تحاول هذه الورقة طرح رؤية نقدية لقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب من وجهة نظر نسوية وتأثير مواد هذا القانون على مشاركة النساء في مجلس النواب القادم.
عن قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب:
قانون مباشرة الحقوق السياسية هو قانون مكمل للدستور يضع قواعد قانونية تفصيلية للحقوق السياسية العامة التي نص عليها الدستور، فهو يحدد المراحل الإجرائية للعملية الانتخابية من بدايتها حتى إعلان النتيجة النهائية فيبين من له حق الترشح والانتخاب وشروطه وموانعه وما إلى ذلك. ثم يبين قواعد الإدارة الانتخابية حيث أنه ينظم من تقدم إليه طلبات الترشح للانتخابات ومن يقبل الطلبات ومن يشرف على الانتخابات ومن يراقب عليها وإلى من تقدم الطعون الانتخابية.
أما قانون مجلس النواب فهو ينص على القواعد المنظمة لإدارة العملية الانتخابية الخاصة بمجلس النواب وينص على اختصاصات عضو مجلس النواب.
وقد تم تشكيل اللجنة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2014 لإعداد مشروعي قرارين بتعديل بعض أحكام كل من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب، بما يتوافق مع الأحكام الواردة بالدستور .
فقد نص دستور جمهورية مصر العربية المعدل والذي أقر باستفتاء شعبي في 18 يناير 2014 على التمثيل المناسب للنساء في المجالس النيابية في الفقرة الثانية من المادة الحادية عشر، حيث نصت الفقرة على أن "تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل النساء تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية".
إشكاليات قانونى مباشرة الحقوق السايسية ومجلس النواب:
يواجه القانونين عدة مشكلات تتعلق بتشكيل اللجنة وعدم وجود نساء داخل اللجنة ومن ثم إدارة مراحل إقرار القانون بالإضافة إلى ما جاء في القانونين من مواد لا تمثل على أثرها النساء تمثيلا عادلا في المجلس القادم.
فيما يتعلق بقانون مباشرة الحقوق السياسية فقد خلى من تضمين نساء في اللجان العامة أو الفرعية التي نص عليها في المادة 40 من القانون، حيث نصت المادة على أن "يُجرى الاقتراع، تحت الإشراف الكامل للجنة العليا وتُشكل هذه اللجنة اللجان الفرعية التي تتولى الإشراف على الاقتراع والفرز برئاسة أحد أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية، ويجوز أن يتولى العضو رئاسة أكثر من لجنة فرعية، على أن يضمها جميعاً، ودون فواصل، مقر واحد يُتيح لرئيسها الإشراف الفعلي عليها.
وتقوم بالإشراف على اللجان الفرعية لجان عامة تُشكلها اللجنة العليا من أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وذلك كله وفق القواعد والإجراءات التي تحددها اللجنة العليا.
كما تُعين أميناً أصلياً أو أكثر، وعدداً كافياً من الاحتياطيين لكل لجنة عامة أو فرعية، من العاملين المدنيين بالدولة على أن يكون من بينهم امرأة.
وللجنة العليا أن تستعين بالشباب من الجنسين الذين لم يبلغوا سن الخامسة والثلاثين من حملة المؤهلات العليا، وذلك للعمل باللجان الفرعية، وفقاً للضوابط التي تضعها في هذا الشأن.
وللجنة العليا عند اللزوم أن تعين احتياطيين من أعضاء الجهات والهيئات القضائية لرؤساء اللجان الفرعية ورؤساء وأعضاء اللجان العامة، ولها أن تعين أعضاء أصليين واحتياطيين من هذه الجهات والهيئات في كل محافظة لمساعدة اللجان العامة في الإشراف على الانتخابات بالمحافظة، وتولي رئاسة لجان الاقتراع أو الحلول محل رئيس أو أعضاء اللجان العامة عند الضرورة. “
فكان لزاماً على المشرع أن ينص على تضمين نساء من الجهات والهيئات القضائية المشكلة للجان كممثلات للقضاة من أعضاء الجهات والهيئات القضائية من النيابة الإدارية بعد موافقة المجالس العليا لها، وممثلات عن الوزارات المعنية التي تحددها اللجنة العليا على أن يختارهم الوزراء المختصون. ولكن المشرع اكتفى بوجود امرأة واحدة ضمن العدد الاحتياطي للجان العامة والفرعية وهو ما نراه تقصير من اللجنة المنوط بها إصدار القانون.
