الشئ لزوم الشئ... شرطيات وبلطجيات

المصدر: العربية.نت
محمود بلال، محامي

تدوينة

2 أكتوبر 2012

ربما كانت أسماءهن : سارة، مى، منى، وربما هدى أو ليلى.. لا ننشغل بأسمائهن، ولكن يشغلنا ويقلقنا ويشعرنا بالخزي ما تعرضن له، فتيات انشغلن بمستقبلهن، وناضلن من أجل الحفاظ عليه، فكان جزاؤهن الضرب والسحل والإهانة.

يشغلنا أن هناك مشروعاً فريداً للبحث العلمى فى مصر اسمه "جامعة النيل"، تم اغتصابه من أصحابه وإعطائه لمن ليس في حاجة له، ولا صاحب حق فيه.

هكذا، وبـ"جرة قلم"، قررت الدولة تصفية مشروع الجامعة، واستبداله بمشروع مزعوم يشرف عليه أحمد زويل"، لم تهتم الدولة أن طلبة نابغين فى مقتبل حياتهم سيضيع مستقبلهم، ولم تهتم بأولياء أمورهم المذعورين على مستقبل أبنائهم، ولم تهتم الدولة أيضاً بأساتذة جامعة أفنوا عمرهم فى البحث العلمى سيصبحون فجأة عاطلين يحملون درجة الدكتوراه، لم تهتم كذلك بعمال مسئولين عن عائلات سيصبحون بلا مأوى.

لم يستسلم الطلاب، قرروا الاعتصام في الجامعة، رافضين طردهم من مبانيهم، وسرقة أحلامهم ومعاملهم، رافضين التخلي عن مشاريعهم، وأبحاثهم، واعتصمت أُسرهم معهم رافضين ضياع مستقبل أبنائهم، واعتصم معهم الأساتذة رافضين التخلي عن كرامة العلم، واعتصم العمال كذلك رافضين التخلى عن لقمة العيش.

يهمنا الآن أن نذكر أن أغلب طلاب الجامعة من الإناث، ويهمنا كذلك أن أغلب المعتصمين كانوا من النساء، فبخلاف الطالبات، هناك الأمهات، والأستاذات وزوجات الأساتذة والعمال.

ذكرنا ما سبق لأن ما حدث فى فض هذا الاعتصام جدير بالتأمل، فقد أصدرت الدولة أوامرها بـ"لم العيال دى" وذهبت جحافل الأمن المركزي لتنفيذ هذه الأوامر، ولكن الجديد أنهم اصطحبوا معهم شرطيات لعلمهم أن أغلب المعتصمين من النساء.

فبدلاً من أن يصدِّع شباب الثورة، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الدولة بـ"ست بنات" جديدة، وحديث عن "سحل"، و"تعرية" وأشياء من هذا القبيل، أرسلت الدولة هذه المرة نساءً يقمن بالمهمة حتى يكون السحل "بما لا يخالف شرع الله".

ولأن "الشىء لزوم الشىء" فكان طبيعياً أن يكون بصحبة الشرطيات، نسوة بلطجيات، في إعادة لمشاهد يوم التعديلات الدستورية عام 2005، والذي اصطلح على تسميته بـ"الأربعاء الأسود"، حين أرسلت الدولة "بلطجياتها" ليقمن بالاعتداء على المتظاهرات الرافضات للتوريث والتمديد، ولا عجب أن نرى هذا المشهد من جديد بعد مرور سنوات سبع، فالمعتدى عليهن في "الأربعاء الأسود" لم يأخذن حقهن حتى الآن!.

يكتمل الألم حين نعجز عن مجرد الإبلاغ عما تعرضت له الطالبات من ضرب وسحل واحتجاز بغير وجه حق، لأن ما حدث لهن كان تحت شعار "كله بالقانون"!.

نعم، فبحيلة قانونية ماكرة تم تحويل الصراع كله ل"منازعة تنفيذ" على أرض الجامعة ومبانيها ومعاملها، وصدر قرار من المحامى العام لنيابات جنوب الجيزة بتمكين زويل وأتباعه، من الجامعة، وأضيف لإعلان التنفيذ أسماء أشخاص تابعين لزويل والمسئولين عن مشروعه، وقام هؤلاء بإضاعة فرصة القيام بإشكال تنفيذ على المتضررين من القرار وهم الطلبة والمعتصمين، وبذلك أصبح من حق زويل والدولة المتواطئة معه منذ البداية، تنفيذ القرار بالقوة الجبرية، ولأن الشرطة متجبرة بطبعها قامت بتنفيذ هذا القرار بوحشية شديدة..ضربت الطلاب، وسحلتهم، واحتجزت خمسة طالبات وثلاثة طلاب، وقبضت على خمسة آخرين ورحلتهم إلى قسم "الشيخ زايد" واتهمتهم بارتكاب جريمة هى الاعتراض على تنفيذ قرار المحامى العام.

ولأن دولتنا لا تدرس أي شيء عن القانون في مدارسها، ولأن الطلاب لا علم لهم بهذه التعقيدات والألاعيب القانونية، كان طبيعياً أن ترفض الطالبات المعتدى عليهن التوجه لقسم الشرطة لعمل محضر بما تعرضن له، خشية القبض عليهن مثل زملائهم الخمسة، بل خافت الطالبات من مجرد التوجه للمستشفى لعمل تقارير طبية بإصاباتهن لأن زميلاً آخراً لهم تم القبض عليه من المستشفى حين ذهب لعمل تقرير طبى بإصابته.

لم نشأ أن نخاطر بالإبلاغ نحن، حتى لا نكون بهذا قد أبلغنا عن الطالبات أنهن قد اعترضن تنفيذ قرار السيد المحامى العام الذي لا يعلمن عنه شيئاً، ولكننا نلقى الضوء على التدابير التى تحاك بليل ضد حقوق طلاب جامعة النيل، وندق جرس إنذار لما يحمله المستقبل من اعتداءات على الإناث المناضلات فى سبيل حقوقهن، بطريقة تضمن "حرية القمع" وفى ذات الوقت عدم إثارة الرأي العام بدرجة كبيرة، حين يقع الاعتداء من أنثى على أنثى.

رابط دائمhttp://nazra.org/node/148