أولاً المقدمة
السير في شوارع القاهرة، التجول في المدينة، استخدام المواصلات، كلها أنشطة يومية تبدو بسيطة واعتيادية إلا أنها بالنسبة للنساء قد تشكل تحديا حقيقيا. "لازم تحضري نفسك نفسيا قبل ما تنزلي تعملي أي مشوار بسيط عشان التحرش اللي ممكن تتعرضيله ". غالبا ما يشكل مجرد وجود النساء في المجال العام وتنقلهن في فضائه عبء عليهن لما قد يتعرضن له من عنف جنسي.
يشغل فكر النساء مليا قبل تواجدهن في الشوارع أسئلة حول الأحياء التي قد يتجولن فيها، وأي أماكن لا يمكنهن ارتيادها خوفا من تعرضهن للعنف، وأي ساعة يمكنهن التجول في شوارع المدينة. فجولة واحدة في شوارع القاهرة كافية لتفرض المدينة أشكالا من العنف على النساء. كانت قضية العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام المصري قد طرحت نفسها في السنوات الأخيرة كظاهرة يجب مواجهتها والتصدي لها بشكل ملح. إن العنف ضد النساء في المجال العام عامة وفي السياق المصري خاصة له الكثير من الأسباب التي نرى كنسويات أنها لا تنفصل عن رؤيتنا لممارسات الأنظمة والمجتمعات الأبوية، إلا أنه قليلا ما يتم النظر للمكان الذي يمارس فيه العنف كأحد عوامل هذا العنف وإحدى تجليات الأبوية ، وكأن المكان هو مجرد "مادة هندسية" بريئة من العنف التي يمارس بها. من خلال عملنا على قضية العنف الجنسي في المجال العام خلال السنوات الماضية، ظهرت المدينة في حد ذاتها لا كمكان محايد، بل كبنية متواطئة مع العنف الجنسي في المجال العام وإحدى مسبباته.
فبالإضافة إلى أشكال الظلم والتمييز التي تمس النساء كنظرائهم الذكور فيما يخص التخطيط المديني من حيث الانحيازات الطبقية للمدينة واستبعاد المواطنين\ات من التخطيط لها، هناك أشكال من الظلم العمراني تخص النساء لكونهن نساء.
"تختلف تجربة النساء والرجال والفتيات والصبيان في التحضر والمدن، كما تختلف استفادتهم من الفرص المتاحة فيها ",ويتحكم في هذا عدة عوامل أولا: البنية الأبوية التي تحد من فرص النساء عموما ، فالوصول إلى الخدمات الأساسية (على سوء جودتها) قد يكون أصعب بالنسبة للنساء. ثانيا: تتعرض النساء لأشكال مختلفة من العنف في الأماكن العامة وشبه العامة (المدارس، المستشفيات، إلخ)، "فالكثير من الأماكن تبدو "عادية" للناظر ولكنها تحمل معاني مختلفة للنساء: مثلا الأنفاق، والشوارع قليلة الإنارة، ومشاريع الإسكان الخالية، الخرابات ، إلخ. قد يرى الرجل هذه الأماكن عادية ولكن تراها النساء كمساحات للتحرش بها وممارسة العنف ضدها" . في بحث ميداني في مدينة بومباي الهندية، وهي مدينة تشبه القاهرة من حيث المعاناة من ظاهرة العنف الجنسي، تقول الباحثة فادكي أن الكثير من النساء اللاتي قابلتهن أفصحن لها أنهن يفضلن المخاطرة بعبور السكة الحديد ومواجهة القطارات المندفعة عن استخدام كباري المشاة المظلمة والتي تشكل أخطار مجهولة متعلقة بالعنف الجنسي . فجزء أساسي من الظلم الواقع على النساء في المدن ومن شعورهن بعدم الأمان هو ظلم بنيوي متمثل في طريقة تخطيط المدينة والفضاءات نفسها؛ وتعتبر الأماكن العامة في أحيان كثيرة بيئة خصبة لارتكاب جرائم العنف ضد النساء، بالإضافة إلى أن الخدمات المتاحة في الكثير من المدن ومن بينها القاهرة تستجيب بشكل محدود لاحتياجات النساء اللاتي تتعرض لهذه الأشكال من العنف.
مما سبق يظهر أن تحليل العنف ضد النساء كإحدى الظواهر المتفشية في المدينة لا يمكن أن يتم بمعزل عن ديناميكيات التخطيط العمراني للمدينة وما يمثله من انحيازات. فبالتأكيد، تؤثر عملية التخطيط المديني على العنف ضد النساء في المجال العام وتعززه في الكثير من الأحيان، كما يؤثر هذا العنف بدوره على المدينة والعلاقات الاجتماعية الخاصة بالنوع بداخلها.
من ثم، يأتي اهتمامنا بتحليل العوامل البنيوية المتأصلة في المدينة وتخطيطها العمراني والتي تساهم في تعرض النساء إلى العنف الجنسي في المجال العام، وكيفية مواجهة هذه العوامل لتكون القاهرة أكثر أمانا للنساء وأقل تحفيزا على ممارسة العنف ضدهن. وفي هذا الإطار، تسعى "نظرة للدراسات النسوية" من خلال تلك الورقة إلى تقديم رؤية نسوية تربط ظاهرة العنف الجنسي في المجال العام (بدءا من التحرش وحتى الاغتصاب) بمفهوم الحق في المدينة متخذة القاهرة كمثال ، وتطرح الورقة سؤال أساسي حول الإشكاليات المتعلقة بالعمران التي تتعرض النساء على أساسها إلى أنماط من العنف في القاهرة، كما تطرح بعض التوصيات العملية لمعالجة هذه الإشكاليات.
منهجية وأدوات البحث
استخدم البحث بالأساس تحليل كيفي له بعد نسوي، حيث اعتمد على تحليل عدة مصادر ثانوية: ومنها أولا مصادر عن نظرية الحق في المدينة بشكل عام وعن الحق في المدينة من منظور نسوي، وتم ربط هذه النظريات بإشكاليات التخطيط العمراني في القاهرة. أما في الجزء الخاص بالتوصيات فتم الاعتماد على تجارب المبادرات العمرانية المختلفة التي تشكلت في العالم سواء كانت مبادرات محلية وشعبية أو مشاريع من مؤسسات دولية، وكذلك بعض الممارسات العمرانية البديلة التي تطورت في مصر خلال السنوات الماضية ومحاولة ربطها باحتياجات النساء في المدينة. كما تم الاعتماد أيضا على بعض المقابلات الشخصية والهاتفية مع خبراء وباحثين\ات في مجال العدالة العمرانية والحق في المدينة في مصر.
واجهت كتابة الورقة عدة تحديات أولها مرتبط بالاعتماد على المصادر الثانوية بشكل شبه كامل. فجزء أساسي من العمل على التخطيط العمراني والعدالة الحضرية هو إجراء زيارات ميدانية والاعتماد على منظور وروايات المواطنين\ات في المناطق المبحوثة، وبالتالي من ضمن الإشكاليات الأساسية في هذا البحث هو عدم التمكن من اجراء زيارات ميدانية نظرا للظروف الأمنية الحالية. من الضروري أيضا الإشارة إلى أنه من تحديات هذا البحث هو عدم إتاحة الإحصائيات والمعلومات حول مشاريع التخطيط العمراني من قبل الدولة أو المؤسسات الدولية بالإضافة إلى عدم توافر معلومات كافية عن علاقة الحق في المدينة بالنوع في القاهرة. فهناك نقص واضح في الإنتاج المعرفي المتعلق بالنوع والحق في المدينة حيث أن الكثير من الدراسات والأوراق المنشورة عن موضوع الحق في المدينة لا تدمج منظور النوع بشكل واضح. بالتالي، نظرا لهذه المعوقات، تقدم الورقة طرح مبدئي عن إشكاليات العمران وعلاقته بالعنف ضد النساء وعدة توصيات، آملين في تعميق البحث من خلال أوراق قادمة تعتمد على البحث الميداني وأن تكون هذه الورقة بمثابة ورقة تصور لكيفية ربط الحق في المدينة بالنوع في القاهرة.
ثانياً الإطار التحليلي والمفاهيمي
الإطار التحليلي
ترتكز هذه الورقة على ركنين أساسيين يشكلان إطارها التحليلي، أولا النظريات الخاصة بالحق في المدينة وبعدها النسوي، وتساعد هذه النظريات على وضع الإشكاليات الخاصة بالواقع المصري التي سيتم تفصيلها فيما بعد في سياق أوسع، يهتم بعلاقات القوى وتحليل الرؤية الخاصة بتلك الإشكاليات. أما الركن الثاني فهو الإطار التشريعي والدستوري المصري والدولي المرتبط بمفاهيم العدالة العمرانية والحق في المدينة والذي يوفر أدوات عملية يمكن الاستفادة منها للضغط من أجل سياسات أفضل فيما يخص التخطيط العمراني واحتياجات النساء في المدينة.
الحق في المدينة من منظور نسوي
تطور مفهوم "الحق في المدينة" في أواخر ستينيات القرن الماضي، لا فقط من منطلقات نظرية ولكن من إحساس حقيقي بالتهميش والغربة داخل المدينة عبر التفاعل اليومي معها، وإدراك أن تعرض سكان المدن لأشكال مختلفة من الظلم متعلق مباشرة بطريقة التخطيط للمدينة والحرمان العمراني الذي تعاني منه الكثير من الفئات. يعني ذلك أن عملية التمدن حملت في طياتها عدم الأخذ في الاعتبار للكثير من الفئات المهمشة وحقوقهم في المدينة التي يسكنونها، مما قد يعرضهم لمزيد من التهميش وانتقاص لحقوقهم .ولد مفهوم الحق في المدينة كمفهوم جذري يمثل أكثر من مجرد الحق في الاستفادة من الفضاء العمراني الموجود بالفعل أو الخدمات الموجودة به، ولكنه الحق في إعادة تشكيل هذا الفضاء والعلاقات السياسية\الاجتماعية\الاقتصادية التي تحكمه . نظرية الحق في المدينة هي طريقة لإعادة تعريف العلاقات الاجتماعية والبنى التي تحكم المدينة، كما يشرح هارفي، الحق في المدينة "طريقة لممارسة سلطتنا الجماعية على عملية التمدن " ضد بنى الاستغلال المختلفة. رسخت نظرية الحق في المدينة لفكرة أن المدينة أصبحت مركز الحياة الاجتماعية والسياسية والفنون والثقافة، وبالتالي هي أيضا مركز تشكيل الحركات الاجتماعية والثورية، وحيث أن المدينة مكان عام للتفاعل الاجتماعي وطرح الاختلافات فهي مكان للصراع الدائم. فمن منظور "الحق في المدينة"، الحراك الاجتماعي والثورات في العصر الحديث هي مدينية الطابع ونابعة من أشكال الظلم والتهميش المختلفة التي يتعرض لها سكان المدن .
