخدرات هو كونهن "بنات"، فتوجد محظورات متعددة عليهن، فعلينا فقط تخيل النظرة الموجهة لهن حينما يتعاطين المخدرات. وذلك يؤدي إلى الإنكار الذي يعاني منه عائلاتهن، حيث تكون نسبة الإنكار أكبر في أسر مريضات الإدمان عن المدمنين الرجال وفي كثير من الأحيان تأخذ تلك الأسر قرار ضمني بأن بناتهن توفين وحيواتهن انتهت. أما مريضات الإدمان "الأكثر حظاً" بعض الشيء، يواجهن مصائر أخرى منها الحبس في المنزل والعنف الجسدي، أو تزويجهن لإخلاء ذمتهم منهن، والذي يعرض الكثير منهن للعنف. كما أنه توجد وصمة أخرى متعلقة بفهم طبيعة مرض إدمان المخدرات للقاعدة الكبيرة من المجتمع المصري، وخاصة في الطبقة المتوسطة وتجاه النساء، حيث يعتبر ذلك فشل في التربية، وليس مرض، والذي تعرفه زمالة المدمنين المجهولين Narcotics Anonymous كالتالي: "بمنتهى البساطة، المدمن هو رجل أو امرأة تسيطر المخدرات على حياته. نحن أناس في قبضة مرض مستمر ومتفاقم نهاياته دائماً هي نفسها – السجون، المصحات، والموت... مرض الإدمان مرض يشتمل على أكثر من تعاطي المخدرات. بعضنا يعتقد أن مرضنا كان موجودا قبل أن نتعاطى للمرة الأولى بوقت طويل".

 

والجدير بالذكر أن الأمر الأكثر خطورة هو انغراس هذه الأفكار والمعتقدات بين النساء مريضات إدمان المخدرات وأنهن لا يستحققن تلقي العلاج؛ فحينما يكون هناك شاب وفتاة يعانين من مرض إدمان المخدرات في نفس المنزل، عادة يكون هو تلقى العلاج أكثر من مرتين، في حين أنها لا تكون تلقت أي علاج على الإطلاق. وعليه، بالنسبة لد. علام، تكون فرصة تلقي العلاج للفتاة "فرصة عمرها إنها تنقذ حياتها"، حيث أنها غالبا لن تتكرر، حيث أن النساء يُصعّبن أمر العلاج على أنفسهن حيث أنه غير مطروح أن يتلقين العلاج لأنه ليس محتمل، لإن النساء معصومات من الخطأ مقابل استباحتها للشباب.

 

إشكاليات توافر الأماكن العلاجية للنساء مريضات الإدمان وقصور الآليات الوطنية


تمتد الوصمة المجتمعية المتعلقة بالنساء بشكل عام ومرض إدمانهن للمخدرات بشكل خاص إلى مدى توافر الأماكن العلاجية المتخصصة للنساء مريضات الإدمان، لا سيما مدى وجود تبني واضح لمنظور النوع من عدمه في البرامج العلاجية. فبالرغم من وجود العديد من المستشفيات والمراكز والمصحات المتخصصة في علاج مرض إدمان المخدرات، توجد ثلاث إشكاليات أساسية وهي: 1) نسبة الأسرّة للنساء ضئيلة للغاية مقابل المتوفرة للرجال؛ 2) تكاليف علاج مرض الإدمان في المستشفيات والمراكز الخاصة باهظة وبالتالي لا تستطيع النساء مريضات الإدمان من الطبقات المتوسطة أو المتوسطة الدنيا أو المتواضعة الاستفادة منها (وذلك ينطبق على الرجال أيضا ولكن العبء مضاعف على النساء)؛ 3) عدم وجود برامج شاملة ومراعية لأبعاد النوع في المستشفيات والمراكز العامة.

 

طبقاَ لد. الخراط، يوجد حوالي 1000 مركز لعلاج مرض إدمان المخدرات، والخُمس منها فقط متاح للأشخاص من الطبقة المتوسطة الدنيا أو الطبقة المتواضعة، في حين أنه هناك احتياج ل20000 سرير على الأقل، بحيث يكون 15000 منهم متاح للأشخاص من الطبقات المتواضعة، وحتى حينما تتواجد أماكن متاحة، تكون الوصمة المجتمعية تجاه النساء مريضات الإدمان أقوى بكثير عندما تكون النساء العاملات من المناطق الأكثر محافظة وتواضع، وبالتالي لا يسعين لتلقي العلاج اللازم. كما أن الطبقة تحدد نوع المخدر الذي يتم إدمانه من قبل النساء، وبالتالي فرصهن في تلقي العلاج ضئيلة للغاية. كما أنه يوجد كما سلف ذكره عبء مضاعف على النساء مريضات الإدمان نظراً لأن حوالي 80% منهن يعملن بالجنس للحصول على المخدرات، وهو من المحظورات الكبرى في المجتمع المصري، مما يؤدي إلى عدم حصولهن على دعم من عائلاتهن ويتبرأن يب منهن، في حين أنهن يعانين من خطر متزايد للإصابة بمرض فيروس نقص المناعة HIV وأمراض منقولة جنسية أخرى.

 

ومن ناحية أخرى، احتوت الورشة التي حضرتها وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي والتي عقدها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في عام 2017 على تواجد 200 من مرضى الإدمان من بينهم 25 فتاة فقط بمستشفى المعمورة بالإسكندرية، مع الأخذ في الاعتبار أن الصندوق يتشارك مع 21 مستشفى متخصصة في 12 محافظة وكما استعرضت د. والي، "الخط الساخن قدم خدمات العلاج الطبي والتأهيل النفسي في مستشفى المعمورة لنحو 12 ألف مريض خلال تسعة أشهر فقط خلال العام الجاري، وأن هناك نحو 11 ألف مريض من خلال العيادات الخارجية وسبق تخصيص 80 سريرا (رجال) و12 سريرا (إناث)، وقدمت الخدمة لنحو ألف مريض في الحجز الداخلي منهم 660 مريضة إدمان و٨٠ منهن بالحجز الداخلي"، وهو ما يؤكد على عدم وجود نسبة ملائمة للنساء مريضات الإدمان. أما في التقرير الفني للصندوق في عام 2014، استقبلت المستشفيات الشريكة مع الخط الساخن عدد 55593 مريض إدمان منهم عدد 15058 من المرضى الجدد، ويوجد عدد 40535 مرضى قدامى ترددوا للعلاج بالخط الساخن خلال الفترة من يناير حتى نهاية ديسمبر 2014. والملفت للنظر أن التقرير لم يوضح عدد النساء مريضات الإدمان اللاتي تم علاجهن من إجمالي العدد المذكور، مما يوضح عدم تبني منظور شامل للنوع، ولكن يتم تناول قضية النساء مريضات الإدمان بشكل منفصل عن الخطاب العام.

 

واستكمالاً للوضع في المستشفيات العامة، اتفق كلا من د. لوزا ود. عامر في مقابلات فردية أنه يتم استقبال النساء مريضات الإدمان في أقسام المرض النفسي، في حين أنه يتم استقبال الرجال مرضى الإدمان في أقسام مخصصة لعلاج مرض الإدمان. كما أنه طبقاً لد. عامر، الإطار المفاهيمي لعملية العلاج المتبناة في هذه المستشفيات تقليدية للغاية ولا تأخذ بعين الاعتبار ديناميكية التمييز والظلم والامتيازات، وهي ضرورية للغاية في تصميم برامج علاجية للنساء مريضات الإدمان من الطبقات المختلفة، وتكون طرق العلاج متقاربة جدا بين النساء والرجال.

 

وفي التقرير الفني لصندوق ومكافحة علاج الإدمان والتعاطي لعام 2016، تم استعراض ما تم تحقيقه من الخطة القومية لمكافحة تعاطي المخدرات، والتي أقرت في مايو 2015 بالتعاون مع 11 وزارة وهم وزارات الداخلية والتربية والتعليم والتعليم الفني والصحة والتعليم العالي والثقافة والقوى العاملة والشباب والرياضة والأوقاف والتطوير الحضاري والسكان بالإضافة إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، كما أعلنت د. والي في عام 2016 عن تشكيل لجنة فنية لمتابعة تنفيذ الخطة القومية لمكافحة تعاطى المخدرات بمشاركة ممثلين من الوزارات التي سلفت ذكرها. كما تجدر الإشارة إلى أن التقرير الفني المُشار إليه أعلاه تناول مجرد النية في "التوسع في توفير أماكن علاجية خاصة بعلاج الإناث وتخصيص برامج علاجية خاصة بهم ومحاولة حل المشكلات التي تحول دون علاجهم"، بدون التطرق بشكل مفصل إلى تلك المشكلات، وفيما يخص النساء مريضات الإدمان في نفس التقرير، أعلن عن "استحداث قسم لعلاج المراهقين والمراهقات بمستشفى العباسية" فقط، كما أوضح أن "نوعية المرضى المتصلين بالخط الساخن (احتوت على واقع أن) النسبة الأكبر من المتصلين من الذكور (97,7%) مقابل (2,3%) للإناث". ومع ذلك يتناول نفس التقرير هدف عمل "دراسة مسحية لواقع المجتمع المصري في الآونة الحالية، وهو ما يقوم به حالياً صندوق مكافحة وعلاج مرض الإدمان بالتعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والمجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان لبيان حجم التعاطي عند الجنسين ومنسباً إلى مواد التعاطي المختلفة، بالإضافة إلى متغيرات أخرى سوف يتم التعرف عليها من خلال المسح القومي للظاهرة"، وهو أمر ضروري وعامل هام في البدء في التعرف على خصوصية النوع في مرض إدمان النساء للمخدرات.

