تعددت الأسباب والمنع أبوي: تحليل نسوي لتجارب من عيون مدافعات عن حقوق الإنسان في مطارات مصر

ورقة بحثية

9 يناير 2017

مقدمة

شهد عام 2011 تدفق عارم للنساء والشابات في المجال العام بعد ثورة 25 يناير من نفس العام نظرا للحراك الكبير الذي حدث وقتها، وتفاعلت الكثير من تلك الشابات والنساء مع المجال العام والسياسي وقضايا  خاصة بحقوق النساء - سواء في المجال الخاص أو العام. تشكل لدى الكثير من النساء والشابات أشكالا مختلفة من الوعي النسوي أثرت بشكل إيجابي على مشاركتهن في المجال العام سواء بانتمائهن لأحزاب سياسية أو مجموعات حقوقية ونسوية. واجهت تلك النساء والشابات العديد من المصاعب لاستكمال رحلتهن في المجال العام وتمثلت تلك الصعاب في مواجهة مختلف أشكال التمييز مثل التمييز على أساس النوع أو الموقع الجغرافي لمن تنتمي منهن لمحافظات خارج القاهرة أو التمييز على أساس العرق أو الدين. ولا يوجد شك أن الحراك السياسي للشابات والشباب في ذلك الوقت وتكوّن مجموعات وأحزاب سياسية أضفى على النساء الشابات - اللاتي أصبحن مدافعات عن حقوق الإنسان - فرصة انخراطهن في المجال العام.

تعرضت الكثير من هذه المدافعات عن حقوق الإنسان للعديد من الانتهاكات سواء من فاعلي الدولة أو من المجتمع طوال السنوات الماضية، وتظهر بعض تلك الانتهاكات في الأساليب التي تم اتباعها من قبل السلطات المصرية لإيقافهن في المطارات وعدم السماح لهن بالسفر، ومنها استيقافهن خلال العامين الماضيين في المطارات وعدم السماح لهن بالسفر.

تعد قضية المنع من السفر من القضايا التي شغلت النشطاء والمجتمع الحقوقي المحلي والدولي خلال العامين الماضيين خاصة بعد منع عدد من الحقوقيين والحقوقيات على خلفية القضية 173 لعام 2011 والمعروفة "بقضية التمويل الأجنبي"، وفي هذا الإطار ارتأت نظرة للدراسات النسوية توثيق تجارب عدد من المدافعات عن حقوق الإنسان واللاتي تعرضن للتوقيف في المطار ومحاولة طرح تحليل نسوي لما مررن به من انتهاكات. إن أهمية توثيق وتحليل التجارب المختلفة للمدافعات عن حقوق الإنسان والتنقيب عن دلالة هذه التجارب على ما يتعرضن له بنوعهن وكونهن مدافعات عن حقوق الإنسان هو الهدف من إصدار هذا  البحث لعرض تجارب المدافعات الشابات في سلبهن من حريتهن في التنقل والسفر وما يتخللها من تفسيرات للنهج النسوي الذي لا يستعرض تجاربهن كما مررن بها بحسب، بل أيضاً يلقي نظرة على الإشكاليات التي تنبع هذه التجارب سواء من قبل انتهاكات مورست عليهن من فاعلي الدولة أو فاعلين مجتمعيين. كما تؤكد نظرة على أهمية قراءة هذه التجارب وما تفرضه من ارتباط وثيق بين هذه الانتهاكات ومحاولات غلق المجال العام عن طريق استهداف منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان عامة، والناشطات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان خاصة عن طريق القضية 173، والتي اشتملت على قرارات من النائب العام بمنع عدد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان من السفر والتحفظ على أموالهن وممتلكاتهن السائلة والمنقولة وإحالتهن للتحقيقات.

 

منهجية البحث

اعتمد البحث بالأساس على التحليل الكيفي لشهادات بعض المدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي تم توقيفهن وعدم السماح لهن بالسفر ورواياتهن عن تجربتهن. تم الاعتماد على التوثيق المباشر من خلال مقابلات شخصية مع المدافعات عن حقوق الإنسان. من أجل الحفاظ على سرية وخصوصية النساء اللاتي تم التوثيق معهن، تم حجب جميع الأسامي واستخدام الحروف الأولى فقط (حتى في حالة الشهادات التي تم نشرها مسبقا)، كما حُذِفَت التفاصيل المكانية أو المعلومات التي يمكن من خلالها التعرف على هوية المدافعات. لم تتدخل "نظرة للدراسات النسوية" في تغيير محتوى أي من الشهادات أو تغيير الألفاظ والكلمات المستخدمة.

يعتمد البحث على التحليل النسوي للشهادات ويهدف إلى تسليط الضوء على التجارب التي تعرضت لها المدافعات في المطارات المختلفة من وجهة نظرهن ورؤيتهن هن لهذه التجارب وتأثيرها عليهن. كما نرى أن وقائع الاستيقاف وعدم السماح بالسفر والمضايقات التي تعرضت لها المدافعات بالمطارات ليست منعزلة عن أشكال التمييز الأخرى التي يتعرضن لها في حياتهن من قبل الدولة والمجتمع.

