تعود مشاركة النساء في المجال العام المصري والموثقة في العصر الحديث لنهايات القرن الثامن عشر- بدايات القرن التاسع عشر تزامناً وكجزء من الحراك الوطني ضد الاستعمار، حيث خرجت النساء للتظاهر والاحتجاج على الحملة الفرنسية منذ دخلت القوات الفرنسية مصر في الإسكندرية عام 1798. وهناك دلالات تاريخية على مشاركة النساء في كثير من الفعاليات الاحتجاجية ضد الحكم العثماني في مصر، بالإضافة إلى مشاركتهن في حركة المقاومة بعد قيام البحرية البريطانية بقصف مدينة الاسكندرية تمهيداً للاحتلال في يوليو 1882. ثم دورهن البارز والفعال في ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني. وقد نتج عن ذلك الحراك تطورعلى مستوى الوعي وكذلك الخطاب النسوي الذي اتخذ "سمات العمل الوطني" ثم نتج عنه تطور للوعي النسوي على وجه التحديد، والسعي نحو مطالب تخص حقوق النساء وأوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. "وعلى الرغم من غياب المطالب النسوية في تلك المظاهرات المبكرة، إلّا أن ذلك يكشف عن مرحلة من تطور الوعي النسوي، على مستوى الشكل إن لم يكن المضمون. فقد قامت النساء بتنظيم أنفسهن وخرجن إلى المجال العام في زمن لم تكن تتمتع فيه النساء حتى بحق التعليم. فيما يمكن اعتباره فعلاً سياسياً ذا ملمح نسوي. فالبعد النسوي لا يستند هنا إلى الشعارات التي حملتها النساء وإنما في تمردهن على الثقافة السائدة التي كانت تقيد نساء الطبقتين الوسطى والعليا بالمجال الخاص ممثلاً في بيوتهن."
ومرت الحركة النسوية بموجات مختلفة، تميزت كل منها بمطالب معينة تبرز تطور الخطاب والحراك النسوي في كل من المجال الخاص والعام، حيث كان الحق في التعليم والحق في الانتخاب أهم وأبرز مطالب الموجة الأولى للنسوية في بدايات القرن العشرين. وقد كانت للصحافة النسائية دور بارز في زيادة الوعي والمطالبة بتك الحقوق. كما أن انتشار الصالونات الثقافية التي كانت تعقدها نساء من الطبقة العليا، بالإضافة إلى المحاضرات العامة جميعها أتاحت للنساء فرصة أكبر للتواجد في المجال العام والمساحة العامة للنقاش الفكري والثقافي حول القضايا التي تهمهن. وهو الأمر الذي أتاح انخراط أكبر للنساء في المجال العام، واهتمامهن بالشئون الاجتماعية والسياسية. وكان من أبرز مكتسبات تلك الموجة هو الفوز بالحق في التعليم وإقراره في الدستور عام 1923. هذا إلى جانب حرمانهن من الحقوق السياسية، رغم تواجدهن الحزبي من خلال اللجان النسائية، وهو ما أدى إلى استقلال مجموعة من النساء وتأسيس الاتحاد النسائي المصري الذي كان يحمل أجندة وطنية معنية في المقام الأول بالاستقلال وبناء الدولة الحديثة، ثم هنالك الجانب الاجتماعي الذي يركز على الحق في التعليم الأولي والثانوي والعالي وتشجيع الصناعة الوطنية وحماية الأيدي العاملة، وأخيراً قسم نسوي متعلق بحقوق النساء في التعليم والانتخاب والقوانين المنظمة للزواج. ولا ريب أن فتح مجال التعليم أمام الفتيات ساهم في تزايد أعداد النساء العاملات المتعلمات والواعيات بحقوقهن كنساء عاملات.
ثم جاءت الموجة الثانية من الحركة النسوية- وكان ذلك في الفترة بين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين- كامتداد للمطالبة بحقوق النساء في المشاركة السياسية وضمان حقوقهن كنساء عاملات في ظل ظروف سلطوية مثل تأميم العمل الأهلي وحل الأحزاب وسيطرة الحكم الناصري على الحراك النسوي واحتكار الحديث عن مصالح النساء فيما سُمي حينها بـ "نسوية الدولة". وقد اتخذ نهج متناقض عندما اعتمد الإطار الحديث المتمثل في تعديل القوانين بما يضمن مزيداً من الحقوق للنساء في القوانين المدنية كقانون العمل مثلاً، بينما تمسك بالإطار التقليدي فيما يتعلق بقوانين الأسرة والأحوال الشخصية المتحكمة في المجال الخاص. حيث أتت تلك التعديلات في القوانين والتشريعات نتاج لنضال النسويات. وكانت درية شفيق قد قادت إضراباً عن الطعام، انضمت له عدد من النساء عام 1954 بنقابة الصحفيين مطالبة بحقوق النساء السياسية. وأقر دستور 1956 بالفعل بعدها حق النساء في الانتخاب والترشح في الانتخابات. كما قادت إضراباً آخر عن الطعام عام 1957 احتجاجاً على السياسات والقرارات الديكتاتورية للرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما أدى إلى وضعها تحت الإقامة الجبرية وعدم السماح لها بمغادرة منزلها. وكانت أهم مظاهر تعديلات الحقبة الناصرية في هذا الصدد أن فُتح المجال أمام النساء للعمل في مجالات مختلفة، ولكن ظلت مجالات معينة كالقضاء والسلك الدبلوماسي والمناصب الوزارية العليا حكراً على الرجال.
وفي الفترة من ثمانينيات القرن العشرين حتى ثورة يناير 2011 حدثت الموجة الثالثة. وتميزت هذه الموجة بانخراط النسويات في العمل في منظمات المجتمع المدني. وللحصول على التأييد الدولي لسياستها، حرصت الدولة في تلك الحقبة على المصادقة على المعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات، ففي عام 1981 صدّقت الدولة على إتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء (السيداو). وأرخت الدولة في أعقابها القبضة على المجتمع المدني، وغيرت قوانين الجمعيات وتنظيم العمل الأهلي، مما فتح المجال للنسويات لتأسيس منظمات نسوية ومراكز بحثية وحقوقية وقانونية. ويعد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي عقد في القاهرة عام 1994 من أهم الأحداث التي شهدتها هذه الفترة، حيث ساهم بشكل كبير في دفع قضايا النساء إلى مقدمة الأولويات الوطنية، فبرز دور النساء الفاعل في الاشتباك والعمل على القضايا الإنجابية ومناهضة ختان الإناث وغيرها من القضايا التي تخص أجساد النساء، وتشكلت مجموعات ضغط وحملات مناصرة على الصعيد المحلي والدولي بشأن قضايا التمييز ضد النساء. وقد تميزت تلك الحقبة أيضاً بنشأة العديد من المبادرات النسوية، سواء المنبثقة من المنظمات الحقوقية أو المستقلة التي تتبني قضايا وجوانب متنوعة من قضايا حقوق النساء. وتركزت جهود الموجة الثالثة في العمل من أجل تحقيق العدالة والمساواة للنساء في المجتمع في إطار اتفاقية السيداو ومؤتمر السكان. وقد ساهم هذا الدور المتميز والبارز للمجموعات والمنظمات النسوية في تعزيز مصداقيتها على الصعيد المحلي والدولي، إذ اعتبرن الأجدر والأكثر أهلية للاشتباك مع تلك القضايا. ولما تقزم دور الدولة أمامها، تم إجراء تعديلات في القوانين للتضييق على عمل تلك المؤسسات. وتميزت تلك الفترة أيضا بتأسيس المجلس القومي للمرأة بقرار جمهوري رقم 90 لسنة 2000 كمتحدث رسمي عن أوضاع النساء في مصر .
وكما تشكلت الحركة النسوية في مصر مع ثورة 1919، تأتي الموجة الرابعة بكل زخمها بالتزامن مع ثورة يناير 2011. حيث شاركت النساء في التظاهرات والفعاليات المختلفة للثورة، وتدفقت العديد من الشابات إلى المجال العام المصري. ونتج عن ذلك تأسيس مبادرات نسوية شابة في العديد من محافظات مصر، وهو ما ساهم بشكل كبير في كسر مركزية الحركة النسوية. وتم إنشاء تحالف نسوي ضم العديد من المجموعات النسوية في بداية 2011 ليعلن موقفهن من دعم الثورة، والسعي نحو التغيير على مستوى القوانين والتشريعات والسياسات العامة فيما يخص قضايا النساء. وقد برزت قضيتين هامتين على أجندة نسويات هذه الموجة، التي لازالت مستمرة حتى اليوم، وهما قضية العنف الجنسي والجسدي ضد النساء، وصياغة حقوق النساء في الدستور الجديد. فعلى الرغم من تواجد النساء في المجال العام بأشكال مختلفة، إلا أن تزايد أعداد النساء الناشطات في المجال العام السياسي أبرز فداحة العنف الجنسي والجسدي المسلط ضدهن، مع وجود جرائم اعتداءات جنسية واغتصابات جماعية وبالآلات الحادة في محيط التظاهرات. وبرز كذلك النضال لمناهضة ذلك العنف، والذي بدأ منذ بداية الألفيات في ظل تصاعد ظاهرة التحرش الجنسي وتواطؤ الدولة والمجتمع مع تلك الجرائم. الشيء الذي أثار أهمية سؤال وإشكالية تواجد أجساد النساء في المجال العام والأثمان الباهظة التي يتحتم عليهن دفعها فقط لممارستهن هذا الحق. لذلك فبالإضافة إلى الاهتمام بمطالب العدالة الاجتماعية والتمثيل السياسي العادل للنساء، بات على عاتق النسويات العمل على وضع قضايا العنف ضد النساء في أولوية أجندة القضايا النسوية، والاهتمام بطرح سؤال أجساد النساء وجنسانيتهن بخطاب أكثر تعقيداً، لتتناول مفهوم الشرف وكشوف العذرية والعنف الجسدي والجنسي والحقوق الشخصية، حيث تمكنت نسويات هذه الموجة من وضع هذا السؤال كأولوية ملحة على أجندة الدولة والمجتمع وقضية سياسية من الدرجة الأولى.
من خلال هذا السرد المبسط، نجد أن الحركة النسوية المصرية بمختلف موجاتها ناضلت من أجل انتزاع حقوق النساء في مجالات الحياة المختلفة، حيث تميزت كل حقبة بمطالب تبرز تطور الخطاب النسوي من خلال الاشتباك مع التقاطعات في كل من المجال الخاص والعام. "فالحركة النسوية حركة سياسية من حيث اعترافها بعدم وجود توازن في علاقات القوى والبنى السلطوية على أساس جندري، وتقاطعاته مع أشكال أخرى من التمييز والقهر. وتتمحور الحركة النسوية حول النساء وتناضل من أجل تقوية النساء وتحسين أوضاعهن المعيشية، في عملية تتضمن أحياناً مواجهات مع أشكال ومستويات متنوعة من السلطة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية وغيرها". حيث تتميز الحركة النسوية سواء في مصر أو في العالم بتنوع الخطاب والأدوات والأساليب التي تنتهجها النسويات نحو تحسين أوضاع النساء، وينبع هذا التنوع من قدرة الحركة النسوية على استيعاب طيف واسع من النسويات على اختلاف هوياتهن وانتماءاتهن الفكرية والسياسية والاجتماعية، بحيث يخلق هذا التنوع حواراً مجتمعياً وإثراء للحراك من خلال المراجعة والتطور الدائم للخطاب. لذلك فإن مفهوم النسوية لا يمكن حتى الآن حصره في تعريف واحد ولكن الأساس فيه هو "الوعي النسوي" الجمعي والذي يعني "وعي النساء بأنهن ينتمين إلى فئة ثانوية، وأنهن تعرضن للظلم باعتبارهن نساء، وأن وضعهن الثانوي الخاضع ليس وضعاً مرتبطاً بالطبيعة وإنما هو مفروض اجتماعياً، وأنه يجب عليهن التحالف مع نساء أخريات للتخلص من أشكال الظلم الواقع عليهن، وأخيراً أنه يجب عليهن تقديم رؤية بديلة للنظام الاجتماعي بحيث تتمتع فيه النساء مثل الرجال بالاستقلالية وحق تقرير المصير". وبالتالي، "وهكذا يجمع الوعي النسوي طبقاُ لهذا التعريف بين المعرفة والعمل أي الفكر والفعل، عن طريق الإدراك والتضامن والمقاومة والتغيير. ومن هنا تصبح الحركة النسوية المنطلقة من الوعي النسوي حركة سياسية واعية بعلاقات القوى الاجتماعية الجندرية التي تعمل على قمع النساء وتهميشهن، فتسعى إلى الكشف عن مواطن التمييز ضد النساء ومواجهتها والتغلب عليها."