طبقا لقرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تعديل القانون كان على اللجنة أن تدعو الأطراف المعنية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لحوار مجتمعي حول مشروع القانون المكلفة بإعداده اللجنة، وهو ما لم يحدث، حيث اقتصر على بعض الجلسات غير المعلنة وبعدها تم طرح التعديلات بصورة غير رسمية، حيث طالعتنا الصحف بمشروع قانون وهو ما يؤكد على غياب الشفافية عن عمل اللجنة وصياغة القانون بشكل غير مرضي لمعظم الأحزاب السياسية والمجتمع المدني المعني بالديمقراطية والانتخابات ومشاركة النساء سياسياً.
قامت العديد من المنظمات والمجموعات النسوية والحقوقية والأحزاب بتقديم أكثر من مقترح لللجنة المعنية بتعديل القانونين لضمان تمثيل النساء في مجلس النواب القادم ، ولكن في نهاية الأمر في خضم سباق الانتخابات الرئاسية وانشغال كل الأطراف السياسية في مصر بمعركة انتخابات الرئاسة أقرت اللجنة النص النهائي للقانون.
نص القانون على تمثيل النساء داخل 4 قوائم ليضمن تمثيل لا يقل عن 56 عضوة في البرلمان القادم، وهي نسبة لا تحقق ما نصت عليه المادة الدستورية من تمثيل مناسب للنساء، حيث أن نسبة النساء في المجتمع تكاد تقارب نصفه ومن مشاهدتنا لمشاركة النساء في المجال السياسي العام فيما سبق، فهناك ثمة التزام على الدولة لدعم تواجد النساء ليس فقط في المجال السياسي بمعناه الأوسع، ولكن أيضاً في المجالس المنتخبة، لا سيما في مجلس النواب القادم. إن وضع النساء يختلف عن الكتل التمثيلية الأخرى التي نص عليها القانون حيث نص الدستور على تمثيل مناسب للنساء على عكس الكتل الأخرى التي نص على تمثيل ملائم لها. وطبقاً لنسبة النساء في التعداد السكاني في مصر فنسبة التمثيل التي نص عليها القانون جاءت غير مرضية ، وكان يجب على المشرع أن ينص على تمثيل أكثر عدالة للنساء كما قصد المشرع الدستوري.
أما فيما يخص النظام الانتخابي فقد نص القانون الجديد في المادة الثالثة منه على أن " يكون انتخاب مجلس النواب بواقع (420) مقعدا بالنظام الفردي، و (120) مقعدا بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما." حيث أفرد مساحة أكبر للنظام الفردي الذي يعتمد على القبلية والإمكانات المادية ولا يدعم الحياة الحزبية الممنهجة، مما يحد من قدرة الأحزاب على ترشيح النساء على مقاعد الفردي ويمنع العناصر النسائية الأقل تمكينا من أي فرصة فوز بالنسبة الأكبر في البرلمان وقصر ترشحها داخل القائمة.