 

العلاقة بين دور المدافعات في المساهمة في خلق مجال آمن للنساء وحقهن في التنقل والسفر

إن انخراط العديد من الشابات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان في تأسيس والانتماء إلى المبادرات النسوية الشابة التي تعكس القيم والحقوق التي يؤمنّ بها أطلق العنان لنضجهن في العمل العام ليس فقط على المستوى المحلي، بل الدولي أيضاً نظراً للطفرة التي استطعن إحداثها في مجتمعاتهن وقدرتهن على تقديم الدعم الضروري ورفع التوعية الهامة لقضايا شائكة تطال النساء في مجتمعاتهن، مما أدى إلى ضرورة اكتسابهن أدوات ومهارات وتبادل للخبرات مع نظيراتهن في مجتمعات ودول أخرى يثري عملهن والخطاب الذي يستخدمنه في الدفاع عن الحقوق التي يعملن عليها. ومع إيمانهن بالحقوق والقضايا التي يعملن عليها وشغفهن بها جعلهن يصطدمن بواقع تضييق المجال العام أمامهن بطرق متعددة - سواء كانت من خلال رفض بعض أسرهن لما يقمن به واستهدافهن من قبل فاعلين مجتمعيين عن طريق التشهير بهن وضرورة تعاملهن مع عبء النضال من أجل استمرار حراكهن - أو استهداف فاعلي الدولة لديهن عن طريق تقييد حركتهن وسلب حقهن في حرية التنقل والسفر. 

تعرضت العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان الشابات إلى توقيفهن في المطارات المصرية ومنعهن من السفر دون أية أسانيد  قانونية أو أحكام قضائية بمنعهن من السفر خلال العامين الماضيين، أو تعطيل سفرهن بتبريرات واهية متعلقة بضرورة حصولهن على أذون للسفر غير معلن عنها . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تعرضن لإهانات من قبل موظفين في المطارات وتحقيقات أمنية مفاجئة وغير قانونية بدون حضور محامين معهن، ومصادرة جوازات السفر الخاصة بهن وخضوعهن لسلسلة من التحقيقات والاستدعاءات إلى جهاز أمن الدولة بطرق غير قانونية. ويتضح جلياً من خلال قراءة تجاربهن في هذا الأمر تقاطع الطبيعة الأبوية للممارسات التي تتم ضدهن من قبل فاعلي الدولة مع واقع صبغ أدوار مجتمعية لهن لكونهن نساء في المطلق، ومدافعات فاعلات في الدفاع عن حقوق النساء في الأخص، وكذلك تقاطع تلك الممارسات والانتهاكات مع طبيعة أعمالهن أو المحافظات التي ينتمين إليها والنظرة الدونية للمحافظات، بالإضافة إلى انتهاك حقوقهن على أسس طبقية ونظرة نمطية حول من لها أحقية الانخراط في  العمل العام.

 

الممارسات الأبوية في المطارات المختلفة

تعرضت المدافعات عن حقوق الإنسان إلى بعض المضايقات والانتهاكات المتعلقة بنوعهن وذلك من خلال الأسئلة الموجهة إليهن من قبل الضباط بالمطار، وطريقة معاملتهن،إلخ. أوضحت بعض الأسئلة الموجهة إلى المدافعات الاستنكار المرتبط بكونهن نساء يسافرن وحدهن لأغراض العمل أو السياحة، فقام بعض الضباط بسؤال بعضهن إذا كانوا متزوجات أو مخطوبات وكيف يسمح لهن الزوج\الخطيب\الأب بالسفر وحدهن، وكأنه غير مسموح للنساء بالسفر دون مرافق سواء كان الزوج أو الأب. وتخطى ذلك مجرد التساؤل أو الاستنكار، ليصبح حكما أخلاقيا واضحا في بعض الأحيان يقوم بتنميط النساء المنخرطات في المجال العام ويوصمهن كنساء "منحرفات" أو يشكك في سلوكهن ، فتقول ه.ع في شهادتها "قاللي لما بتروحي تدريب بتقعدي في شقة؟؟ قلتله لا حضرتك أنا بيتحجزلي فندق، قاللي "و مين بقى بيقعد معاكي في الأوضة؟" قلتله بيبقى كله سنجل" . كما تعرضت بعض المدافعات إلى مضايقات بطرق غير مباشرة وتوجيه أسئلة غير ضرورية إليهن تنم عن محاولات ممثلي الدولة المختلفين للتقليل من شأنهن واستفزازهن، فتقول و.ع "سألني أسئلة من النوع اللي يوجع اللي هو بيسأل بطريقة كويسة بس فين يوجعك. هو كان عارف عني حاجات كثيرة بزيادة اللي ممكن أصحابي ميعرفهاش: مامتك وباباكي ليه منفصلين من 14 سنة - مامتك عليها وصل أمانة؟ وتفاصيل خاصة بالعيلة: ماما اتجوزت ليه؟ وأسئلة على لون الروج وليه بدخن وليه قهوتي مظبوطة مش زيادة ".

وفي إحدى الشهادات وصل الأمر إلى التحرش بالمدافعات عن حقوق الإنسان أثناء وجودهن في المطار أو انتظارهن التحقيق، فتروي أ.د "بعدين ندوا علينا وأخدونا مكان مرتفع في المطار الجديد. ونده علينا واحد.. وحك ويتعمد يخبط فينا وسألني إيه اللي سفرني وقالي: إنتي مزة أوي، فقلتله: ده تحرش ولا إيه؟، فضحك وأخدني مكتب فيه واحد تخين وأقرع وبكرش وصوته تخين". وتدل رواية أ.د على أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها المدافعات على أساس نوعهن، ففي هذه الشهادة لم تكن هناك نية مسبقة أو خطة ممنهجة للتحرش بالمدافعات، إلا أن هناك نوع من الاستباحة لأجسادهن، "فلا مانع" من أن يتحرش أحد  الضباط بمدافعة أثناء انتظارها التحقيق، خاصة وأنهن تعاملن مع هؤلاء النساء بنوع من الشك مرتبط بسفرهن بحرية.

