شهدت الأشهر الماضية أكثر من واقعة اعتداء جنسي جماعي واغتصاب لمعلمات بمناطق ومحافظات مختلفة سواء أثناء أداء عملهن، أو أثناء انتقالهن من منطقة لأخرى حيث يضطررن إلى التنقل من خلال طرق غير آمنة ونائية، ويكن عرضة للاعتداء إما من سائقي "الميكروباص" أو سائقي "التوك توك". بينما تخاذلت القوات الأمنية في القبض على الجناة في واقعة، وقدرتهم على القبض على الجناة في وقائع أخرى، إلا أن العامل الواضح جليا في تلك الوقائع هو غياب اتخاذ تدابير وإجراءات من شأنها توفير الحماية للمعلمات أثناء تنقلاتهن، أو غياب سياسات من شأنها توفير التدابير اللازمة التي تضمن حقهن في سلامتهن الجسدية في المقام الأول. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من نشر إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة في 7 مايو 2015، إلا أنها لم تحد من الجرائم المشار إليها فيما تقدم.
يتوجب الإشارة إلى بعض الوقائع التي تناولتها الجرائد الإلكترونية حتى يتسنى تحليلها والتحري وراء العوامل التي تتسبب في حدوثها. فعلى سبيل المثال، شهد شهر مايو 2015 واقعة اعتداء جنسي جماعي لمعلمة بمدرسة طلعت حرب بمحافظة الجيزة، من قبل طلبة رفضت المعلمة الناجية السماح لهم بالغش في امتحان مادة الدين. وبالرغم من استطاعة باقي المعلمين من التدخل بعد أن قاموا الطلبة بتقطيع ملابسها بعد استغاثة طلبة آخرين، إلا أن الضباط الذين تم الإستعانة بهم رفضوا أخذ أية إجراء أو حتى المجيء إلى المدرسة، متحججين بأن المنطقة التي تقع بما المدرسة، منطقة "الكنيسة" لا يدخلون لها. وحينما حضر في اليوم التالي مدير المنطقة التعليمية، مصطحبا معه ضابط ومجندان، صفع الضابط أحد الطلاب الذي اشترك في الواقعة واكتفى مدير المنطقة التعليمية بالقول للطالب بألا يكرر فعله مرة أخرى . وفي واقعة أخرى، تم اغتصاب معلمة مقيمة بدائرة قسم شرطة العامرية بمحافظة الإسكندرية على يد سائق "ميكروباص" ومرافقه بإحدى الزراعات، بعد انتهاء اليوم الدراسي . وفي نفس السياق، تم اغتصاب معلمة أخرى وسط الزراعات بمدينة المحلة أثناء سفرها من القاهرة إلى المحلة لزيارة عائلتها على يد سائق "التوك توك" ومن كان يصطحبه بجواره.
بينما تأتي الوقائع المشار إليها أعلاه كمثال لجرائم أخرى ربما لم يتم رصدها أو الإبلاغ عنها، إلا أنها تُظهر العديد من الإشكاليات المتعلقة بغياب السياسات اللازمة التي من شأنها مناهضة التمييز والعنف ضد النساء العاملات. وتعكس غياب تلك السياسات الثقافة الأبوية المتعلقة بعمل النساء، أو عدم تقبل عملهن بالأحرى بشكل جاد، حيث يقوم المجتمع بصبع دور تقليدي على النساء وهو المكوث في المنزل لرعاية الأسرة، حيث تُترك النساء لمواجهة عواقب عملهن التي لا يجب عليهن تحملها، فالسلامة الجسدية والحق في العمل من الحقوق الأصيلة للنساء التي ناضلت ولازالت تناضل من أجلها. وتشير المادة رقم 53 من الدستور الحالي والذي تم التصويت الإيجابي عليه في يناير 2014 على: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض". وبالرغم من تناول عدد من المنظمات والمجموعات النسوية أهمية تلك المفوضية، وضرورة العمل على تشكيلها بعد انتخاب البرلمان، بل وطرح مقترح لها ، إلا أنه لم يتم عمل أية إجراءات تُمكّن من القيام بذلك. وعلاوة على ذلك، يجدر الإشارة إلى أن العنف الجنسي هو النتيجة القصوى للتمييز الواقع على النساء في مجال العمل، والتي يسبقها جرائم أخرى مثل الحرمان من الترقي للعاملات بالمؤسسات الحكومية أو النقل التعسفي أو التمييز بسبب الملبس أو التمييز على أساس النوع الاجتماعي أو الحرمان من فرص التدريب والزيارات المتبادلة التي من شأنها ثقل خبرات العاملات.
