في 16 يونيو 2012، بدأت العشرات من الشابات في مسكن الطلبة داخل جامعة الخرطوم في الهتاف عالياً "لا لارتفاع الأسعار"؛ فنتيجة لتدابير التقشف التي اتخذتها الحكومة أصبحت تكلفة الوجبات والمواصلات غير محتملة للطالبات. وصرحت م.ه. وهي طالبة تدرس العلوم السياسية في جامعة الخرطوم "هاجمت الشرطة المساكن وأطلقت غاز مسيل للدموع وضربتنا بالهراوات"، وقد ألهمت المظاهرات التي قادتها هؤلاء الشابات الاحتجاجات المستمرة حالياً في الجامعات، والتي تهدف إلى حشد سكان مدن سودانية عديدة. وقد استمرت المظاهرات لأكثر من أسبوعين، فالسودان ينتفض ضد نظام عمر البشير وهو دكتاتور السودان طوال الثلاث وعشرين سنة الماضية، إلى جانب كونه مجرم حرب مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، حيث تم استخدام الاغتصاب كسلاح من قبل نظامه ضد نساء دارفور؛ ويستمر استخدام الاغتصاب من قبل ميليشياته وقوات الأمن ضد الناشطات المعتقلات إلى الآن.
إن مشاركة النساء في صنع التغيير في السودان وخاصة مشاركتهن في ثورات السودان تعد عنصراً رئيسياً في تاريخ البلاد منذ 1825-1885، وهي سنوات ثورة المهدي ضد الحكم المصري- التركي في السودان. وقد قامت مهيرة، كانت شاعرة، في شمال السودان بتشجيع زعماء القبائل للوقوف ضد الجيش التركي ومحاربته، وذلك من خلال قصائدها التي استخدمتها لتشجيع قادة قبيلتها وجيشها من أجل الاستمرار في النضال ولكي لا يستسلموا لعدوهم. وخلال الاستعمار الإنجليزي للسودان (1898-1956) في غرب السودان وتحديداً في جبال النوبة، حملت ماندي أجبنا رأس أبيها، وهو ملك أعدم من قبل الجيش الاستعماري، لأيام خلال جبال النوبة لكي تقنع 17 ملك لتوحيد قواهم ومحاربة الإنجليز من أجل حماية أراضيهم وتحرير شعوبهم.
وفي التاريخ الحديث، كانت النساء على الخطوط الأمامية يطالبن بالاستقلال عن الحكم البريطاني، وبعد الاستقلال عملت النساء من أجل التغيير الاجتماعي وبدأن النضال من أجل حقوقهن. على سبيل المثال، قادت فاطمة أحمد إبراهيم رئيسة الاتحاد النسائي السوداني المظاهرات ضد النظام العسكري لإبراهيم عبود في ثورة أكتوبر 1964. وكانت فاطمة والاتحاد من الأسباب الرئيسية وراء نجاح ثورة السودان الأولى كدولة مستقلة. وقد حشد الاتحاد النسائي السوداني النساء وحوّلهن إلى قوة ضاغطة تشعل الاحتجاجات وتنزل الشوارع في أعداد هائلة، وكنتيجة لذلك كسبن معظم حقوقهن. وبعد الثورة أصبحت فاطمة أول امرأة سودانية تنتخب كعضوة في البرلمان، ومن موقعها حاربت من أجل النساء اللاتي شاركن في الثورة. وبحلول عام 1969 حصلت النساء على حقوقهن في المشاركة السياسية والمساواة في التعليم والعمل والأجور.
وفي إبريل 1985، اندلعت ثورة ضد نظام جعفر نميري العسكري (1969-1985) وكانت النساء قد اكتسبت مزيد من الحقوق حينها، وعملن وزيرات ومحاميات وطبيبات ومعلمات. أثناء الثورة الثانية، كانت مشاركة النساء في الأحزاب السياسية ملحوظة، وكن عضوات نشيطات في النقابات المهنية واتحادات العمال، والتي قامت بقيادة الاحتجاجات والإضرابات حتى سقوط النظام.
وقد قادت النساء السودانيات الاحتجاجات في موجة التظاهرات الأخيرة في هذا العام، فمثلاً قامت النساء كبيرات السن بسد الشوارع بأجسادهن في بهري في 22 يونيو.
سارت النساء في السودان طريقاً طويلاً لكسب حقوقهن؛ فهن قيادات في الأحزاب السياسية، ومستشارات، وصانعات سياسات. وفي حزب الأمة، وهو أحد أقدم الأحزاب السياسية وأكثرها محافظة في السودان، تعمل سارة نقد الله كسكرتيرة سياسية في الحزب (رئيسة المكتب السياسي)، كما تعد حركة حق مثالاً آخر على حركة سياسية جديدة تقودها السيدة هالة عبد الحليم. تثبت النساء السودانيات أنهن مناضلات شجاعات وقويات من أجل الحرية، ومنظمات وحاشدات للمجتمع، حيث أن معظم مجموعات الشباب والحركات التي تطالب بتغيير النظام أو التحول الديمقراطي في فترة 2-4 سنوات الماضية كانت تقودها نساء. كما أن معظم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة ومنظمات حقوق الإنسان تقودها نساء، أو تكون فيها النساء هي الرموز الأبرز. ولسوء الحظ، لا أستطيع أن أذكر أسماء هؤلاء النساء بالرغم من أنني سأكون دوماً فخورة جداً بكوني أعرفهن وأنني عملت معهن. لم تتوقف النساء أبداً عن النضال والمحاربة من أجل حقوقهن والمستقبل الأفضل لوطنهن. كل هؤلاء النساء شرفن عندما فازت حواء عبد الله محمد، المدافعة الدارفورية عن حقوق الإنسان والتي اعتقلت لشهور في عام 2011 بالجائزة الدولية للنساء الشجاعات عام 2012. وتستمر النساء السودانيات في نضالهن الشجاع على الخطوط الأمامية للاحتجاجات، يصبن بالطلقات ويتشممن الغاز المسيل للدموع ولكن يواصلن إعلاء صوتهن بالرغم من ذلك، ليعلنّ: "اقتلني...لا تنتهك حريتي".