 

ليست الأبوية وحدها: تقاطع الأبوية مع أبنية التمييز الأخرى

كما تم ذكره سلفاً، لم تكن المضايقات التي تعرضت لها المدافعات عن حقوق الإنسان في مطار القاهرة الدولي متعلقة بنوعهن فقط، بل تقاطعت الأبوية مع أشكال أخرى من القهر المبني على أساس الطبقة أو العرق أو الانتماءات السياسية والنشاط في المجال العام. كما تجادل نظرية "التقاطعية " في الأدبيات النسوية، فالأبنية التمييزية مثل العنصرية والطبقية والأبوية عادة ما تتفاعل لتُعّرض النساء للمزيد من التمييز. تكرر الكثير من النساء في شهاداتهن أن سلطات المطار ميزت ضدهن على أساس طبقي واضح، أشعرهن بالدونية في الكثير من الأحيان، فمثلا أغلبهن أفادوا بأن ضباط الجوازات رمقوهن بنظرات تنم عن احتقار "من فوق لتحت" على حد تعبيرهن، أو قاموا بسؤالهن بشكل استنكاري: "معاكي فلوس؟". تقول آ.ع عن واقعة منعها من السفر إلى بيروت: "هو ولا بص على الفيزا ولا على الكارت ولا على موافقة الأمن اللي معايا، هو بص لشكلي وقاللي ارجعي ورا عند الضابط (...) وقاللي: "انت بقى من …...؟ أنا عارف الحتة دي كويس أصلي خدمت هناك فترة...ومن امتى بقى المنطقة دي نضفت وبقى فيها ناس بتروح لبنان؟ ". ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض خلالها آ.ع لمضايقات بمطار القاهرة الدولي. ففي مرة سابقة، تم استيقافها وتوجيه بعض الأسئلة لها بالرغم من أنها كانت بصحبة زميلة أخرى معها نفس الأوراق ولم يتم استيقافها. انتبهت آ.ع. وقتها إلى ديناميكيات التمييز الطبقي بالمطار إلا أنه في النهاية تم السماح لها بالسفر خلال هذه الواقعة، فلم تتوقف عندها كثيرا. إلا أنه بعد تكرار موقف الاستيقاف والاستجواب الذي لا يخلو من التهكم أو الاحتقار، وعدم السماح لها بالسفر في المرة الثانية، بات التفاعل بين التمييز الطبقي والجندري أكثر وضوحا بالنسبة لها. فتقول: "يوم ما مسمحوليش بالسفر كان عندي أحاسيس كتير منها قد ايه لازم الواحد يبقى معاه فلوس عشان يشتري هدوم عشان يبقى شكله كويس عشان ميبانش إنه من طبقة متوسطة. أنا حسيت إنه بيشتمني وأنا مش عارفة أرد. لما روحت  قررت أعمل بطاقة جديدة غيرت المهنة يمكن الإسم الوظيفي بيفرق. إحنا حتى اتفقنا نعمل حاجة اسمها "طقم المطارات"، نحوش ألف جنيه ونشتري طقم عشان نعرف نطلع بيه المطار ". وتضيف: "كل اللي حواليكي بيحسسوكي بالدونية، مش بس الضابط حتى الناس القريبة والأهل. كإن الحاجات دي مش بتاعتنا عشان احنا مش ولاد الناس ومش هينفع نبقى ولاد ناس..ابن الناس هو ابن الناس وبيخلف ولاد ناس وبس".

توضح شهادة آ.ع التمييز الطبقي الذي دفع الضابط بالمطار إعطاء نفسه سلطة عدم السماح لها بالسفر وكأن هناك صورة معينة للنساء اللاتي يمكنهن السفر، ولم تكن هي منهن. ولم تكن هذه الشهادة الوحيدة التي أشارت للتمييز الطبقي، ففي شهادة أخرى رفض الظابط تصديق  أن ب.ع. جامعية بالرغم من وجود ما يفيد بذلك في جواز سفرها. فعندما قام الضابط بتفتيش جهاز "اللابتوب" الخاص بها، "كان في فيديو لمناقشة رسالة الماجستير بتاعة واحدة صاحبتي. قاللي ده ايه؟ فقلتله.. سألني ماجيستير ايه، قلتله. مكنش مصدق وقاللي انت تعرفي جامعيين؟ قلتله اني أصلا خريجة جامعة وبحضر ماجستير مكنش مصدقني مع ان مكتوب في الباسبور (حاصلة على بكالوريوس)".  وتروي أ.د عن منعها من السفر إلى تونس: "الست اللي بتعمل فحص الجواز بصتلي من فوق لتحت فقلتلها سياحة وبصتلي تقريبا مكنتش مستنضفاني وطرقعت صوابعها وقالتلي: استني هنا ". وتكررت في أكثر من شهادة الأسئلة الاستنكارية حول توافر المال معهن فتقول ن.ع: "أول ما قلتله سياحة قالي: معاكي فلوس؟ قلتله آه، سألني كام، قلتله 250 دولار والبنك مرضيش يديني أكثر من كدة علشان مشكلة تداول الدولار وبصلي من فوق لتحت.. قلتله معايا كريديت"  وتضيف: "بالنسبة لنا الموضوع مكنش مرتبط بالورق على قد ما كان بالشكل والثقافة البيئة ونظرته الشخصية لينا" . وتقول س.ع: "هو الضابط كان بيكلمنا بمنطق ان كمان بنات من محافظات هيسافروا ويروحوا لبنان!" "هو شايفك من طبقة معينة فمش عايز يسفرك".