إن نظام الانتخاب الفردي يتطلب كثير من الإمكانات المادية لتحمل عبء الحملات الانتخابية التي تتم بشكل فردي في هذه الحالة والعصبيات العائلية والقبلية، وهي عناصر تفتقر لها كثير من النساء في هذا الوطن. لذا كان لزاما على المشرع أن يراعي إفراد مساحة أكبر لنظام القائمة
إن للنظام الفردي عيوب وتأثيرات سلبية على المشاركة السياسية للنساء وقضاياهن وأولى هذه العيوب هو تقسيم الدوائر الانتخابية حيث قد تمتد مساحة الدائرة في بعض الأحيان إلى 600 كيلو متر تتخللها مسافات صحراوية بينما لا تتجاوز مساحة دوائر أخرى العشرة كيلومترات على سبيل المثال. وقد أدى هذا التفاوت في تقسيم الدوائر فيما يتعلق بالمرشحين على النظام الفردي إلى تركيز المرشحة أو المرشح على منطقة محددة من الدائرة لنشر دعايته الانتخابية والتواصل مع سكانها، الأمر الذي يؤدي إلى عدم معرفة العديد من الناخبين لهذا المرشح أو هذه المرشحة من الأساس وفي بعض الأحيان يكون الاختلاف الديموغرافي في الدائرة الواحدة هو سبب عدم معرفة الناخبين لهذا المرشح، حيث شاهدنا في الانتخابات البرلمانية 2011/2012 بعض الدوائر التي تضم مناطق سكنية مختلفة أيضا بين المناطق الغنية والمناطق العشوائية ومناطق صناعية أيضاً في نفس الدائرة، مما يشكل صعوبة بالنسبة للناخبة أو الناخب والمرشحة أو المرشح في آن واحد. فالمرشحة أو المرشح تجد صعوبة في توجيه خطاب وسياسة واحدة للدائرة الواحدة، بينما يجد الناخب أو الناخبة نفسه في حيرة لعدم قدرته على التواصل مع المرشح أو المرشحة بشكل طبيعي. وتتزايد تلك الصعوبات إذا ما كانت المرشحات من النساء،. فالنساء ما لم ينتمين لأحزاب قوية (أحزاب السلطة في الغالب) أو يمتلكن سلطة مال تمكنهن من تغطية هذه المساحات الكبيرة أو سطوة عائلة لن ينجحن أبداً في الحصول على مقاعد في ظل النظام الفردي.
وثاني تلك العيوب هو المزاج العام للناخب المصري وتفضيله لنوعية معينة من المرشحين ويشكل ذلك عقبة أساسية في وجه المرشحات من النساء حيث لا يميل المزاج العام لدعم النساء بالإضافة إلي وجود خطابات رافضة لوجود النساء في الحياة السياسية وعدم قدرتهن على التواجد داخل تلك العملية وخاصة إن كن نساء داعمات لمنظور نوعي أو من أحزاب أو تيارات سياسية حديثة النشأة.
أما العيب الأكثر شيوعاً فهو سيطرة القبلية والعائلات والمال السياسي وخاصة في الصعيد والأرياف ومنطقة سيناء حيث تسيطر العائلات الكبيرة ذات النفوذ والمال. وتلجأ تلك العائلات إلى فرض نفوذها سواء كان هذا النفوذ يتجسد في سيطرة العائلة على موارد المحافظة أو لوجود المال الذي يستخدم في شراء الأصوات أو العصبية القبلية المعنوية أو غيرها من أشكال النفوذ، وهو ما يؤثر بالسلب على المشاركة السياسية للنساء حيث تفتقر النساء في المجتمعات التقليدية وخاصة بالصعيد مثل هذا النفوذ إلا في حالات قليلة للغاية.
إن نظام القائمة النسبية وليست المغلقة أمر يقوي من الحياة الحزبية في مصر ويفرز برلمان حزبي يعبر أكثر عن جموع المواطنين، وفي هذه الحالة يمكن للأحزاب طرح الكثير من النساء للترشح في البرلمان ودعمهن سياسياً ومادياً مما يؤدي لتمكينهن سياسياً ومشاركتهن في المجال العام ومواقع صنع القرار.
وقد أقر القانون نظام القائمة المغلقة المطلقة بحيث تنجح القائمة التي تحوز على غالبية الأصوات بنسبة 50% +1 بحيث يهدر فرص النساء المرشحات في القوائم الأخرى حتى في حالة حصولها على نسبة قد تفوق الأربعين في المائة من نسبة أصوات الناخبين ويهدر أصوات الناخبات والناخبين الذين أدلوا بأصواتهم للقوائم الأخرى.
كما أقر القانون في المادة الرابعة منه على 4 دوائر لنظام القائمة في قانون لاحق يراعي نسبة التمثيل السكاني ولكنه لم ينص على مراعاة التمثيل النوعي، فلم يراع المشرع العدالة التمثيلية في النوع الاجتماعي للتعداد السكاني في الدوائر، بحيث أنه نص على مراعاة الكثافة السكانية العددية دون مراعاة الكثافة العددية طبقا للنوع الاجتماعي.
