النساء شريكات في الحقوق والواجبات وليسوا فقط شقائق الرجال
قام المصريون نساءا ورجالا بثورة شعبية شارك فيها الملايين في الخامس والعشرين من يناير 2011 طالبوا فيها بإسقاط النظام. وشاركت نساء مصر في كل مراحل تلك الثورة وموجاتها المختلفة ولم يكن شيئا جديدا على المرأة المصرية التي تشارك في المجال العام منذ أكثر من قرن من الزمان. ضحت النساء خلالها وتعرضن للكثير من الانتهاكات مطالبين بالحرية كجزء لا يتجزأ من نسيج هذا الشعب المصري ومطالبه الثورية.
تعالت الأصوات المطالبة بتضمين النساء كفاعلات في مجريات التحركات السياسية وتضمين مطالبهن في الدستور الجديد الذي مرت عملية كتابته بالعديد من المشكلات منذ انتخاب الجمعية التأسيسية وحتى خروجه بصيغة أولية لم ترضي الكثير من القوى والمواطنين.
الجمعية التأسيسية الأولى لوضع مشروع الدستور وضعف مشاركة النساء بها
تم تكوين الجمعية التأسيسية لكتابة دستور مصر الجديد مرتين. فى المرة الأولى شاب تشكيلها جدل كبير حول شرعيتها على وجه العموم ومدى تمثيلها لكل طوائف وطبقات ومكونات الشعب المصري على وجه الخصوص. كما لم يكن بها تمثيلا مرضيا للنساء، بالرغم من كل المحاولات التى قام بها "تحالف المنظمات النسوية" والحركات والمنظمات النسوية للضغط من أجل تمثيل مرضٍ لنساء مصر فى تأسيسة الدستور، فجاء تمثيل النساء بعدد قليل جدا وهو 6 عضوات من أصل 100 وغالبيتهن ينتمين لما يعرف بتيار "الإسلام السياسي" في مصر. ثم صدر حكم بحل الجمعية التأسيسية الأولى من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة لما رأت هيئة المحكمة مخالفتها لنص المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 والتي فسرتها المحكمة على أنها لا تجيز إنتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية من بين أعضاء مجلسي الشعب والشورى.
الجمعية التأسيسية الثانية لوضع مشروع الدستور ومسودة الدستور
أعاد البرلمان بغرفتيه انتخاب جمعية تأسيسية جديدة بعد افتراضية اتفاق القوى السياسية على معايير اختيار أعضائها وطريقة تمثيلها لأطياف وتركيبة الشعب المصري كما قدمت للجمعية من جهات ومنظمات مختلفة –النسوية منها وغير النسوية- أسماء العديد من النساء ليكن ممثلات لنساء مصر بأطيافهن المختلفة ولكن لم يلتفت إلى ذلك فى نهاية الأمر تشكلت الجمعية بشكل غير متوازن ولا يلبي الطموحات.
وفور الإنتهاء من تشكيل الجمعية التأسيسية الجديدة تم فتح الباب لتلقي مقترحات الشعب والقوى والحركات السياسية والأحزاب لمواد الدستور الجديد و قام تحالف المنظمات النسوية من خلال مجموعة "المرأة والدستور" بتقديم مقترحاته وطموحاته فى مواد دستور مصر الجديد وهي المواد المتعلقة بوضع النساء في الدستور وتحديداً فى 7 من فروعه وهى: المساواة وعدم التمييز، المشاركة السياسية، العمل، الطفولة، التعليم، الحريات الشخصية والرعاية الصحية، وهو ما تم تجاهله تماما في كل المسودات والنقاشات التي خرجت عن الجمعية التأسيسية.
ثار جدل سياسي وحقوقي ومجتمعي حول نص المادة التي تتعلق بالمساواة بين النساء والرجال والتي تم اقتراحها من قبل أعضاء الجمعية التأسيسية والتي نصت:
"تلتزم الدولة باتخاذ كافة التدابير التشريعية والتنفيذية لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية. وتوفر الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان وتكفل للمرأة الحماية والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية وحق الإرث وتضمن التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها في المجتمع"
وظهرت المادة في مسودات مختلفة لمشروع الدستور تحت رقم المادة (36) ثم المادة (68). وكان الجدل الأساسي حول تلك المادة هو الرفض الواسع من العدد الأكبر من أعضاء الجمعية التأسيسية لإدراج مادة للمساواة بين النساء والرجال في دستور مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتضمنت المادة استثناءات لمبدأ المساواة، وكان الجدال المجتمعي حول ما هي أشكال عدم المساواة بين الرجال والنساء التي تمنع وجود مادة تضمن حق المساواة في دستور مصر. انتهى الجدل والنقاشات بإلغاء المادة وعدم تضمينها في المسودة الأخيرة من مشروع الدستور والتي تم التصويت عليها في 30 نوفمبر 2012.