شكلت تجربة عدم السماح بالسفر فرقا حقيقيا في وعي المدافعات عن حقوق الإنسان وفي إدراكهن لأنواع التمييز الذي يتعرضن له، وأصبح هذا الترابط بين الطبقية والأبوية واضحا. فكما توضح الشهادات، التمييز الطبقي والجندري لا يتقاطعان فقط وكأن البنية الطبقية والأبوية لا يرتبطان ببعضهم البعض. إن تعامُل الضباط في المطار مع المدافعات عن حقوق الإنسان  يدل على أن هناك  شك ما في سلوكهن، أو أن هناك ما يثير الريبة في سفرهن للدرجة التي تستدعي استغلال الضباط  لسلطتهم كرجال، وكممثلين للدولة، في منعهن من السفر بشكل غير قانوني. فمثلا واجهت آ.ع أسئلة تنم عن ارتياب الضابط منها: "قعد يسألني انت بتاخدي كام وبتشتغلي ايه وجيبي معايا من الآخر (...) قلتله أنا بشتغل شغلانة كويسة وأهلي بيصرفوا عليا وظروفهم المادية كويسة وكل فلوسي بحوشها عشان أعرف أسافر. قاللي ده أنا باخد مرتب اكتر ولو حوشت كل فلوسي مش هعرف أروح لبنان"، أما أ.د فتروي أن أثناء عودتها من المغرب سألها الضابط: "إنت كنت في المغرب؟ ليه كده يا بنتي؟". تنم هذه الأسئلة عن شك في أغراض هؤلاء النساء من السفر، قد تكون شكوك أخلاقية، وقد تكون شكوك أمنية إلا أنه في النهاية هناك حكم واضح أنه لا يمكن لنساء من هذه الخلفية أن يسافرن، فبالضرورة هناك غرض "غير برئ" من سفرهن. فتقاطع الطبقة مع النوع يخلق لهؤلاء المدافعات موقع محدد داخل المجتمع يتم التمييز ضدهن على أساسه. ويتخطى تعامل الضباط في المطار فعل "المضايقة" أو "التعطيل"، فمنعهن من السفر دون أسباب أو سند قانوني هو أسلوب واضح لممارسة الحماية الأبوية "، وكأن سفر هؤلاء النساء سيؤدي حتما إلى شئ سئ مثل "الانحراف" أو "الخيانة".

لم يقتصر استهداف النساء على عوامل التمييز الطبقي والجندري؛ فاتضح جليا في الشهادات استهدافهن على أساس نشاطهن ولكونهن مدافعات عن حقوق الانسان. ففي أغلب الوقائع التي تم إبلاغ سلطات المطار خلالها بوضوح أن المسافرات ذاهبات لحضور "مؤتمر" أو "تدريب"، كان عدم السماح بالسفر لأسباب أمنية ولاعتبار أن عمل المدافعات عن حقوق الإنسان هو بالضرورة مضر ب"الأمن القومي". تقول أ.د عن واقعة استجوابها أثناء عودتها من المغرب: "واحنا راجعين الظابط حط الباسبور وكنت لازقة في شاشة الكمبيوتر وطلع مكتوب (مثيرة للشغب)، فالظابط قالي استني. " وتضيف: "قالي: إنتي عملتي إيه؟ إنتي عارفة إنتي رايحة فين؟ مكتب أمن الدولة. فقلتله: يا خبر، طب رسيني على الفولة، فقالي: هو إنتي بتاعة مشاكل أو بتشتغلي في السياسة؟ قلتله لأ" . رحنا مكتب كله شبابيك إزاز وكان في ظابط لابس أبيض وإداله الكارت اللي بيتختم وقلبها على ضهرها وقعد يكتب: 1 2 3 4 5 وقالي: ربنا يستر، هو إنتي في أحزاب أو بتنزلي مظاهرات؟ ".