تجادل النظريات الخاصة بقضية الحق في المدينة أن المدينة ليست مكان موضوعي، بل هي مكان غالبا ما يكون منحاز للأطراف الأقوى في المجتمع ويظلم الكثير من الفئات المهمشة ومن بينهم الفقراء، والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم . بالتالي، إذا كانت المدينة هي انعكاس لعلاقات القوى الموجودة في المجتمع ونتاج لانحيازات المخططين لها للفئات الأقوى، فالمدينة بلا شك هي أيضا انعكاسا للسلطة الأبوية. لا يعتبر الظلم العمراني للنساء مجرد صدفة أو أثر جانبي، ولكنه إحدى انعكاسات الأبوية وتقسيم الأدوار الجندرية، فهناك ارتباط وثيق بين انحياز المدينة ضد النساء، أو على الأقل عدم استجابتها لاحتياجتهن، والرؤية التقليدية لتقسيم الأدوار بين النساء والرجال.
من هذا المنطلق، عدم الاستجابة لاحتياجات النساء في عملية التخطيط العمراني تحمل معاني أكثر عمقا من مجرد تجاهل احتياجات النساء أو افتقاد الحساسية لقضايا النوع. وجود أجساد النساء في المجال العام بِحُرية في أي وقت وفي أي مكان في الغالب ليس أمر مرغوب فيه، فتواجدهن لا يزال مشروطا بهدف أو ضرورة ما مثل "العمل" أو "التعليم" ولا يزال مشروطا بضرورة التزام النساء بسلوك معين مرتبط "بالاحترام" كما يُعَرفه المجتمع. بالتالي، وجود النساء في المجال العام وفي المدينة فقط "للاستمتاع" أو الترفيه وبلا "هدف" ما وفي أوقات وأماكن غير المقرر لهن الوجود بها أمر غير محبذ أصلا، بل قد يمثل نوع من الفوضى أو مشكلة "في النظام العام" . بالتالي لا يوجد اهتمام بتأمين المدينة للنساء ليلا مثلا لأنهن ليس من "المفترض" أن يتواجدن بها بِحُرِية ليلا.
إن استمرار وجود عامل التهديد والخطر المتمثل في العنف الجنسي هو جزء من عملية التهذيب والتحكم في أجساد النساء في المدينة، والحد من حرية حركتهن بسبب وجود الخوف الدائم من العنف الجنسي، وتعميق فكرة مِلكية الرجال للمجال العام وسيطرتهم عليه. يؤصل ذلك لفكرة أن حماية النساء تتضمن في وجودهن في المجال الخاص حيث أن وجودهن في المدينة يعرضهن لمخاطر . تنتج عن هذه الفكرة رؤية أبوية عن الأمان والحماية، وكأن الأمان هو مسؤولية النساء ويتمثل في مدى قدرتهن على تفادي الأماكن التي من الممكن وقوع العنف فيها، أو عدم وجودهن في المجال العام "بلا داعي".
ويتطرق الجزء التالي من البحث إلى رصد بعض إشكاليات التخطيط المديني للقاهرة وأثرها على العنف ضد النساء، الذي يجب تحليله في هذا السياق النظري الذي لا يعتبر هذه الإشكاليات مجرد قصور أو مصادفة، بل يرى الأبعاد الجندرية التي تفرضها.
ومن هنا تأتي أهمية الاشتباك مع مفاهيم الحق في المدينة والعدالة العمرانية من منظور نسوي. إن الاتجاهات النسوية ترى الظلم الواقع على النساء في المدينة وتؤكد على أهمية أخذ أمان النساء واحتياجاتهن بعين الاعتبار في عملية التخطيط العمراني، إلا أنها أيضا تتفادى الوقوع في فخ إنتاج خطاب أبوي عن "الأمان" يعزز عدم تواجد النساء في الأماكن العامة بِحُرِية بدلا من العكس. وتؤكد فادكي على هذه النظرية، ففكرة الأمان في المجال العام من منظور نسوي لا تعني البحث عن الأمان بشكل "سلبي" بمعنى إيثار السلامة وعدم التجول في الشارع في ساعات متأخرة مثلا أو التأكيد على ضرورة أن تظهر النساء بصورة معينة وسلوك معين يلتزم بمعايير "الاحترام" المجتمعية، بل الأمان هنا بمعنى "إيجابي" من حيث التأكيد على أحقية النساء في التواجد في الأماكن العامة ودور الدولة والمخططين للمدينة في ضمان هذا الحق . ف "الفضاءات تمتلك قوة دعمنا أو منعنا فيما نقوم به "، ويسعى مفهوم الحق في المدينة من منظور نسوي إلى تحويل هذه الفضاءات التي تمنع الكثير من النساء من التواجد بها، إلى مساحات داعمة لهن. وتتبنى هذه الورقة مفهوم "الأمان" في هذه الورقة على هذا النحو. وتتخطى علاقة التخطيط والنسوية فكرة الأمان، ولا تنحصر في النقد النسوي لعملية التخطيط العمراني، فالمدينة هي تجسيد للكثير من المخاوف النسوية بشكل مادي وظاهر ، "في الفضاء ينمو النظام البطرياركي محركا المفاهيم الطبقية والجندرية ". علاوة على ذلك، كما هو مذكور أعلاه، الحق في المدينة ليس حق فردي فقط ولا يقتصر على وصول النساء إلى الخدمات وأمانهن الشخصي، ولكن لأن المدينة أيضا مكان لتشكيل الهويات والعلاقات الاجتماعية والجندرية، فهي كذلك مكان لمقاومة هذه الهويات والعلاقات ولنمو الحركات الاجتماعية ومن بينها النسوية. سيعتمد تحليل الإشكاليات والتوصيات المطروحة إلى حد كبير على هذه الرؤية التي تحمل الدولة\المخطط مسئولية الأمان والتي في نفس الوقت تعطي المواطنات الحق في المشاركة في خلق مدينة أكثر أمانا لهن.
المواثيق الدولية والإطار القانوني والدستوري
سريعا ما أصبح "الحق في المدينة" مفهوم عملي وليس فرضية نظرية فقط واتخذ أشكالا مختلفة من مبادرات شعبية في مدن مختلفة حول العالم إلى تضمين المفهوم في المؤسسات الحقوقية والمؤسسات الدولية والأمم المتحدة.
أولا، فيما يخص المواثيق الدولية، أصبح مفهوم الحق في المدينة تدريجيا جزء من لغة حقوق الإنسان العالمية وساعدت الكثير من الاتفاقيات والمبادرات الدولية في تعميم هذا المفهوم. على سبيل المثال، تم الانتهاء من صياغة الميثاق الأوروبي للحفاظ على حقوق الإنسان في المدينة عام 2000 وتم التصديق عليه من قبل 350 مدينة في 21 دولة بحلول عام 2007. نشأ الميثاق من خلال مؤتمر عام 1998 بمناسبة مرور 50 عام على إعلان الأمم المتحدة في مجلس مدينة برشلونة وكان الميثاق هو نتاج لحوار بين المدن ومنظمات المجتمع المدني وآخرين. وتم إنشاء شبكة مدن من أجل حقوق الإنسان في 2003 لتفعيل الميثاق. كما تطورت بعض الآليات والوثائق المتعلقة تحديدا بالنساء فيما يخص الحق في المدينة ومنها الميثاق الأوروبي للمساواة بين النساء والرجال في الحياة المحلية والذي تم تبنيه في 2006، ويبني على عمل مجلس البلديات والأقاليم الأوروبية ويستخدم الميثاق عدد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومنها إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) وإعلان ومنهاج عمل بيجين ومفهوم الموازنة المستجيبة للنوع التي طورتها الأمم المتحدة. أصبحت أيضا مؤسسات وآليات الأمم المتحدة تعتبر الحق في المدينة حق من حقوق الإنسان، فأصبح هناك برنامج مختص بالعدالة العمرانية وهو "برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" (برنامج الموئل) والمكلف من الأمم المتحدة ب "تعزيز الاستدامة الاجتماعية والبيئية في المدن" . كما تم تكليف مقرر خاص للحق في السكن الملائم من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2000 وبدأ المقرر الخاص في العمل على الحق في السكن الملائم للنساء بشكل خاص منذ 2011. بالتالي، يجب أخذ هذه المواثيق بعين الاعتبار لوضع المطالب الخاصة بالحق في المدينة في إطار التزامات مصر الدولية، وكونها جزء من الأمم المتحدة ومُصَدِقة على الكثير من الاتفاقيات التي تتضمن الضغط من أجل حقوق المواطنين في المدينة.