ويُقصد بضرورة إدماج منظور النوع في علاج النساء مريضات الإدمان تبني رؤية شاملة للعوامل المجتمعية التي تحيط بالنساء بشكل عام، ومريضات الإدمان منهن بشكل خاص، والعنف الذي يتعرضن له وسبل مناهضته، بالإضافة إلى توفير الخدمات الضرورية للنساء مريضات الإدمان، نظراً لواقع أن كثير منهن يقمن بإعالة أطفالهن بعد تخلي أزواجهن عنهن، أو نظراً لواقع إدمان أزواجهن للمخدرات في بعض الحالات، وتوفير بيوت آمنة لهن وتأهيلهن لوظائف يستطعن من خلالها تحقيق استقلالهن المادي، بالإضافة إلى علاجهن من أية أمراض، سواء كانت منقولة عن طريق التعاطي أو منقولة جنسياً، بالإضافة إلى وجود أطباء وطبيبات أمراض نساء لهن بالأماكن العلاجية، وتوفير خدمات للحوامل منهن، بالإضافة إلى خدمات أخرى قد تطرأ نظرا للطبيعة الخاصة لكونهن نساء. كما أنه توجد ضرورة لإعطاء النساء مريضات الإدمان الأهلية لأخذ قرارات علاجهن وعرض أكثر من بروتوكول للعلاج عليهن، حتى يستطعن اختيار ما هو ملائم لهن وظروفهن والبيئة المحيطة بهن.

 

وفي ذات السياق، وكما أكد الأستاذ فيصل حجازي، مسؤول البرامج بمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن من خلال تنسيق المكتب مع الحكومة المصرية، تم عقد ورشة في ديسمبر 2017 عن تطبيق معايير الجودة لعلاج مرض الإدمان بين الإناث والسيدات الحوامل، بالاشتراك مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، والتي صرحت خلالها د. والي بأن "البيانات المتحصلة من المسوح القومية التي شارك فيها الصندوق، كشفت أن نسبة الإناث بين إجمالي المتعاطين للمخدّرات 27.5%، وهى نسب تقارب المعدلات العالمية التي تشير إلى أن ثلث المتعاطين للمخدرات من الإناث كما تشير بيانات الخط الساخن "16023" لعلاج الإدمان التابع للصندوق أن نسبة ضئيلة من طالبي العلاج هن من الإناث وتبلغ فقط 4.5% من إجمالي الحاصلين على هذه الخدمات في المراكز العلاجية الشريكة للخط الساخن... (كما تم توفير) الخدمة (العلاجية) ل150 ألف مريض خلال عامي 2015 و2016". وبالطبع هذه التدابير هامة لإدماج منظور النوع في علاج النساء مريضات الإدمان، ولكن كما سلف ذكره، يتم أخذها بمعزل عن المواجهة العامة والشاملة لعلاج مرض إدمان المخدرات، ولا توجد معلومات مفصلة عن عدد النساء اللواتي تلقين العلاج من الأرقام المُشار إليها، وعقد عدد محدود من الورش الذي لا يتناسب مع نسبة تفاقم المرض بين النساء، فأفاد حجازي بأنه تم عقد ورش قبل المُشار إليها أعلاه والتي تناولت سياسات علاج مرض الإدمان والنساء وحقوق الإنسان والمعايير الدولية للوقاية وجودة المراكز العلاجية. ويبقى دور مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دور استشاري حيث لا يقمن بقياس الأثر الاجتماعي لتطبيق الأنشطة التي من شأنها مكافحة مرض الإدمان، والمكتب معني بالأساس بتطوير السياسات وتعديلها ودعمها، فيما يخص المعايير الدولية لتناول مرض إدمان المخدرات مع تناول تأثيره على النساء والأطفال والمصابين بفيروس نقص المناعة HIV.

 

قانون التعاطي وممارسات الشرطة ضد النساء مريضات الإدمان

 

انطلاقا من محاولة فهم السياق العام الذي يحيط بالنساء مريضات إدمان المخدرات بشكل عام وأشكال العنف المختلفة التي يتعرضن لها، من المهم أن يتم فهم الفلسفة التشريعية لقانون التعاطي وكيفية تطبيقها من عدمه، بالإضافة إلى تحليل ممارسات بعض رجال الشرطة ضد النساء مريضات الإدمان، فهن لا يتعرضن فقط لعنف من غير فاعلي الدولة المحيطين بهن، بل أيضا من فاعلي الدولة الذين ينتمين لنفس المجتمع الذي يمارس القيم الأبوية ضد النساء التي تعزز من العنف والتمييز الممارس ضدهن.

 

يستثني القانون رقم 122 لعام 1989 والخاص بتعاطي المخدرات العقوبة والمتمثلة في الحبس والغرامة لمتعاطي المخدرات الذين يحملون مواد مخدرة للتعاطي فقط (وليس الإتجار) في الحالة الآتية: إذا اعتبرت المحكمة المتعاطي مدمن (أي مريض). وفي هذه الحالة تقوم المحكمة بإصدار أمر بالإيداع في مستشفى ملائمة لتلقي العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي لمدة تتراوح من 6 أشهر إلى 3 سنوات (أيهما أقصر) والتي عادة كانت ستكون فترة الحبس بالسجن؛ أو إذا قام المدمن أو أحد أقاربه بالتقدم بطلب العلاج في أحد المستشفيات الملائمة، بحيث يُحدد فترة العلاج لجنة متخصصة. وبالرغم من أن الكثير من أخصائيين وأخصائيات علاج مرض الإدمان يؤمنون بضرورة تواجد الرغبة في التعافي وأنه كما يشير د. لوزا أن "استخدام المخدرات وحده ليس سبباً كافياً للإيداع القسري بمستشفيات علاج مرض الإدمان"، إلا أن القانون غير مُفعّل لأسباب غير معلومة، فالقانون طبقاً لد. لوزا، يزعم القانون وجود مراكز لعلاج مرض الإدمان بجميع المحافظات وهو ينافي الواقع الحقيقي، فينتهي الأمر بتكديس الكثير ممن يلقى القبض عليهم بمستشفى الخانكة. كما توجد علاقة وطيدة بين الوصمة المجتمعية لمرض إدمان المخدرات ومدى جدية تطبيق القانون من الكثير من الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين وضباط الشرطة والأخصائيين المجتمعيين، فتشير دراسة عن تداول واستخدام المواد غير القانونية بمصر أن 42،4% منهم يعتبرون مرضى إدمان المخدرات جنائيين وتباعا يرين أنهم يستحقون تلقي علاج تأهيلي وآخر عقابي، وهو ما يعكس خطورة عدم التصدي للوصمة المجتمعية المتعلقة بمرض إدمان المخدرات بشكل عام وخاصة المرتبطة بالنساء مريضات الإدمان.

 

تتناول المقابلة التي تم عقدها مع د. محمد هلال، طبيب الأمراض النفسية والعصبية وعلاج مرض الإدمان، سرد لوقائع تستعرض وقائع العنف ضد مريضات الإدمان من قبل فاعلي الدولة، مما أثار ضرورة أخذ قرار بخصوص استخدام الورقة لنفس الألفاظ والعبارات التي تم سردها خلال المقابلات الشخصية لوقائع العنف لأكثر من سبب: سعي الورقة لنقل التجارب التي تتعرض لها مريضات الإدمان كما حدثت بالفعل دون الحد من شدة وطأتها، دلالة الألفاظ والعبارات المستخدمة على الطبيعة الخاصة لكل أنواع العنف التي تقع على النساء والمرتبطة مباشرة بكونهن نساء، فالرجال مرضى الإدمان لا يتعرض في أغلب الأوقات لهذه الأنماط من العنف.