 وتتكرر الاستجوابات الأمنية التي تعامل فيها الضباط بارتياب مع المدافعات عن حقوق الإنسان بسبب نشاطهن، حيث تقول و.ع عن دخولها غرفة الضابط: "قلتله: قبل أي حاجة الطيارة طلعت؟ قالي: لأ لسه، وواحد بيستأذنه نطلع ولا لأ، قاله: إركنها شوية، وفهمت إنهم بيتحكموا في كل حاجة. فقلتله: السفرية دي مهمة بالنسبالي وعايزة ألحق الطيارة، فقالي: ليه مش سافرتي تونس؟ قلتله: أنا مسافرة أمثل بلدي (...) وليا الشرف إني أعمل ده. اتضايق واتصدم من إجابتي. قالي: طب احكيلي عن السفرية، قلتله: هو مش سر حربي (...) أخدت الفيزا يعني معايا موافقة البلد وموافقة ضمنية من البلد إني أسافر علشان معايا باسبور" قالي: كلام جميل ومعقول...شكلك بتسافري كثير" . وفي شهادات ب.ع وو.ع لم يكن الاستهداف خاص بهن هن فقط، بل تم توقيف واستجواب ومصادرة جوازات سفر أغلب المسافرين\ات إلى نفس التدريب\المؤتمر، مما يؤكد على استهداف هؤلاء على أساس النشاط نفسه. ولم يتوقف استهداف المدافعات على أساس نشاطهن عند توقيفهن في المطار فقط وعدم السماح لهن بالسفر، بل في أحيان كثيرة امتد الاستهداف إلى ما بعد ذلك، فتكرر مثلا التحفظ على جوازات سفر المدافعات عن حقوق الإنسان لعدة أشهر واستمرار مضايقتهن وملاحقتهن حتى تسلمهن لجوازات سفرهن. فمثلا تقول ب.ع والتي استمرت مصادرة جواز سفرها لعدة أشهر واستدعائها إلى مقر الأمن الوطني عدة مرات: "الأمين اللي كنت كلمته قاللي أنا المفروض أعمل تحري عنك بس مش هعمل كده، اعمليلي بس ورقة بأسامي أخواتك وعيلتك..يعني بقى خيلاني وعمامي وعيالهم وبيشتغلوا ايه وساكنين فين. بعدها كلموني وقالولي الباسبور جه والأمين كان بيتعامل معايا على اننا صحاب بزياده وكل شوية يقوللي احنا بنعمل كده عشانكوا وعشان نحميكوا ونحمي البلد. لما رحت خدت الباسبور قاللي بعد كده قبل ما تسافري ابقى قوليلنا وادينا خبر قبلها. خدت باسبوري ولقيت مكتوب على تأشيرة الخروج "لاغي ". وتكرر هذا النمط مع ه.ع والتي ظل الأمن الوطني يتصل بها عدة مرات لاستجوابها: "بيكلموني وحد بيكلمني يقولي انا الرائد "أ." تعالي لنا مكتب الامن الوطني وكلمت ناس عشان يبقوا عارفين مكاني لو حصل حاجة ورحت. أخدوا بطاقتي وموبايلي وفضلت قاعدة ساعة مستنية. بعدين طلعوني مكتب مدير الأمن الوطني وكان في ضابط تاني قاعد رتبة أقل. الاتنين كانوا لابسين مدني. لما دخلت مدير المكتب قاللي متخافيش ومتتوتريش قلتله أنا مش خايفة اللي يخاف المجرمين أنا أخاف ليه أنا معملتش حاجة احنا وقفونا أنا واللي معايا وورقنا مظبوط ومعانا تأشيرة، فقاللي: "احنا بنحميكم والرئيس مكلفنا بده عشان نحمي الشباب. لإن انتوا ممكن تروحوا هناك يلعبوا في دماغكوا وممكن يكون المؤتمر كله طالع عشان يغطي على حد واحد. في حاجات انتوا متعرفوهاش احنا عارفينها.  ". يتضح مما سبق أن ممثلي الدولة يتصرفون - أو على الأقل يبررون تصرفهم - انطلاقا من منطق حمائي يدفعهم للتدخل لتوقيف هؤلاء المدافعات ومنعهن من السفر وفرض الوصاية عليهن، فحتى وإن كانوا لا يتهمونهن بالعمالة أو الخيانة، فهم يصرون أن هناك جهة أو أشخاص ما تستغلهن لأغراض قد تضر بأمن مصر، وبالضرورة يعرف ممثلي الدولة هذه الجهات والأغراض الخفية ولكن لا تعرفها المدافعات عن حقوق الإنسان، وهو ما يشكل نوع من السلب لإراداتهن وتقليل من قدرتهن على التمييز والاختيار. ربما تعزز هذه الوقائع بعض الحجج النسوية التي تجادل أن السلطوية بنية مُجَندَرة، وأن الانتهاك على أساس النشاط السياسي يتخذ طابعا مختلفا حينما تكون الناشطات من النساء، ويصبح قمعهن غير مرتبط فقط بنشاطهن ولكن بنوعهن أيضا.

 

أما بعد؟: تأثير عدم السماح للمدافعات عن حقوق الإنسان بالسفر على مسار حياتهن في المجال العام والشخصي 

أدت وقائع المنع من السفر إلى تأثير شديد على المدافعات عن حقوق الإنسان تراوحت من المستوى الشخصي المتعلق بالإحساس بالأمان والثقة بالنفس ونظرة محيط العائلة والأصدقاء لهن، والمستوى العام المتعلق باستمرار نشاطهن في المجال العام. وتتجسد من خلال الشهادات مقولة "الشخصي هو السياسي" بشكل واضح، حيث يتداخل الشخصي مع العام لإظهار أن المسائل الشخصية والعائلية هي أيضا سياسية وعامة وأن المسائل العامة والسياسية تؤثر في أحيان كثيرة على ما يسمى ب"الشخصي". فتواجد هؤلاء النساء في المجال العام مرتبط بنضالات تبدأ من نطاق الأسرة والأصدقاء وحتى مستوى الدولة. بالتالي، التعرض لمضايقات أمنية أو منعهن من السفر يؤثر على جميع هذه المستويات المتشابكة. فحرية الحركة بالنسبة للكثير من النساء هو حق مكتسب بصعوبة في حد ذاته، و قد يتطلب صداما مع الأسرة أو الزوج\الشريك والمحيط العائلي والمجتمعي. وبالتالي أي انتهاك لحرية حركتهن وتنقلهن يتجاوز الواقعة نفسها والحرمان من السفر إلى مكان أو هدف معين، فهو يعيدهن إلى السؤال الأساسي حول حرية حركتهن ويرتد بمكاسبهن ليجعلها قيد الشك والتساؤل مرة أخرى، "احنا مابنوصلش للحاجات دي بسهولة... فلما نوصلها وترجع تتاخد مننا ده بياخد حاجات كتير من اللي وصلنالها. يعني أنا عملت خناقات عشان أقدر أتحرك وأعمل الحاجات اللي بعملها. وجزء من ليه بابا بدأ يسيبني هو انه حس اني بعمل حاجات مهمة بالذات من السفريات، يعني حس إن أنا شخص له أهمية في الكوكب وبعمل حاجات فعلا. فلما الدولة اللي بتمثله الأمان تمنعني إني أسافر يبقى أنا مش بعمل حاجات مهمة أنا بعمل حاجة ضد القانون ". يتكرر تعبير آ.ع عن كون عدم السماح بالسفر يمثل انقضاضا على مكاسبهن وتعديا على حريتهن وأنه قد يستخدم من محيطهن للتضييق على حقهن في الحركة عموما؛ تقول ب.ع: "من ضمن الحاجات اللي مضايقاني ان أنا بقدر حريتي جدا وممكن مرتبطش بشخص أو حتى أصحاب لو قرروا يحدوا من حرية حركتي والمرة دي حاجة مش قادرة أتحكم فيها وبتحد من أهم قيمة عندي اللي هي الحرية. ممكن حد تبقى دي بالنسبة له مش مهمة بس أنا حريتي أولوية". فحرية الحركة ليست فقط ضرورة لأغراض عملية مثل التنقل في مجتمعاتهن أو خارجها لإقامة أنشطة، ولكنها أيضا متعلقة بتطور وعيهن النسوي حيث تشتبك معاركهن الشخصية حول حقوقهن الأصيلة (مثل حرية الحركة)  مع دورهن كمدافعات عن حقوق النساء عموما.

