بعد خمسة أيام فقط من اندلاع ثورة يناير، استطاع العاملون والعاملات إنشاء أول اتحاد نقابي مستقل للعمال أطلقوا عليه "الاتحاد المصري للنقابات المستقلة"، والذي ضم عاملين وعاملات من القطاعين الحكومي والخاص والقطاع غير الرسمي، رافعين شعارات؛ "عيش، حرية، عدالة اجتماعية." استطاع العمال باستمرار مطالباتهم بحقوقهم توسيع النطاق الجغرافي للثورة ليشمل كافة أرجاء البلاد متجاوزا ميدان التحرير.
وفور الإطاحة بمبارك في فبراير 2011، ازدادت حدة وعدد احتجاجات العمال مطالبين بحقهم في التنظيم وظروف عمل افضل. وسرعان ما قام العاملون والعاملات بانشاء نقاباتهم المستقلة والديمقراطية لأول مرة منذ إنشاء اتحاد عمال مصر في عام ١٩٥٧، كاسرين بتلك الخطوة هيمنة الدولة علي شئون العمال من خلال السيطرة علي اتحاد عمال مصر، ذلك الاتحاد الذي أعلنت المحكمة الدستورية العليا عدم دستورية دورته الانتخابية في ٢٠٠٦، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، كسرت تلك الخطوة الفكرة المتداولة القائمة على تقسيم العمال إلي ذوي ياقات بيضاء وأخري زرقاء.
وتم إنشاء ما يقرب من ١٢٠٠ نقابة مستقلة، منتظرين تغيير القانون ٣٥ لسنة ١٩٧٦ المنظم لهم، والذي لا يعترف إلا بتنظيم نقابي واحد وهو اتحاد عمال مصر، ولا يسمح للنقابات المستقلة بأن تقوم بدورها الرئيسي في الدفاع عن حقوق العمال والعاملات وتمثيلهم في المفاوضات الجماعية من أجل الحصول علي حقوقهم في ظروف عمل أفضل. وقد سيطرت الأحلام على العمال والعاملات في تلك الفترة لانشاء نقاباتهم المستقلة التي تقوم بالدفاع عن حقوقهم المهدورة. نقابة ينتمي اليها العامل طواعية وعن اختيار حر وليس الزاميا من الدولة.
قامت العاملات بالوقوف بجانب زملائهم وزميلاتهن في إنشاء تلك النقابات وتجاهلن مطالبهن كعاملات مقابل تحقيق المطلب الرئيسي وهو بناء نقابات حرة ومستقلة، والتي تعد الخطوة الأولي في سبيل بناء اطار تنظيمي يضع مشكلات المرأة العاملة علي سلم أولوياته. حيث تعاني مصر من أقل نسبة تمثيل للنساء في سوق العمل في العالم (٢٣ ٪) بل وتقع في أسفل الترتيب العالمي فيما يتعلق بمؤشر فجوة النوع الاجتماعي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ تحتل مصر المركز ١٢٤ من بين ١٣٢ دولة. بالإضافة إلي الإشكاليات المتعلقة بالمرأة في أماكن العمل والتي يأتي في مقدمتها عدم المساواة في الأجور، وعدم وجود حضانات لأطفالهن بالرغم من وجود قانون يلزم الهيئات التي لديها أكثر من مائة عامل وعاملة بذلك، هذا فضلا عن قضية التحرش الجنسي داخل أماكن العمل حتى في أكثر الأعمال حساسية مثل مهنة التمريض.
في مارس ٢٠١١، ومع تشكل أول حكومة بعد الثورة، قام وزير القوى العاملة والهجرة آنذاك د. أحمد البرعي بحل مجلس إدارة اتحاد عمال مصر، وقدمت في تلك الفترة واحدة من أقوى المبادرات للحوار الاجتماعي ضمت ممثلين من المجتمع المدني ومن وزارة القوي العاملة ومن النقابات المستقلة. وقد هدفت تلك المبادرة الي وضع قانون توافقي يحل مكان قانون ٣٥ لسنة ١٩٧٦ المتعنت تجاه الحريات النقابية وحرية العمال في اختيار التنظيم الذي يمثلهم وقاموا بإعداد ما أطلق علية قانون الحريات النقابية والذي وافق عليه مجلس الوزراء، ثم أحاله إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليظل حبيسا في الأدراج. وسرعان ما عاد العمال مرة أخرى إلي محاولة انتزاع حقهم في التنظيم مع برلمان الثورة، ولكن سريعا ما تبددت أحلامهم نتيجة موقف البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية، والذي كان الكثير من أعضائه طرفاِ فاعلا في الحوار الاجتماعي الذي خرج من عبائته القانون السابق، وقاموا بتجهيز قانون يحد من الحريات النقابية بل ويطلق رصاصة الموت على تلك النقابات التي أنشئت عقب الثورة بحجة الحفاظ علي الوحدة العمالية من التفتت. أدرك العمال أن الأخوان لم يعدوا حليفا في تلك المعركة.
وتتفاقم المشكلة مع أن الحكومة الحالية لا تعي أن بقاء هذا الوضع المتردي لن يوقف استمرار الاحتجاجات، حيث لا تزال تلك الحكومة مقتنعة مثلها مثل حكومات مبارك بأن الاستقرار الصناعي ممكن أن يحدث بدون ديمقراطية وأن حل المشكلات يكمن في السيطرة وليس في الحرية والتنظيم. فوفقا لآخر تقرير أصدره المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن عدد الاحتجاجات العمالية واستهداف النقابيين والنقابيات في عهد الرئيس مرسي قد تضاعف عما كان عليه في عهد مبارك، ولا توجد أية مؤشرات لإمكانية التعامل مع ذلك الوضع بدون قانون جديد يسمح بالتعدد وتمثيل العمال والعاملات على حد سواء.