مشروع الدستور: النساء مواطنات من الدرجة الثانية
وقد اختتمت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أعمالها بصفة رسمية بمجرد تسليمها مشروع مسودة الدستور إلى رئيس الجمهورية وهو ما تم يوم السبت الموافق 1/12/2012، وهي الوثيقة التي لم تلبي تطلعات فئات شعب مصر كافة لاسيما النساء اللاتي لم يذكرن في الدستور إلا بخمسة مواضع فقط كما يلي:
1. ديباجة الدستور - ثالثا:
كرامة الفرد من كرامة الوطن.. ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة فالنساء شقائق الرجال وشريكات فى المكتسبات والمسئوليات الوطنية.
2. ديباجة الدستور - خامسا:
المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع مواطنين ومواطنات فلا تمييز ولا وساطة ولا محاباة فى الحقوق والواجبات.
3. الباب الأول (مقومات الدولة والمجتمع) – الفصل الأول (المقومات الأساسية) – مادة 6:
يقوم النظام السياسي على مبادئ الديمقراطية والشورى والمواطنة تسوى بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان وحرياتة وذلك على النحو المبين فى الدستور ولا يجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين.
4. الباب الأول (مقومات الدولة والمجتمع) – الفصل الثاني (المقومات الاجتماعية والأخلاقية) – مادة 10:
الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق الوطنية وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وذلك على النحو الذى ينظمة القانون وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام وتولى الدولة عناية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة.
5. الباب الثاني (الحقوق والحريات) - الفصل الثالث (الحقوق الاجتماعية والاقتصادية) – مادة 73:
يحظر كل صور القهر والاستغلال القسرى للإنسان وتجارة الجنس ويجرم القانون ذلك.
نساء مصر مواطنات من الدرجة الثانية
جاء مشروع الدستور الذي لم تعبر جمعيته التأسيسية بتمثيلها والآليات التي اعتمدت عليها فيما أطلق عليه "الحوار المجتمعي" عن كل فئات الشعب وجاءت صياغة مشروع الدستور نتيجة لما اعتمدته الجمعية من آليات لا يصدر دستورا هو "العقد الاجتماعي" الجديد بين الشعب وسلطته الجديدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
يأتي مشروع دستور مصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ليذكر النساء كمطلقات وأرامل ونساء معيلات وكأن النساء مواطنات من الدرجة الثانية يحتجن الرعاية وليسوا شريكات في الوطن وقد ركز مشروع الدستور عند ذكره للنساء على أنهن بحاجة لرعاية أو دعم ولم يعتمدهن كشريكات على قدم المساواة مع الرجال ولم يكفل لهن حقوقهن المتساوية في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة.
لم تأتي قضايا النساء في صلب مواد مشروع الدستور المصري وتم قصر قضايا النساء على الأطر الأخلاقية العامة التقليدية التي اتفقت المجتمعات الأبوية على أن تكون هي الأدوات التي يتم بها تحديد أدوار محددة للنساء فلم يتم الإشارة إلى حقوق النساء في مختلف المجالات فعلى سبيل المثال لم تحدد الحقوق الصحية للنساء والحقوق الإنجابية في المادة المتعلقة بالحق الصحة في مشروع الدستور واكتفى بالتزام الدولة بخدمات الأمومة والطفولة.
جاء مشروع الدستور أيضا في مجمله مقيدا للحق في التنظيم سواء للنقابات والتنظيمات العمالية مما يؤثر على امكانية تنظيم النساء داخل النقابات العمالية أو المهنية وغيرها.
جاء مشروع الدستور بمواده متجاهلا مشاركة المرأة السياسية ولم يتبنى نظاما انتخابيا يضمن مشاركة نسائية أكثر فعالية ويأتي بنساء ممثلات تمثيل ديمقراطي داخل المجالس المنتخبة المتعددة، في الوقت الذي ألزم فيه الأحزاب السياسية بعدم التمييز على أساس الجنس ولم يلزم مشروع الدستور الدولة ومؤسساتها بمبدأ المساواة وعدم التمييز.
التفت مشروع الدستور إلى تجريم تجارة الجنس التي لم تكن مجرمة في دساتير مصر السابقة كما جاءت صياغة هذه المادة مطاطة وعامة وملتبسة ومرتبطة بأشكال الاستغلال القسري مما يظهر أن تجارة الجنس هي شكل للاتجار بالنساء، كما أن وجود تلك المادة داخل باب الحقوق والحريات دون وجود مادة عن حقوق وحريات النساء يظهر وبشكل واضح عدم اعتماد تلك الوثيقة لمبدأ المساواة بين الرجال والنساء.
وبناء على ما سبق نؤكد رفضنا لمشروع الدستور والتي تعمد الرئيس محمد مرسى تجاهل كل الدعاوى والمطالبات بإيجاد توافق وحوار وطني ومجتمعي حوله قبل طرحه للإستفتاء مثلما تجاهل مطالبات كل القوى السياسية والحقوقية والنسوية بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية التي أخل تشكيلها بالتركيبة المجتمعية لمصر وأصر بدلا من ذلك على دعوة الناخبين للاستفتاء على مشروع الدستور وهو ما يضعنا في أزمة سياسية كبيرة ووضع دقيق يخير فيه الشعب ما بين إعلان دستوري يعطي كل الصلاحيات للرئيس رأس السلطة التنفيذية -وهو وضع مرفوض– أو دستور يعصف بكل الحقوق والحريات التي خرجت من أجلها ثورة هذا الشعب.