لكن الاهتمام بالحق في المدينة لم يصبح فقط من شأن برامج الأمم المتحدة أو الآليات الدولية الأخرى، بل تشكلت الكثير من المبادرات الشعبية التي بنت جهدها على مفهوم الحق في المدينة، ومن أبرزها تجربة "تشريع مدينة البرازيل" (BrazilCity Statute) والتي بعد عشر سنوات من العمل والتفاوض السياسي نجحت في أن تصبح قانونا في 2001. ويبني قانون مدينة البرازيل على الحقوق الموجودة في دستور 1988 والذي يكرس فصلا كاملا للحق في المدينة. ويعزز القانون خلق نظام قانوني-عمراني أكثر عدلا وأكثر ديمقراطية من حيث مشاركة المواطنين في إدارة المدن. من المهم أخذ التجارب المماثلة بعين الاعتبار لتوضيح أن الإطار الدستوري والقانوني مهم لإعطاء استحقاقات ومكاسب حقيقية متعلقة بالحق في المدينة ولا يتعارض هذا المسار مع المبادرات الشعبية بل تتقاطع هذه المسارات وتصب في بعضها البعض.
المفاهيم والتعريفات
العمران: هو باختصار كل الفضاءات غير "الطبيعية" التي يصنعها الإنسان. العمران المصري يتضمن الإسكان والتنمية العمرانية ومياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والتنقل وإدارة النفايات الصلبة والخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والأمن، إلخ
"الحق في المدينة": الحق في المدينة كما سيتم استخدامه في هذه الورقة هو الحق في الحصول على الخدمات والوصول إليها مثل الخدمات الصحية والتعليمية ووسائل المواصلات وكل ما يتعلق بالبنية التحتية للمدينة كالمياه والكهرباء والصرف الصحي. ويعني ذلك أن لجميع المواطنين الحق في الوصول إلى هذه الخدمات بشكل متساو، ف "لا يمكن أن يكون المكان الذي يعيش فيه المرء هو المحدد لحقوقه كمواطن" . إذا طبقنا هذا المفهوم بشكل خاص على النساء وربطناه بالعنف الجنسي ضد النساء بالتحديد، فحق النساء في المدينة يجب أن يشمل حصولهن على خدمات مثل وسائل المواصلات الآمنة وتعزيز الإنارة في الشوارع المظلمة ووجود خدمات محلية للاستجابة لوقائع العنف سواء وقعت في المجال العام أو الخاص. يتضمن الحق في المدينة أيضا عدة مبادئ أساسية كما تعرف بعضها الUNESCO و الUN Habitat منها الحرية والاستفادة من الحياة المدينية لجميع الساكنين فيها، والشفافية والفاعلية والعدالة في إدارة المدن، والاعتراف بالتنوع الثقافي والاجتماعي داخل المدن . إلا أن مفهوم "الحق في المدينة" لا يقتصر في هذه الورقة على كيفية وصول الفرد إلى الخدمات والموارد الأساسية، فهو ليس مجرد حق فردي، بل هو حق جماعي للمواطنين\ات لكي يكونوا شركاء أساسيين في التخطيط لمدينتهم وتحديد أولولياتهم وتمثيل مصالحهم وضمان تخطيط أكثر تشاركية وعدلا للجميع (بما فيهم النساء) وتأثيرهن كقوى فعالة في شكل المدينة وطبيعة العلاقات الاجتماعية بداخلها. فالحق في المدينة هو ممارسة لسلطة جماعية تسعى لإعادة تشكيل عملية التمدن والتخطيط العمراني .
العنف الجنسي
المقصود بالعنف الجنسي ضد النساء في المجال العام هو كل أنواع جرائم العنف الجنسي بدءا من التحديق وتفحص الجسد والتحرش اللفظي سواء كان بألفاظ بذيئة أو تعليقات غير مرحب بها أو اقتراحات جنسية أو "بسبسة" أو التتبع والملاحقة في الشارع أو بالسيارة مرورا باللمس أو الكشف عن أعضاء تناسلية، أو محاولات الاعتداء الجنسي، وصولا للاغتصاب.
ثالثاً القاهرة والنساء
تتعرض النساء في المدينة للعنف لكونهن نساء، على اختلاف خلفياتهن وهوياتهن الأخرى، فلا شئ يحمي النساء أو يضمن لهن سلامتهن تماما أو عدم تعرضهن للعنف بما في ذلك تنقلهن بالسيارات، أو وسائل مواصلات خاصة أو ارتيادهن أي أماكن عامة . كما تصف إحدى الراويات في التقرير السنوي لمؤسسة خريطة التحرش: "أنا أصف سيارتي في الشارع المقابل لمقر عملي، كل يوم أعاني كثيرا من التحرش في هذه المسافة الصغيرة. يقوم بعض الرجال بالتحديق في والتصفير، ويفعلون ذلك أمام أطفال صغار بالشارع. فلا عجب أبدا أن الأطفال يسبونني بألفاظ بذيئة علنا كنوع من التسلية والمرح" . إلا أن بالطبع تجارب النساء في المدينة مختلفة وتتقاطع فيها هويتهن كنساء مع هويات أخرى، فتتلاقى الأبعاد الجندرية مع الأبعاد الطبقية والعرقية، وغيرها. كما تتقاطع الإشكاليات المتعلقة بالنساء مع الإشكاليات العديدة المتعلقة بالتخطيط العمراني في مصر عموما. وفيما يلي محاولة لفهم كيف يعزز التخطيط العمراني غير العادل تعرض النساء للعنف الجنسي في المجال العام، مع الأخذ بعين الاعتبار تقاطع الهويات المختلفة للنساء والسياق الأوسع المتعلق بالعمران المصري.
مفهوم "الأمان"
تهتم الكثير من الجهات الحكومية المعنية بالعمران بمفهوم "الأمان"، كما تتكرر المصطلحات متعلقة بالأمان و"السلامة" في الدستور وبعض القوانين والمراسيم الرسمية. تضمن المادة 78 من الدستور أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية"، كما أن الشعار الرئيسي لصندوق تطوير المناطق العشوائية هو "ضمان مناطق سكنية آمنة" وينص القرار الرئاسي رقم 305 لسنة 2008 في مادته الرابعة من ضمن أغراض إنشاء الصندوق "تصنيف المناطق العشوائية من خلال لجان فنية لتحديد أسلوب التعاون معها وحصر المناطق غير الآمنة بها ووضع السياسة العامة لتطوير وتنمية المناطق غير الآمنة ". إلا أن هذا الاهتمام بالأمان يتجاهل منظور النوع.
يصنف الصندوق المناطق غير الآمنة من 1 إلى 4 طبقا لمعايير محددة. وبالرغم من أنه لا يوجد تعريف مفصل للمناطق الآمنة، يمكن فهم ذلك من خلال تصنيف صندوق تطوير المناطق العشوائية، فدرجات الأمان من 1 إلى 4 مرتبطة بالمعايير الآتية: مخاطر تهدد الحياة مثل المخاطر الجيولوجية، وافتقار شروط المأوى وتتلخص تلك في استخدام مواد عادة لا تستخدم في البناء، وافتقاد السلامة الإنشائية، وأماكن مهددة للصحة، وافتقاد الحيازة المستقرة . بالرغم من أن هذه المعايير مهمة بالطبع للحفاظ على أمان وسلامة المواطنين\ات، إلا أنها تتغاضى تماما عن منظور النوع، فتحصر هذه المعايير مفهوم السلامة في العوامل الإنشائية والصحية للمباني والأحياء، وتتجاهل أن مجرد السير في الشوارع قد يشكل خطرا للنساء..كما أنها تحصر المشكلة في المناطق "غير المخططة"، وتربط عدم الأمان بعدم التخطيط وذلك ليس بالضرورة صحيح. فالكثير من الأماكن المخططة قد تكون غير آمنة، خاصة إذا أدمجنا مفهوم النوع والأماكن التي تتعرض فيها النساء للعنف بكثرة. كذلك الكثير من الأماكن المخططة رسميا من الحكومة لا تتواجد فيها الخدمات والبنية التحتية. فقضية اللامساوة المكانية ليست مقتصرة على وجود مناطق بنى أهالي (ما يطلق عليها العشوائيات) . وبالنسبة للنساء مفهوم المناطق الآمنة أو غير الآمنة يتخذ أبعاد أخرى متعلقة بإمكانيات حدوث العنف الجنسي.
أولا، افتقاد الإنارة الجيدة في الكثير من الشوارع، سواء في أماكن بنى الأهالي أو أماكن مخططة رسميا من الدولة، هو من أكثر العوامل التي تجعل النساء تشعر بعدم الأمان في المدينة والتي تشجع وقوع جرائم العنف الجنسي. ومن أبرز الأمثلة، هي جرائم الاعتداءات الجنسية والاغتصابات الجماعية في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به خلال التظاهرات والاحتفاليات والأماكن المزدحمة خلال الفترة من 2011-2014، وتكررت في الكثير في شهادات النساء والناشطين في مجموعات التدخل (قوة ضد التحرش، شفت تحرش، إلخ) وقوع الكثير من هذه الجرائم في الأماكن المظلمة والشوارع التي تفتقد الإنارة في محيط ميدان التحرير. ولا يعتبر ذلك استثناءً مرتبط بظرف التظاهرات فقط، فمشكلة الإنارة والشوارع المظلمة تحبذ وقوع العنف الجنسي في الكثير من الأحياء والشوارع بغض النظر عن محيط التحرير أو سياق التظاهر، فهي بالأساس مشكلة في التخطيط العمراني. وبغض النظر عن الإنارة، فالفضاءات الخالية تشكل خطرا أيضا بالنسبة للنساء، وتشمل هذه الفضاءات المباني والعمارات الموجودة بشوارع غير مؤهلة أو غير سكنية. كما يجب الانتباه إلى أن الأمان وممارسة العنف ليست مفاهيم جامدة في علاقتها بالمكان؛ فنفس المكان قد يكون آمن في بعض ظروف وأخرى لا. على سبيل المثال، قد يكون المكان مأهول بالسكان ويحتوي على إنارة جيدة إلا أن النشاط ينقطع في المكان بعد ساعة معينة يصبح بعدها غير آمن.