 

يروي د. هلال واقعة توضح جلياً نظرة فاعلي الدولة للنساء مريضات الإدمان، سواء اللواتي في مرحلة مرض الإدمان النشط أو مدمنات متعافيات، ، فخلال اصطحابه لعدد من النساء مريضات الإدمان المتعافيات اللواتي يتلقين العلاج بأحد المراكز التأهيلية في رحلة إلى مدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، وفي إحدى الكمائن الأمنية حينما تم الكشف على بطاقات هوياتهن، سأل الضابط د. هلال عما يفعلونه، وحينما شرح د. هلال له الأمر، رد الضابط عليه: "مدمنات؟ آه، شراميط يعني!". وواصل د. هلال بإقرار ممارسة العنف ضد النساء مريضات الإدمان في أقسام الشرطة وواقع أن الضباط يعتبرن الفتاة مريضة إدمان المخدرات "حشرة"، فمن واقع خبرته: "لو ضابط ابن ناس هيهينها ويضربها على قفاها ويجيب أبوها ويهينه وبعدين يعفوا عنها وده لو هي بنت ناس، وبالرغم من تعاملهم مع المخدرات بيتم أخذ الإجراء القانوني مجرد من أي شيء آخر. ومفيش توعية من الدولة بثقافة إن ده مرض...يجب بذل مجهود في إفهامهم إنه مرض وليس قصور أخلاقي. لازم يتم توعية الضباط وأقسام الطوارئ في المستشفيات والدكاترة لأنهم بيتعاملوا بمنتهى العنف والاحتقار والقرف".

 

وتجدر الإشارة أن الاعتداءات لا تقتصر على السب أو النظرة الدونية للنساء مريضات الإدمان فقط، بل تصل في أحيان كثيرة إلى الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، فطبقاً لأكمل، وهو مدمن مخدرات متعافي: "في واحدة اتقبض عليها في إحدى المحافظات على الطريق في كمين وكل الأمناء والعساكر ناموا معاها وبعدين رموها على الطريق من غير فلوس". وكذلك تروي د. علام عن فلسفة تعامل بعض ضباط إدارة مكافحة المخدرات تجاه مريضات الإدمان: "إدارة مكافحة المخدرات لما بيمسكوا واحدة  (مريضة) مدمنة، بيبقوا مشغولين بإزاي هيناموا معاها لإنها جايالهم ببلاش ومتاحة ومش هتشتكي، فهي صيد سهل."

 

وتدل تلك الوقائع، وهي مجرد أمثلة، على الاستغلال الجنسي للنساء مريضات الإدمان واستباحة العنف الجنسي ضدهن نظراً للوصمة المتعلقة بمرض إدمان المخدرات بشكل عام، وكونهن نساء مريضات إدمان بشكل خاص، كما أنه يبات من الواضح أن النساء مريضات الإدمان أنفسهن يعلمن أنه إذا حاولن الإفصاح عن ما تتعرض البعض منهن له أو تقديم شكاوى، في الأغلب لن يتم مدهن بالدعم المطلوب، فيفضلن السكوت عن هذا الجرائم، وهو ما يتوافق مع تردد الناجيات من جرائم العنف الجنسي في الإبلاغ عن الجرائم المرتكبة ضدهن نظراً لعدم احترام خصوصيتهن وعدم الاستجابة لهن في كثير من الأوقات.

 

أمثلة للعنف ضد النساء مريضات الإدمان خلال التعاطي النشط


تُعطي أمثلة وقائع العنف ضد النساء مريضات الإدمان من بعض فاعلي الدولة والتي تم تناولها أعلاه إشارة إلى مدى استباحة النساء مريضات الإدمان؛ فإذا كان يتم ذلك من قبل من هم من المفترض أن يعملون من أجل حمايتهن وتوفير كل السبل المتاحة لمساعدتهن، فيمكن تخيل مدى العنف الذي يتعرضن له من الفاعلين المجتمعين، ويشمل ذلك أسرهن والمجتمعات المحيطة بهن. لم تخلوا المقابلات التي عُقدت مع عدد من مريضات الإدمان المتعافيات من وقائع العنف الجسدي والجنسي؛ فجميعهن تعرضن لأنواع مختلفة من العنف خلال مرض الإدمان النشط. ويجدر التوضيح هنا والإشارة إلى واقع أنه تم تغيير أسماء المتعافيات من الإدمان واللاتي تم عقد المقابلات معهن حفاظاً على خصوصيتهن وحماية لهن. تحكي ثرية عن تلقائية استغلال مرضى الإدمان لمريضات الإدمان فقط لكونهن نساء، ويتضح لومها لنفسها النابع من الثقافة المجتمعية التي انغرست بداخلها والمرتبطة بلوم الناجيات من العنف:

 

إحنا في مجتمع لما بيتعرف إنك بنت بيبقى التعامل إن في مصلحة، ولما كمان بيتعرف إني مدمنة، كدة تلقائياً إن في سكة، سواء حتى من الأصدقاء. في استثناءات لكن الغالبية العظمى إن لو عايزة تضربي سواء معايا فلوس أو لأ، إن أولا لازم أنام معاكي علشان نضرب وممكن يبقى المقابل بكذا شكل، يا إما يتمنظر بيا قدام الناس يا إما هياخد منك حاجة جنسية، يا إما هيجيب بيكي مخدرات فيبقى في مُحن قدام الديلر... الموضوع معايا كان أوفر لإن شكلي كان مغري. في مواقف عنف بس إنتي السبب فيها ومواقف تانيين غصب عني. يعني مثلا لو رحت مع حد معرفوش ونروح الصحرا نشرب حشيش، فيعمل كدة. في واحد عرباوي نام معايا غصب عني مرتين في نفس اليوم علشان كان فاكر إني طالعة أنصب عليه وبعد ما سابونا واتأكدوا إننا مش جايين ننصب، أخدوا فلوسنا وموبايلاتنا، والديلر اللي كان معايا نام معايا غصب عني... أنا دايما بفتكر ده.

 

وكذلك تروي مروة أنها تعرضت لوقائع عنف واستغلال أثناء التعاطي من أجل الحصول على المخدرات أو التوصل لمصدر شرائها: "كان بيحصل تحرش، يعني يقفشوا فيا، بس مكانش أكثر من كدة علشان أنا كنت (عذراء)". فبالرغم من حسن حظها أنها لم تتعرض مثلا للاغتصاب، كان يتم استغلالها جنسيا واستباحة جسدها.

 

وتحكي غالية عن تعرضها للاغتصاب: "كان بيبقى في استغلال جامد جدا. كبنت الرجالة تفكيرها ممكن أديكي مخدرات بس أنام معاكي. كان بيحصل من ناس ديلرز وناس أول مرة أشوفها. وكمان كان بيحصل من أصدقائي الولاد. في مرة اتاخدت في بيت غصب عني وتم اغتصابي".

 

تتذكر رضوى تعرضها لوقائع عنف جسدي وجنسي بتفاصيل دقيقة بالرغم من إقرارها بأنه هناك أشياء لا تتذكرها نظراً لتعاطي المخدرات:

 

كنت ضاربة كثير جدا ومش لاقية حتة أبات فيها ورحت قعدت على قهوة بلدي وفي الفجر واحد شقطني وقلتله أنا عايزة حشيش فقالي ماشي وبدل قعدتك هنا إطلعي بيت صاحبي علابال ما أخلص شيفت القهوة. ونمت مع صاحب الشقة بعد الزن وبعدين الراجل جه ومعاه واحد وهو حاول ينام معايا والراجل اللي معاه كمان ومكنتش عارفة أقاوم من الضرب، واللي كان مؤلم إنهم هما الإثنين دخلوه (العضو الذكري) في نفس المكان في نفس الوقت في المهبل. بعدها جت 6 الصبح ومشيوا وصاحب الشقة قالي إنه رايح الشغل فمع نفسك وحد منهم سرق فلوسي. والويتر كان بياخد فودو وهو عبارة عن حشيش مع مادة هلاوس تقريبا بتيجي من أمريكا. وفي مرة تانية كنت اليوم ده مع طليقي وكنت ضاربة شوية واحنا طالعين من المطعم وبقوله الأكل مبقاش زي الأول، فغضب جداً وقالي: "الله يرحم لما كنتي بتتناكي ب40 جنيه ووجبة ماكدونالدز"، ورحنا عند العربية وقلتله مش هركب وبقى يديني بالشلاليت والأقلام وكسحني وقعدت أصوت وأقول ده جوزي محدش يعمله حاجة وهربت، وكان في واحد معدي بالعربية في الشارع ركبت معاه وقلتله وصلني لأقرب حتة وكان بيشرب سيجارة حشيش وطلعلي سيجارة وكان معاه شنطة ورايح شرم الشيخ يومين، ورحت معاه ووصلني الأوتيل وجالي تاني في نفس اليوم علشان نتعشى وقالي إن مراته مسافرة البلد ونمنا مع بعض وبدأ يسخن ويخرف، وبدأت أعمله كمادات لحد 3 العصر والسخونية مبتنزلش. وأخوه كان معانا في شرم الشيخ فكلمته وقلتله إني مش عارفة أتصرف ولازم أنزل فقالي أحط التليفون على ودن أخوه اللي فجأة قام من السرير كإنه وحش كاسر وهو أصلا ضخم جدا، كنت باخد بالقلم وأقع وقالي يا شرموطة ويا بنت المتناكة، أنا قايلك متكلميش حد، وفي القلم الخامس عيني كانت هتتصفى واللي سكته إني قعدت أصوت وكنت حاطة إيدي على عيني، وقعد يستمر في الشتايم وقام يدور على الحشيش ولبس هدومه ووصلني الأوتيل.