وفي أحيان أخرى أثرت هذه الوقائع والتي استهدفت المدافعات على أساس نوعهن ونشاطهن وطبقتهن على ثقتهن بأنفسهن وطرحت تساؤلات عليهن حول مظهرهن الخارجي وحول تعاملهن مع الموقف. تقول ن.ع: "الفكرة أنا شايفة إننا نتاج تربية ساذجة فيها عدم ثقة بنفسي شوية وإظهار التوتر من الموقف وكان المفروض أتعامل بشكل أقوى شوية بس برده مش مطالبين ونعرف نقنع الناس. أنا مش مضطرة أدفع الثمن ده. في ناس كانت بترشي أمين الشرطة علشان تعدي..كان ممكن أقلع الحجاب بس أقلعه لما أبقى عايزة مش علشان الظابط يسيبني ويطلعني. مش مضطرة أتنازل بالشكل ده. كل اللي بيني وبينه إن لو الورق مش مظبوط أو في حاجة قانونية. وفي ناس كان بيتقالهم هنكلمكم لما ترجعوا علشان يتحقق معاكم وده أسوأ من المنع لإننا بنحكم على الناس بناء على الشكل وإحساسه بالواحدة وتفتيش الشنط وكنت حاسة إنه هيفتش شنطة إيدي... أنا بقى عندي إحساس دائم بالغربة في كل حاجة في حياتي سواء الشخصية أو اللي مرتبط بالشغل في المجال العام... الناس قعدوا يقولوا كان لازم تحوري وإيه المشكلة لما تلبسي بشكل معين أو كدة”.  فواقعة عدم السماح بالسفر تستدعي أسئلة أكثر عمقا مرتبطة بأشكال التمييز التي تتعرض لها النساء في حياتهن اليومية من فاعلين مختلفين. فبالطبع، المظهر الخارجي قد يكون أساس للتمييز الطبقي ضد الرجال أيضا، إلا أنه بالنسبة للنساء قد يثير أسئلة مختلفة. ففي أكثر من شهادة يتكرر ربط طريقة معينة في الملبس مع انتماء طبقي معين، قد يعرقل سفرهن ويجلب مضايقات سلطات المطار، وفي نفس الوقت فإن الخروج عن قواعد هذا الملبس والمظهر الخارجي المألوف في محافظاتهن قد يجعل عملهن أصعب في مجتمعاتهن أو يوصمهن على أساس أنهن "مستغربات" أو "متحررات" أكثر من اللازم. فتوجد شروط محددة متعلقة بالمظهر والجسد للسماح بتواجد النساء في المجال العام وقد تكون هذه الشروط متناقضة في بعض الأحيان. وكما تقول ن.ع، قد يؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى شعور "دائم بالغربة"  من التوقعات المحيطة المتناقضة الخاصة بالتحكم في أجساد النساء والتي تشعرهن أنهن ينبغي دائما أن يلبوا توقعات السلطة الأبوية المتناقضة من أجسادهن(بدءا من الأسرة مرورا بالمجتمع المحيط وصولا لممثلي الدولة). وتسرب هذا الشعور بفقدان الثقة في النفس وفقدان الإحساس بالأمان وفي بعض الأحيان الشعور المستمر بالذنب إلى أكثر من مدافعة تعرضت للاستيقاف وعدم السماح بالسفر، فتروي إحداهن: "نفسيتي بقت زي الزفت وبقيت بخاف ومش بنفتح الشبابيك وبننصهر في الحر ولما الباب بيخبط بنبقى مرعوبين. واحنا قربنا نخلص مشروع شغالين عليه  وأنا متأكدة إننا مش هنعرف نعمل مؤتمر ختامي والكتاب مش هيطبع. أنا ممكن أتأذي مش مشكلة بس مش عايزة الناس اللي معايا اللي عايزة تساعد الناس تتأذى. إحساس الذنب بقى مسيطر عليا بالذات إن البنات اللي معايا مرتبطين ببعض جدا وبيتخانقوا مع الناس اللي مرتبطين بيهم وبيحصل انفصال وبيتقالهم إنهم عملاء وحاسة إني بقالي سنين بحارب طواحين الهوا. أنا مش عايزة أسبب أذي لحد. علطول عندي إحساس بالذنب - ضغطي بيعلى وبيوطى في نفس الوقت ومبعرفش أنام وباكل بنهم غريب وعلى طول عندي كوابيس" . يتكرر هذا الخوف الدائم المصاحب للمدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي تم توثيق تجاربهن والمرتبط بكونهن أصبحن ملاحقات وإمكانية تأثير ذلك على المدافعات الأخريات الأصغر سنا.