يحاول هذا البحث تسليط الضوء على الجانب الشخصي من حيوات وتجارب النسويات اللاتي اشتبكن مع حراك الموجة الرابعة في مصر (وإن كان نشاط بعضهن النسوي يرجع إلى ما قبل ثورة يناير 2011) التي ازدهرت منذ ثورة يناير 2011 حتى اليوم، في محاولة للكشف عن الأسباب والعوامل والسياقات التي أدت بالنتيجة إلى وصول هؤلاء النسوة إلى ذلك "الوعي النسوي" واختيارهن بشكل واعٍ الانخراط في العمل والسعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للنساء بأشكال وأدوات مختلفة كنتيجة لذلك الوعي. وينطلق البحث أيضاً من مفهوم "الشخصي هو العام" الذي يعد من أهم مبادئ النسوية. كما يحاول البحث استعراض وتحليل تجارب وحكايات هؤلاء النسويات للكشف عن القواسم والعوامل والسياقات المشتركة التي ساهمت في تعزيز هذا الوعي والإدراك النسوي لديهن، واختيارهن لهذا النهج مع الاحتفاظ بخصوصية تجاربهن المختلفة.
من جهة أخرى، يعد هذا البحث محاولة لتوثيق تلك الحكايات كفعل نسوي، فمن الضروري الاهتمام بتجارب وحيوات النساء اللاتي وضعن على عاتقهن مسيرة النسوية والسعي نحو تغيير أوضاع النساء رغم التحديات والصعوبات والإحباطات التي تواجههن على الصعيد الشخصي والعام. خاصة وأن جميع المكتسبات التي حصلت عليها النساء على مر التاريخ لم تكن هبات أو منح من أحد، إنما نتاج تراكمي لنضالات وجهود النساء اللاتي غالباً ما تذهب حكاياتهن طي النسيان. هذا البحث يسلط الضوء على قصص وحكايات وتجارب النساء الخاصة في مسيرتهن كنسويات، وإبراز أصواتهن الداخلية ومشاعرهن وأفكارهن ومراجعاتهن الذاتية في رحلة استكشافهن لوعيهن واختياراتهن النسوية. لذلك يعتمد البحث بشكل مكثف على سرد تلك الحكايات بنفس التلقائية التي تمت أثناء المقابلات. ربما قد تشكل تلك الحكايات مصدر إلهام لأخريات أو قد نجد في طياتها إجابات على بعض التساؤلات في محاولة لتخفيف وطأة الوصم والتنميط والتمييز الذي تتعرض له النسويات على مستوى المحيط العائلي والمجتمعي والمؤسسي، وذلك للتأكيد على أن ما يحدث من ظلم وتمييز وعنف للنساء في المجال العام ما هو إلا انعكاس لما تعانيه النساء داخل البيوت، وأنه لا يوجد خط فاصل حاسم بين المجال الخاص والعام، وبخاصة ما يتعلق بقضايا النساء وكيفية تعامل المجتمع ومؤسسات الدولة على حد سواء مع تلك القضايا.
منهجية البحث:
اعتمد هذا البحث بشكل أساسي على التحليل النوعي لمقابلات معمقة، تم إجراؤها مع مجموعة من النسويات اللاتي اشتبكن مع الموجة الرابعة من منظور نسوي. بالإضافة إلى قراءة نقدية لتاريخ الحركة النسوية المصرية من مصادر ثانوية. حيث تم إجراء 22 مقابلة معمقة مع نسويات مشتبكات مع الموجة الرابعة التي تشهدها مصر، وكانت أهم معايير الاختيار هي انتمائهن للمشهد النسوي في مصر خاصة منذ اندلاع الثورة في يناير2011، وأنهن نساء ناشطات وفاعلات يشتبكن مع قضايا النساء في مجالات مختلفة من أكاديميات وباحثات وعاملات في منظمات المجتمع المدني وصحفيات وفنانات بالإضافة إلى العاملات في المجال السياسي. أعمارهن تتراوح بين العشرينيات والثلاثينيات ولا تتعدى الأربعين. وقد ضمت المقابلات مجموعة من نسويات هذه الموجة اللائي انخرطن في العمل النسوي من قبل الثورة، بالإضافة إلى مجموعة من الشابات الملتحقات بركب النسوية إبان قيام الثورة. كما سبق مرحلة المقابلات إجراء استبيان استكشافي عبر الإنترنت لعينة عشوائية من النساء لبلورة أسئلة البحث ومعرفة الثغرات التي يجب أن تغطيها المقابلات المعمقة.
جمعت المقابلات بين الأسئلة المعيارية والأسئلة السردية، حيث استغرقت المقابلات من نصف ساعة إلى ساعتين، وتم تسجيلها ثم تفريغها وتحليلها مع الحرص على تجهيل المقابلات من خلال استخدام أسماء مستعارة للمشاركات في البحث، بالاضافة إلى إخفاء بعض المعلومات المتعلقة بهن للحفاظ على خصوصيتهن كون أسئلة البحث لا تركز على أنشطتهن وإنجازاتهن على مستوى العمل العام، إنما تتمحور حول حياتهن وتجاربهن الشخصية. كما تجدرالإشارة إلى أن الحكايات قد تتضمن ألفاظاً وعباراتٍ حادة، تم الإبقاء عليها حرصاً على مصداقية البحث وللحفاظ على سرد الحكايات كما هي. من خلال المقابلات المعمقة، حاولنا معرفة ما إذا كانت هناك عوامل أو سياقات مشتركة في حياة هؤلاء الشابات، وكانت سبباً هاماً في إدراك وعيهن النسوي، وانخراطهن في الحركة النسوية بالإضافة إلى استكشاف التحديات والمكتسبات لتلك الاختيارات، وما تعنيه النسوية لهن من مفهومهن الخاص. وبالفعل، من خلال قراءة وتحليل المقابلات وجدنا بعض السياقات والعوامل المشتركة التي أثارت تساؤلات إشكالية لدى هؤلاء النسوة، والتي كان لها دورهام في تشكيل وعيهن وإدراكهن النسوي خلال مراحل مختلفة من حياتهن، مما أثر على قراراتهن واختياراتهن في الانتماء إلى الفكر والعمل النسوي بأشكال وتقاطعات مختلفة.
تم تقسيم هذه العوامل والإشكاليات إلى ثلاثة محاور، الأول معني بسؤال الجسد وإشكاليات تواجد أجساد النساء في المجال الخاص والعام، حيث تعتبر ظاهرة العنف الجنسي والجسدي والمعنوي ضد النساء في كلا المجالين -من أهم تجليات هذا السؤال الذي يشغل بال نسويات هذا الجيل بشدة، وتبين ذلك من خلال اهتمامهن بطرحه على أولويات الأجندة الوطنية كقضية سياسية كما ذكرنا سابقاً. كما يتناول هذا المحور إشكاليات التمييز ضد النساء كون التمييز من أهم الأسباب الجذرية التي تغذي العنف، والذي بدوره يعزز أشكال التمييز ضد النساء في شتى المجالات، تدركه النساء في مراحل مختلفة من حياتهن. يتناول هذا المحور مواقف وحكايات هؤلاء النسوة وتجاربهن مع العنف والتمييز وسؤال الجسد التي أثرت على إدراكهن بأن ما يحدث هو بسبب كونهن نساء وخلق لديهن ذلك الوعي النسوي.
المحور الثاني يتناول سؤال الدين وتأثيره على حياة النساء والمجتمع بشكل عام. فالدين يلعب دوراً هاماً في تشكيل الهوية والوعي الجمعي للمجتمعات العربية. حيث تتغلغل المعتقدات الدينية في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ومن تجليات ذلك كون الدين المتمثل في الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع كما ورد في الدستور المصري. وتختلط التعاليم الدينية مع العادات والتقاليد، وتعزز بعضها البعض في ظل نظام أبوي يحكم معاملات الناس، خاصة فيما يخص شؤون النساء. لذلك نجد أن بعض الممارسات المتعلقة بالدين أو العادات والتقاليد تعزز من المكانة الثانوية للنساء في وجود سيطرة ذكورية على المؤسسات الدينية والانفراد بحق تفسير وتطبيق النصوص الدينية، مما يؤدي إلى مزيد من الهيمنة الذكورية. فنجد أن قانون الأحوال الشخصية المعنى بقضايا النساء مستمد من الشريعة الإسلامية. ونجد أن الدين إلى جانب العادات والتقاليد يستخدم كأداة للتحكم في مصائر النساء وإضفاء شرعية للتمييز ضدهن. وسواء أكان ذلك بسبب النصوص الدينية في جوهرها أم في تفسيراتها الخاطئة، فليس الهدف هنا نقد سؤال الدين في حد ذاته، ولكن طرحه كعامل من العوامل التي ذكرتها النسويات أثناء المقابلات، والمواقف التي أثرت على إدراكهن ووعيهن النسوي واختياراتهن النسوية. إذ اشتبكت النساء مع سؤال الدين وسلطته الأبوية في مواقف مختلفة على مدار حياتهن تجلى فيها الظلم أو الاضطهاد أو التمييز أوالتذرع بالدين الذي مايزال نقده يعتبر من المحرمات في المجتمع.
والمحور الثالث يتناول سؤال السياسة والانخراط في المجال العام خاصة بعد ثورة يناير 2011. حيث لعبت الثورة دوراً هاماً في تشكيل الحراك المجتمعي والسياسي، وانفتاح المجال والمساحات المختلفة للحراك والاشتباك في العمل العام وخروج واهتمام الآلاف من الشباب وانخراطهم في الحراك السياسي. شكلت هذه الفترة -الثورة وتجلياتها واشكالياتها وفرصها وتجارب النساء فيها- مرحلة فاصلة في وعي ووجدان الكثير من النساء واختياراتهن في الانخراط في الحراك النسوي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأسئلة أو العوامل متداخلة إلى حد كبير وترتبط ببعضها البعض، إذ لا يمكن فصلها في الحقيقة، لذا تم تقسيمها هنا على شكل محاور في محاولة لفهم أعمق لتلك العوامل. ونؤكد في الأخير أن الاختيارات النسوية ليست رفاهية أو تحدث خارج أي سياق، إنما هي نابعة من تجارب حقيقية تمر بها النساء بشكل يومي على اختلاف انتماءاتهن وطبقاتهن الاجتماعية، وهذه التجارب تثير تساؤلاتٍ إشكالية وتوضح تعقيد البنى الاجتماعية المتمثلة في السلطة الأبوية.