 

تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم أن بعضهن يدركن أن ما تعرضن له اغتصاب، أخريات تشرن إلى وقائع الاغتصاب والاستغلال الجنسي الذي تعرضن له كممارسة جنسية يتوفر بها عامل الرضا. وربما يدل هذا إما على طريقتهن للتكيف مع التجارب المؤلمة التي تعرضن لها، أو اعتبارهن أنه طالما كن يحصلن على مقابل (مخدرات أو التعرف على مصدر لجلب المخدرات)، فلا يمكن اعتباره عنف، بالإضافة إلى أن الثقافة المجتمعية لمرض إدمان المخدرات من النساء تلغي تلقائيا أهليتهن وامتلاكهن لأجسادهن وحقهن في سلامتهن الجسدية.

 

وعلى صعيد آخر، لم تكن آلاء متأكدة إذا كانت وقائع العنف التي تعرضت لها يحق لها أن تعتبرها عنف أم لا، ففي قرارة نفسها كانت تشعر أنها لم ترغب في حدوثها وأنها حدثت رغما عنها، ولكن قبولها لها وعدم محاولتها للدفاع عن نفسها سبب لها التباس، وهو ما يوضح بشكل جلي الفخ الذي تتعرض له الناجيات من الثقافة المجتمعية الذكورية واللوم المستمر للناجيات الذي يجعلهن ينفين أن ما تعرضن له عنف نظرا لعدم قيامهن بفعل عنيف أو جلل لوقف ما يحدث، والذي يعكس التشبع بالفكرة المريضة المتعلقة بأنه لا يمكن أن يُعتدى على النساء أو يُغتصبن طالما لم تحدث لهن إصابات جسدية عنيفة، ضاربة بعرض الحائط استسلام بعضهن للإحساس بالتهديد أو الخوف، أو حالة الصدمة التي تجعلهن غير قادرات على فعل أي شيء:

 

أول مرة أضرب هيروين كان مع زميل في الشغل. مش فاكرة حاجة خالص من أول مرة لإنه معروف إن أول مرة بيتاخد فيها هيروين التأثير بيكون قوي جدا. تاني مرة رحتله علشان أضرب تاني وبعد ما ضربت وقعدت على كرسي بره أوضته، فوجئت بيه جاي ووقف قدامي، وقام قالع البنطلون وحط عضوه الذكري في بقي... الموضوع غريب جدا لإني فاكرة اللي حصل كويس أوي وبحس إن الموضوع أخد كام ثانية وقعد وقت طويل في نفس الوقت... محاولتش أزقه ولا أي حاجة، كنت بس مخضوضة وفي نفس الوقت حسيت إن جسمي بيتصرف بطريقة ومخي بيحاول يوقف جسمي لكن مفيش فايدة... فاكرة كويس إنه خرج عضوه فجأة وقذف على صدري، وأنا كنا لابسة بلوزة بيضا وفيها فتحة من فوق في النص... عمري ما بنسى المنظر وإحساسي وأنا مقروفة جدا وببص في المراية الصغيرة اللي فوق الحوض والقرف اللي كان على البلوزة وجزء من صدري. وفي نفس الوقت كنت خايفة إنه ياخد باله إني مقروفة، فقعدت أنضف البلوزة وجسمي اللي جه عليه القرف ده وأنا راسمة ابتسامة صفرا على وشي علشان كنت خايفة أضايقه... فاكرة نظرة الانتصار الي كانت في عينيه ومكنتش فاهمة هو ليه عمل كدة، مع إنه كان دايما بقولي إني زي أخته وبيخاف عليا.


على الرغم من استيعابها بعد تلك الواقعة بسنوات عديدة أن ما تعرضت له هو اغتصاب فموي، تستمر آلاء في مجادلة نفسها أنه لا يمكن أن تعتبرها كذلك لأنها لم توقفه أو تعبر عن استيائها بعدها، واستمرت في التعاطي معه لفترة ليست قصيرة. وهو ما يعزز من فكرة قبول النساء مريضات الإدمان – إلى حد ما - للعنف الذي يتعرضن له خلال مرض الإدمان النشط نظراً لإقناعهن مجتمعياً أنها معادلة طردية. وتروي آلاء أيضاً واقعة اعتداء جنسي كالتالي:

 

كنت بحاول أبطل و"صديق" ضابط كان بيحاول يبطل في نفس الوقت وأقنعني إن الترامادول هيخلينا منحسش بأعراض الانسحاب. طلعت معاه البيت علشان قالي إنه أمان أكثر ناخده عنده في البيت. هو كان بيقعد يزن عليا إننا نتجوز عرفي وبحمد ربنا إني معملتش كدة. لما طلعت معاه وأخدنا ترامادول قالي أنام على السرير علشان أريح من أعراض الانسحاب وبعدها جه وهو لابس هدومه وطلع فوقيا وبدأ "ينام" معايا وأنا وهو لابسين هدومنا. اتخضيت واتجمدت وهو بدأ يعرق ويتأوه وبعدين قالي أقول آه. كنت خايفة منه وفي نفس الوقت حاسة إني بره جسمي وبتفرج على اللي بيحصل ومثلت إني بعمل اللى هو قالي عليه، وبعد ما خلص قام وراح يجيب حاجة يشربها. قمت بسرعة وكنت حاسة باشمئزاز من نفسي وكل ما بفتكر بحس بنفس درجة الاشمئزاز، وقلتله إني متأخرة ولازم أروح ومقابلتوش تاني من ساعتها. مشفتوش تاني غير في اجتماع من بتوع (زمالات التعافي الذاتية) وكان بيحاول يوصلي بأي طريقة علشان يتكلم معايا، وأنا قلت للناس اللي معايا ومنعوه من إنه يقرب مني ومشفتوش تاني من ساعتها... كل ما بشوف عربية زي بتاعته ماشية في الشارع بترعب يكون جواها ويشوفني.


ويتضح من هذه الواقعة أن في العنف الممارس من المدمنين لا يقومون فقط باستغلال كونهن رجال، ولكن أيضا يقمن باستغلال امتيازاتهن والمتمثلة هنا في وظيفته كضابط شرطة لإرهاب النساء وجعلهن يشعرن بمدى الخلل الكبير في علاقات القوة بين الرجال والنساء، بالرغم من كونهم هما الاثنين مدمنين للمخدرات.

 

أمثلة لامتداد العنف ضد مريضات الإدمان المتعافيات في مجتمعات التعافي


يفترض الكثيرون أن مرحلة التعافي من مرض إدمان المخدرات تخلو من استغلال النساء وممارسة العنف ضدهن. ولكن ما يجب تذكره هو أن مجتمعات التعافي هي مرآة للمجتمع ذاته الذي يتم فيه ممارسة جميع أشكال العنف الجنسي ضد النساء، والتشهير بهن وإرهابهن نفسيا والاعتداء عليهن جسدياً. فيوجد ضمن مرضى الإدمان المتعافين نماذج للجناة الذين يستغلون امتيازاتهم المتمثلة في كونهن رجال يُفلت الكثير منهم من العقاب ويُدعمون من مجتمع طُبّع مع العنف والتمييز المستمر ضد النساء، لاسيما تحميل النساء أعباء تعرضهن للعنف وعدم وجود - حتى الآن - تطبيق شامل وفعال لآليات من شأنها مناهضة العنف الذي يتعرضن له، بالرغم من وجود الكثير من هذه الآليات مثل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء والتي أصدرها المجلس القومي للمرأة في مايو 2015، في نفس الوقت الذي أعلنت فيه د. والي عن الخطة القومية لمكافحة مرض الإدمان. وتقول ثرية:

 