بالتالي، الرؤية العامة لمفهوم الأمان والسلامة الموجودين بالدستور والقوانين والمُطَبقة في الواقع لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الجندري بشكل واع، بالتالي لا تشير إلى ديناميكيات العنف في الشوارع وإمكانية أن تكون مجرد وقائع العنف المتكررة التي تحدث في شارع أو حي ما ضد النساء كافية لتجعله "غير آمن" حتى وإن كان آمن من الناحية الصحية وشروط المأوى والبناء، فهو يظل غير آمن بالنسبة إلى ما يزيد أو يقل عن نصف سكانه. ففي الواقع، يهتم صندوق تطوير المناطق العشوائية بالإنارة في الكثير من الأحيان. فأغلب المشاريع المتاح معلومات عنها تتكرر فيها الاهتمام بإنارة الشوارع إلا أنه لا يتم ربط ذلك بمنظور النوع ومن غير الواضح إذا كان يتم بالضرورة الاهتمام بإنارة الشوارع التي تكثر فيها وقائع العنف ضد النساء أم أن هذا الربط لا يحدث وأن التطوير والتنمية العمرانية في مناطق بنى الأهالي تتم بمعزل عن احتياجات النساء حتى عندما تكون الخدمة المعنية (الإنارة مثلا) مرتبطة مباشرة بحياة النساء والعنف الذي يتعرضن له.
ثانيا، يؤثر غياب منظور النوع عن مفهوم الأمان بالمدينة على الحق في التنقل وحرية حركة النساء، والتي تعتبر حقوق أصيلة للمواطنين\ات في المناطق الحضرية. فمفهوم الحق في التنقل يشمل حق السير في المدينة. بشكل عام، السير في أجزاء عديدة من القاهرة قد يكون غير آمن، لعدم وجود أرصفة وعدم احترام إشارات المرور أو وجودها، إلخ. إلا أن النساء هن شبه محرومات من السير في المدينة بحرية وأمان لما يواجهونه من عنف. ويمتد انعدام الأمان في المدن إلى وسائل المواصلات، فحرمان النساء من السير في الشارع لا يقابله اهتمام أكبر بتوفير الأمان لهن في وسائل الانتقال والمواصلات، مما يؤثر بوضوح على حقهن في التنقل ووسائل المواصلات والذي يمكن تعريفه كالحق في "الحصول على وسائل المواصلات العامة الآمنة، وأن تكون متوفرة في جميع الأحياء، وبأسعار في متناول الجميع "، فمن حق الجميع الوصول إلى وسائل مواصلات أيا كان مكانه أو إمكانياته المادية، ذلك حتى يتمتع الجميع بحرية التنقل في المدن. إلا أن النساء في مصر محرومات بشكل واضح من الحق في المواصلات العامة الآمنة، حيث تعتبر المواصلات إحدى الأماكن الرئيسية التي يمارس فيها العنف الجنسي ضد النساء، ويمكن تحديد مشكلتين رئيسيتين في شبكة المواصلات بالقاهرة تجعلها غير آمنة بالنسبة للنساء.
أول مشكلة مرتبطة بعدم وجود شبكة مواصلات عامة تغطي الجمهورية بأكملها، مما يؤثر على النساء والرجال، ولكنه يؤثر على النساء بشكل أكبر ويؤدى إلى عنف أكثر تجاههن. فلا تغطي شبكة المواصلات التي توفرها الدولة سواء مترو الأنفاق أو أتوبيسات النقل العام أو الميكروباص أو عربات الترام جميع أنحاء الجمهورية. تبقى الكثير من الأحياء الشعبية في المدن والمدن الجديدة دون وسائل مواصلات آمنة ومتاحة للجميع. لذلك يضطر المواطنون\ات الذين لا يملكون سيارات (الكثير من سكان القاهرة) إلى استخدام وسائل مواصلات أخرى لا تتوفر فيها شروط الأمان. فمثلا للوصول إلى الأحياء والأزقة الضيقة في بعض الأحياء، تعتمد بعض المواطنات على "التوك توك" وهي سيارات غير مرخصة، أو الجزء الخلفي من السيارات النصف نقل، أو سيارات ملاكي (سوزوكي أربعة راكب) غير مسجلة كسيارات أجرة (تاكسي) وتعتبر هذه المواصلات غير آمنة للنساء، حيث أنه لا توجد أي رقابة عليها ويمكن أن تعرض النساء للعنف والخطف دون أي إمكانية للوصول للسائق\الجاني. كما تعتمد الكثير من النساء على سيارات ميكروباص القطاع الخاص، ورغم أنها تمثل وسيلة آمنة نسبياً مقارنة بالتوكتوك مثلا، إلا أنه لا يمكن دائما الاعتماد على مواعيدها، وقد يعرض الإنتظار لساعات طويلة في الشارع النساء إلى مزيد من العنف.
أما الإشكالية الثانية فهي ممارسة العنف داخل وسائل المواصلات العامة نفسها ويرتبط ذلك بعدة عوامل يمكن الحد منها بتخطيط أكثر حساسية للنوع. من أبرز الإشكاليات التي تؤدي إلى كثرة وقائع العنف الجنسي في المواصلات العامة هي الزحام سواء في المترو أو في الأتوبيسات العامة وجزء من المشكلة فيما يخص الأتوبيسات مثلا يمكن حله عبر تخطيط أفضل للمواعيد وتبادل الخطوط لتفادي الزحام. أما في المترو، فهناك ما لا يقل عن 4 مليون راكب يرتادون مترو الأنفاق يوميا، وساعات الذروة معروفة بالمترو ورغم ذلك لا يتم التعامل معها مثلا عبر وجود أفراد أمن أكثر خلال هذه الساعات. كذلك، في بعض الأحيان يصر بعض الرجال على ركوب عربات النساء في القطارات ولا توجد عقوبة رادعة للحد من تلك الظاهرة، بالإضافة إلى مشاكل الازدحام، توجد عوامل أخرى مثل الإنارة السيئة وعدم اهتمام السائق بمواجهة وقائع العنف.
كذلك فما يسمى في بعض الأحيان بالأماكن "شبه العامة" مثل المستشفيات والمدارس، هي إحدى الأماكن الرئيسية التي يمارس فيها العنف ضد النساء وبشكل عام هو من واجب المجالس المحلية المراقبة على هذه الخدمات والمرافق الخاصة بقطاعات الصحة وغيرها، إلا أنه قليلا ما يهتم المجلس المحلي بإدماج منظور النوع في هذه المراقبة أو الاهتمام مثلا بما تتعرض له المعلمات والطالبات في المدارس، أو الممرضات مثلا في المستشفيات الموجودة بنطاق المنطقة.
بالتالي، تغيب النساء واحتياجاتهن عن فكرة "الأمان" في المدينة وأثناء التخطيط لها، فلا ملاذ حقيقي للنساء سواء في شوارع أو وسائل مواصلات أو أماكن شبه عامة كالمستشفيات والمدارس. وكما أشرنا في الجزء السابق فعدم الاكتراث بتأمين الشوارع والأحياء للنساء وعدم ربط مفهوم "المناطق الآمنة" بأمان النساء ليس محض صدفة، بل هو تحيز أصيل لعدم وجود أجساد النساء في المجال العام بِحُرية، أو على الأقل عدم الاهتمام بتوفير هذا التواجد غير المشروط لهن.
التقاطعية: ما بين النوع والطبقة
بالرغم من تعرض النساء إلى العنف في المدينة على أساس نوعهن بالأساس إلا أن اختلاف الهويات وتقاطع أشكال التمييز يجعل تجارب النساء مختلفة في المدينة أيضا. تؤدي عدم المساواة المكانية المرتبطة بحرمان بعض المناطق أكثر من غيرها إلى تعرض بعض النساء إلى الظلم العمراني أكثر من غيرهن وقد تجعلهن هذه الظروف عرضة للعنف أكثر من غيرهن. فالنساء المتواجدات في أحياء تتمتع ببنية تحتية أفضل أو اللاتي لا يضطررن إلى السير لمسافات طويلة أو الاعتماد على المواصلات العامة تكون فرص تعرضهن للعنف بشكل يومي (بالرغم من وجودها) أقل من نظيراتهن القاطنات بأماكن أكثر فقرا. فكما ينحاز العمران للبنية الأبوية، فهو ينحاز أيضا للتمييز الطبقي ويحرم الطبقات الأقل حظا وبالتالي تعاني النساء الأفقر من أشكال عنف أخرى. وللبرهنة على هذه الفرضية يمكن استخدام مثالين، الحق في السكن والحق في الوصول إلى خدمات.
يعتبر الحق في السكن الملائم من أهم جوانب الحق في المدينة. ويشمل السكن الملائم شروط الأمان والصحة وتوفر البنية التحتية والخدمات والمرافق الأساسية والحيازة الآمنة، وغيرها من العوامل التي تم ذكرها أعلاه. كثير من المواطنين المصريين محرومون من الحق في السكن بأشكال مختلفة، إلا أنه قليل ما يتم الأخذ بعين الاعتبار أن الحرمان من هذا الحق أو انتهاكه تكون وطأته وعواقبه أصعب على النساء وأن القوانين والسياسات العامة والمشاريع المصرية تغفل هذا المنظور.
وبالرغم من أن هذه الورقة تهتم بالأساس بالعنف في المجال العام، إلا إن العنف في المجال العام وفي المجال الخاص يتقاطعان وديناميكياتهم غير منفصلة، فبعض أبعاد العمران والحق في المدينة قد تؤثر على تعرض النساء للعنف في المجال الخاص. على سبيل المثال، التكدس والعدد الكبير لسكان المنزل الواحد هو من أحد العوامل التي تهدد توافر شروط المسكن الملائم، فقد نجد أكثر من 10 أفراد في غرفة واحدة أو غرفتين، خاصة أن هنا في مصر نحو 1.3 مليون أسرة تعاني من المعيشة في بيوت تتكون من غرفة واحدة أو اثنين وتتكدس بها عدة أفراد . بالطبع تنتهك هذه الظروف خصوصية الأفراد سواء كانوا رجالا أو نساء، إلا أنها قد تكون أكثر ضررا للنساء والفتيات وقد تعرضهن أكثر لأخطار الاعتداءات الجنسية داخل المنزل. كما أن الكثير من البيوت تستخدم دورات المياه المشتركة والتي غالبا ما تكون خارج المنزل، مما يعرض النساء لعنف أكبر.
