تحركت جموع الشعب المصري داخل العاصمة وخارجها في يوم 30 يونيو 2013 معبرة عن مطالبها بعزل الرئيس محمد مرسي، في موجة جديدة لثورة الشعب المصري ضد سلطة تحكمها والتي بدأت في يوم 25 يناير 2011. وفي يوم 3 يونيو أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، عزل الرئيس مرسي وقدم خارطة طريق للمرحلة الانتقالية القادمة، وتتضمن فترة للتعديلات للدستورية مرورا بانتخابات تشريعية وتنتهي بانتخابات رئاسية مبكرة، خلال ستة أشهر. وانطلقت بعد هذا الإعلان موجة جديدة من التحركات الشعبية للاحتفال بسقوط نظام الإخوان وللتأكيد على الطابع الشعبي وليس الانقلابي العسكري لهذه التحولات. وضمن تلك المشاركة الشعبية الضخمة كان للنساء المصريات وجود قوي ودور مركزي في كافة التحركات الثورية. ومن قبل أحداث 30 يونيو، فإن نساء مصر يشاركن في الحياة العامة ومتطلبات هذا الشعب منذ عقود طويلة، واتسمت المراحل المختلفة من التطور السياسي لمشاركة النساء تجاهل لوجودهن داخل مواقع صنع القرار بالإضافة إلى تجاهل لقضايا النساء في تلك السياسات. وعلى الرغم من توسيع نطاق مشاركة النساء في المجال العام وتواجدهن داخل مختلف التجمعات والحركات الثورية إلا أن سؤال قضايا النساء لازال مطروحا ويجب النظر إليه بشيء من الاهتمام بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة لمصر.
وعلى الرغم من استمرار مشاركة النساء بقوة خلال مظاهرات 30 يونيو واحتشادهن بمختلف الساحات العامة بمحافظات مصر لإثبات أنهن جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن إلا أن التطورات السياسية الحالية لا تبدو مبشرة فيما يخص حقهن في أن يكن جزء من عملية بلورة السياسات والرؤية للفترة القادمة، خاصة وأن رغبة ووعي القائمين على ادارة المرحلة الانتقالية في خلق مساحات لإدماج النساء بفاعلية في المرحلة الفاصلة التي نعيشها صارت محل شك. فقد خلت أغلب المناقشات الرسمية من مشاركات نسائية كما لم تتطرق لقضايا النساء على الرغم من المشاركة النسائية الكثيفة في المظاهرات التي دعت لها حركة تمرد وقوى سياسية مختلفة، على سبيل المثال، منذ يومها الأول.
وفي إقصاء واستبعاد النساء دليل على قصر رؤية غالبية الفاعلين السياسيين في الوقت الحالي عن إدراك أهمية وجود تمثيل نسائي متساوي في عرض ومناقشة تطورات المرحلة القادمة والتي تؤثر توابعها على النساء بأشكال مختلفة. كما أن المفاوضات التي جرت بشأن التشكيل الحكومي لم تتضمن أي إشارة إلى اختيار وزيرات من النساء. وبالرغم من الإشارة الإيجابية المتمثلة في تعيين الكاتبة سكينة فؤاد كمستشارة لشئون المرأة، إلا أن هذا الاختيار نفسه ينطوي على إغفال واضح عن ضرورة وإمكانية إدماج رائدات سياسيات وحقوقيات منخرطات بالعمل السياسي النسوي وعلى دراية بقضايا وإشكاليات النساء المختلفة على أرض الواقع بالإضافة إلي عدم توضيح مهام تلك الوظيفة والدور الواجب تحقيقه من خلال منصب مستشارة شئون المرأة. ومثل تلك القرارات تؤكد بشكل مقلق رغبة القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية القادمة في تمثيل نسائي شكلي بها بدلا من ضمان مشاركة نسائية فعالة في تشكيل كافة السياسات الصادرة عنها.
وللأسف جاء الإعلان الدستوري الذي صدر في يوم 8 يونيو 2013، خاليا تماما من أي مواد تخص شئون المرأة وحقوقها في المساواة، تلك المواد التي قد نالت اعتراضات عدة والتي كانت إحدى الأسباب الرئيسية وراء رفض دستور 2012 الذى تم تعليق العمل به مؤقتا.
ولقد حدث كل ذلك رغم ما دفعته الفتيات والنساء من ثمن لمشاركتهن في المظاهرات واحتشادهن خاصة بميدان التحرير حيث كن يتعرضن لأعنف أشكال الاعتداءات الجنسية وسط تجاهل صارخ من المسئولين عن الدعوة للمظاهرات من الأحزاب والحركات الثورية، لما تتعرضن له المواطنات حين يحاولن المشاركة على قدم المساواة في أحداث سياسية ووطنية عامة. وهو الأمر الذي يعد أحد أهم الدلائل في تحليل رؤية الجهات المسئولة حول نوع وأهمية المشاركة النسائية في الحياة العامة.
إن التطورات السريعة التي حدثت على مدار الأيام الأخيرة تبدو كافية لتنذر بإدارة تفتقد لرؤية شاملة حول المصالحة والمشاركة الوطنية بين كافة فئات الشعب والتي تتقدمها المجموعات والشخصيات النسائية اللاتي لا زلن يقاومن محاولات الإقصاء المنهجي سواء كان ذلك على المستوى السياسي والتشريعي، وما يشمله ذلك من إصدار قوانين منظمة للانتخابات مقيدة لمشاركة النساء في الحياة السياسية الرسمية، أو على المستوى الاجتماعي حيث تفتقدن البيئة المناسبة التي تسمح بحريات أوسع للتحرك والمشاركة بأمان وعلى قدم المساواة مع الرجال، أو على المستوى الاقتصادي الذي ينطوي على كثير من المشاكل الهيكلية التي تمنع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة. ولذلك فإننا نرى أن أحد أهم أشكال المساواة السياسية التي يجب تحقيقها بشكل فوري يتضمن تشكيل حكومة متوازنة نوعيا وأن تنطلق الفترة القادمة بتعريفات وتطبيقات أوسع لمفهوم مشاركة النساء في العملية السياسية ليصبحن جزء من عمليات النقاش وصنع القرارات، ولكي تنعكس بشكل حقيقي في المستويات السياسية المتنوعة المشاركة النسائية الواسعة المتحققة في المستوى الشعبي، بدلا من انحصار التفكير في مشاركة النساء في العملية السياسية على مبادرة شكلية أو خانة رمزية يجب أن يتم ملئها.
ولذلك فإن نظرة للدراسات النسوية تطالب بأمرين:
أولا: مشاركة نسائية منصفة في المجال السياسي في المرحلة المقبلة في مواقع صنع القرار مثل أهمية وجود حقائب وزارية في مجالات متنوعة للنساء في الحكومة التي يجرى النقاش حول تشكيلها حاليا، ومشاركة نسائية في لجنة مراجعة الدستور مما يضمن تمثيلا نوعيا للنساء وقضاياهن. كما يجب مشاركة النساء في جهود إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقضائية والذي يجب البدء فيه في أقرب وقت.
ثانيا: تضمين قضايا النساء السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضمن المرحلة الانتقالية بما يضمن قراءة شاملة لواقع النساء في مصر والابتعاد عن مناقشة قضايا المرأة بشكل منفرد وبانفصال عن تفاعلات مجتمعية أوسع، والإصغاء لمطالبهن ومحاسبة من ارتكب جرائم بحقهن.