التمييز والعنف وسؤال الجسد
تتعرض النساء والفتيات باختلاف طبقاتهن وانتماءاتهن لأشكال مختلفة من التمييز والعنف طوال فترة حياتهن بدرجات متفاوتة. ونعني هنا بالتمييز والعنف ذلك الذي يمارس عليهن بسبب نوعهن الاجتماعي، حيث إن النوع هو مفهوم يصف "الفوارق الاجتماعية المنشأ بين الإناث والذكور على مدى دورة حياتهم. ويؤثر عامل النوع -إلى جانب عوامل مثل السن والعرق والطبقة الاجتماعية- بين جملة أمور فيما يُنتظر من الأشخاص في أي ثقافة من صفات وسلوك وأدوار وسلطة واحتياجات وموارد وقيود وفرص." وتختلف هذه الفوارق والأدوار داخل المجتمع ذو الثقافة الواحدة، وكذلك بين الثقافات المختلفة وهي التي تحدد هوية الفرد ووضعه والأدوار والمسؤوليات المكلف بها، وعلاقات القوى بين أفراد أي مجتمع أو ثقافة. تتشكل العلاقات الاجتماعية المبنية على علاقات قوى غير متكافئة في ظل النظام الأبوي الذي يسود المجتمع المصري، ويكرس التمييز والعنف ضد النساء والفتيات خصوصاُ، فيما يعرف بالعنف المبني على أساس النوع. وهو مفهوم يشمل "أي فعل مؤذٍ يصيب أو يُرجَح أن يصيب امرأة أو رجلاً أو فتاة أو صبياً بأذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية بسبب نوعهم الاجتماعي."
وبالرغم من أن العنف القائم على أساس النوع من الممكن أن يقع على كل من النساء والرجال وحتى الأطفال، إلا أن النساء والفتيات هن الأكثر عرضة للعنف بسبب كونهن نساء. الشيء الذي يشكل ظاهرة في كل أنحاء العالم كممارسة ممنھجة وليس كسلوك فردي. فالعنف القائم على أساس النوع الذي تتعرض له النساء غالباً ما يقع بسبب نوعھن وما ھو متوقع أن تقوم به من أدوار، وبالتالي تحديد كل ما ھو مقبول اجتماعياً لهن. حيث إن كثير من أنواع العنف القائم على أساس النوع تبرر بناءً على عدم قيام النساء بأدوارهن، أو عدم انسجام مظھرھن أو سلوكھن بما يحدده المجتمع لھن كنساء. كما يعتبر التمييز وعدم المساواة الممنهج ضد النساء هو من أهم الأسباب الجذرية لتفشي العنف ضد النساء. ويقصد بالتمييز ضد النساء حسب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، إضعاف أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إضعاف أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل." وفي نفس الوقت فإن اﻟﻌﻨﻒ ﺿﺪ اﻟﻨﺴﺎء ﻟﯿﺲ ﻓﻘﻂ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻠﺘﻤﯿﯿﺰ، ﺑﻞ إن اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ يعتبر ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﮫ إذ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﻋﻨﻒ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ، واﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﻠﻌﻨﻒ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره آﻟﯿﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ. لذلك يعتبر العنف ضد النساء شكل من أشكال التمييز ويعني جميع أعمال العنف القائم على أساس النوع التي تؤدي، أو يرجح أن تؤدي إلى العنف البدني أو الجنسي أو النفسي بما في ذلك التهديد بهذه الأعمال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أحدث ذلك في الحياة العامة أم في الخاصة" كما جاء في اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة.
ففي ظل النظام الأبوي الذي يتحكم في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي نعيشها في مصر، تكاد لا توجد فئة ناجية من النساء من التعرض لأي شكل من أشكال العنف أو التمييز على مدار حياتهن، سواء في محيطهن الخاص أو المجال العام. قد تبدو تلك المواقف مستترة تحت مبررات مختلفة، وقد تظهر بشكل فج في أحيان اخرى. لذلك لم يكن من المستغرب أن تذكر جميع النسويات التي تم إجراء المقابلات معهن بدون استثناء العديد من المواقف والتجارب المختلفة لتعرضهن بشكل شخصي -أو نساء أخريات في محيطهن- للتمييز أو العنف كمواقف ولحظات ساهمت في إدراكهن الواعي لاختيارهن أن يصبحن نسويات. تمحورت معظم حكايات التمييز حول التفرقة الجائرة بين النساء والرجال في محيط الأسرة، ثم التمييز في مجالات العمل المختلفة، ثم التمييز في السياسات والقوانين وطريقة تعامل الأسرة والمجتمع والدولة مع قضايا النساء. كما تركزت حكايات العنف حول العنف الجسدي والجنسي الذي تتعرض له النساء، ابتداءً من تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات المسمى بختان الإناث في مرحلة الطفولة، والتحرش الجنسي في المجال الخاص والعام وانتهاءً بالاغتصابات الجماعية التي حدثت في تجمعات مختلفة كالأعياد والمظاهرات والمليونيات. بالإضافة إلى أشكال أخرى من العنف المعنوي والمجتمعي والاقتصادي، كالقهر الممارس ضد النساء وحرمانهن من حق اختيار مصائرهن من حرية الملبس وحرية التعبير والحركة واختيار مجال الدراسة أو العمل واختيار الشريك.
أثارت هذه المواقف والحكايات العديد من التساؤلات في أذهانهن وساهمت في إدراكهن بأن هناك خطأ ما في هذه المنظومة التي نعيش فيها، خاصة في ظل تواطؤ المجتمع والدولة مع تلك الانتهاكات. حيث أثرت تلك المواقف والحكايات بشكل بالغ في مصائر هؤلاء النسوة واختياراتهن، وساهمت في بلورة وعيهن النسوي وإدراكهن أن ما يحدث لهن هو بسبب كونهن نساء. الشيء الذي دفعهن بشكل شخصي للاهتمام بسؤال الجسد، وإشكالية وجود أجساد النساء في المجالين الخاص والعام، والانشغال بالعمل على تلك القضايا بأشكال مختلفة. حيث وجدن في نهاية المطاف أن ما يؤمنّ به أو ما يقمن به هو فعل نسوي، ووجدن في هذا النهج إجابات لتساؤلاتهن، وفهم منطقي لأسباب ما يحدث لهن من عنف، بالإضافة إلى إيجاد آليات وأدوات للتعامل مع ذلك الواقع، بل وأصبحت النسوية جزء من هوياتهن.
تحكي شيرين، وهي ناشطة شابة مستقلة من محافظة جنوبية، مقيمة حالياً في القاهرة، عمرها في أواخر العشرينات ممن التحقن بالحراك النسوي بعد الثورة، وتعمل حالياً في إحدى المنظمات النسوية -عن حوادث متفرقة من حياتها متعلقة بالعنف الجنسي والتمييز، والتي كانت تثير لديها العديد من التساؤلات عن سبب وقوع تلك الحوادث لها، ولم تكن تجد إجابات منطقية، وكانت تشعر بالوحدة. وتذكر أن هذه الحوادث كانت السبب في انخراطها المستقبلي في النشاط السياسي، وتعرفها على المنظمات النسوية وانتماءها للنسوية، التي وجدت فيها العديد من الإجابات عن تساؤلاتها: "لما كنت في الجامعة قبل الثورة بسنتين ثلاثة، إتعرضت لحادثة تحرش ومفهمتش إيه اللي بيحصل، وقعدت أسال نفسي كتير إشمعنى أنا، خاصة إنه بعدها بأسبوع إتعرضت لحادثة تحرش تانية خاصة إني بسافر بالقطر العادي عشان أرجع البلد، وكنت بتعرض لتحرش طول الوقت. بس كنت بسأل نفسي طول الوقت هو بيحصل معايا كده ليه... عشان لبسي؟ بس أنا رفيعة ومبلبسش لبس ضيق وكل المبررات بس مش موجودة. بس بعد أكبر حادثتين تحرش ملقيتش إجابات لأسئلتي... وبعد سنتين وأنا في ثالثة جامعة، إكتشفت إني مش لوحدي اللي بيحصلها كده وإن في ناس كتيرة بيحصلها ده. بس أول مرة أتكلم مع حد وافهم عن موضوع التحرش بشكل واضح كان مع بنت في فعالية على الفيسبوك عن شهيدة التحرش، اللي هي البنت اللي في أسيوط اللي اتقتلت من متحرش بعد ما حاولت تدافع عن نفسها. وكان اللي عامل الفعالية دي شاب من حزب يساري وبنت ناشطة صاحبة مبادرة نسوية شابة في أسيوط. وابتديت أفهم عن مفهوم التحرش، وابتديت أدخل في سكة السياسة والنشاط الطلابي في الجامعة" وتحكي عن قبولها في أحد التدريبات مع إحدى المنظمات النسوية، وكان بسبب انخراطها في العمل الطلابي والسياسي واهتمامها بقضايا التحرش، وكانت النتيجة أن فهمت الكثير عن النسوية، ووجدت إجابات لتساؤلاتها: "سافرت وحضرت التدريب. ومن هنا ابتديت أفهم كل حاجة ما كنتش فاهماها وكان عندي بدايات عنها، بس مش فاهماها كلها. بس أنا كنت قبلها قريت كتاب نسوي بتاع نوال السعداوي عن المرأة والجنس أيام الجامعة. قريته وبعدين ابتديت أقراه لصحباتي اللي ساكنين معايا في المدينة الجامعية، هم كانوا هندسة وبيقعدوا يرسموا وأنا بقرالهم الكتاب ونتناقش فيه".
كما تحكي تجربتها مع التمييز بينها وبين إخوتها الذكور. وكيف أثر هذا فيها وعزز اختيارها للنسوية مستقبلاً، بالإضافة إلى تجربة الختان التي جعلتها تدرك أهمية وجود قانون موحد يحمي الفتيات من العنف الأسري. "قبل موضوع الختان إبتدى موضوع منعي من اللعب في الشارع، ولسا فاكرة جداً جداً الوقت اللي اتمنعت ألبس فيه بنطلون من مدرس القرآن في المعهد، وفاكرة الوقت اللي أُلزمت ألبس فيه حجات وأنا طفلة في سادسة ابتدائي وأنا طفلة مش فاهمه حاجة. وبعدين ممنوع اللعب في الشارع تماماً، وأنا كنت شخص بحب اللعب والجري والكورة مع الولاد، وفجأة ما ينفعش يتعمل ده دلوقتي. وكانت كل الحاجات دي كلها أسئلة مالهاش إجابات... بعد موضوع الختان اللي حصل وأنا لسه طفلة، كنت في أولى إعدادي، وكان بيحصلي تنمر من اخواتي إني مش حلوة وإني شكلي وحش وكان ده بيأثر فيا جداً، وباعتبار إن ده من باب اللعب محدش كان بيحوشهم. فأنا شايفة إن تقاطع الخاص والعام بالنسبة لي في النسوية هو الجوهر. بداية من الختان اللي فهمته من كتاب نوال السعداوي، وبعدين فهم وإدراك كل المعاملات والتمييز اللي كان بيحصلي من أهلي عشان أنا بنت، وأنا كنت مش فاهمة ليه ده بيحصل. كنت بتخانق من وأنا في ثانوي على إني أخرج أو أسهر عند بيت عمي. كنت بتخانق وأقولهم إني مش خدامة عشان أعمل شغل البيت وإخواتي مبيعملوش حاجة لدرجة إني كنت بعيط ويجيلي رغبة في الانتحار..." "ولكن بعد المدرسة النسوية حاجات تانية خالص اتكونت، ولقيت أجوبة لكل أسئلتي، والألم النفسي والجنان اللي كان بيجيلي أنه ليه أنا بيحصلي ده بالذات، وإني مش لوحدي، واتخيلت كام بنت بتسأل نفسها السؤال ده وحاسة إنها لوحدها وما تعرفش".