أنا واحدة من البنات اللي دخلت مكان علاجي للبنات بس ساعة الحملة بتاعة عمرو خالد. دخلت لقيت فوق ال20 بنت واتخضيت لإني كنت متخيلة إن أنا لوحدي البنت اللي بتضرب. المكان كان بيعمل أحسن ما عنده بس مستحملتش الحبسة وطلعت بعد 6 أيام بس هو حطني على أول الطريق ودخلت (إحدى مجتمعات التعافي الذاتية). (المجتمع) ده مرحب لإن فيه بنات كثير، لكن كأفراد في ناس كثير استغلالية وده راجع لإننا شبه بعض في المرض لكن مش البيئة، والمجتمع ده فيه بيئات مختلفة وكل واحد لما بيبطل بيرجع لأصله. وموضوع الطبقة بيفرق في الفكر وخاصة تجاه التعامل مع البنات. أنا شخصيا مشفتش تجاوزات في التعامل لإني بحط حدود. لكن في بنات كثيرة انتكست وماتت بسبب عمل علاقات جوه المجتمع ده. أنا مش بلومهم لكن إحنا مش ملايكة وعندنا عيوب ولازم ناخد حظر كفاية. البنات المتعافيات لازم يعملوا مجهود أكبر بكثير من الرجالة في المجتمع ده. يعني ممكن تتعرضي للاغتصاب لكن لازم يتحط حدود. أنا كنت مصاحبة حد مبطل ونفس المدة وكان المفروض إنه بيحبني وكان عايز يتجوزني بس أنا كنت خايفة من موضوع الجواز وهو كان مستكبر إني رفضت. فالموضوع تحول لضرب وشتيمة وأنا سبته أول ما عمل كدة لإني مش عايزة ده. إنتي من الأول عارفة إنك مش هتتجوزيه، فبتعملي العلاقة ليه؟ فأنا شايفة إنه كان عليا عامل كبير في الغلط. وأول مشكلة بيني وجوزي اللي (مبطل برده) إنه عايرني بإني كنت مدمنة بالرغم من إنه هو مدمن متعافي: "مانا نسيت إنتي جاية منين، دانا نجدتك". وأعرف إن في كذا بنت ماتوا بسبب إن مفيش دعم والولاد استغلوا إنهم مش لاقيين دعم فكانوا بيستغلوهم ويناموا معاهم وينتكسوا ويموتوا. أنا أعرف عن 3 بنات ربنا يرحمهم. مشكلة استغلال البنات في المجتمع ده بتكبر لإن مفيش وعي. المفروض الأماكن العلاجية تعمل وعي بإنه مينفعش والبنات خط أحمر. مرة كنت عاملة شهرين تبطيل وبحضر اجتماع والمتحدث فيه شبه البرص والاجتماع فيه 5 بنات وقاعد يتكلم بس عن البنات (اللي في المجتمع ده) ويستعرض ممارسته للجنس معاهم.


وتحتوي شهادة ثرية على دلالات كثيرة؛ فسلوك بعض مرضى الإدمان المتعافين ونظرتهن للنساء لا تختلف عن فترة إدمانهن النشط نظراً لأنه سلوك غير مرتبط بمرض الإدمان النشط، بل مرتبط بالخلل المجتمعي الذي ينشأ الكثيرين من الرجال عليه في علاقاتهن بالنساء. كما أن واقعة "معايرة" زوجها لها توضح كيفية تقبل مرض الإدمان للرجال وعدم تقبلها للنساء، بالرغم من تشاركهن في انضمامهم لذات مجتمع التعافي الذاتي، فسواء كن النساء مريضات الإدمان نشطات أم متعافيات، ستظل النظرة الدونية تجاههن واستباحتهن مستمرة.

 

أما مروة، فتحتوي شهادتها عن استغلالها جنسيا والذي أدى لفقدانها لعذريتها في إحدى المجتمعات المُشار إليها:

 

كنت بحاول أبطل من الشارع وحضرت اجتماع وبقيت (غير عذراء) من حد مبطل 10 سنين. قالي (هيعمل) اجتماع عنده، وقبلها قابلته في كافيه واتفقنا نتقابل تاني يوم ورحنا لاجتماع كان (مفيهوش أماكن) وعمل تليفونات (علشان يرتب لاجتماع) غير رسمي عنده في البيت. كنت في أعراض انسحاب بسيطة ودخلت الحمام ولقيت دم وحسيت عادي ده اللي كان ناقص وخلاص. كان في استغلال وضحك عليا. كنت لما بروح اجتماع وهو رايحه بلف وبرجع، وهو كان بعتلي وأنا مبطلة سنتين يقولي أنا حاسس إني آذيكي بس مش عارف في إيه.


...الوقائع بتزيد بكثير علشان أنا مثلا (بساعد) 13 بنت وللأسف أغلبهن (بيبقوا لسه داخلين جداد على المجتمع ده) ومعظم اللي بيدخلوا يبطلوا أعمار صغيرة (الرجالة والبنات)، ووقائع الاغتصاب بتحصل لو البنت محتاجة قلوس أو حاجة تانية. وأغلب الرجالة بيبقوا ناس عاملين مُدد. يعني مثلا بنات مطرودة ومعهمش فلوس. أو مثلا واحد بيدفع الإيجار مقابل إنه يروحلها ينام معاها وهما من جواهم مش عايزين ده بس مضطرين. وساعات بيحصل إن بنات معهمش 10 جنيه فالولاد يقولولهم تعالي أعشيكي مقابل إن يناموا معاهم. وهما هيفضلوا دايما شايفين إن البنت المدمنة دي حاجة قذرة.


توضح شهادة مروة أن بعض مرضى الإدمان المتعافين الذين يمارسون العنف ضد النساء الراغبات في التعافي يستغلون سوء ظروفهن في بداية رحلة تعافيهن، وأن اللواتي يأتين من طبقات أكثر تواضعاً أو يفتقرون إلى أنظمة الدعم – سواء كانت من أسرهن أو أصدقائهن – يتم استغلالهن بحجة توفير احتياجاتهن الأساسية والتلاعب بهن، وهو يعكس ضرورة وجود آليات تُساعد النساء الراغبات في التعافي على استقلالهن ماديا وتوفير احتياجاتهن الأساسية.

ويبدوا أنه لا تختلف الأساليب المُستخدمة من قبل بعض المدمنين المتعافين، فتروي غالية:

 

بيحصل استغلال من ناس مبطلة بال10 سنين، مرة كنا رايحين ناكل وأنا كنت عايزة أدخل الحمام وكنا جنب بيته فطلعنا البيت ولقيته هجم عليا وساعتها نزلت أجري. متكلمتش في الموضوع ده مع حد وقلت بس لأختي لإن الكلام بيترطرط والموضوع بيكبر وياخد شكل وحش. في المواقف دي بيبقى في لوم من البنات وإن أنا اللي إديته فرصة يعمل كدة...مع كبر المجتمع ده الموضوع بيزيد بالذات مع البنات الجداد وبيخشولهم من حتة كلام (عن كيفية التعافي) وإنهم مش فاهمين وكدة. على فكرة في بنات كثير عايزة تبطل بس المشكلة إن أهاليهم مش قابلين ده وشايفينه وصمة عار ومش عارفين إن ليه علاج، وطبعا الممارسات دي مبتساعدش خالص وبتزود إحساس اليأس وإن مفيش فايدة. عدد الدكاترة اللي عندهم (البعد ده) ده قليل جدا ولازم يكون في بيوت آمنة والمدمنات المتعافيات أكثر ناس تعرضوا لده فعندهم خبرة في حين إن الدكاترة والمدمنين المتعافين مش واعيين بالبعد ده خالص.


تطرح شهادة غالية نقطة مهمة للغاية، وهي ضرورة وجود طبيبات وأخصائيات نفسيات على دراية بالبعد الخاص بالنوع، كما يجب أن يتم تدريب الأطباء والأخصائيين النفسيين عليه، حيث أنه من المعطيات الأساسية والهامة للتعامل مع النساء مريضات الإدمان الراغبات في التعافي.

 

وكذلك تتحدث رضوى عن العنف الذي تعرضت له قائلة: "كنت في (نشاط تبع المجتمع ده) مختلط وواحد حط إيده على ظهري وافتكرتها غلطة (الكرسي بلاستيك مخرم) وحصلت مرة تانية فزعقت فيه و(الشخص المسؤول عن إدارة النشاط) طلعني بره والمعالجة اللي كانت معايا وبنات تانية بتهديني. ده كان معاه مراته واتقالي إنه بيتهيألي وحسيت إنه علشان أنا مدمنة محدش هيصدقني ومحصلش أي أكشن". ويتضح هنا مواجهة بعض مريضات الإدمان المتعافيات عبء مضاعف متعلق بكونهن نساء والتشكيك فيما يعبرن عنه لأنهن نساء ومدمنات، بينما يتم الافتراض تلقائيا أن المدمن المتعافي يقول الحقيقة دوماً نظرا للامتيازات المُرتبطة بكونه رجل، والتنميط المجتمعي السائد للنساء والمغلوط بأنهن قد لا يتفوهن بالحقيقة طوال الوقت أو يبالغن في ردود أفعالهن أو يتوهمن أشياء لا تحدث.

 

أما عن التعرض للتشهير، تتحدث آلاء عن قيام صديق لها في ذات "المجتمع" بذلك، والذي مثّل لها صدمة كبرى:

 

من أكبر الصدمات اللي تعرضت ليها على مستوى الصداقات في حياتي كلها كانت في المجتمع ده. أدركت قد إيه الناس بتتعامل بمعايير مزدوجة. كنت مشتركة مع "الصديق" ده في أنشطة تطوعية في ذات المجتمع ده، وهو كان في علاقة مع امرأة خارج المجتمع ده واتجوزوا. وأنا بسذاجتي كنت متصورة إن هو فاهم إنه أخ بالنسبالي وكنت دايما بوضح ده له ولزوجته وقتها اللي اطلقوا في الآخر. مش هتكلم في هما اطلقوا ليه لإنه ميخصنيش. لكن الصدمة الحقيقية بالنسبالي كانت لما فوجئت إنه بيتكلم من ورايا وبيشهر بيا وبيقول إني السبب في طلاقه، وأنا أصلا مكنش في أي حاجة من ناحيتي تجاهه على الإطلاق ولا بفكر في حاجة كدة أصلا، وكنت موضحة كويس أوي طبيعة العلاقة. لحد دلوقتي مش فاهمة هو ليه عمل كدة وعمري ما هسامحه. أنا كنت ببذل مجهود مضاعف الضعفين علشان عارفة إن المجتمع ده حساس جدا وكنت كافية خيري شري وحسيت إن الجبان ده جه في ثانية وهد كل اللي بنيته والمجهود اللي بذلته. أنا كنت بتعامل بمنتهى حسن النية والأخوية وهو كان دايما بيقول إنه فاهم ده وإني أخته وشقيقته. والكارثة إن هو عمل ده في وقت كنت بعدي فيه في ظرف من أصعب وأقسى الظروف اللي مريت بيها في حياتي ومش عايزة أشوفه تاني بقية حياتي ولا حتى صدفة. بالنسبالي هو خاين وخان احترامي ليه.

