الله أكبر الله أكبر... هكذا هتف أحد المتجمهرين من أهالي منطقة المرج حول منزل ألبير صابر في مقطع الفيديو المسمى "لحظة القبض على الملحد ألبير صابر"، الذي نقل وقائع القبض على ألبير. تجمع المتجمهرين مرددين هتافات تحرض على قتل ألبير بسبب نشرة لمقاطع من فيلم هاو، ظهر على صفحات الإنترنت مظهرا النبي محمد كشخص محتال، ملاحق للنساء، ومتحرش بالأطفال، على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك. تفاجأت والدة ألبير، السيدة كاريمان مسيحة، بالتجمهر فما كان منها إلا أن اتصلت بالشرطة طلباً للحماية. وبدلا من أن تفض قوات الشرطة المتجمهرين المنادون بقتل ألبير، قبضت الشرطة عليه، حيث قال الضابط لوالدة ألبير، حسب ما قالته في مؤتمر صحفي، "أنا مش هعرف أحميكي في المنطقة هنا؛ أنا هاخد ابنك عشان أحمية في القسم". لم يتم القبض على ألبير بغرض حمايته، حيث اتهم بنشر محتوى يتضمن ألفاظ وتشبيهات تسئ للأديان وتم حبسه 4 أيام علي ذمة التحقيقات. ما زالت محاكمة ألبير جارية، وإذا أدين، يمكن أن يحصل على حكم بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات.
إية الغلطة اللي ارتكبها إبني؟ يعني إية إزدراء أديان؟
رأيت السيدة كاريمان مسيحة في مؤتمر "أين العدالة في قضية ألبير صابر"، في 23 سبتمبر 2012، والذي نظمته مؤسسة حرية الفكر والتعبير. أوحى مظهرها أنها لم تنم منذ فترة طويلة وبدت مشتتة الأفكار عندما بدأت في الحديث عن قضية ابنها، الأمر الذي أرجعته هي لرؤيتها لمقطع فيديو الاحتفال بالقبض على ابنها. بعدما تداركت أفكارها، تركز حديث كاريمان حول أسئلة تسألها المنظمات الحقوقية نفسها عن ماهية تهمة ازدراء الأديان الفضفاضة. انتقدت كاريمان طبيعة "الجريمة" التي وجدتها هي مستعصية على الفهم وعلى الطريقة المريبة التي تم بها القبض على ابنها، وعلى تحريض إحدى الضباط المساجين ضدة ليعتدوا عليه بالضرب. تساؤلات ومساعي كاريمان للإفراج عن ابنها هو ما يضمها لصفوف المدافعين عن حقوق الإنسان، فليس المهم أن يكون للمدافعة تاريخ من النضال الحقوقي أو حتى العمل بصفة رسمية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. ما يميز المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، إذا، هو فعل الدفاع عن حقوق الإنسان- تناضل كاريمان لبراءة ابنها من تهمة ترى أنه لم يرتكبها، مطالبة بأن يحاسب الأشخاص الذين تسببوا في الانتهاكات التي وقعت عليها وعلى ألبير من دولة تتخذ من ابنها موقفا عدائيا بدون داعي، متسائلة "مش المتهم برئ حتى تثبت إدانته؟".
لية نتشتم؟ لية نطلع من بيتنا؟
مست "جريمة" ألبير عصبا خاصا. ففي ظل دولة ومجتمع يؤمنان أن التعبير عن التأملات الدينية التي تشت عن "العقيدة الصحيحة" المعتمدة من الدولة هي أمور تتنافى مع "الفطرة الإنسانية السليمة" -وفقا لإحدى نصوص تحقيقات النيابة مع ألبير- تعتبر مجرد القرابة من شخص يتنافى وجودة مع هذه "الفطرة" شراكة في صفات "الكفر" و"الزندقة". اعتمدت الرسالات المجهولة التي كانت تصل لوالدة ألبير على منطق "التطهير"، فاتهمت كاريمان بالإلحاد والزندقة وبالقتل والحرق وحرق منزلها إذا لم تغادره حتى تتطهر المنطقة من سكانها الملحدون. لم يقتصر التهديد على مكالمات تليفونية فقط، حيث صعدت مجموعة من الشباب إلى منزل كاريمان ليأمروها بشكل واضح الأمر بترك المنزل أو الحرق فيه، الأمر الذي اضطرها أن تترك منزلها في النهاية خوفا على سلامتها الشخصية. تقاطع النبذ الشعبي والرسمي لألبير مع حقيقة أن الشخص الذي كان يشاركه المنزل هي والدته، الأمر الذي سهل من استضعافها- فمن السهل الطرق على بابها وتهديدها وجها لوجه بدون قلق لتترك المنطقة بأسرها- فهي امرأة تعيش وحدها ومن السهل إخافتها.
مين دول؟
تتضمن أسئلة كاريمان على أمور تنبع من مسؤولية الدولة في الحماية. لم تحاول قوات الأمن، مثلا، أن تفض التجمهر أمام منزل ألبير ولم يتم أي تحقيق حول هوية الأشخاص الذين حاولوا اقتحام منزلة وهددوة بالقتل علنا. لم يتم التحقيق، أيضا، حول هوية الأشخاص الذين هددوا كاريمان وأجبروها على الفرار من منزلها، على الرغم من وجود أشخاص هددوها وجها لوجة ومن الممكن، إذا، التعرف عليهم. ما زلنا، حتى هذه اللحظة، لا نعلم مين دول ولماذا أفلتوا من أي مسائلة على ترويع مواطنان مصريان وتهديدهما بالقتل والحرق؟ لا تفكر الدولة في حقوق المواطنين بصرف النظر عن عقائدهم. ففي حين أن ألبير تم القبض علية وتسير محاكمته سريعا بسبب نشر أفكار لم تصل للإعلام ولم يعرف عنها الكثيرين أصلا قبل القبض علية، في حين تتعثر محاكمة وجدي غنيم مثلا، الذي شهد الملايين سبابة للقساوسة والرهبان، ولم يتم حبسه على ذمة التحقيق كما في حالة ألبير. لا يشغل أي من هذه الأمور بال الدولة المصرية، المنشغلة بالترتيبات الأمنية لحماية "إيمان" الأغلبية.