وتحكي "مها" وهي ناشطة نسوية في أوائل الثلاثينات، تعمل في إحدى المنظمات النسوية -عن تجربة تعرضها للتحرش من قبل والدها، وشعورها بالخذلان كون والدتها ربما علمت بما يحدث لها هي وأخواتها الصغيرات عنها، ولكنها آثرت الصمت. وكيف أن تلك التجربة شكلت دافعاً في انخراطها لاحقاً مع مجموعات ومبادرات تعمل ضد العنف الجنسي، ثم الانضمام للعمل في منظمة نسوية، مما ساهم في تشكيل وعيها النسوي وإدراكها لفداحة الأمر، وقرارها بأن تكسر الصمت وأن تواجه والدها بعد كل هذه السنوات: "كانت خناقتي مع بابايا بسبب أنه اعتدى عليا جنسياً وأنا صغيرة بشكل مستمر. ومكنتش فاهمة ده إيه، وكان صعب وأنا صغيرة مواجهة الموضوع ده. وكنت حاطاه في حتة سودا في بير مش بتكلم فيه ولا بتعامل معاه. لحد ما ابتديت أفهم مع بداية الثورة وبعد انضمامي لمجموعة تعمل ضد التحرش في 2014، قررت أواجهه وأحط حدود لعلاقتنا، وإن أنا عارفة إن ده حصل وإن أنا مش مجنونة وبيتهيألي، وإن أنا مش عايزاك في حياتي، على الأقل لفترة لحين إشعار آخر، لو قررت أتسامح وأتصالح مع اللي حصل. غير كده ما لكش سلطة عليا. خاصة إنه بدأ يتخانق معايا خناقات إن أنا منزلش أيام الثورة. ومفيش بنت محترمة تبات برا البيت وتلبس قصير أو مفتوح. كل الخناقات دي كانت بتفورلي دمي وتفكرني بأيام طفولتي والحاجات اللي كانت بتحصل. لحد ما وصلت لنقطة انفجار مع اشتباكي في الثورة ومجموعات ضد التحرش وعملي في منظمة نسوية".
وعلى نفس الصعيد، تحكي إيناس وهي ناشطة نسوية وقيادية في أحد الأحزاب اليسارية في منتصف الثلاثينات -عن تجربة تعرضها للعنف الجنسي من أحد الأقرباء في العائلة في سن الطفولة المبكرة. وكيف كانت لهذه التجربة تبعاتها العميقة على مدار نشأتها، مما أثار لديها تساؤلات حول الجسد وإشكالياته. وكانت التجربة من أهم الدوافع لاحقاً لأن تنتمي فكرياً للنسوية التي تعرفت عليها من خلال قراءاتها: "على المستوى المعرفي عرفت إن في حاجة إسمها حقوق المرأة من كتب نوال السعداوي، اللي لقيتها في مكتبة أبويا في البيت عندنا وأنا في سن 14 سنة، ولمست معايا مع حاجات كتيره جداً من اللي بشوفه حواليا [...] أنا مريت بتجربةChild Abuse أي عنف جنسي من وأنا في سن 6 سنوات إلى 10 سنوات من أحد قرايبنا في العيلة، يعتبر زي أب او عم في العيلة. اتعاملت مع هذا الأمر وأنا طفلة، وكان وقع التجربة وقتها أخف شوية، لأنه كان بيتحرش بأطفال تانيين في العيلة، فاحنا اشتركنا مع بعض في نفس التجربة. بس ماوعيتش بيه كانتهاك متعلق بالجندر إلا وأنا كبيرة في الجامعة وده كان ليه مراحل [...] المهم إن دي كانت مرحلة ابتدت تفتح فكرة الجسد وإشكالياته، وخاصة إن كان فيه بيني وبين أخويا وأقربائي اللي يا إما اتعرضوا لنفس الفعل من هذا الرجل أو عارفين نقاشات إنه احنا حنعمل إيه وازاي ممكن نحمي نفسنا. كنا لسا في السن الصغير ده وكنا مجموعة وقلنا إن ده سر لبعض. فالخبرة دي أعتقد إنها كانت مؤثرة في تكوين وعينا. وكمان الكلام اللي بيتقال واحنا في السن ده، كان فيه معانا مجموعة من الأقرباء اللي أكبر مننا شويه كانوا في بداية سن المراهقة 13 و 14 سنة، وانتبهت جداً للاختلاف في الكلام لما بنت بتحكي إنها حصلها عنف جنسي غير لما ولد بيحكي إنه اتعرض لعنف جنسي. يعني أول سؤال بيجي لما أحكي، وأنا وقتها محكيتش لبابا بس حكيت لآخرين منهم أقارب كبار ستات، أول سؤال بيبقى عن العذرية ويسألوني فتحك؟ ولو ولد بيحكي الأسئلة والتعليقات اللي بتتوجه له، بتبقى متعلقة انه يا نهار إسود ممكن يطلع Gay (أي مثلي). فيبقى الكلام من نوع هل عملك حاجة من ورا؟ وكمان أوعى انت كمان تعمل كده ولازم تبعده عنك. الحاجات دي كانت بتلفت إنتباهي في السن اللي هو قبل البلوغ مباشرة في سن 9 أو 10 سنوات". كما كان لهذه التجربة تجليات كثيرة في حياتها فيما بعد، ولكن التواطؤ المجتمعي مع العنف الجنسي كان الأكثر والأشد وطأة بالنسبة لها فتحكي: " فأنا فيه كذا محطة في حياتي في مواجهة القهر المرتبط بجسمي وبالموقف الاجتماعي. مثلا كان في ناس في العيلة عارفة موضوع العنف الجنسي ده بس مش أبويا، وعارفين إنه حصلي أنا وأطفال آخرين، عشان بعضنا اتكلم مع بعض العمات، ورد فعل العمات كان سلبي جداً [...] يعني أنا فاكرة وأنا صغيرة في سن 8 أو 9 سنوات، وأبويا قاعد يقولي إحكيلي عمو ده عمل حاجة وحشة؟ وأنا أنكر أنكر أنكر. يمكن يكون جزء منه ردة فعل العمات، وممكن يكون جزء منه خوف من بابا وخوف على بابا من الصدمة. ودي حاجة مهمة للأسر مش بتاخد بالها منها، إنه مش بس الأطفال بتبقى خايفة من أهاليهم، بيكونوا خايفين عليهم أيضاً من الصدمة ومن إنهم ميستوعبوش الأمر [...] وبعد كده في المراهقة في سن 14 سنة قريت كتب نوال السعداوي، واهتميت جداً حداً بكتاباتها، وخاصة إنها في جزء من الموضوع اتكلمت عن حاجات متعلقة بالعنف الجنسي وحاجات متعلقة بأشكال القهر اللي بتقع على المرأة. وقعدت أقرى ودورت وبحثت عنها، وكلمت الجورنال وجبت رقم تلفونها عشان أقابلها، ورحتلها البيت وهي كانت مستغربة قوي إني صغيرة جداً حتى مش في الثانوي، كنت في إعدادية أو أولى ثانوي. وفرحت جداً إني قابلتها واتعرفت عليها. كنت عايزة أشوف الست اللي بتكتب الحاجات العظيمة دي، وفي نفس الوقت أتناقش معاها عن أزماتي الشخصية. مثلاً كلمتها عن العنف الجنسي اللي اتعرضتله، وكلمتها عن إحساسي بالرجال والشباب اللي حواليا، وعن الرغبات الجنسية اللي بتجيلي وازاي أتعامل معاها، وعن خيالاتي الجنسية. وأنا كنت وقتها خايفة إنها تكون متعلقة أو مرتبطة بالعنف الجنسي اللي حصلي في طفولتي. وفاكرة إن نوال وقتها كانت عظيمة معايا".
تجلى التواطؤ المجتمعي ثانيةً في تجربتها الشخصية مع العنف الجنسي في مرحلة الجامعة، عندما قررت بشكل واعٍ عدم التعامل مع الشخص الذي كان يعتدي عليها في طفولتها. وقررت عدم الذهاب للمناسبات والتجمعات العائلية التي يتواجد فيها. واضطرت للبوح لوالدها بما حصل في طفولتها، الشيء الذي سبب أزمة اجتماعية كبيرة في العائلة: "في بداية دخلولي الجامعة، أنا كان التعب والاهتمام بموضوع العنف الجنسي اللي حصلي كان عالي قوي وقتها، وكنت بروح لأخصائية نفسية وقتها من ورا أهلي. معرفش ازاي جاتلي الفكرة، بس أنا جبت دليل التلفون وجبت نمرة أخصائية نفسية، وفاكره إنه وقتها كان فيه مركز لدعم ضحايا العنف. أنا كنت بدأت أبقى غير متقبلة تماماً إني أتعامل مع الشخص ده، خاصة إنه جزء من العيلة. وكل ما بيبقى فيه مناسبة عائلية بتشوفيه وتضطري تتعاملي معاه. وبدأت أرفض أروح لكثير من المناسبات العائلية اللي بيكون فيها هذا الشخص. وفاكرة وقتها إن الأخصائية النفسية لما كلمتها عن الموضوع ده، قالتلي إنه لو إنتي مش قادرة تواجهيه أو تكلميه أو تاخدي حقك فلازم ما تتعامليش معاه مرة ثانية. وما ينفعش تتعاملي معاه عادي وبأريحية جداً لأن ده بيضايقك وبيحسسك بتكرار الأذى اللي اتعرضتيله، فابعدي خالص. فخدت قرار إني مش هحضر مناسبات عائلية فيها هذا الشخص. وأبويا ضغظ وشك إنه ليه بعمل كده. فرحت قايلاله وكانت حاجة من أصعب الحاجات اللي مريت بيها في حياتي. كان عندي وقتها 17 أو 18 سنة، أبويا ثار ثورة شديدة جداً عشان ليه مقلتلوش زمان لما سألني، وحاولت أشرحله إنه الطفل مش بالضرورة نحاسبه إنه قال أو مقالش. أبويا دخل في صدمة كبيرة متعلقة بإحساسه بالخيانة من قبل عائلته، خاصة إخواته لأنه حاسس إن أولاده أيتام، مامتهم ميته ومساحة الأمان دي -اللي هي المفروض عيلته- بقت مش مساحة آمنة، وقرر يواجههم [...] الصادم وقتها إنه عماتي، وجزء كبير من العيلة بما فيهم قرايبي اللي كانوا عارفين واحنا صغيرين واتشاركنا التجربة، كانوا ضدي جداً أنا وبابا. والعيلة انقسمت انقسام شديد حوالين الموقف، إنه ممكن يكون الكلام ده كذب. و حتى لو الموضوع حصل فهو حصل من 10 سنين فهي ليه إيناس بتفتحه دلوقتي؟ وحاجات منحطة جداً من قبيل إن البنت دي متحررة جنسياً، وغالباً مش عذراء وبتعمل كده عشان تداري على مشكلتها، وإنه أنا وأبويا شيوعيين فمعندناش مبادئ اجتماعية والحلال والحرام وانتوا بتعملوا فضيحة. حتى من قبل قرايبي اللي اتعرضوا لده، وكنا بنشارك بعض ازاي نحمي نفسنا من الرجل ده، كانوا ضدي بشكل غريب جداً. لأنهم شايفين إن الموضوع قديم والراجل بقى عجوز فليه نعمل المشكلة دي. وانقسمت العيلة جزء معايا أنا وأبويا وجزء ضدنا ومرينا بوقت عصيب. وأنا كبرت وصاحبت واتجوزت، بس فضل الوجع من التواطؤ الاجتماعي. يعني أنا لما بشوف الراجل ده في حياتي الاجتماعية، هو في حد ذاته ما بيشكليش تهديد، هو كبر جداً وبقى ضعيف جداً. بس اللي بيشكلي تهديد نفسي جداً، هو إحساسي بالأقارب التانيين وهما بيتعاملوا معايا وكأن مفيش حاجة بتحصل. وقعدت في صراعات نفسية واجتماعية جامدة، وحتى مع جوزي وطبعاً هو عارف. ده كان على مستوى الوعي بفكرة تواطؤ المجتمع حتى على حساب مصلحتك الشخصية وحقك إنتي المباشر أو حتى حق أولادك. يعني أنا كأم من مصلحتي إن الشخص ده ميبقاش موجود في محيط العيلة، وإنه أحسن يروح يتعالج أو أي حاجة بدل ما أنا طول الوقت ببقى شايلة هم ازاي أحمي ولادي منه، فكان التواطؤ ده شيء صعب جداً".