بالإضافة إلى ماسبق، فقد خلت المادة 31 المتعلقة بمحظورات الدعاية من ضوابط تشديد العقوبات الخاصة بانتهاك حقوق المرشحات في الدعاية، لكونهن الأكثر عرضة للسب والقذف وحرمة حياتهن الشخصية سواء لفظياً أو كتابياً. كما يجب إضافة العنف الجنسي الممارس ضد النساء في المجال العام كإحدى محظورات الدعاية المنصوص عليها في نص المادة (32) من مشروع القانون، حيث نصت المادة على ثماني بنود تتضمن الأعمال المحظورة لغرض الدعاية، من بينها البند (3) الذي نص على حظر استخدام العنف أو التهديد باستخدامه وتجاهل العنف الممارس ضد النساء بأشكاله المختلفة وخاصة العنف الجنسي.
وفيما يخص ضوابط التغطية الإعلامية، فقد جاءت المادة (32) غير مراعية لوضع النساء وكونهن الأقل حظاً في الاهتمام الإعلامي كمرشحات، وبناءاً عليه يجب أن ينص القانون على ضرورة إتاحة مساحة أوسع لتغطية الحملات الانتخابية للمرشحات البرلمانيات كجزء من الدعم والتشجيع المجتمعي لمشاركة النساء ولتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين والمرشحات فيما يتعلق بالوصول لوسائل الإعلام المختلفة. كما يجب فرض عقوبة مشددة على أي تغطية إعلامية من شأنها أن تقوم بانتهاك المرشحات سواء بالسب أو السخرية أو انتهاك حرمة حياتهن الخاصة، والتي قد ينتج عنها تعرض حياتهن الشخصية للخطر. ويجب إفراد مساحات واسعة في وسائل الإعلام المختلفة للتعريف بالنظام الانتخابي المزمع تطبيقه للناخبين والناخبات، خاصة مع تطبيق نظام الكوتا التمثيلية للنساء على القوائم المطلقة المغلقة التي نص عليها مشروع قانون مجلس النواب الجديد حتى يتسنى للناخبين والناخبات الاختيار على أساس فهم واضح للنظام الانتخابي القائم.
وقد تعرضت المادة (38) من من مشروع القانون إلى دور المجتمع المدني كمتابع لسير العملية الانتخابية دون النص على ضوابط متعلقة بعدم التعرض للمراقبات والمراقبين من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية وحمايتهم من أي انتهاك يتعرضون له، والتصريح لتلك المنظمات بالمتابعة وحمايتها من التعسف الإداري ضدها.
وفي النهاية، جاء تجاهل اللجنة المعنية بإعداد القانونين للمطالب التي تقدمت بها المجموعات النسوية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بنتيجة إقرار قانونين لا يمثلا النساء تمثيلاً عادلاً ومنصفاً لهن فى الانتخابات القادمة وفي مجلس النواب القادم، حيث تجاهلت اللجنة أكثر من مرة طلبهم في تضمين نساء داخل اللجنة ولجانها الفنية المختلفة ، وحيث تم تقديم أكثر من مشروع قانون للجنة يطرحون أكثر من شكل للنظام الانتخابي الأمثل فطالبت بإقرار نظام انتخابي يوجد مساحة أكثر لنظام الانتخاب بالقائمة لضمان التمثيل المناسب للنساء طبقاً للدستور، ولفرز مجلس نواب يسمح بوجود تكتلات حزبية قوية بداخله لتفعيل إستحقاقات دستور 2014. وتجاهل مشروع قانون يطلب من اللجنة إقرار النظام الإنتخابي المختلط بحيث تكون نسبة التمثيل بنظام القوائم 50% و بالنظام الفردي 50% مع جعل القوائم تراتبية، ولكن اللجنة تجاهلت كافة المقترحات المقدمة إليها ونصت على نظام انتخابي ينحاز للنظام الفردي عن نظام القوائم وبنسبة للنساء لا تحقق ما نصت عليه المادة الدستورية من تمثيل مناسب للنساء .
إن تمثيل النساء ب56 مقعد في مجلس النواب القادم وبنظم تغلق أبواب عدة على مشاركة فعالة وحقيقية لنساء متعددات أمر يطرح مستقبل مشاركة النساء سياسياً في الفترة المقبلة لتساؤلات عدة ويؤثر على عدم مشاركة أعداد أكثر من النساء في الحياة السياسية المقبلة، ولا يحقق ما تستحقه النساء المصريات اللاتى شاركن طوال السنوات الماضية في حراك هذا الوطن ويخل بالاستحقاقات الدستورية.