في أحيان أخرى تحققت مخاوف الملاحقة الأمنية خاصة مع المدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي تم مصادرة جوازات سفرهن. فكما ذكرت مدافعة أخرى: "فات 30 يوم والباسبور مرجعش ومفيش أمل وبعد ما سألت المحامي رحت مديرية الأمن في وزارة الداخلية وقلتلهم: أنا مصرية ومش عارفة ممنوعة ليه. بعد كدة قالولي: روحي المخابرات وهناك قعدت ساعتين وقالولي مش موجود عندنا. جه العيد الكبير تقريبا في أكتوبر 2015 وقلت هسأل على الباسبور في محل الإقامة، وبعد الصلاة يوم الجمعة لقيت ماما بتكلمني وبتعيط وبتقولي إن الأمن راح البيت. أنا بيتي برج كبير فيه 84 شقة وأنا ساكنة في الدور الرابع. 2 من الأمن جم صلوا مع الناس في العمارة وبعدها بدأوا يسألوا الناس لو يعرفوا فلانة  الفلانية، وجوز أختي إتسأل وقال: دي أخت المدام، ولما سألوا: فين الأستاذة؟ قالهم إني في بيتي في القاهرة. ماما مكنتش موجودة فجوز أختي شرب الليلة. وفهمت من البواب إنهم سألوا عليا في ال 84 شقة . أما ه.ع فقد تم استدعائها ثلاثة مرات من قبل الأمن الوطني. فقد تم استخدام جواز السفر من قبل الأمن الوطني كأداة ضغط على المدافعات لاستدعائهن أكثر من مرة بمكتب الأمن الوطني بحجة تسليم جواز السفر وتكرر ذلك مع ب.ع وه.ع. كما أن الأسئلة التي تم توجيهها إلى المدافعات كانت تشكل ضغطا كبيرا عليهن: "بعد كده سألني على اسم واحد بعينه وطلب مني أسألهم عليه قلتله أنا مش أمنجية فاتعصب وقاللي "لا! أنا الكلمة دي متتقاليش وهو انت لما تخدمي وطنك وتردي عالأمن الوطني تبقى حاجة وحشة!" و في بعض الأحيان تضمنت مقابلات الأمن الوطني نبرات تهديد للمدافعات عن حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال: "بتاع الأمن الوطني قاللي عارفة احنا بنعاملك كويس عشان دوّرنا وراكي ملقيناش حاجة، غير كده كنا هنجيبك في البوكس من بيتك. قلتله ده تهديد يعني قاللي لأ أنا بعرفك، قلتله لا ده تهديد ان لو عملت حاجة المرة الجاية هتجيبوني في البوكس ". وأثر ذلك فعليا على المدافعات عن حقوق الإنسان وعلى حركتهن، فبعضهن يأسن من محاولة السفر وقررن عدم السفر مرة أخرى: "من ساعتها محاولتش أسافر تاني. انا بصراحة خايفة وقلقانة ومش عارفة وضعي القانوني ومعنديش آلية اني أعرفه. وحسيت كده ان معنديش أي واسطة. فكرت أعمل بدل فائد أو أتلف الباسبور عشان أعمل باسبور جديد ميبقاش عليه كلمة لاغي دي. بس معملتش الخطة دي. أنا عندي خوف داخلي، مش عايزة أكرر التجربة أو أي حاجة تفكرني بيها " وتقول ه.ع: "أنا من ساعتها محاولتش أسافر لسة. اللي كان عامللي ضغط يوم المطار المعاملة، فيها نظرات ارهاب كده اللي هو أنا بخوفك ومامتي وأختي كانوا موجودين الناحية التانية وشايفين وخافوا جدا لما أخدوني افتكروا اني هركب البوكس بقى وقعدوا يصوتوا. وكان خوفي في الأمن الوطني ان محدش يبقى عارف مكاني وانهم يخطفوني أو يخفوني قسريا ولا يغتصبوني ومحدش يبقى عارف. كنت بشرب الشاي مجبرة وأنا مرعوبة لا يكون في حاجة." عمليا أثرت هذه التجارب، أو قد تؤثر، على النشاط النسوي للمدافعات بشكل مباشر، فبعضهن من المنخرطات في مبادرات نسوية أصبحن يتخوفن من سفر المتطوعات أو الناشطات الأصغر سنا حتى لا يتعرضن لنفس التجربة، وحتى لا يتوجسن من المبادرة أو يشككن في "وطنيتها". كما أن تعرض أكثر من مدافعة من نفس المبادرة النسوية إلى المنع أدى في بعض الأحيان عن عزوف أغلبهن عن محاولة السفر لعدم تكرار التجربة المؤلمة، ويؤدي هذا إلى أكثر من إشكالية، فإما تضيع هذه المخاوف فرص للسفر والانخراط في أنشطة قد تفيد المبادرات النسوية ونشاط المدافعات في المجال العام، أو يصبح السفر من اختصاص عضوة واحدة أو اثنين من العضوات بالمبادرة المستعدات بالمجازفة ويؤدي ذلك إلى إشكاليات أيضا متعلقة بتدوير المسؤوليات والفرص داخل المبادرة أو المجموعة، وتعبر س.ع عن هذه الإشكاليات بشكل واضح: "أنا الموضوع معمليش أنا أزمة، أنا قررت اني أروح تاني وأجرب أسافر تاني بس زميلتي معملتش كده وفي من زميلاتي بقوا مش عايزين يسافروا. مش من المفترض ان انا أروح كل السفريات، ده مش صح وكمان لو عندي متطوعات صغيرين ببقى عايزة أسفرهم بس ببقى قلقانة يتعرضوا لنفس الحاجة وببقى مش عارفة أقولهم انهم يسافروا وان ده ممكن يحصل ولا ده هيقلقهم ويحسسهم اننا بنعمل حاجة غلط".