وتحكي سلوى وهي ناشطة نسوية في منتصف العشرينات، وعضوة ناشطة في أحد الأحزاب اليسارية -أنها قبل الانخراط في العمل السياسي والنسوي لم تتعرض بشكل شخصي لحوادث عنف، ولم يمارس ضدها تمييز أو تقييد للحركة بسبب نشأتها وسط عائلة منفتحة. ولكنها حكت عن اللحظة التي أدركت بشكل واعٍ فيها قضية العنف ضد النساء، وتقييد حرية الحركة عند رغبتها بالنزول والمشاركة في أحداث الثورة 2011 بسبب خوفها من التعرض للعنف والتحرش الذي كان يحدث للمتظاهرات: "أنا كنت بدرس سياسة ومهتمة بالسياسة بس عمري ما كنت أعرف منافذ أنخرط فيها. لما حصلوا ال18 يوم من يوم 25 كان نفسي أنزل بس ما كنتش حاسة إنها حتكون حاجة كبيرة، ولما كنت أقول لماما حنزل المظاهرات وتقولي مش عايزين هبل كنت بسكت. بس يوم 28 حسيت إن في حاجة كبيرة بتحصل وأنا نفسي بتغيير، ويكون ليا علاقة بالسياسة وكده [...] مكنتش عارفة أنزل إزاي وخايفة بالذات إني مكنتش أعرف أي حد. وده كان سبب إحساسي بالإحباط إني جايبه آخر الخناقة مع أهلي عشان أنزل، وفي نفس الوقت كنت خايفه ومش عارفه أنزل ازاي. وأدركت المخاوف المتعلقة بإني بنت عشان كنت خايفة من العنف والتعرض للتحرش. فبقى واضح في مخي المعوقات الداخلية والخارجية اللي تمنعني أشارك في ده عشان أنا بنت. ولو كانوا قالولي إنزلي كنت مش متأكدة حعمل إيه. أدركت إني مهما كانت الخناقة لو كنت ولد كنت فتحت باب الشقة ونزلت. بس كنت مدركة إني مقيدة في حرية الحركة لأني بنت حتى جوا دماغي، لواتعرضت للتحرش أو اتصبت كنت حعمل ايه؟!"
وليس إدراكها لذلك التمييز الواضح فقط هو ما عزز اختياراتها، ولكن أيضاً تعرضها شخصياً للتحرش بعد خوضها معارك شخصية مع عائلتها وإصرارها على الانخراط في الحراك الاجتماعي والسياسي، ومشاركتها في المسيرات والفعاليات آنذاك: "وبعدين وعيي زاد مع استمرار خناقتي مع أهلي بزيادة نشاطي ورغبتي الانضمام لحزب سياسي. بدأت أعرف ناس وأنشط أكتر، وبقيت بمشي في الشارع لساعات في المسيرات والمليونيات. وده بداية تعرضي لتحرش جسدي لأول مرة، أما قبل كده كنت بتعرض لتحرش لفظي [...] كانت مليونية كبيرة وكان معايا خالي وناس من الحزب، بس واحد فضل لازق ورايا ماسك طيزي ما لا يقل عن ساعة. حاولت في الأول أنكر إنه ممكن مش عارف يحط إيده فين من الزحمه، بعدين أدركت إنه لأ ده بيحصل فعلاً ؤ[...] بعدها حصلي تحرش بس دي المرة الفارقة. وقتها كنت بعرق قوي قوي وروحت عيطت جامد قوي. وساعتها كنت واعية إنه بيحصل تحرشات في المظاهرات، والمنظمات كانت بتقول ده بس معرفش ليه كنت ساكتة. وحسيت بالخذلان جداً جداً إني معملتش حاجة [...] التعرض لتحرشات جسدية والواقعة دي وغيرها، بعدين فرقت معايا إني أحس إن كوننا بنات بنتعرض لحاجات مختلفة زي دي. واعتبر نفسي محصليش حاجة مقارنة ببنات كتير، خاصة إني شايفة نفسي عندي امتيازات وقوية وما بخافش وما بسكتش ومبتكسفش، وأهلي متحرريين وحيتقبلوا لو قلت إني تعرضت لتحرش، بس وقتها معرفش ليه متكلمتش؟!"
على عكس ظروف نشأة سمية المتحررة، فإن سهى وهي ناشطة نسوية مستقلة في منتصف العشرينات، تعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني، نشأت في جو عائلي محافظ ومتشدد جداً من محافظة أخرى من شمال مصر. حيث عانت من التحكمات العائلية، من تقييد لحركتها وطريقة لبسها واختيارها لكليتها وحرمانها من السفر للقاهرة ومن المشاركة في الكثير من الأنشطة أثناء فترة الجامعة لتحسين قدراتها وفرصها في الحياة. فكانت القراءة والكتابة متنفسها الوحيد للتعبير عن ذاتها. وفي سن التاسعة عشر، ألفت رواية أدبية تتمحور حول خمس فتيات مختلفات وتفاعلهن مع المجتمع: "الحاجة اللي كنت أقدر أعملها إني أقرأ كتير، واتجاهي للكتابة مش حباً في الكتابة بس أنا كنت بقرى كتير والقراية بتولد كتابة. خاصة إن فيه حاجات كتير بتبقي عايزة تقوليها ومش عارفة تقوليها فين وازاي. خاصةً إن مش مسموحلك تحضري أي حاجة ومش مسموحلك تخرجي من البيت، فمن هنا بدأت أكتب. وكتبت الرواية دي وقبل كده كنت بكتب مذكراتي الخاصة [...] أنا قررت إن أنا عايزة أكتب رواية بتوضح حياة خمس بنات، وهما كلهم فيهم مني يعني هما شخصيات مختلفة وكل واحدة فيها مني حاجة، وكل موقف حصل مش شرط حصل معايا بس ممكن حصل قدامي. واللي ألهمي إني أكتب الرواية، إني حسيت إن مافيش حاجة بتخاطب الستات أو بتعبر عنهم في الحاجات اللي كنت بقراها. ويمكن كمان إن أنا ما كنتش أعرف وقتها المجتمع المدني، وماكانش فيه أي وسيلة إني آجي القاهرة وقتها وأتعرض لخبرات مختلفة. فماكانش فيه أي وسيلة إني أعبر عن أن فيه شيء ما أنا عايزة أقوله وأعبر عنه وأنا مش عارفه أقوله إزاي. فكانت الكتابة هي طريقتي الوحيدة للتعبير عن نفسي".
ولم تلق الدعم من والديها لنشر الرواية بحجة أن الرواية فاضحة وغير لائقة أخلاقياً: "الرواية فيها تفاصيل بالنسبة لي عادية، بس فيها وصف صريح لأجسام البنات. فانتي لما تقريها تقدري تتخيلي الشخصيات والمواقف. بس بابا لما قراها قالي إنه حس إنه كان بيقرأ رواية فاضحة. خاصةً إنه شخص محافظ جداً وبيدرس في معهد إعداد الدعاة وخطيب. أما ماما لما قرأتها قعدت تعيط عشان مش مصدقة إن بنتها تكتب الحاجات القبيحة دي. وكانت بتاخد كتب إحسان عبد القدوس وترميها في الشارع. بس بابا انبهر بالأسلوب الأدبي، ووافق يسلفني رسوم نشر الرواية على شرط أغير فيها حاجات عشان مش عايز يتحمل وزر نشر حاجة زي دي. وبالفعل اشتغلت معاه في الصيدلية مقابل انه يدفعلي فلوس النشر [...] وكان بيخليني اشتغل أشغال مهينة إني أرتب الأدوية وأمسح الأرض مع إني بدرس صيدلة، كعقاب لي على نشر الرواية". وبسبب نشر روايتها وفوزها بجائزة أدبية، تم اختيارها من قبل منظمة نسوية للمشاركة في أحد أنشطتها. الشيء الذي أدى بها إلى التعرف أكثر على النسوية. حتى على صعيد اختيار الكلية التي ترغب الالتحاق بها، تم إجبارها على الدراسة في أحد المحافظات القريبة من محافظتها، وعدم موافقة الأهل لها أن تلتحق بجامعة القاهرة. فأدى هذا التحكم في حركتها واختياراتها إلى تشكل وعيها، ورغبتها في الاستقلال والعمل على قضية الحق في الحركة والاستقلال للنساء، والمشاكل التي تواجههن. ولكنها تحكي أيضاً عن تعرضها لموقف ضرب وتحرش عنيف في أحد المواصلات العامة، وكان هذا الموقف بالنسبة لها كالقشة التي قصمت ظهر البعير. إذ قررت بعدها أن تمارس ما تؤمن به دون أن تضع اعتبارات لأحد أو على حد تعبيرها "اللحظة اللي مبقاش فارق معايا حاجة" فتحكي: "أنا كنت في علاقة استمرت 6 سنين واتخطبنا، وكان بيضغط عليا مقلعش الحجاب عشان أبوه ما يفركش الجوازة. بس في لحظة قلعت الحجاب، لما اتضربت في الشارع. كنت راكبة أوتوبيس أيام ما كنت بركب مواصلات عامة، وكان في ولدين وبنت بيقولوا عليا كلام زي الخرا في الأوتوبيس. وأنا نازلة دلقت عليه العصير اللي كان معايا. فضربني بالقلم وأنا ضربته، وقعدنا نضرب بعض ضرب مبرح، وإداني شلوت وطيرني عند السواق أصلاً. والطرحة وقعت في النص، والناس في الأوتوبيس كانوا عايزني أخرج عشان السواق يمشي. وبعدين لما خرجت، الناس في الشارع في عابدين قرروا يكملوا التحرش بيا، وإيه ده إنتي كويسة؟ تعالي البيت نخليكي تبقي كويسة. بعد كل ده قررت أنه كس أم الحجاب. أنا أصلاً كنت عايزه أقلعه من زمان ومش حاساه متماشي معايا، فلما اتقلع في الموقف ده قررت إني ملبسوش تاني. فخطيبي كان مستاء جداً من قلعي للحجاب. بعد كده دخلنا في مشاكل كتير وسبنا بعض. بعد ما سبته حسيت إنه ده كان شيء بخاف عليه، وبعمله حساب لدرجة إنه كان ساعات بيعلقلي على هدومي، وأنا كنت بعد خناقات بستجيب. فبعد كده مبقاش فارق معايا حاجة. حزنت عليه شوية ورميت طوبة أي حاجة في حياتي".
