المجد لكل سيدة تحملت نظرات المجتمع المهينة لمجرد إصابتها بمرض ما
عندما تبدأ بالحديث مع شخص ما عن فيروس نقص المناعة البشري ومرض الإيدز، أول ما يتبادر لذهن الأغلبية هو أن هذا المرض يصيب من يقيمون علاقات "غير شرعية" من وجهة نظر المجتمع، البعض الآخر يظل متجهما حائراً لا يعرف عن المرض، أو يعرف وليس لديه المعلومات الكافية عن كيفية الإصابة به أو طرق الوقاية او العلاج... إلخ.
هناك فئات كثيرة من المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في العالم، ولكني سأتحدث هنا عن بلدي جمهورية مصر العربية. أن تكون "إمرأة" في مصر هذه مأساة، فكونك إمرأة في مصر، باديء ذي بدء، يتم التعامل معك كمواطن درجة ثانية، في ظل هذا المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، ويتم حرمانها من السفر ومن العمل، ويتم انتهاك حقوقها في العمل بدءاً من ساعات العمل وصولاً إلى الرواتب، فالكثير من النساء العاملات يتلقون رواتب أقل من الرجال –وحديثى هنا عن عمال المصانع- فنسبة كبيرة من البنات في مصر يتم حرمانهم من حقهم في التعليم، ونسبة كبيرة أيضاً بعد حرمانها من التعليم، يقومون بتزويجها قبل بلوغها الثمانية عشر عاماً.
لك أن تتخيل عزيزي القاريء أن تكون إمرأة متعايشة مع فيروس نقص المناعة (الإيدز) في مصر... كيف سيتم التعامل معك؟.
كما ذكرنا من قبل أن أول ما يتبادر إلى ذهن الجميع عند ذكر مرض نقص المناعة المُكتسبة هو العلاقات الغير شرعية، فكونك سيدة حاملة أو متعايشة أو مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) يجعل منك شخص فاجر في مجتمع يقال عنه "مجتمع متدين بطبعه"، يتم التعامل مع هذه السيدة أنها سيدة متعددة العلاقات وأن هذا هو سبب إصابتها بالمرض، وبالتالي يتم نبذها من المجتمع، حتى وإن سعت بشتى الطرق لتثبت أنها "إمرأة شريفة" يكون رد الفعل "الله أعلم.. دع الخلق للخالق" ويظل الشك في قلوب الجميع، وتظل النظرة المجتمعية القاتلة لحاملات فيروس نقص المناعة.
بعض العائلات يقمن بإحتجاز بناتهن الحاملات للمرض وعزلهن عن المجتمع، وهذا هو النوع الأقل في ردة فعله عند العلم بأن بناتهن او زوجاتهن حاملات للفيروس، البعض الآخر يقوم هو نفسه بمقاطعة إبنته أو زوجتة الحاملة للفيروس، البعض يختار التصعيد ويقتلها دفاعاً عن شرفه.
الكثير من السيدات الحاملات للفيروس او المتعايشات معه يفضلن عدم الإفصاح عن ذلك حتى يتلاشين المشكلات التي سيتعرضن إليها من عائلاتهم أولاً ثم من المجتمع الظالم. ناهيك عن التعامل المهين الذي تتلقاه في المشافي الحكومية والخاصة أيضاً فور علمهم بإصابتها بالمرض، ورفض معظم المشافي علاج أو إجراء عمليات لحاملي الفيروس تجنباً لعدم نقل الفيروس للممرضين أو عن طريق الأدوات... إلخ. كل هذه تبريرات لا قيمة لها، فليس ذنب المريض أن مشافي الدولة غير مُجهزة للتعامل مع من يحملون فيروس نقص المناعة المكتسبة (إيدز).
المجد لكل سيدة حاملة/متعايشة مع فيروس نقص المناعة (الإيدز) في هذا المجتمع الذي أثبت مرضه هو وليس مرضها، المجتمع الذي أثبت أنه لا يعرف تقبل الآخر ولا يعرف التعامل مع المختلف وإن كان الإختلاف في المرض الذي يتعايش معه الفرد، الذي هو جزء من المجتمع بدوره. المجد لكل سيدة تحملت نظرات المجتمع المهينة لها فقط لمجرد إصابتها بمرض ما. المجد لكل من لم تكترث لهذه النظرات وواصلت محاولاتها في التعايش مع المجتمع وليس التعايش مع المرض.