 

يتضح من واقعة التشهير التي تعرضت لها آلاء ازدواجية القيم لبعض مرضى الإدمان المتعافين في المجتمع المعني، فالبعض ممن يزعمون تفتحهم الذهني وتقدميتهم في حين أنهم ليسوا كذلك على الإطلاق، بل ينساقون وراء القيم الأبوية والذكورية التي تمارس من قبل الكثيرين في المجتمع المصري والتي لا تعترف بعلاقات الصداقة بين النساء والرجال، نظراً لأن النساء يحاولن دائما إغواء الرجال، وهو أيضا فكر ينتمي للتنميط المختل للنساء، ويعتبر امتداد لممارسة اللوم المستمر لبعض النساء على أفعال هن لسن مسؤولات عنها بالمرة.

 

ويؤكد د. هلال على العبء الذي تعاني منه مريضات الإدمان المتعافيات في مجتمعات التعافي الذاتية، حيث أنه:

 

مطلوب من البنت تعدي اختبارات كثيرة وفترة كبيرة لغاية ما (زمايلها) يفهموا إن دي واحدة عدلة. لكن في نفس الوقت، لو البنت راحت لمدير (المكان اللي بيشرف على نشاط معين) واشتكت، بيطرد وبيتاخد عليه (تصويت) إنه ميحضرش وبيعتذرولها. بس مش كل البنات بتاخد حقها. الخوف أول ما بتيجي بيبقى حجمه كبير جدا وبتسكت. لكن برضه المجتمع مش عايز ينسالها وبيعايرها. والعنف هو أداة الاستغلال. وممكن يتعامل مع الراجل المتعافي على إنه عامل معجزة لكن البنت لا وبيتم ربطه بمثلث الجنس والمخدرات، والأهل كمان بيعملوا كده، ومقدرش ألوم الأهل لإن هي دي النظرة المجتمعية.

 

ومن زاوية أخرى، يوضح أكمل أنه بالرغم من حدوث وقائع متعددة للاستغلال والعنف الجنسي ضد مريضات الإدمان المتعافيات في مجتمعات التعافي الذاتية، إلا أنه يوجد أيضاً أمثلة ونماذج لمرضى إدمان متعافين لا يقومون بهذه الممارسات، بل ويحاولون القيام بأنشطة من شأنها توعية مريضات الإدمان ومرضى الإدمان المتعافين في تلك المجتمعات: "تم عقد ورش كثيرة عن موضوع الاصطياد الجنسي، مرتين أو 3، في القاهرة والإسكندرية خلال الثلاث سنوات الأخيرة."، كما يوضح أنه تم الاستعانة بمواد متعلقة بهذا الأمر من مجتمعات تعافي ذاتية في دول أخرى.

ويستطرد أكمل: "(المشكلة) إن الطمطماية الفاسدة بتبوظ القفص، بس في (مجتمع التعافي الذاتي في تقديري) من 30 ألف ل 40 ألف ونسبة البنات (فيه) تعدت 25%، في كده وكده وفي قلة قليلة بتحترم نفسها"، موضحاً أن احترام مرضى الإدمان المتعافين لأنفسهم واحترامهم لمريضات الإدمان المتعافيات يعكس القيم الحقيقية لمجتمعات التعافي الذاتية. ويتضح هنا أن عدم ممارسة العنف أو الاستغلال ضد مريضات الإدمان المتعافيات نابع من قيمة الاحترام وضرورة كون مريضات الإدمان المتعافيات محترمات، أكثر منه إيمان بحقهن في سلامتهن الجسدية والنفسية.

 

أما محمود، وهو أحد المدمنين المتعافين في هذا المجتمع، يوضح أنه يتم معاملة مريضات الإدمان المتعافيات في بعض الأحيان بطريقة "ألطف" من أحيان أخرى، فيوضح أنه حينما يقوم بعض مرضى الإدمان المتعافين "(بلمح) واحدة واقفة بره والاجتماع (بيكون مفيهوش مكان)، بيقوم علشان هي تدخل. البنت اللي بتيجي تحضر اجتماع في مجتمع شرقي بتضغط على نفسها لما بتعرف إنها مدمنة، وتبطيلة البنت بتبطيلة 10 رجالة. وفي نفس الوقت، لو اجتماع فيه 100 واحد حاضر وفيه بنت واحدة، هتلاقي 200 عين بتخرم فيها". وبالتالي يمكن التوصل للاستنتاج أنه لا يمكن تعميم ممارسات الاستغلال والعنف من الكثير من المدمنين المتعافين تجاه مريضات الإدمان المتعافيات، ولكن في نفس الوقت، لا يمكن إنكارها أو إغفالها.

 

ويُكمل محمود: "اللي أقبله على نفسي هقبله على غيري واللي مقبلوش على أختي مش هقبله على غيري... بعد 25 سنة ضرب (أدركت إن) أنا عندي 4 إخوات بنات ولازم أخاف عليهم بفضل ربنا وكمان ربنا رزقني ب4 بنات"، مما يوضح أن بالنسبة له، حق المدمنات المتعافيات في عدم التعرض للاستغلال والعنف ينبع من الدور المجتمعي المصبوغ على الرجال في حماية النساء من العنف بمبدأ اعتبارهن "أخوات له أو بناته"، مما يعيد إلى الأذهان بعض الخطابات التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة من بعض المبادرات والمجموعات المناهضة للتحرش والعنف الجنسي في المجال العام، نابعاً من مبدأ "حمائي" يتسم بالوصاية على النساء، وهو ما يتعارض مع العنف المتفشي ضد النساء والفتيات في المجال الخاص، سواء الذي يتم ارتكابه من قبل الآباء أو الأقارب الذكور والأزواج لسنوات طويلة، سواء كانت عنف نفسي أو جسدي أو جنسي بأشكاله المختلفة، والتي تم تناول أمثلة كثيرة منها من خلال حملة الزقزقة العالمية الأخيرة #أنا_كمان #me_too.

 

ويستفيض أكمل في حديثه عن قضية الاستغلال والاصطياد الجنسي من بعض مرضى الإدمان المتعافين في مجتمعات التعافي الذاتية والأفكار التي يتبنوها قائلا:

 

هن سبايا لنا وهو إنتي هتسوقي الشرف عليا؟ إنتي شرموطة طول عمرك. إحدى البنات كانت هتتخطب واللي هتتخطبله عايز ينام معاها وهي مش عايزة و(زميل متعافي بقاله فترة) قالها ينام معاكي بعد الزفة. في حين إن الرد عليها من (زميلة متعافية بقالها فترة) كان: "إنتي هتسوقي الشرف عليا؟ دانتي مسقطة 3 مرات وكنتي بتطلعي الأوردر ب5 جنيه". في رأيي أساس المشكلة الوصمة المربوطة بالنساء مريضات الإدمان وإحنا في مجتمع ذكوري. الناس كلها مقتنعة إن دي مشكلة الرجالة بس. أنا أعرف 3 بنات كانوا عذارى ومارسوا الجنس تحت ادعاء إنه نوع من أنواع الدعم. كمان مفيش سيرة مدمنة ومفيش إعلانات للبنات. الفكر الموجود هو إن لو ولد في البيت فهو عيل بايظ ولو بنت فهي شرموطة لإنه لازم تكون عملت تنازلات بنسبة 70%. وفي طبعا تواطؤ في المجتمع ككل و(مجتمع التعافي الذاتي). دايماً بيتقالي إنت بتقفل علينا والكلام ده بنستفيد منه وخلي الكلام ده لنفسك.

 

وبالتالي بينما يؤكد أكمل على طبيعة المجتمع الذكوري في مجتمع التعافي الذاتي والتي تنبع من المجتمع المصري الواسع، يوضح أيضا تبني المفهوم المحافظ والأبوي لفكرة "شرف" و"عرض" النساء الذي لا يسمح بوجود علاقات جنسية قبل الزواج في حين قبول ممارستها من قبل الرجال، ومدى تغلغل هذا المفهوم المحافظ بين البعض من مريضات الإدمان المتعافيات، اللاتي يُجبرن على التحلي بهذه المفاهيم والمبادئ ليتمكن من حماية أنفسهن في هذا المجتمع، وكيف تم مقابلة ذلك بشكل عنيف وفج من إحدى مريضات الإدمان المتعافيات، دون التطرق إلى رغبة مريضة الإدمان المتعافية في ممارسة أهليتها على جسدها وحقها في امتلاك القرار بخصوص ما تفعله جنسياً. كما أن التواطؤ المًمارس من قبل البعض من مرضى الإدمان المتعافين في هذا المجتمع يعكس درجة التواطؤ الموجودة في المجتمع المصري بشكل عام من الأغلبية، فالإنكار لهذه الوقائع والسكوت عنها فقط ليس كافي، بل ضروري للمحافظة على الفرص المتاحة لاستغلالها لمصلحة الكثير منهم.