وتحكي أماني وهي ناشطة نسوية ومدافعة عن حقوق الإنسان في منتصف الثلاثينات، وتعمل في منظمة نسوية -أنه من أهم أسباب اهتمامها بالنسوية هي تجارب عنف تعرضت لها شقيقتيها الأكبر منها، وصدمتها من طريقة تعامل الأسرة والمجتمع مع هذا العنف. حيث أن تلك المواقف جعلتها تدرك أن ثمة أمر ما وأسئلة تحتاج لإجابات: "أختي كانت متجوزة دكتور زميلها، وكان بيعنفها، ولقيت رد فعل أهلي إنه لازم تستحملي أكيد هي بتقول حاجات بتضايقه، ماهي أكيد بتجرحه، الست الشاطرة هي اللي تعرف تحافظ على جوزها وتسيطرعلى مشاعره. ده كان بالنسبالي مش منطقي ومابفهموش. فخلاني ده أحس إن فيه حاجة غلط. وبعدين أختي اللي أصغر منها كانت برضو في جوازة مش كويسة، وكانت عايزة تتطلق. وأخدت بالي إزاي كانوا بيقوموا بالمساومة وهما بيحاولوا يبروا الراجل من التزاماته، عشان يتطلقوا وإنه لازم بابا يتدخل في الموضوع وإنه هاتيلي راجل أكلمه. الحاجات دي خلتني بشكل واعي أدرك إن في حاجة غلط جدا". هذا بالإضافة إلى تعرضها لحوادث تحرش أثناء طفولتها ومراهقتها، وكيفية تعامل الأسرة مع تلك الحوادث. الشيء الذي أدى إلى إدراكها بشكل واعٍ لاختياراتها لدعم أخواتها ضد العنف الأسري والمجتمعي. وكان هذا هو السبب في سعيها للتخصص في مجال النسوية لاحقاً في الجامعة، وتوجهها للقراءات النسوية التي فتّحت عينيها على تلك المفاهيم، وأن هذا هو ما تريد أن تنتهجه: "حاجات قبلها من وأنا صغيرة كانت بتفتح عنيا لحاجات. منهم موقف تحرش حصلي وأنا عندي 11 سنة. كنا لسا ناقلين في بيتنا الجديد ونزلت أشتري حاجات للبيت. ولسا فاكرة بشكل واضح قوي، لما لقيت عربية بيضا شيفروليه نص نقل العادية دي، وراجل بيوقفني وبيسألني على مكان الصيدلية فين، وأنا بكل براءة بحاول أشرحله العنوان، وهو فجأه قعد يشرحلي قصة مكنتش فاهماها إنه عنده مشكلة صحية، وفجأه لقيته بيطلع من بنطلونه حاجة أنا مش عارفه هيا إيه، فببص كده فمفهمتش وفجأه قلبي دق بسرعة وحسيت إنه فيه حاجة غلط. وهو حاول يشدني جوا العربية وأنا بعدت وقلتله بحزم إن فيه صيدلية في نص الشارع ولا شكراً ومشيت. ولما روحت وطلعت بحكي لماما بكل براءة، لقيت رد فعلها كان عنيف جداً، وماكانتش مصدقاني وأخدتني على الحمام، وقلعتني هدومي كلها وحمتني ومسكت الكلوت بتاعي، وقعدت بتدقق فيه قوي وكانت بتشمشم فيه. أنا بالنسبة لي المنظر كان غريب قوي وصادم [...] وبعديها كان في وقائع تحرش كتير جداً سواء من الكوافير أو وأنا بتعلم سواقة. الراجل قرر يمسك صدري وأنا بتعلم إزاي أرجع لورا بالعربية، ويعمل فيه مساج. وأنا من كتر ما أنا مركزة في السواقة ما كنتش مستوعبة، بس بحكم تربيتي إنه لازم الكلام بأدب وصوت واطي وما ينفعش تعلي صوتك على راجل قلتله أنا تعبانة وعايزة أروح. ولقيتهم تاني يوم باعتين حد تاني، وأنا كنت شايله هم مواجهته تاني، وهعمل إيه؟ فتقريباً هو خاف وقالهم مش عايز يكمل معايا [...] وأنا لما كنت في الجامعة أخذت كورس ليه علاقة بأدبيات النساء. فكنت بقرأ حاجات لنوال السعداوي. أول كتاب قريته كان حاجة عن الجنس والجسد، وتجربتها أول ما دخلت كلية الطب. ودا كان نقطة التحول بجد، وقررت إن أنا عايزة أدرس في الموضوع ده عشان أعرف فيه إيه. فقررت أعمل ماجستير. لقيت إن في حاجة اسمها ماجستير في الجندر ودراسات المرأة، وقررت إن أنا أسافر [...] وبعدين لما قررت أعمل الرسالة عن الخلع، وده تأثراً باللي حصل مع اخواتي، اتصدمت بفكرة لما عملت مقابلات مع برلمانيين وناس من مراكز نسوية وأعضاء في لجنة صياغة قانون الخلع. اكتشفت إن الموضوع متعملش عشان يدوا الستات حقهم في الطلاق للضرر. بس ده إتعمل عشان يحلوا مشكلة تكدس قضايا الطلاق في المحاكم، وده كان صفعة تانية في وشي. وعملت مقابلات مع سيدتين من طبقات متواضعة، إزاي كان يتم تعنيفهم رغم إنهم بيعملوا كل حاجه للبيت، وكمية الضرب والإهانة اللي كانت بتحصلهم، حسيت بفداحة المشكلة اكبر".
وتحكي سناء وهي فتاة مستقلة في أواخر العشرينات، تعمل في إحدى المنظمات النسوية -أن إدراكها للتمييز الذي تتعرض له النساء من قبل الأهل والمجتمع عزز من رغبتها في التحرر من التمييز الذي كان يمارس ضدها أو ما تلمسه في المجتمع. وأن تكون مالكة قرارها وهو ما دفعها لأن تصبح نسوية: "اللحظة اللي حسيت فيها بشكل واعي إني نسوية جت وأنا كبيرة، لما وقفت قصاد مامتي لما اتقدملي حد وانا ما كنتش موافقه وكنت متضايقة منه جداً. وماما كانت شايفه إنه حد كويس جداً، وكانت جابراني طول الوقت إني أتكلم معاه وأتعرف عليه. ولما خرجنا نشتري الشبكة، أنا قلتلها أنا مش عايزاه يعني مش عايزاه. فأنا حسيت ساعتها إن أنا باخد موقف واللي يحصل يحصل. ووقتها قعدنا فترة ما بنتكلمش لأني وقتها أحرجت ماما وبابا واتخانقنا خناقة عظيمة. وقتها حسيت إن ده كان أكبر موقف أنا وقفت فيه. وحسيت إن بجد أنا ليا حق أختار الشريك اللي حكمل معاه حياتي، ومش إنتي اللي هتختاريه حتى لو اختياراتي ممكن تكون ساعات غلط بس ده حقي [...] مصطلح نسوية نفسه عرفته من شغلي في منظمة نسوية. وقتها حسيت إن ده هو الموقف الواعي اللي عملته عشان أدافع عن حقي".
وتحكي عن أنواع التمييز المختلفة التي تتعرض لها النساء، سواء في المنزل من تحكم في حرية الحركة والسفر واختيار الشريك، أو في المجتمع وازدواجيته والتمييز ضد النساء في مجال العمل. كل هذه الأشكال من التمييز كانت تشكل لديها تساؤلات، ووجدت لها إجابات من خلال وعيها النسوي الذي تشكل لاحقاً: "إحنا مهضوم حقنا في كل الأماكن والهيئات، والرجالة بتقرر إنهم يحصرونا في حتت معينة. ليه هم بيتعلموا ويوصلوا لمناصب وياخدوا حقهم وإحنا لا؟ [...] أيوه فهمت من خلال وعيي النسوي إن الرجالة بتعمل كده عشان إحنا في مجتمع ذكوري. عشان هما دايماً شايفين إنهم أصحاب السلطة والمال. هما مثلاً شايفين إن إحنا ما منقدرش نفتح بيت ونصرف على نفسنا". وعزز هذا الإدراك عندها الرغبة في الاستقلال عن عائلتها، والدفاع عن حقوقها في العديد من اللحظات التي تجلى فيها وعيها النسوي كما تحكي:"فهي لحظات متفرقة حسيت فيها بشكل واعي إني نسوية، لحظة العريس ولحظة من 3 سنين لما قررت أتخانق مع أهلي خناقة إني أخرج وأدخل متأخرة، وإن أنا سبت بيت أهلي ووقفت قصاد أمي وأبويا إن أنا عايزه أستقل بنفسي ونقلت في شقتنا القديمة واستقليت فيها. ودلوقتي أنا عايشة لوحدي وبروح أزورهم في الويك إند. وده جزء من الحاجات اللي اكتسبتها من شغلي، إن أنا مسؤولة عن نفسي وإني أكمل اختياراتي [...] حسيت كده إن أنا قادرة أعمل زي الولاد إني أخرج وأدخل براحتي وأستقل بحياتي. وإن حياتي الشخصية بتاعتي وإن أنا بحكيلك دلوقتي براحتي مش إنها حاجة مفروضة عليا. وإن اللبس اللي بلبسه، وكل حاجه بعملها براحتي وقراري. وده اللي اتعلمته من النسوية ودي حريتي وأنا حرة فيها وده جسمي وأنا حرة فيه محدش يشاركني فيه أو يفرض عليا حاجة".
وتحكي رنا وهي ناشطة نسوية، تعمل منسقة في إحدى المنظمات النسوية -أنه بالرغم من نشأتها في جو عائلي منفتح لم تشعر فيه بالتمييز أو الظلم، إلا أن صدمتها كانت عند احتكاكها بالعالم الخارجي، وأن أحلامها بتقلد مناصب هامة في مجال العمل الذي تحبه تكاد تكون معدومة بسبب المجتمع الذكوري الذي يفضل تقلد الرجال لتلك المناصب، وحصر النساء في وظائف وأدوار ثانوية بالإضافة إلى الوصم والتمييز ضد النساء الذي لمسته في مجال عملها. مما دفعها في نهاية المطاف لترك أحلامها، والبحث عن عمل في مجالات تعنى بقضايا النساء وحقوق الإنسان عموماً: "كان عندي حلم إني أبقى أول واحده مصرية أكون مديرعام لسلسلة فنادق عالمية. وما كانش فيه سكة خالص واتقالي صراحة إني بحلم. لما ابتديت أخرج للدنيا مكنتش فاهمة إنه ليه الستات بيتحط عليها قواعد معينة. خاصةً إن أبويا كان بيخش في نقاشات مع العيلة إنه ليه نفرق بين الولد والبنت. وأمي بتتعامل معانا إن احنا كنز حياتها وتستثمر فينا جداً، ورفضت إن احنا نتختن وإن قيمتنا من شغلنا وحياتنا مش من إن احنا نتجوز. وبعد ما خرجت في الحياة، إكتشفت إن الوضع مختلف. وكنت بحاول أعمل نوع من التنازلات بين اللي جوا واللي برا بس عارفة إن اللي اتربيت عليه هو الصح [...] اشتغلت في السياحة لمدة 7 سنين، ودايماً كان في كل الأماكن اللي اشتغلت فيها، فكرة إن أنا كست يا إما إن شكلي حلو أو صوتي حلو أتعامل بيه مع الضيوف، ودي المفروض آخر طموحي ومفكرش في أكتر من كده، وممكن يجيبوا رجالة أصغر وأقل خبرة ومؤهلات يتولوا مناصب أعلى مني. ولما كنت بخش في نقاشات في ده يقولولي مينفعش تاخدي مناوبات ليلية حتى لو أنا معنديش مانع، بس يقولولي القانون بيمنع ده وسمعتك ومش سمعتك [...] كان معانا زميل ما بيعرفش يتكلم إنجليزي خالص، وادوله موقع مشرف عليا عشان هو يقدر يقعد في المناوبة الليلية. وخاصة إنهم في الفندق عندهم نظرة إن البنت اللي ممكن تقعد بالليل ما عندهاش مانع تعمل علاقات جنسية مع الناس في الفندق. ودي كانت نظرتهم مثلاً للبنات اللي بتشتغل في الكازينو وإنهم رخاص وعاهرات وسهلات [...] في الأخير سبت الشغل لأني اتصدمت بفكرة إن إنتي حتفضلي في مكانك ومش حتتطوري خالص. واللي صدمني واحد مديرعام قالي شايفة نفسك فين بعد خمس سنين؟ قلتله مكانك، قالي keep dreamingوإنه مستحيل يحصل عشان تبقي عارفة. فحسيت إن أنا حستنزف طاقة ووقت ومجهودK وشفت أمثلة كتير لستات بترضى بالأمر الواقع رغم كفاءتها وقدرتها، إلا أنها بينتهي بها الأمر لما تتقاعد على رواتب متواضعه جداً [...] في وقت من الأوقات كنت ناقمة على أبويا وأمي وكنت في حالة إحباط، كنتوا طلعتونا جهلة، كنتوا جوزتونا. بفكر إن أبويا وأمي ربونا غلط. كان مفروض نطلع ستات بيوت وليه كل وجع القلب ده وحسيت إن أنا بنحت في الصخر [...] كل الحاجات دي كانت مبهمة بالنسبة لي لحد ما اشتغلت في منظمة نسوية. ساعتها لما أسمع حكايات الناس والناس بتتصرف ازاي، أدركت إن ده نسوية وأدركت إن أبويا وأمي ربونا بشكل نسوي من دون مايكونوا مدركين لده بشكل واعي. بعد إدراكي لمفهوم النسوية مبقاش عندي سؤال: هو ده اللي أنا بعمله صح وإلا غلط؟ وابتدى الانطباع ده يتنقل لاخواتي إن في حاجة إسمها نسوية وإن احنا كستات من حقنا حاجات كتير".