 

خلاصة

يُعد توقيف المدافعات عن حقوق الإنسان في المطار وعدم السماح لهن بالسفر دون  سند قانوني انتهاكا للاستحقاقات الدستورية والقانونية التي تكفل حرية الحركة. فتنص المادة  54 من الدستور المصري  أن "اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺣﻖ ﻃﺒﻴﻌﻰ، وﻫﻰ ﻣﺼﻮﻧﺔ ﻻ ﺗُﻤﺲ، وﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪﺍ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻠﺒﺲ، ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ، أﻭﺗﻔﺘﻴﺸﻪ، أﻭ ﺣﺒﺴﻪ، أﻭ ﺗﻘﻴﻴﺪ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺑﺄﻯ ﻗﻴﺪ إﻻ ﺑﺄﻣﺮ ﻗﻀﺎﺋﻰ ﻣﺴﺒﺐ ﻳﺴﺘﻠﺰﻣﻪ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ." وحيث أن جميع وقائع عدم السماح بالسفر المذكورة في هذا البحث(والذي يعتبر تقييدا للحرية) التي تم توثيقها في هذا البحث لم تكن بأمر قضائي مُسبب بل تُركت لتقدير الضباط عشوائيا في المطار، وهو ما يعد تعديا على المادة المذكورة والمادة 62 من الدستور المصري والتي تنص على: "ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻨﻘﻞ، واﻹﻗﺎﻣﺔ، واﻟﻬﺠﺮﺓ". وأنه "ﻻ ﻳﺠﻮﺯ إﺑﻌﺎﺩ أﻯ ﻣﻮاﻃﻦ ﻋﻦ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ، وﻻ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدﺓ إﻟﻴﻪ وﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﻐﺎدرﺓ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ، أﻭ ﻓﺮﺽ اﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺠﺒﺮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ، أﻭ ﺣﻈﺮ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻰ ﺟﻬﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ، إﻻ ﺑﺄﻣﺮ ﻗﻀﺎﺋﻰ ﻣﺴﺒﺐ وﻟﻤﺪﺓ ﻣﺤﺪدﺓ، وﻓﻰ اﻷﺣﻮاﻝ اﻟﻤﺒﻴﻨﺔ ﻓﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮﻥ". كما تنتهك الإجراءات المتخذة ضد المدافعات عن حقوق الإنسان بالمطارات من استجواب وتحقيق ومنع من السفر العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية مثل  المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص على حق جميع الأفراد في مغادرة بلادهم والعودة إليها، والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.

كما أن التجارب المتنوعة والمُستعرضة في هذا البحث تكشف عن التداخل والتقاطع القوي بين عوامل عدة تشمل النوع والطبقة والتنوع الجغرافي تحت مظلة القيم والممارسة السلطوية والأبوية لفاعلي الدولة والفاعلين المجتمعيين ضد النساء بشكل عام، والمدافعات عن حقوق الإنسان بشكل خاص، نظراً لكونهن نساء يتحدين الأنماط والأدوار النمطية المصبوغة عليهن مجتمعياً والمتوقعة منهن سواء من الأفراد حولهن في كل من المجال الخاص والمجال العام. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فتوضح التجارب استمرار النظرة الدونية والنمطية للنساء من المحافظات المختلفة - أي الأماكن البعيدة عن العاصمة - مما يرسخ مفهوم المركزية والذي يعزز من الفكر السلطوي. والمجتمعات الأبوية بطبيعتها لا تتقبل أن تتحدى النساء الأدوار المتوقعة منهن أو أن تعمل على إدراكهن لاختلال موازين القوى بتلك المجتمعات، لا سيما تطوير خطاب نسوي ينبع منه أنشطة ترسخ لأخريات وعيهن النسوي. وبالتالي، تستخدم هذه المجتمعات، سواء الفاعلين المجتمعيين بها أو فاعلي الدولة فيها كل الطرق الممكنة لكبح أنشطتهن ومنها تقييد حركتهن وتوقيفهن في المطار ومنعهن من السفر دون أية أسناد قانونية أو قرارات قضائية كما أوضحت تجارب المدافعات عن حقوق الإنسان مُؤسسات وعضوات المبادرات النسوية الشابة في أكثر من محافظة. ولكن تاريخ الحركة النسوية وثرائها يثبت أنه كلما تحاول المجتمعات استغلال مصادر السلطة بها لوقف النسويات عن عملهن ونشاطهن، دائما ما يجدن طرق مختلفة لاستكمال نضالهن من أجل الحصول على حقوقهن وصون كرامتهن. وبالفعل، تشبثتلك المدافعات وغيرهن  في مختلف محافظات مصر ولا يستسلمن لهذه الممارسات الأبوية وغير القانونية، ويستكملن نشاطهن بكل الطرق الممكنة.

رابط دائمhttp://nazra.org/node/537