علاوة على ذلك، فهناك بعض شروط السكن الملائم التي يؤثر غيابها على النساء أكثر من الرجال، ومنها الحيازة الآمنة مثلا. المقصود بالحيازة الآمنة هو "الأمان في السكن والذي يتضمن الحماية القانونية ضد الإخلاء القسري والمضايقات الأخرى" سواء كان ذلك عن طريق الإيجار أو التمليك أو نوع آخر من الحيازة الآمنة. في أغلب الأحيان يكون حق الحيازة الآمنة أصعب على النساء من الرجال، فمثلا فيما يخص بعض الوحدات السكنية، يجب إثبات الدخل في الحيازة للتمليك علما بأن مشاركة النساء المصريات في سوق العمل تعتبر من أدنى نسب المشاركة عالميا وتمثل مشاركة الشابات في سوق العمل ما يقرب ال18.5% والكثير من النساء تعمل بالقطاع غير الرسمي وبالتالي يكون استيفاء شروط إثبات الدخل أصعب. ويؤثر غياب الحيازة الآمنة على النساء أكثر من نظرائهم الرجال لعدة أسباب. فالنساء التي تتعرض للعنف المنزلي قد يتوفر لهن اختيارات أكثر أمانا إذا توفرت لهن الحيازة آمنة للمساكن وفي أحيان كثيرة يكون قرار إنهاء العلاقة صعب بسبب حيازة الزوج للمسكن. تتغيب في مصر القوانين التي تأخذ بعين الاعتبار هذه المشكلة على غرار دول أخرى التي تبنت قوانين مثلا تسمح للنساء الناجيات من العنف بالمكوث في البيت حتى إن لم تكن هي مالكة البيت وتسمح بإبعاد المعتدي عن البيت حتى وإن كان هو صاحب الحيازة .
ومن ناحية أخرى، علاقة الحق في المدينة بالعنف الجنسي لا تعني فقط تأثير سوء التخطيط وعدم مراعاته للنوع على انتشار العنف الجنسي، بل يعني أيضا تأثير حدة وانتشار العنف الجنسي على وصول النساء للخدمات الموجودة بالفعل وكيف يحد العنف الجنسي من حركتهن ويمنع وصولهن إلى الخدمات اللاتي يحتجن إليها، خاصة النساء الأفقر. في الكثير من الأحيان، يؤدي المزيج من غياب العدالة العمرانية وانتشار العنف الجنسي إلى حرمان النساء والفتيات من حقوق أساسية في المدينة. يمكن أخذ التعليم كمثال على ذلك. فالتوزيع الجغرافي للمدارس الحكومية في القاهرة الكبرى غير عادل، فهناك بعض الأحياء التي تحتوي على عدد كبير من المدارس الابتدائية والإعدادية والتي توجد على بعد خطوات من سكان المنطقة. في المقابل، هناك مناطق محرومة من وجود مدارس على بعد خطوات من السكان، وهناك مناطق تحتوي على الكثير من المدارس الإبتدائية مثلا ولكن لا توجد بها مدارس إعدادية. على سبيل المثال، دار السلام من أقل المناطق التي توجد بها مدارس على بعد خطوات من السكان. بشكل عام، تعاني مناطق بنى الأهالي من مشكلة توزيع المدارس أكثر من غيرها . وتؤدي هذه الإشكاليات في التخطيط إلى تسرب الكثير من الفتيات من التعليم (ليس هذا هو السبب الوحيد بالطبع، فهناك عوامل أخرى مالية مثلا). فبينما يؤثر ابتعاد مسافات المدارس أو عدم وجود مدارس إعدادية (أو أي مرحلة أخرى) على الإطلاق في منطقة ما على الفتيان من حيث المسافة والمشقة، إلا أنه قد يحرم الفتاة تماما من حقها في التعليم. فكما تقول هاجر عواته من خلال بحث أجرته مبادرة "تضامن" في موضوع التوزيع الجغرافي للمدارس، الكثير من الأهالي لا يفضلن استكمال بناتهن تعليمهن إذا كان سيتضمن ذلك السير لمسافات طويلة، خاصة خارج المنطقة، وذلك لخوفهم أو خوف الفتاة نفسها من أن تسير وتتنقل خارج المنطقة للوصول للمدرسة بسبب أخطار التحرش والعنف الجنسي. ترتبط هذه الإشكالية بشكل مباشر بسوء التخطيط أو غيابه تماما في مناطق بنى الأهالي. فبناء المدارس يتم كرد فعل على وجود السكان في منطقة ما، ولا يتم مسبقا بتخطيط أو خطة وبالتالي ينتج عنه هذا الظلم في التوزيع الجغرافي للمدارس والذي يظلم الفتيات بشكل خاص.
بالتالي، فإلى جانب افتقاد الأمان بشكل عام في المدينة وتحفيز طريقة التخطيط على تعرض النساء عموما إلى أشكال مختلفة من العنف الجنسي ليس فقط بالطرق المباشرة الواضحة (مثل اللجوء لمواصلات عامة غير آمنة، أو الوجود في أماكن محرومة من البنية التحتية) ولكن بشكل أكثر عمقا مرتبط بحرمان نساء الطبقات الأفقر من حقوق أساسية بسبب العنف الجنسي، وتعرضهن حتى لأشكال من العنف المنزلي بسبب سوء التخطيط والحرمان العمراني.
أي مستقبل للنساء في المدينة؟
وإذا كان الواقع الحالي يتضمن الكثير من أوجه القصور في التعامل مع احتياجات النساء وحمايتهن من العنف الجنسي، فالنظر إلى تعامل الدولة مع التطوير الحضري لا ينذر بمستقبل أفضل كثيرا للنساء. ويمكن تفحص مثالين مختلفين، أولا المدن الجديدة وثانيا تعامل الدولة مع مناطق بنى الأهالي وتطويرها.
تشكل المدن الجديدة جزء أساسي من اهتمام الجهات الحكومية المعنية بالعمران، فترى بعض التحليلات أن الاستثمار في المدن الجديدة يتم بشكل غير عادل على حساب تنمية المدن الموجودة بالفعل وتحسين حياة المواطنين\ات الذين يسكنونها. وبالتالي، تستهلك المدن الجديدة جزء ضخم من موارد الدولة ومن موازنة العمران ومن ضمن هذه المدن في القاهرة مدينة السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة والعبور والشيخ زايد و15 مايو والعاشر من رمضان وتعتبر الجهة المسؤولة عنها بشكل أساسي هي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. إلا أن هذه المدن التي تستهلك جزء كبير من الاهتمام والموارد تعاني من الكثير من الإشكاليات، خاصة بالنسبة للنساء. فمقاربة الدولة فيما يخص النمو العمراني تحبذ التوسع بعيدا "عن المدن القائمة والأراضي الزراعية إلى المناطق الصحراوية" . أولا، يعني ذلك أن هذه المدن الجديدة بها الكثير من الفضاءات الخالية، وقد تكون أجزاء كبيرة منها غير مأهولة بالسكان، مما يشكل خطرا كبيرا على النساء ويعرضهن للعنف، ويصعب تمكنهن من الاستغاثة في حالة حدوث عنف. وفي المقابل لا توجد دائما خدمات متاحة في هذه الأماكن تضمن أمان النساء للتعويض عن غياب السكان والحياة في المكان (مثلا زيادة الأمن في هذه الأماكن، وحدات مكافحة عنف، إلخ).
وإن كانت هذه المشكلة يمكن مواجهتها تدريجيا ومستقبليا مع زيادة توافد السكان على هذه المدن (بالرغم من أن الكثير من هذه المدن تعاني من مشكلة في جذب السكان) ، فالمشكلة الأكبر هي أن هذه المدن الجديدة مصممة بحيث تكون المناطق السكنية بعيدة عن المناطق الخدمية. بالتالي قضاء أي مصلحة أساسية أو الحصول على خدمات حياتية يومية مثل شراء البضائع وغيرها من الخدمات قد يضطر النساء إلى السير لمسافات ليست بقصيرة في أماكن خالية أو الاعتماد على وسائل مواصلات غير آمنة مما يعرضهن للخطر، خاصة وأن النساء في الأغلب هن من يقمن بالتحركات اليومية الخاصة بشراء مستلزمات المنزل وخلافه. فمع ابتعاد الخدمات المتاحة، لا توجد وسائل مواصلات آمنة في الكثير من هذه المدن، فبينما توجد بعض وسائل التنقل من المدن القائمة بالفعل إلى المدن الجديدة، إلا أنه لا توجد الكثير من وسائل تنقل داخل المدن الجديدة نفسها، وكأن التحرك داخل المدن الجديدة مصمم لمالكي السيارات فقط . بالتالي، تشكل مشكلة بعد المناطق الخدمية وغياب المواصلات الآمنة عبء وخطرا على النساء، خاصة اللواتي لا يمتلكن سيارات. يجدر بنا الإشارة أيضا إلى أن هناك عدم عدالة في التوزيع المكاني للخدمات وبالتالي تختلف تجارب النساء ودرجة معاناتهن وتعرضهن لخطر العنف الجنسي، فالأماكن الموجودة على أطراف المدن الجديدة قد تعاني من انعدام كامل للخدمات. وكما يوضح الفيلم الوثائقي "عمران الحكومة...المدن الجديدة"، يقول أحد الملاك في مشروع إسكان مبارك: "أنا عشان آجي الحتة الهو دي أنا وأسرتي صعب، ممكن أنا وصحابي" مشيرا إلى انعدام الأمان في هذه الأماكن بالنسبة للنساء والأطفال بسبب عدم وجود خدمات أو سكان. وتكررت هذه الشهادات من الملاك في مشاريع أخرى مثل ابني بيتك: "أنا شطبت أول دور بس أخاف آجي أقعد هنا. "
إذا، فالتنمية العمرانية المتمثلة في إنشاء المدن الجديدة وتطويرها هي مشكلة مؤرقة، حيث أن هذه المدن لا تتبع معايير أفضل في التخطيط، بل هي تمثل أخطار أكبر على النساء. تظهر هنا أيضا إشكالية إغفال الجوانب الخاصة بالنوع فيما يتعلق بمفهوم المناطق الآمنة كما تم ذكره أعلاه. فالكثير من سكان المدن الجديدة تم نقلهم من مناطق بناء الأهالي وإزالة مساكنهم القديمة باعتبارها غير آمنة، إلا أن هذه المدن تعتبر أيضا في الكثير من الأحيان غير آمنة خاصة بالنسبة للنساء والأطفال، لدرجة قد تعيق تمكنهم من الانتقال إلى هذه المدن فعليا والعيش بها.