كما أن رشا وهي تعمل في إحدى المنظمات النسوية تشارك رنا نفس ظروف النشأة والصدمة من العالم الخارجي. فرغم نشأتها في بيئة متحررة وجو من المساواة بينها وبين أخيها، إلا أن الصدمة كانت في التناقض والتمييز الذي يتم على النساء في العالم الخارجي. بالإضافة إلى حادثة تحرش من الطفولة كانت الأولى بالنسبة لها. هذه المواقف تظل بصمة في الذاكرة تسترجعها هؤلاء النسويات فتعزز اختياراتهن الواعية فيما بعد: "لما خرجت واترميت في الحياة أو العالم الخارجي، بقيت بتخض إن الحاجات بتتعمل بطريقة مختلفة عن اللي اتعودت أو إتربيت عليها. وكنت بتخض ليه البنات بتعمل الحاجات من ورا أهلهم بينما الولاد بيعملوا الحاجات في العلن. عشان البنات بتخاف من عقبات ده إنهم ينضربوا أو يتمنعوا من الخروج. ومكنتش بفهم وكنت بتناقش مع أهلي، وكانوا بيقولولي مش كل الناس زي بعضها. وما تحاوليش تلعبي في دماغ الناس. وكنت بحاول أقنع صديقاتي إنهم يحاولوا يكلموا أهاليهم. وإن ده حقهم فكان ردة فعلهم إنه في ناس كانت بتسبني، وفيه اللي بيحكي لأهله وأهاليهم كانوا بيقولولهم إني واحده قليلة الادب [...] بس لما اشتغلت في منظمة نسوية لقيت نفسي في المكان ده، وكتير من أصدقائي بيقولولي هوا ده لايق عليكي وحسيت من جوايا إني أنا. عارفة لما تحسي إنك بتدوري على حاجة ضايعة منك. فأنا لقيت نفسي في ده. رغم إن شغلي إداري، إلا إنك بتبقي عارفة إن اللي بتعمليه وراه هدف أسمى".
وتحكي داليا وهي ناشطة نسوية ومنخرطة في العمل الحقوقي والسياسي -أنها لم تلمس التمييز بشكل واضح في محيط أسرتها، ولكنها أدركته بشكل واضح من خلال عملها في المجال العام وانخراطها في النشاط السياسي والحقوقي من سن مبكرة. حيث انخرطت في العمل على قضايا حقوق النساء العاملات. وأدركت التمييز المجتمعي والقانوني الذي تتعرض له النساء العاملات، خاصة من الطبقات دون المتوسطة وأن ما تتعرض له النساء هو تمييز على أساس كونهن نساء، وأن المنظور الحقوقي بشكل مجرد يعتبر محدود وضيق للتعامل مع التمييز والعنف الذي يحدث للنساء على أساس نوعهن الاجتماعي، وأن النسوية هي النهج الأنسب للتعامل مع هذه القضايا: "التمييز بين الولد وبنت ما كانش باين قوي عشان أمي single mother وأخويا ما كانش عنده حالة الحماية قوي. بس كانت بتلمس في السفر والسهر ولمي رجلك، عشان كده أنا لغاية دلوقتي بتعمد أقعد قعدة زي ما بيقولوا عليها Man-spreading كده عند. بس ما كانش فيه فكرة إعملي لأخوكي [...] وأنا كنت عيلة رخمة ما كنتش بسمح إنه يمارس ضدي تمييز. وكنت ببات في مقرالحزب وأسهر معاهم رغم إني عارفة تبعات ده، إني حتفشخ في البيت من أمي أو أتخطف في الشارع. بس أنا كان دايماً هدفي إني أهم حاجة أبقى موجودة أهم من الخطر [...] بعد الثورة، ابتديت أدرك وأتعلم يعني إيه عمل حقوقي، حتى لما كنت بشتبك مع حقوق النساء كنت بشوفها من منظور حقوقي مش نسوي. كنت دايماً بفكر من منظور حقوقي، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كنت في حتة تانية في الحتة الحقوقية. وده في رأيي الآن إنها نظرة سطحية وبعيدة عن الحقيقة. بس بعدين فهمت الفرق بين المنظور الحقوقي والنسوي. وابتديت أفهم يعني إيه ست عاملة وبتشيل أعباء مزدوجة من العمل داخل وخارج البيت. وسمعت العاملات وهما بيحكوا عن إجازات الوضع وإستمارة 6 والفصل التعسفي. أغلبهن تم فصلهن لمجرد إنهن حملوا وخلفوا. والاستمارة دي بيمضوا عليها مع العقد. في القطاع الخاص وفي القطاع العام في الفصل التعسفي. حسيت إن في حاجة غلط ومختلفة عن مفهوم حقوق الستات بشكل مجرد". كما تحكي عن تجارب تعرضها للعنف الجسدي والضرب عند مشاركتها في المظاهرات أثناء الثورة، وعن إدراكها أن استهدافها كان بسبب كونها امرأة: "ضربي كان فيه سحل ورمي بطوب - حد بيجبني ويضربني - وإن أنا لما بتضرب ألاقيهم بيقولولي يا شرموطة يا وسخة. فأنا أدركت إني بتضرب عشان أنا ست". وبسبب تعرضها للضرب، وثقت معها إحدى المنظمات النسوية تجربتها، وانخرطت معها فيما بعد في عدة أنشطة وتعرفت أكثر على النسوية: "ساعتها في التجربة دي فهمت يعني إيه أشوف بعدسة جندرية ونسوية".
أما آمال وهي ناشطة نسوية في أوائل العشرينات من محافظة جنوبية، وفاعلة في إحدى المبادرات النسوية الشابة التي شاركت في تأسيسها بعد الثورة. فتحكي أن إدراكها للتمييز الذي يحدث للفتيات كان من سن مبكرة: "إحنا 3 بنات وبعدين ولد. أشد محك بالنسبة لي ولادة أخويا اللي أصغر مني ب6 سنين. كان عندي 6 سنين، بس كنت مدركة إشكالية وجود ولد في البيت. وأدركت الامتيازات اللي كان بياخدها وأنا ما بخدهاش. وإن أول عجلة ركبتها كانت بتاعة أخويا، عشان أنا مش مفروض تكون معايا واحدة عشان أنا بنت. تساؤلات ما كنتش بعرفلها إجابات. بس كنت باخد العجلة من وراهم وألعب بيها. مكنتش فاهمة ده، خاصة إن إحنا اتربينا كاخوات بشكل عادل. بس أخويا أخد امتيازات إحنا ما خدنهاش [...] وكمان إني معرفتش أبقى فنانة زي ما كنت عايزة، عشان ما كانش عندنا فنون جميلة في محافظتنا وبابا مرضيش أدرس في القاهرة، ولا حتى محافظة قريبة عشان مافيش دراسة برا للبنات مع إن أخويا بيدرس في الاسكندرية".
وتشاركها الرأي أختها التي تكبرها "سمية" وهي ناشطة نسوية وتعمل في نفس المبادرة، وتتذكر بعض المواقف التي شعرت فيها بالظلم والتمييز: "من إعدادي بدأ التحكم في طريقة اللبس رغم إني كنت بلبس شورت لغاية إعدادي عشان ماما من محافظة أكثر تفتحاً. بس بعدها ابتديت أخش في خناقات اللبس حتى مع المجتمع الخارجي. وخناقة إن زملائي الولاد يجولنا البيت وإن بابا كانت تفرق عنده المسميات منقولش صاحبي هو زميلي في المدرسة". كما تحكي الأختان تجربتهما مع الختان وذاكرتهن الضبابية حول تلك الحادثة؛ بسبب صغر سنهن آنذاك وعدم إدراكهن وقتها أنه نوع من أنواع العنف. ولكنها من التجارب التي أثارت التساؤلات لاحقاً وعززت من اختياراتهن في الانخراط في النشاط النسوي والدفاع عن حقوق النساء. فتحكي سمية أن الختان السوداني يكثر في محافظتهن: "لدرجة أنه بيتم المزايدة بين البنات عن مين عمل نوع ختان إيه. بس دلوقتي فيه وعي أن السوداني أسوأ لأنه بيخلي البنت باردة جنسياً أكتر من الختان التاني. إحنا ماما ختنتنا عند دكتور، وجدتي ما كانتش معترفة بالختان ده وكانت عايزة نتختن في البلد ختان نضيف".
وفي محاولتها للتذكر تحكي آمال: "كان عندي 6 او 7 سنين وفاكرة يوم الختان كويس جداً إني عملت دوشة كبيرة في التاكسي وإحنا راجعين. كنت في أولى ابتدائي، ومكنتش فاهمة بس كان عندي حالة من الغضب شديدة؛ إني موجوعة فطالما أنا موجوعة وانتوا مش حاسيين بيا فقررت إن أنا أدوشهم وكنت بعيط بطريقة مستمرة". أما سمية واجهت صعوبة في تذكر تجربتها مع الختان: "أنا مش فاكرة رغم محاولاتي إني أفتكر. يمكن كنت أصغر بس الي أنا فاكراه إني كنت أنا وأختي اللي أكبر مني مع بعض. بس مش فاكره أي ذكريات، مش قادرة. وقتها ما كناش حاسين إن الموضوع فيه عنف أو تمييز، خاصة إن أخويا اتختن وإحنا شفنا ده، وماكناش حاسين إن الموضوع خاص بينا بس. وأنه كل الشارع بيعمل ده. كانت حالة عامة، كل الشارع بيتختن وبتبقى حفلة. محسيناش بأذى التفرقة بس حسينا بأذى الوجع. بس فيه حاجة كمان ما بقولهاش كتير بس بتتردد في دماغي. إن إحنا ما عندناش معلومات كافية عن جسمنا، لدرجة إني ساعات كده بفتكر إن أنا مش مختنة من كتر مانا مش فاكرة ولا عارفه شكله بيبقى عامل ازاي، والموضوع ده عاملي صداع في دماغي". لذلك تتفق الأختان أن إدراكهن لهذا التمييز والعنف دفعهن لخوض معارك كثيرة للحصول على حقوقهن في اختيار مجال الدراسة وحرية الحركة واختيار مجال العمل، وعزز إدراكهن أن السعي نحو الاستقلال المادي شيء بالغ الأهمية لتحقيق طموحاتهن. فتقول آمال: "خناقات السفر والخروج والدخول كانت بتتمحور حول الماديات. فأنا عشان كده مسبتش الشغل رغم إني مبحبوش؛ عشان أحصل على إستقلالية مادية". وتوافقها سمية: "أذكر إن فكرة الاستقلال المادي مفيدة في خناقات السفر وإنه بيفتح خيارات. ورغم كده فيه ناس بتبقى مستقلة مادياً بس ماعندهاش القدرة على خوض الخناق. ممكن معندهاش حد يساندها في ده أو معندهاش القدرة على الاعتماد على النفس. بس إحنا وصلنا لإدراك إن إحنا بنتخانق على حاجات هي من حقنا مش بناخد حاجة منهم، وده كان مريحنا في الخناقات بتاعتنا".