 

وفي سياق آخر، تتطرق د. علام إلى نوع آخر من العنف المُمارس ضد مريضات الإدمان الراغبات في التعافي: "العنف اللي بيمارس ضد البنات وقت التعافي إنه بيحصل تحرشات في الأماكن العلاجية من الأطباء والأخصائيين ومن الولاد المدمنين للبنات مريضات الإدمان، وبتبقى مسؤولية مشتركة لإن هي بتقيم قيمتها من خلال مدى مرغوبيتها من الولاد وبتبقى مستعجلة وعايزة تتحمي في الولد، في حين إن هو بيبقى واصمها ومحتقرها بس عايز يشوف إزاي يستغلها". وبالتالي، تسهم المعتقدات والقيم الأبوية التي تنشأ الكثير من الفتيات والنساء عليها في المجتمع الواسع في إيمان بعض مريضات الإدمان المتعافيات بمقاييس مغلوطة عن قيمتها بين الرجال، بل وسعيها لتبني الطريقة التي تعتقد أنها الوحيدة في حماية نفسها نظراً للخلل الموجود في علاقات القوى بين النساء والرجال والامتيازات المجتمعية التي يحظى بها الرجال بشكل عام.

 

وترى د. علام أنه توجد ضرورة قصوى لقيام الدولة ومؤسساتها المختلفة بتبني اتجاه ومنظور مختلف غير خاضع للقيم الأبوية الطاغية على المجتمع المصري، من شأنه تطبيق توصيات معينة من شأنها مساعدة مريضات إدمان المخدرات على التعافي الحقيقي. وتؤمن أنه لن يحدث ذلك بدون توفير احتياجات رئيسية لمريضات إدمان المخدرات الراغبات في التعافي، كما أنه هناك دور هام لمؤسسات الإعلام والتعليم والصحة كما يلي:

 

الموضوع فيه كذا حاجة لازم تتاخد في الاعتبار...لازم يكون في تفكير في المراحل الأولى لعلاج البنات والمساعدات العلاجية تبقى مفصولة بين الطرفين لحد ما يحصلها نمو نفسي واحترامها النفسي يتكون بالذات في ثقافتنا. ده بيقلل من الانتكاسات لإن العامل ده بيزيد في العلاقات لإنها بتكتشف إن العلاقة مش حقيقية. الوضع الأمثل إن يكون في فصل في حضور الاجتماعات من 3 ل6 شهور تبطيل. (وفي رأيي) مجهود الدولة كله بشكل عام مش كافي لإنهم مش قادرين يقدروا المشكلة ولسه بيتعاملوا مع الموضوع بشكل بدائي (المتمثل في) أصدقاء السوء والفلوس والدلع وبالتالي بالنسبة للبنات مش منتبهين إنها محتاجة اتجاه مختلف متعلق بالعنف اللي بتتعرضله. وكمان الإعلام لازم يبقى ليه دور مختلف تماما. مفيش أي برنامج طلع فيه بنت متعافية. عادة اللي بيطلعوا في البرامج بيكونوا يا إما مدمنين متعافين، يا زوجاتهم. برضه الأمانة العامة ومستشفى العباسية والأماكن اللي بتستقبل لازم يتم تدريبها على اتجاه لعلاج مريضات الإدمان بتصور للتركيبة النفسية للمدمنات.

 

كما أن د. علام تؤمن بضرورة تصميم وتفعيل تدابير وقائية من مرض إدمان المخدرات، والتي في رأيها، ستحد من انتشار مرض إدمان المخدرات سواء من الرجال أو النساء بشكل كبير على المدى الطويل:

 

ولازم يتم عمل وقاية لسن الشباب والنشأ والمراهقة في مرحلة إعدادي وثانوي وجامعة من12 إلى 18 سنة. وكذلك (تصميم) برامج توعية ووقاية على مستوى مهني وعلمي ومرض الإدمان يكون جزء من المناهج التعليمية. ولازم التعليم يشمل مهارات حياتية وأساليب التعبير عن النفس من خلال المواد اللي بيدرسوها وميتمش فصلها عن المواد اللي بيتعلموها، لإن النصح المباشر والتوعية المباشرة بتخلق حالة من السخرية مع الشباب وإنها خانة إضافية. ويجب إدماج أفكار العمل التطوعي والمساعدات ويعلّموا الشباب يبقى مفيد ومنتج وقت المدرسة ومينسوش الجامعة.

 

تعكس ورقة بحثية بعنوان: "الناجيات من العنف... إلى أين يذهبن" الإشكاليات المتعلقة بالبيوت الآمنة للنساء الناجيات من العنف، والتي تحتوي أمثلة منها على قلة عددها، حيث توجد 9 بيوت آمنة وإحداها مغلق، وتبني ممارسات تعسفية للنساء اللاتي يتم قبولهن بتلك البيوت، فيفضل أغلبية القائمين عليها بقبول المتزوجات فقط من الناجيات في أغلب الأحيان، بالإضافة إلى ممارسة بعض العاملات بها لمحاولة الصلح بين الناجية ومن يقوم بممارسة العنف عليها، ضاربين بعرض الحائط التدابير اللازمة لحمايتها. وتنبع من هنا إشكالية أكبر في مدى إتاحة هذه البيوت لاستقبال مريضات إدمان المخدرات اللواتي في كثير من الأحيان يحتجن إلى مكان يستطعن الذهاب إليه، حتى ولو لفترة مؤقتة، ليتمكن من حماية أنفسهن واستكمال رحلة تعافيهن في بدايتها، وتكون بمثابة مرحلة انتقالية في عملية تعافيها حتى تستطيع الاعتماد على نفسها وأخذ التدابير اللازمة لتحقيق بعض من الاستقرار في حياتها. ولذلك، تؤكد د. علام على ضرورة إنشاء بيوت آمنة لمريضات الإدمان المتعافيات، حيث أن أهميتها تكمن في خلق بيئة آمنة لهن حتى يتكمنّ من عبور هذه المرحلة الحرجة:

 

الدولة لازم تعمل بيوت استقبال لإن من المشاكل الرئيسية العلاج والعودة للبيوت ودي مشكلة مميتة، وكمان علشان علابال ما بتلاقي شغل أو دراسة. في 2004 في بنت مدمنة في فرح أختها سرقت شبكة أختها وكانوا هياخدوها ويرموها في الصعيد. قلتلهم خلوها تدخل عندي واعتبروا المكان العلاجي الصعيد وبعد 6 شهور لو ملقيتوش فرق متدفعوش مصاريف العلاج بأثر رجعي. والمكان ساعتها كان مديني الصلاحية إني أعمل ده. وبعد 9 شهور باباها زارها وكانت لحظة مؤثرة جدا، وهي مبطلة النهاردة 13 سنة ومتجوزة ومخلفة. علشان كده البيوت الانتقالية للدولة مهمة لإن بيبقى فيه رعب عند البنات إنها ترجع بيوتها علشان الجارة هتقول إيه وأخوها المتجوز مراته هتبقى موجودة يوم جمعة ولا لأ، إلخ، على عكس الولد اللي بيتم التعامل معاه كإنه جاي من فيتنام ويتعمله محشي وبط.

 

خلاصة وتوصيات

تتعرض مريضات إدمان المخدرات خلال مرض الإدمان النشط والتعافي إلى أنواع متعددة من العنف والتمييز، والتي تشمل ولا تقتصر على العنف النفسي والترهيب والتهديد والحبس والعنف الجسدي والاصطياد والعنف الجنسي بكل أنواعه. وينبع العنف المًمارس ضدهن من واقع كونهن نساء يتوقع المجتمع الأبوي منهن التحلي بأدوار نمطية تتمحور حول تحملهن عبء "الشرف" ورعاية الآخرين، وأن تكون كل واحدة منهن أم وزوجة مطيعة. وبينما يتم تقبل مرضى الإدمان في أغلب الأوقات، خاصة المتعافين منهم، تظل النظرة الدونية والوصمة المجتمعية مُوجهة تجاه مريضات الإدمان سواء قبل أو بعد تعافيهن، ويتم استغلال الكثير منهن جنسيا من المجتمع الضيق والواسع، متنوعين بين فاعلين مجتمعيين – سواء في المجال الخاص أو العام – وبعض من فاعلي الدولة. وتُساهم غياب آليات الحماية لهن من العنف وخوفهن من الشعور بالعار الملتحق مجتمعيا بالتعرض للعنف من إفصاحهن عن تلك الجرائم. وبالرغم من نجاح مجتمعات التعافي الذاتية في مساعدة مرضى الإدمان وتغيير مسار حيواتهن، تتعرض الكثير من مريضات الإدمان المتعافيات للعنف في تلك المجتمعات ومن المفترض أنها تكون مصدر إيجابي لحمايتهن وتغيير حيواتهن للأفضل، ولكن للأسف الواقع بعيد عن ذلك، مما يتسبب في انتكاس بعضهن والذي يؤدى لوفاة القليلات منهن نظرا لطبيعة مرض الإدمان التي تهدد الحياة وتتسبب في الموت.