وأما عن تعامل الدولة مع مناطق بنى الأهالي الموجودة بالفعل، فتتبع الدولة (بالأساس صندوق تطوير العشوائيات والمحافظات) عدة مقاربات وسياسات للتعامل مع هذه المناطق، ومن بينها إعادة التوطين، ما يعني نقل المواطنين من "منطقة إلى منطقة أخرى" (في الأغلب إلى المدن الجديدة). في بعض الأحيان تكون عمليات إعادة التوطين قسرية وليست اختيارية، في حالة عدم اتفاق المواطنين مع شروط الحكومة أو مع ضرورة إعادة توطينهم. في حالات إعادة التوطين القسرية، يتم إخلاء المواطنين قسريا وإزالة منازلهم. بالطبع يتطلب ذلك استخدام القوة مع المواطنين من قبل الدولة وإخلاء المناطق المفترض إزالتها بشكل عنيف من قبل قوات الأمن. خلال عملية الإخلاء، تحدث في أحيان كثيرة ممارسات عنيفة ضد الأهالي قد يصاحبها في بعض الأحيان ممارسات عنف جنسي ضد النساء من قبل فاعلي الدولة. بالرغم من أنه لا يوجد أي توثيق لمثل هذه الانتهاكات خلال عمليات أو محاولات الإخلاء القسري التي حدثت في مصر، إلا أن عمليات الإخلاء القسري وإعادة التوطين تعتبر عموما من أكثر الممارسات التي يتم خلالها انتهاك النساء، ولا يوجد في مصر أي وسيلة أو اهتمام بحماية النساء خلال هذه العمليات أو حتى اعتراف بأن هذه الممارسات قد يكون لها أضرار وآثار مختلفة على النساء والرجال. ويرتبط ذلك بالطبع بالسياق الأوسع الذي يشكل تعامل الدولة مع هذه المناطق ك"مشكلة" يجب التخلص منها، بطرق لا تشرك المواطنين .
المراقبة والتفعيل
حرمان النساء من حقوقهن في المدينة وتعرضهن للعنف لا يتعلق فقط بكون التخطيط العمراني غير حساس للنوع أو لقضايا النساء، ولكن أيضا غياب مراقبة أو تفعيل الحقوق والخدمات والتشريعات الموجودة بالفعل والتي قد تكون مفيدة للاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف. على سبيل المثال، استحدثت وزارة الداخلية في مايو 2013 وحدة ل "متابعة جرائم العنف ضد المرأة" تابعة لقطاع حقوق الإنسان بالوزارة من شأنها إنشاء وحدات بمديريات الأمن التابعة لوزارة الداخلية على مستوى المحافظات تختص بمكافحة العنف ضد المرأة ،إلا أن الوحدات غير مفعلة بجميع المديريات وينبغي أن يكون من دور المجالس المحلية المراقبة لتفعيل هذه المديريات في مناطقهم. فدور المجالس المحلية هو في النهاية ممارسة سلطة رقابية على المرافق المختلفة. كما تنص المادة 180 من الدستور: "تختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على السلطة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها" .
بالإضافة إلى غياب دور الدولة ومؤسساتها وآلياتها عن تفعيل قوانينها وسياساتها المنوط بها حماية النساء، فالدور الرقابي يجب أن يلعبه المجتمع المدني أيضا. وبالفعل اشترك المجتمع المدني في الكثير من المبادرات والمشاريع والأبحاث الخاصة بالحق في المدينة إلا أن أغلبها افتقد الحساسية لمنظور النوع. فمنظور النوع غائب أيضا عن الممارسات العمرانية البديلة والمبادرات الشعبية ومبادرات المجتمع المدني. ففي عام 2015 رصد تقرير لun habitat عمل خمسة عشر تجربة معنية بالعمران شارك فيها منظمات مجتمع مدني ولجان شعبية ومبادرات وأثرت بشكل حقيقي في حياة السكان. وتعمل هذه المبادرات على عدة محاور مختلفة منها التخطيط الحضري والتشريعات الخاصة بالعمران والإسكان والخدمات الحضرية والاقتصاد الحضري. بالطبع يدعم عمل هذه المجموعات حقوق النساء في المدينة في إطار أن رؤيتهم للعمران أكثر تشاركية وعدالة، بالتالي هي مفيدة للنساء أيضا من هذا المنظور. إلا أنه يلاحظ أيضا عدم إدماج منظور النوع بشكل واضح في أغلب هذه التجارب وعدم مراعاة الآثار المختلفة التي تنتج عن الحرمان من الحق في المدينة (سواء السكن أو البنية التحتية والخدمات أو جوانب أخرى) بالنسبة للنساء والرجال. كذلك، تندر المبادرات العمرانية المعنية بحقوق النساء في المدينة بشكل عام، وبالأخص بتعرضهن للعنف . المشروع أو المبادرة الوحيدة التي تمكنا من الوصول إليها والتي تهتم بمنظور النوع بشكل واضح هي مبادرة "مدن آمنة" التي تعمل عليها UN Women مع عدة شركاء والتي تهتم بأمان النساء والفتيات في المدينة. إلا أن حتى مشروع المدن الآمنة يعاني من إشكالية أساسية وهي عدم إتاحة أو نشر المعلومات الخاصة بالمشروع أو ما توصل إليه مما يجعل الاستفادة منه في أبحاث أو مشاريع أخرى شبه مستحيلة.
من يخطط للمدينة ولمن؟
ليكون الحديث عن الإشكاليات العمرانية المرتبطة بالعنف ضد النساء واقعيا يجب وضعه في سياق إشكاليات التخطيط العامة التي تفتقد إلى إشراك المواطنين في التخطيط والإدارة، والتي تفتقر إلى الشفافية والعدالة. وتدل على انطلاق التخطيط العمراني من منطلق أبو ترى فيه الدولة أنها تستطيع تحديد ما هو الأفضل لحياة المواطنين دون إشراكهم. فالكثير من الإشكاليات السابقة يصعب حلها ليس فقط لافتقار المراعاة لقضايا النوع ولكن أيضا لافتقار عملية التخطيط العمراني في مصر الكثير من العوامل الهامة. فعلى سبيل المثال، هناك مشكلة حقيقية في الرؤية العامة التي تنعكس في القوانين والمشاريع المتعلقة بالعمران الإسكاني، والتي تتسم بغياب حقيقي لفكرة التخطيط التشاركي وإشراك المواطنين في التخطيط وأخذ مصالح الفئات المختلفة بعين الاعتبار. كما تقول هاجر عواته الباحثة في مجال العدالة العمرانية: "التخطيط المديني في مصر لا يخطط للأماكن باعتبارها أماكن "للاستخدام" ، والتركيز على الجانب البصري للمكان في عملية التخطيط المديني أكثر من التركيز على كونها صالحة للاستخدام، وتلبي احتياجات المواطنين رجالا أو نساءا". بالتالي، الجهات المعنية بالعمران، على كثرتها، لا ترى بالضرورة مصالح المواطنين\ات واحتياجاتهم - خاصة الفئات المهمشة منهم -كأولوية في عملية التخطيط، ولا ترى التخطيط كعملية تشاركية يكون المواطنين جزء أساسي منها. ولا يعني ذلك أنه لم تكن هناك أي محاولات للتخطيط بشكل أكثر تشاركية، بل هناك بعض التجارب ومنها برنامج التنمية التشاركية في المناطق الحضرية وهو برنامج تتعاون فيه هيئة المعونة الأمريكية مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وجهات أخرى والذي يسعى إلى "إقامة وحدات للتطوير العمراني بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية" ولكن بشكل عام، يبقى هناك إقصاء للمواطنين فيما يخص مصائرهم.
ينعكس ذلك في الدستور والقوانين المصرية الخاصة بالبناء والتخطيط العمراني. فلا يعتمد الدستور أو تعتمد القوانين المصرية رؤية مبنية على حقوق المواطنين أو إشراكهم في عملية تخطيط وإدارة المدينة. كما يعرفه برنامج الموئل، التشريع “القائم على الحقوق” بإمكانه المساعدة في تعزيز المشاركة، وإشراك المقيمين في المناطق الحضرية "في قرارات التنمية وتخطيط المخرجات التي تؤثر على حياتهم اليومية". فعلى سبيل المثال، يمكن أخذ الدستور المصري وبعض القوانين الخاصة بالبناء كنموذج لغياب هذه الرؤية المبنية على الحقوق والتشاركية. فإذا تفحصنا دستور 2014، سنجد أنه لا توجد أي مواد تنص صراحة على الحق في المدينة أو مشاركة المواطنين في التخطيط والإدارة للمدن ولا حتى على حقهم في بعض الخدمات الأساسية المتعلقة بالعمران والفراغات، وتنحصر المواد الموجودة في الدستور في مواد عامة غير مربوطة بحق المواطنين في الوصول للخدمات بشكل واضح. وكانت مبادرة التضامن العمراني قد فصلت بعض هذه المواد المتعلقة بالحق في المدينة فمثلا المادة 46 تضمن "حرية الحركة" لكن لا ينص الدستور بوضوح على "الحق في وسائل مواصلات ملائمة وحرية التنقل في المناطق الحضرية "، وهو حق غير منصوص عليه في أغلب دساتير العالم، إلا أن هناك بعض التجارب مثل البرازيل التي تنص بشكل واضح على توافر مواصلات ملائمة وبأسعار مناسبة في المدينة. كذلك، بالرغم من وجود مواد عن حق التنظيم وتنظيم التظاهرات والاحتجاجات واستخدام المساحات بشكل عام لممارسة حقوق مختلفة (المادة 73)، إلا أنه لا توجد مادة صريحة عن الحق في المساحات العامة في دستور 2014 أو في أي من الدساتير المصرية السابقة. أما بالنسبة لإشراك المواطنين في عملية تخطيط وإدارة المدينة، فلا توجد نصوص دستورية تدعم هذه الحقوق بشكل واضح، إلا فيما يخص المناطق الحدودية والمحرومة، وربما يمكن الاستعانة بدستور بوليفيا والذي يتمتع بمواد واضحة فيما يخص هذه الحقوق وينص على أنه ينبغى على الدولة “أن تخلق مساحات للمشاركة والمراقبة العامة” (المادة VI .241) و “أن تضمن إنشاء وتنظيم وأداء كيان التخطيط التشاركي الذي يضم ممثلين عن المؤسسات العامة والمجتمع المدني المنظم” (المادة 317) . وكانت قد قدمت عدة منظمات مجتمع مدني ومجموعات وثيقة بعنوان "دستور العمران" إلى "لجنة الخمسين” كمقترح شامل لدستور يكفل حقوق المواطنين في المدينة، إلا أنه لم يتم إدماج أغلب الاقتراحات .