ويعزز القانون المصري من الثقافة الأبوية التي تعاني منها العاملات، سواء كن معلمات أو شاغلات لمناصب حكومية أو أية وظائف أخرى، حيث يسلب الإرادة للنساء ويضع شروط لعملهن متعلقة بأوقات العمل، أو حتى المناصب التي يسمح القانون لهن بشغلها، فضلا عن المناسبات والظروف التي تسمح بعملهن. فتنص المادة رقم 89 في قانون العمل رقم 12 لعام 2003 على: (إصدار) الوزير المختص قرارا بتحديد الأحوال والأعمال والمناسبات التي لا يجوز فيها تشغيل النساء في الفترة ما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحا، بينما تنص المادة رقم 90 في ذات القانون على: (إصدار) الوزير المختص قرارا بتحديد الأعمال الضارة بالنساء صحيا أو أخلاقيا، وكذلك الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها. ويرسخ ذلك عدم قبول عمل النساء في النبطجيات الليلية على سبيل المثال، وتعزيز الوصمة المجتمعية المتعلقة بذلك، مثلما هو الحال مع الممرضات، اللاتي يتعرضن للعديد من جرائم العنف الجنسي . كما أن القانون المعني يقوم بإقرار وظائف غير مناسبة "أخلاقيا" للنساء، مما يعزز من مفهوم "الشرف" الذي يتم استخدامه فيما هو متعلق بجرائم العنف الجنسي والذي يؤدي إلى لوم الناجية على الجرائم التي تُقترف بحقها. والملفت للانتباه هو ما تنص عليه المادة الثالثة من القرار رقم 183 لعام 2003 والذي تم نشره بجريدة الوقائع الرسمية في العدد رقم 220 يوم 27 سبتمبر 2003، بعد اطلاع وزير القوى العاملة والهجرة على المادة رقم 89 من قانون العمل رقم 12 لعام 2003 على أنه يجب على صاحب العمل في الحالات التي يتم فيها تشغيل نساء ليلاً أن يوفر ضمانات الحماية والرعاية والانتقال والأمن للنساء العاملات، على أن يصدر هذا الترخيص بالتشغيل ليلاً من مديرية القوى العاملة والهجرة المختصة بعد التحقق من توافر كافة الضمانات والشروط سالفة الذكر. وبالرغم من الإشكالية الموجودة بنص تلك المادة، من المثير للإهتمام أن ضرورة توفير التدابير المُشار إليها لا يتم توفيرها بالفعل، حيث لا يتم توفير التنقل الآمن للنساء العاملات، ولا توجد تدابير لمحاسبة من لا يعمل على توفيرها إلتزاما بالقانون المنصوص عليه.
وعليه، توجد ضرورة ملحة لقيام الدولة بطرح وتفعيل سياسات تضمن حق النساء العاملات في عدم التعرض للتمييز على أي أساس، مع طرح آلية تضمن المحاسبة والمسائلة لمرتكبي جرائم التمييز أو المعاملة التعسفية أو جرائم العنف الجنسي، سواء من قبل فاعلي الدولة أو الأفراد بالمجتمع، ويجب تضمين آلية لمحاسبة العنف الممارس في المجال العام من قبل فاعلي الدولة في الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء المُشار إليها أعلاه، مع إيجاد تدابير لتعميم تلك الإجراءات على المؤسسات الحكومية جميعا لدى الدولة، وممارسة الوصمة المجتمعية لمن يخالف ذلك من خلال نشر وقائع تلك الجرائم بشفافية، حيث سينتج عن ذلك الحد من تلك الجرائم وإلحاق وصمة مجتمعية سواء بمرتكبي تلك الجرائم أو من يتخاذلوا في القيام بتوفير تلك التدابير وعدم اتباعهم لمبدأ تكافؤ الفرص وتوفير المناخ الذي سيسهم من عمل ذلك، بدلا من إلحاق تلك الوصمة بنساء يمارسن حقهن الطبيعي في العمل ومشاركتهن في مجال عام تنص أبسط الحقوق أن يكون مرحب بهن وآمن لهن.