 

كما أن غياب مجهودات التوثيق والتحليل لجرائم العنف المُرتكبة ضد مريضات الإدمان بشكل عام، والتحديات اللاتي تواجههن نتيجة لنوعهن يؤدي بالتبعية إلى غياب آليات شاملة وفعالة في صون حقهن في سلامتهن النفسية والجسدية وعيش حيوات كريمة. فبالرغم من إطلاق خطة قومية لمكافحة وعلاج الإدمان في مايو 2015، لا توجد أية معلومات عن إجراءات يتم أخذها لحماية مريضات الإدمان ومحاسبة الجناة، بل وتفتقر الاتجاه الذي يضمن إدماج منظور النوع وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المعنية ومراجعة للقوانين أو الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالعنف ضد النساء مثل الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء والتي لا يوجد بها أية إشارة للعنف الواقع على مريضات إدمان المخدرات، كما أن الخطة القومية المُشار إليها مسبقاً لا تحتوي على تدابير متعلقة بحمايتهن من العنف. وتقتصر أغلب أنشطة الخطة القومية لمكافحة وعلاج مرض الإدمان على التوعية العامة لمرض الإدمان والتي أيضا تفتقر إلى إدماج عنصر النوع. ويزداد الوضع سوءا للمدمنات اللاتي ينتمين لطبقات اقتصادية واجتماعية متوسطة أو متوسطة دنيا ومتواضعة، ففي حين لا يتم قبول حصولهن على العلاج وخاصة من عائلاتهن، فهن لا يمتلكن الموارد المالية للحصول على العلاج والتأهيل من المستشفيات ومراكز العلاج والتأهيل الخاصة، وعدد العامة منها محدود للغاية ويفتقر العوامل التي قد تساعد على إتاحة فرص لهن في وضعهن على أول طريق التعافي على الأقل، حتى يكن قادرات على تحمل مسؤوليتهن ومسؤولية تعافيهن. وعليه، تطرح الورقة البعض من التوصيات التي قد تغير من وضع عمليات التعافي للنساء مريضات الإدمان والتي تستجيب لاحتياجاتهن نظرا للطبيعة الخاصة اقتصاديا واجتماعيا التي يعشن في ظلها، وكذلك انطلاقا من إيماننا بأن المجتمعات السوية والتي تعزز من قيم الديمقراطية تحتاج لوجود كوار نسائية مهتمة بالشأن العام ولا تتحمل عبء المعاناة من مرض الإدمان أو التعرض لأشكال العنف المختلفة. والتوصيات هي:

 

1- تفعيل إرادة سياسية حقيقية لتبني آليات وتدابير تُركز على الوضع الشائك لمريضات إدمان المخدرات والتحديات والعنف الذين يقابلونها ويتعرضن لها.

 

2- القيام بمراجعة جميع الخطط والآليات الوطنية لمكافحة وعلاج مرض الإدمان حتى تدمج منظور النوع وإعادة هيكلة المحاور والأنشطة بها بناء على ذلك، والاستعانة بخبيرات في مجال منظور النوع وعلاج وتأهيل مريضات إدمان المخدرات في عملية المراجعة والتخطيط، بالإضافة إلى مراجعة الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء وإستراتيجية تمكين المرأة لعام 2030 ليشتملن على آليات وتدابير واضحة للتصدي للعنف ضد النساء سواء مريضات الإدمان الناشطات منهن أو المتعافين منهن.

 

3- تخصيص صندوق يأخذ في الاعتبار معايير الخصوصية والحيادية والمهنية لعلاج مريضات إدمان المخدرات وتأهيلهن. تناول قضية مرض إدمان المخدرات في المناهج التعليمية في المدارس والجامعات والتي لا تقوم فقط بالتوعية، بل نشر المعلومات الضرورية مثل الخطوط الساخنة والجهات التي يمكن الاستعانة بها لعلاج مرض إدمان المخدرات. تصميم ونشر أدلة تحتوي على المؤسسات والمستشفيات والمراكز العلاجية التي يمكن أن تذهب إليها مريضات الإدمان الراغبات في التعافي.

 

4- إطلاق حملات إعلامية دورية تتناول نماذج لمريضات إدمان المخدرات من طبقات وسياقات مختلفة تتحدي القيم المجتمعية التي تعزز من وصم مريضات الإدمان وكيفية حصولهن على التعافي، ويتم ذلك من خلال إعلانات وأفلام روائية قصيرة وليس مريضات الإدمان المتعافيات أنفسهن احتراما لخصوصيتهن وحفاظا على هوياتهن. إنشاء بيوت آمنة لمريضات إدمان المخدرات التي يستطعن الإقامة فيها مؤقتا والعمل بها على تعافيهن لتخطي المرحلة الحرجة التي تكون في بداية عملية التعافي حتى يحققن استقلالهن ويكن قادرات على تحمل مسؤولية أنفسهن ومسؤولية تعافيهن، وألا تحتوي لائحتها الداخلية على شروط تعسفية لقبول مريضات الإدمان المتعافيات بها.

 

5- إطلاق برامج توعوية عن فوائد العمل التطوعي ويتم إدماج عناصر بها تتحدى الوصمة المجتمعية المتعلقة بالنساء بشكل عام، والنساء مريضات إدمان المخدرات بشكل خاص. تخصيص أقسام لعلاج مرض الإدمان للنساء في المستشفيات والمراكز العلاجية العامة منفصلة عن أقسام المرضى النفسيين وضمان إدماج منظور النوع في الخطط العلاجية التي يتم تطبيقها بمشاركة خبيرات في مجال منظور النوع وعلاج وتأهيل مريضات إدمان المخدرات.

 

6- إجراء مسح ديموغرافي موسع بالتعاون مع مراكز البحوث الوطنية والمستقلة للتوصل لنسبة النساء مريضات إدمان المخدرات في أنحاء مصر كل عام أو عامين، واستخراج معلومات منه عن الطبقات المختلفة التي ينتمين إليها مريضات الإدمان في المحافظات كلها حتى يتم تحديد الاحتياجات طبقا لكل منطقة جغرافية والتي ستؤدي إلى تخطيط أوسع وأشمل في توفير التدابير اللازمة.

 

7- إنشاء عيادة على الأقل في كل محافظة تنتشر بها تعاطي ومرض إدمان المخدرات بين النساء يستطعن اللجوء إليها للكشف عن أية أمراض منقولة جنسيا أو عن طريق التعاطي، وأن يتبع الأطباء والطبيبات والموظفين بها بمعايير الخصوصية وعدم ممارستهن لأية أفعال تمييزية قد تكون ناتجة عن إصدارهم لأحكام مسبقة على المترددات عليها.

8- إطلاق برامج توعوية عن فوائد العمل التطوعي ويتم إدماج عناصر بها تتحدى الوصمة المجتمعية المتعلقة بالنساء بشكل عام، والنساء مريضات إدمان المخدرات بشكل خاص.

 

9- تخصيص أقسام لعلاج مرض الإدمان للنساء في المستشفيات والمراكز العلاجية العامة منفصلة عن أقسام المرضى النفسيين وضمان إدماج منظور النوع في الخطط العلاجية التي يتم تطبيقها بمشاركة خبيرات في مجال منظور النوع وعلاج وتأهيل مريضات إدمان المخدرات.

 

10- إجراء مسح ديموغرافي موسع بالتعاون مع مراكز البحوث الوطنية والمستقلة للتوصل لنسبة النساء مريضات إدمان المخدرات في أنحاء مصر كل عام أو عامين، واستخراج معلومات منه عن الطبقات المختلفة التي ينتمين إليها مريضات الإدمان في المحافظات كلها حتى يتم تحديد الاحتياجات طبقا لكل منطقة جغرافية والتي ستؤدي إلى تخطيط أوسع وأشمل في توفير التدابير اللازمة.

 

11- إنشاء عيادة على الأقل في كل محافظة تنتشر بها تعاطي ومرض إدمان المخدرات بين النساء يستطعن اللجوء إليها للكشف عن أية أمراض منقولة جنسيا أو عن طريق التعاطي، وأن يتبع الأطباء والطبيبات والموظفين بها بمعايير الخصوصية وعدم ممارستهن لأية أفعال تمييزية قد تكون ناتجة عن إصدارهم لأحكام مسبقة على المترددات عليها.

رابط دائمhttp://nazra.org/node/615