كما أن هناك مشكلة رئيسية تتعلق بالشفافية والمسؤولية، وتعيق تحقيق المطالب الخاصة بالحق في المدينة. هناك أكثر من جهة مسؤولة أو مرتبطة بالتخطيط العمراني والإسكان في مصر من بينها بعض الوزارات مثل وزارة التخطيط ووزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية ووزارة التنمية المحلية وبعض الهيئات والجهات الأخرى مثل الهيئة العامة للتخطيط العمراني وهي الهيئة المسؤولة عن وضع السياسات العامة للتخطيط والتنمية العمرانية ، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وهي "هيئة اقتصادية مسؤولة عن تحديد مواقع المدن الجديدة وإعداد استراتيجيات تنميتها " وصندوق تطوير المناطق العشوائية والذي يهدف إلى تطوير وتنمية المناطق المسماة ب"العشوائية"، والمركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة والذي من المفترض أن ينسق بين أجهزة الدولة للتخطيط لأفضل طرق لاستخدام وتنمية أراضيها، والجهاز التنفيذي لمشروعات المياه والصرف الصحي وكان من المنوط به تنفيذ مشروع الصرف الصحي بالقاهرة الكبرى ثم تم توسيع نطاق عمله. تعد كثرة الجهات المعنية بعملية التخطيط العمراني هي إحدى الإشكاليات الأساسية التي تواجه العمران في مصر، وذلك لتداخل المهام وصعوبة تحديد المسؤوليات، وتساعد هذه التعددية على استشراء الفساد بداخل المؤسسات المعنية بالعمران بشكل أو بآخر خاصة وأن هذه الهيئات تتبع جهات تنفيذية مختلفة فبعضهم يراقب عليه من رئاسة مجلس الوزراء (مثل صندوق تطوير العشوائيات) والبعض الآخر مرتبط بوزارة الإسكان (الجهاز التنفيذي لمشروعات المياه والصرف الصحي) أو الإدارة المحلية، إلخ. فيتداخل عمل 12 جهة قومية في أربع وزارات، وجهتين تعملان على المستوى المحلي . وقد تم تشكيل ما يسمى بالمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية والذي نصت عليه المادة 3 من قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008 لتدارك مشكلة وجود هيئات كثيرة ومتفرقة تعمل على قضايا العمران والإسكان ليضم جميع الهيئات المعنية بالعمران والتنسيق بينهم والعمل على توحيد السياسات والرؤية. ومن المفترض أن يضم هذا المجلس رئيس مجلس الوزراء، والوزراء المختصين (لم يحددها القانون) "ورؤساء الجهات المعنية بالتنمية العمرانية واستخدامات أراضي الدولة، وعشرة من الخبراء المتخصصين في المسائل ذات الصلة نصفهم على الأقل من غير العاملين في الحكومة ووحدات الإدارة المحلية " إلا أنه فعليا لا يقوم هذا المجلس بدوره المنوط به بشكل منتظم.
وتنعكس هذه المشاكل والتي من بينها تعدد الجهات المعنية بالعمران وكذلك غياب الرؤية الحقوقية والتشاركية للتخطيط والإدارة المدينية على عدة الشفافية فيما يخص الموازنة، فيصعب الوصول إلى البيانات الخاصة بموازنة العمران ويتطلب ذلك جمع معلومات من ثلاثة مصادر مختلفة تحتوي على أكثر من 30 وثيقة، ولا يوجد ما يسمى ب"موازنة العمران" كوثيقة موحدة تصدرها أحد الجهات المعنية في الدولة ، كما أنه في بعض الأحيان لا تكون البيانات المطلوبة متاحة. فمثلا واجهت مؤسسة 10 طوبة (وهي مؤسسة معنية بالدراسات والتطبيقات العمرانية) صعوبة في الوصول إلى أرقام الإنفاق المحلي في عدة قطاعات واضطرت إلى تقديم طلب لوزارة التخطيط لإتاحة المعلومات . ولا يخص انعدام الشفافية وعدم إشراك المواطنين - وهما مشكلتين مترابطتين - الموازنة فقط، ولكن حتى المشاريع التي تعمل عليها الجهات المعنية بالعمران والتي ترتبط بحياة الناس بشكل مباشر. فمثلا إحدى أوجه القصور الأساسية الخاصة بصندوق تطوير المناطق العشوائية هو إتاحة المعلومات، "فالسكان نفسهم لا يعرفون خطط الحكومة في مناطقهم" . فنظرة سريعة على موقع صندوق تطوير المناطق العشوائية تدل على هذا النقص في إتاحة المعلومات وتداولها، فالموقع لا يحتوي على تفاصيل المشاريع المستقبلية أو خطة تطوير المناطق "العشوائية"، ويحتوي فقط على حصر بالمناطق التي سيتم تطويرها\إزالتها حسب التصنيفات والمشاريع الموجودة أو أخبار عن مشاريع تمت بالفعل.
بالتالي، الإشكاليات الخاصة بالتخطيط العمراني والعنف ضد النساء لا يجب عزلها عن مشكلة التخطيط العمراني في مصر والفلسفة التي تحكمه، فالكثير من الإشكاليات الخاصة بالنساء، تنبع من تمييز واضح على أساس النوع ولكنها ترتبط أيضا بالرؤية القاصرة وغير التشاركية أو الحقوقية في عملية التخطيط العمراني نفسها.
نحو "قاهرة" أقل احتضانا للعنف الجنسي في المجال العام
في البداية، قد يكون استعراض بعض التجارب العالمية المعنية بحق النساء في المدينة، خاصة تلك التي اشتبكت مع العنف الجنسي مفيدا. توجد عدة تجارب ومبادرات اهتمت بحقوق النساء في المدينة وبين الحرمان العمراني بطرقه المختلفة وتعرض النساء للعنف بعدة طرق. فعلى مستوى التشريعات، تبنت بعض الدول تشريعات بخصوص الحق في السكن لحماية الناجيات من العنف الأسري وتتقاطع هنا أهمية مفهوم الحق في المدينة (أو الحق في السكن) مع أهمية وجود قانون للعنف ضد النساء. فعلى سبيل المثال، القانون الهندي لحماية النساء من العنف المنزلي "يضمن للمرأة حق المكوث في البيت بغض النظر عن حيازتها لصكوك الملكية أم لا، وتسمح للقاضي باتخاذ قرارا بإبعاد المعتدي عن البيت ". كما أن قانون الأسرة في صربيا يسمح للمحكمة بإبعاد المعتدي عن مكان السكن وعودة الناجيات إذا كن قد غادرن البيت بسبب تعرضهن للعنف وذلك بغض النظر عن حيازتهن لمحل السكن. كما أن هناك الكثير من المشاريع التي أصبحت تأخذ بعين الاعتبار منظور النوع في عملية التخطيط، فإحدى مشاريع الإسكان في فيينا ما بين 1997-2010 اهتم بمنظور النوع وبالتخطيط مع أخذ احتياجات النساء بعين الاعتبار، فمثلا "تم تخصيص مكان لوضع عربة الأطفال الرضع وتخصيص فضاءات عامة واسعة" والاهتمام بعدم وجود أماكن مظلمة في الطوابق المختلفة .
أما فيما يخص إدارة المدن والمجالس المحلية ومجالس المدينة، فهناك بعض المشاريع التي اهتمت بالقضاء على العنف ضد النساء في المدن منها مثلا مبادرة "“Cities for CEDAW(مدن من أجل السيداو ) والتي انطلقت في الولايات المتحدة تهدف إلى تطبيق اتفاقية السيداو والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء على المستوى المحلي بالرغم من عدم التصديق على الاتفاقية من قبل الولايات المتحدة. ففي المدن التي تبنت مبادرة مدن من أجل السيداو، أصبح جزءا من دور مجالس المدينة تطبيق الاتفاقية ومناهضة العنف ضد النساء عبر طرق عدة ومنها تنظيم جلسات استماع عامة حول العنف ضد النساء والتمييز ضدهن وتكوين مجموعات عمل قاعدية بها تمثيل للنساء والمجتمع المدني والحقوقي لتتولى مناهضة التمييز ضد النساء في المدينة أو الحي وذلك طبقا لخطوات محددة تحددها مبادرة مدن من أجل السيداو وتنشر إرشادات خاصة بها . وعلى صعيد آخر، منذ عدة سنوات يتبنى مجلس مدينة برشلونة حملة للقضاء على العنف ضد النساء أو ما تسميه الحملة "العنف الذكوري" وتهدف الحملة إلى خلق "مدينة خالية من العنف". فإلى جانب رفع التوعية في المدينة من خلال تنظيم أنشطة ومعارض وندوات، يقدم مجلس المدينة بعض الخدمات الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء مثل وجود نقطة دعم ومعلومات في المدينة مسؤولة عن توفير المعلومات للناجيات وإحالتهن إلى أماكن الخدمات المختلفة، كما يوجد مركز طبي بتعامل خصيصا مع الناجيات من العنف ويدرب المختصين من أطباء وأخصائيين على التعامل مع الناجيات وغيرها من الخدمات. كما يضع مجلس المدينة لافتات لمناهضة العنف ضد النساء في أنحاء المدينة خاصة في الأماكن التي تكون النساء فيها عرضة للعنف أكثر من غيرها كدورات المياه العامة .
في مصر، يعتبر مشروع "مدن آمنة" والذي تم إطلاقه في 20 مدينة وهو من المشاريع القليلة التي تهتم بأمان النساء والفتيات في المدينة بشكل خاص. حتى الآن لا توجد معلومات أو بيانات مفصلة متوفرة عن المشروع إلا أنه بشكل عام يهدف إلى الحد من العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام ويركز المشروع على ثلاثة مناطق للتدخل: عزبة الهجانة ومنشية ناصر وإمبابة.
رابعاً التوصيات المقترحة
في سياق الإشكاليات العمرانية المرتبطة بالعنف ضد النساء التي تم تفصيلها سابقا، تقترح "نظرة للدراسات النسوية" تطوير استراتيجية وطنية للنوع من قبل المجلس القومي للمرأة يكون التخطيط العمراني واستجاباته لاحتياجات النساء في المدينة جزء أساسي منها، ويتم ربط هذه الاستراتيجية "بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة" وتطوير الموازنة المستجيبة للنوع من المجلس القومي للمرأة ووزارة المالية حتى يتم تخصيص جزء من موازنة العمران لاحتياجات النساء.
وفي إطار وجود هذه الاستراتيجية، فيما يلي تفصيل بعض التوصيات التي يمكن أن يتضمنها الجزء الخاص بالعمران في الاستراتيجية
المؤسسات والهيئات واللجان المختصة بالعمران
- ضمان مشاركة ممثلات عن الحركات النسوية\النسائية في المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية خاصة أن تشكيله ينص على وجود "عشرة من الخبراء المتخصصين في المسائل ذات الصلة نصفهم على الأقل من غير العاملين في الحكومة ووحدات الإدارة المحلية"، بالتالي يمكن ضمان تمثيل المنظمات التي تشتبك مع قضايا النساء ضمن العشر خبراء المتخصصين
- تكوين لجان من المواطنين\ات يمثلون مناطق مختلفة لحضور اجتماعات تشاورية في وزارة الإسكان والتخطيط وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وغيرها من الهيئات المختصة لإبداء آراءهم في المشاريع الجديدة وطرحها للنقاش مع التأكيد على ضرورة وجود نساء متخصصات في قضايا النوع في هذه اللجان
- الاعتماد على آليات تقييم المشاريع السكنية والعمرانية التي تم تنفيذها على المستوى الوطني عبر عمل ميداني مع المواطنين\ات وأن يكون جزء أساسي من عملية التقييم تخص تجربة النساء ومدى تعرضهن للعنف أو انتهاكات بسبب قصور في تخطيط المشروع
- فيما يخص مشاريع إعادة التوطين (والتي تؤثر على النساء بشكل خاص كما هو مذكور أعلاه)، التشاور مع الأهالي عبر ورش عمل خاصة بالتصميم والتخطيط تهتم بمعرفة مشاكل المواطنين في مساكنهم الحالية وفهم احتياجاتهم في المساكن الجديدة. ويجب التأكد من وجود تمثيل عادل للنساء خلال هذه الورش (خاصة وأنه يمكن إقصائهن من قبل أهالي المنطقة) وأن يكون جزء أساسي من فهم المشاكل والاحتياجات خاص بالنساء وأشكال العنف التي يتعرضن لها داخل المدينة. ويمكن أن تنفذ هذه الورش على مستوى حي كامل أو منطقة أصغر
دور المجالس المحلية:
- تفعيل القانون الذي ينص على إشراك الوحدات المحلية والمجالس الشعبية المحلية في تحديد احتياجات وأولويات التخطيط العمراني على المستوى المحلي بالتعاون مع ممثلين عن المجتمع المدني والسكان، كما ينص أيضا على التشاور معهم بخصوص الخطة الاستراتيجية العامة للسنة (قانون البناء 119 المادة 11 و12) وينص دستور 2014 على تمثيل النساء في انتخابات المجالس المحلية بحد أدنى 25%. مبدئيا، قد يضمن تطبيق هذه التشريعات والنصوص الدستورية بعد المشاركة للنساء وإشراك المجالس المحلية في التخطيط لمدنهم بشكل حقيقي. وقد يسمح ذلك للنساء من خلال تمثيلهن في المجالس المحلية أن يحددن الأولويات التي تخصهن والمشاركة في إعداد الموازنة المستجيبة للنوع بشكل يخدم الناجيات من العنف والنساء بشكل عام.
- إلى جانب تمثيل النساء، يجب الاستجابة لقضايا النوع التي تدخل ضمن اختصاصات المجلس المحلي. على سبيل المثال، الإنارة في الشوارع والمراقبة على المستشفيات من حيث تعاملها مع الناجيات من العنف، والاهتمام بقضايا العنف ضد المعلمات والطالبات في المدارس، وذلك أيضا في إطار تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء. ويمكن للمجلس المحلي تلقي شكاوى عن العنف وإحالتها للأماكن المختصة، وأن تكون تلك القضايا جزء من البرنامج المحلي لمرشحي انتخابات المحليات (سواء كانوا نساء أو رجالا).
البنية التحتية والخدمات
الحق في التنقل:
- بشكل عام، من الضروري وجود شبكة مواصلات تغطي الجمهورية للتقليل من تنقل النساء في مواصلات غير آمنة ولحين وجود شبكة مماثلة، يمكن اتخاذ بعض الإجراءات للحد من العنف ضد النساء في المواصلات العامة
- وجود ضابطات من إدارة متابعة جرائم العنف ضد النساء التابعة لوزارة الداخلية في محطات المترو طبقا لتوزيعهم الجغرافي خاصة في أوقات الذروة
- تحسين الإنارة في محطات المترو ووسائل المواصلات بشكل عام
- تدريب سائقي أتوبيسات النقل العام على مواجهة العنف الجنسي
- العمل على نشر ثقافة عدم التسامح مع وقائع العنف الجنسي في المواصلات العامة
- بخصوص السير في المدينة كأحد أوجه الحق في التنقل: الاهتمام بإنارة الشوارع التي تكثر فيها جرائم العنف ضد النساء، ويمكن الاستفادة من المنظمات النسوية التي تنتج خرائط عن الأماكن التي ينتشر فيها العنف الجنسي وخصها بالأولوية في الإنارة (خريطة التحرش على سبيل المثال)
الخدمات الأساسية وتوزيعها:
- التخطيط للتوزيع العادل للخدمات حتى لا يحد العنف الجنسي من إمكانية حصول الفتيات والنساء على هذه الخدمات، على سبيل المثال التأكد من وجود توزيع عادل للمدارس في المناطق المختلفة ووجود مدارس للمراحل المختلفة في نفس المنطقة
- تعريف مفهوم "المناطق الآمنة" من قبل الجهات المختلفة التي تستخدمه ليشمل مفهوم الأمان من منظور النوع وأخذ هذا المنظور بعين الاعتبار عند تطوير مناطق آمنة، وبالتالي، الانتباه إلى تفادي إشكاليات التخطيط الرئيسية التي تؤدي إلى مزيد من العنف ضد النساء مثل ضعف الإنارة وكثرة الخرابات والمساحات الخالية ودورات المياه العامة والمشتركة
- المراقبة على وجود خدمات للناجيات من العنف في المستشفيات من قبل المجالس المحلية في النطاق المحيط
التعديلات القانونية:
- تتقاطع قضية حق النساء في المدينة وعلاقتها بالعنف الجنسي مع قضيتين أساسيتين وهما أولا مفهوم الحق في المدينة والعدالة العمرانية وثانيا السياق القانوني الخاص بالعنف ضد النساء، ولا يمكن تغيير وتطوير حقوق النساء في المدينة بشكل منعزل عنهما.
- وجود قانون شامل للعنف ضد النساء يتضمن جميع أشكال العنف التي تتعرض لها النساء في المجالين الخاص والعام، حيث أن القوانين الحالية لا تجرم العنف الأسري على سبيل المثال.
- صياغة وتعديل القوانين المتعلقة بالعمران مثل قانون البناء الموحد بحيث يتم أخذ احتياجات النساء في المدينة بعين الاعتبار أثناء تطوير السياسات العمرانية على المستوى الوطني من قبل الهيئة العامة للتخطيط العمراني
- تطوير دون قوانين تضمن الحق في المساحات العامة وحق المواطنين في المدينة بشكل واضح. ووجود سياسات وتشريعات تحبذ مشاركة المواطنين\ات في الإدارة المحلية والإدارة التشاركية واللامركزية للمدن (وهو ما يضمنه دستور 2014 إلى حد ما).
- يمكن الاستفادة من مشاريع أخرى ومجتمعات لها باع طويل في العمل من أجل الحق في المدينة ونجحت في تنفيذ مشاريع تشاركية حقيقية، وربما من أبرزها مشروع فافيلا-باريو والذي نفذ على مستوى 62 منطقة عشوائية في ريو دي جانيرو وساهم السكان "في كل جوانب التخطيط والتنفيذ". كما يمكن الاستفادة من هذه التجارب والمشاريع وإدماج منظور النوع عند تطبيقها
إنتاج المعلومات:
- الاهتمام بإنتاج معلومات مرتبطة بالعمران من منظور النوع من قبل الجهات الحكومية أو منظمات المجتمع المدني لتوافر معلومات أكثر عملية ودقة، يمكن استخدامها في المشاريع المتتالية أو اللجوء إليها لتغيير الخطط بناء على أي وقائع طارئة