وتوافقهن فريدة وهي ناشطة شابة في أوائل العشرينات من إحدى المحافظات الشمالية، في أهمية الاستقلال المادي كخطوة هامة لمواجهة التمييز الذي يحدث لهن في محيط العائلة، ويمنحهن فرصة لممارسة قناعاتهن. فتحكي عن التجارب التي جعلتها تعيش حياة مزدوجة بسبب تحكم أهلها في لبسها والكلية التي التحقت بها وطبيعة العمل المناسب لها من وجهة نظرهم رغم عدم اقتناعها، بالإضافة إلى التمييز بينها وبين أخيها الذكر: "كنت عايزه أدرس حاجه ليها علاقة بالرسم والإعلانات، بس تربية رياض أطفال اللي جالي في التنسيق وماما ما كانتش عايزه أخرج بره محافظتي عشان خايفة عليا من المواصلات والطريق. بس أنا مبحبش أدرس للأطفال وممكن أدخل أدرس حاجة تانية يوماً ما [...] أنا استقليت مادياً عشان محدش يتحكم في حياتي وأول مرة أشتغل جرسونة في محافظتي كان صعب. أهلي كانوا موافقين على شغلة الحضانة بس الجرسون لا بس أنا اشتغلت سنتين. ومؤخراً كنت بشتغل محاسبة في مطعم كله رجالة. وهما فكرهم انهم كانوا بياخدوا قرارات في مكاني رغم إن شغلي قيادي ويتعدوا على صلاحياتي. ومره جرسون راجل رفض ياخد فلوسه ويوميته مني عشان أنا واحدة ست". إلا ان تجربتها في مواجهة حادثة تحرش طالت عدد من الطالبات في جامعتها مرتكبها أستاذ جامعي، وإحباطها من تعامل الإعلام غير المهني، وانتهاك خصوصية الفتيات والضغط على الطالبات من قبل ذويهن للتنازل عن القضية، كانت من المواقف التي تجلى فيه التواطؤ المجتمعي مع العنف ضد النساء. الأمر الذي دفعها للانخراط في العمل مع المجموعة النسوية الشابة التي تعرفت عليها أثناء تلك التجربة: "من 3 سنين وأنا في أولى كلية الموضوع ما كانش يخصني أصلاً. كنت بالليل لقيت على التلفزيون إسم الكلية بتاعتي وبيناقشوا قضية تحرش. فقلت ايه ده، ازاي ده حصل وأنا هناك ومعرفش. لقيتهم بيقولوا أسامي 40 طالبة دكتور إتحرش بيهم. كنت أعرف عنه سوابق في كليات تانية إنه متحرش. ولما اتكلمت مع البنات قالوا إن الدكتور كان بيطلب منهم يجوله الشقة وحاجات زي كده. وقتها أنا كنت منتمية للإخوان، وأنا لميت البنات اللي في الإخوان وأقنعتهم أنه لازم نقف مع البنات دي عشان أساميهم إتنشرت في الخبر وفي واحدة خطيبها سابها بسبب ده. فيه دكتورة مسيحية بتاعة الموسيقى اتبنت القضية دي. بس الاعلام المتخلف نشر أسماءهم وكانت البنات منهارات عشان نشروا أساميهم. وقررنا نعمل وقفه انه لازم الدكتور ده يمشي من الكلية، وعملنا مظاهرات كبيرة. في الأول العدد كان قليل قوي، بعدين اتحمسوا بشكل مش طبيعي بعد ما اتجمعنا. وقتها كان في مجموعة نسوية شابة كانوا جايين وجايبين التلفزيون يغطي الموضوع وأمن الكلية طردهم. بعدين الموضوع اتطور وإحنا طلعنالهم برا قدام الكلية عشان يصوروا مع الطالبات والدكاترة. بس اللي حصل إن من 41 طالبة مفيش غير واحدة اللي قدرت تعمل محضر وطلعت في التلفزيون، وقالت انه اتحرش بيها واداها رقم موبايله وقالها تجي الشقة بتاعته. والبنات التانيين خافوا وكمان ضغط من اهاليهم [...] إحنا كنا لسا مضربين، وكان مطلبنا إن الدكتور يتعاقب والعميدة تتحاسب إنه ازاي تعينه وهو عنده تاريخ تحرش، وكمان هي ماكانتش حد كويس. فطلعت التلفزيون تحرض علينا إن إحنا إخوان، وشهرت بعيلة واحدة من الدكاترة اللي وقفت معانا. وبعد ما الدكتور مشى إكتشفنا انه إشتغل في كلية تانية في نفس المحافظة. وفي نفس الوقت العميدة المفروض إتوقفت عن العمل بس رجعت تاني. ودي كانت نقطة تحول بالنسبة لي من ساعة ما اتعرفت على المجموعة النسوية دي وقررت أنضم ليها".
وتسترسل روان وهي من مؤسسات هذه المجموعة النسوية الشابة التي تأسست بعد الثورة في نفس المحافظة: "في اليوم اللي قبليه، إتكلمت مع بعض البنات اللي تم التحرش بيهم، وقلتلهم أجيب التلفزيون يغطي وتطلعوا تقولوا شهادتكم قالوا أوكي. ولما رحت وجبت قناة دريم، قالوا خلاص إحنا مفيش حد اتحرش بينا، أهالينا بيؤذونا واللي اتطلقت واللي اتفسخت خطوبها واحنا مش عايزين مشاكل". كما تحكي عن أن سبب انتماءها للفكر النسوي هو إدراكها أن ما تعانيه النساء في المجال الخاص والعام هو بسبب كونهن نساء: "بحسب نفسي على الفئة دي لإن الحروب اللي بخوضها في المجال الخاص، وكل يوم في الشارع وفي البيت وفي الحياة الزوجية وفي حياتي الخاصة، كلها حروب نابعة من كوني ست زائد اللي بنشوفه في الحياة العامة". و تحكي عن إدراكها لازدواجية المجتمع تجاه النساء والصورة النمطية المفروضة لأدوارهن، من خلال معاناتها في تقبل نموذج الأم القوية في البيت التي لا تشبه النماذج التقليدية من حولها. ثم وعيها أن الضغط المجتمعي الذي يفرض على النساء أن تكون في قالب/دور معين هو السبب في معاناتها تلك، خاصة أنها بدورها أصبحت امرأة قوية مثل أمها التي كانت تنقم عليها: "الموضوع بدأ معايا من أمي. كانت أمي قيادية وأنا كنت ضدها. في العيلة إحنا كنا نعتبر شواذ العيلة، وبابا ملقب بمعرص العيلة لأنه مركب قرون ليا ولأمي وأخويا وسايبنا براحتنا. رغم إن شباب العيلة بيحبوا بابا وأنا دايماً بحس إن أبويا قلبي وروحي وعقلي، وأخويا أنا أكبر منه بسنتين. كان عندي كره لشخصية أمي القوية دي. ماما طول الوقت برا، وكل اللي شاغلها مشاكلها إنها توصل لمنصب قيادي في شغلها. مكنتش حاسة بروح الأسرة اللي بحسه في بيت خالتي. وإن الأم تطبخ وتقعد في البيت. كنت بتخانق معاها وكنت أقلها متعمليش أم عليا". إلا أنها تعرضت لتجربة صادمة عندما اكتشفت أن والدها يخون أمها، وكانت صدمتها الأكبر هي من ردة فعل أمها عند مصارحتها بذلك، حيث لم تتخذ موقف من الأب وآثرت الصمت للحفاظ على العلاقة: "واجهتها في الصبح إنها نزلت من نظري لأنها منفصلتش. اتصلت بالست وشتمتها وماخدش موقف مع بابا وقررت أمشي من البيت ده. ودي كانت بذرة التمرد حتى لو ساعتها ما كنتش مدركة حقوقي. رحت أعيش عند جدتي في مكان شعبي جنب خالاتي لمدة 5 سنين. كانوا متقبلين لأن الموضوع متقبل مجتمعياً إني أخدم جدتي وفي ميزان حسناتي. وبعدين إتنقلت من بيت لبيت عند جدتي وخالاتي لغاية ما رحت الكلية [...] إبتديت أعمل فلاش باك لحياتي. ليه بكره ماما وأنا الآن قيادية وعايزة أتحكم في حياتي وكارهة السيطرة. ابتديت أتصالح مع ماما رغم إن تعاملها قاسي بعكس بابا الرومانسي. وابتديت أبص على نماذج البنات في العيلة، ممكن تكون ناجحة وبتدرس بس شخصيتها ضعيفة في البيت ومالهاش أي رأي وبتكدب عشان تمشي الحياة من الخلف".
أما فايزة فتحكي أنه بالرغم من معرفتها بمصطلح النسوية حينما كانت في مرحلة الجامعة، إلا أنها تتذكر تجارب من طفولتها ولدت لديها الكثير من الأسئلة والاهتمام بقضايا التمييز والقيود المفروضة على الفتيات والنساء دوناً عن الرجال.: "عرفت المصطلح في أواخر مرحلة المراهقة لما دخلت الجامعة، لأني درست علوم سياسية في الجامعة ودرست النظرية النسوية. بس الموضوع من قبل كده مرتبط بحياتي اليومية تماماً من وأنا صغيرة. إنه أنا بحب العب مع الصبيان وماما متخلينيش أعمل ده. بعد كده صوتك عالي. بعد كده ما تضحكيش بصوت عالي. فكرة البنات المؤدبة دي كانت أكتر كلمة بتفلقني في حياتي وإن إنتي بيبقى عندك أدوار معينة رغم إن إحنا بنتين وولد. الولد اصغر مني ب7 سنين والبنت سنتين. إني طفلة بس عندي أدوار في شغل البيت. أنا وأختي كان من أدوارنا نرتب البيت قبل ما ماما ترجع من الشغل. فكرة إن إنتي طفل محبوس". وبالرغم من تفوقها الدراسي والتحاقها بمدرسة مختلطة -الشيء الذي كسر حاجز اختلاط البنات بالبنين عندها منذ الصغر- إلا أن إصرار المدرسين بفصل الجنسين، والتمييز بينهم فيما هو متوقع منهم في المستقبل، كان من الأشياء التي أدركتها منذ الطفولة وحاولت مقاومته.: "كنت بتضايق من المدرسين لما يحصرونا كبنات في حاجات معينة. مثلاً انتخابات الفصل يحددوا إن اللجنة الاجتماعية والفنية تكون الأمينة بتاعتهم بنات، وأنا أقوم أقدم على اللجنة الرياضية. كنت بحس إني بعمل خطوات دايماً مثلاً أتخانق إني ألبس بنطلون مش جيبه عشان بحس إنها مريحه لأني بحط رجلي على الديسك. حتى في تخصصي الدراسي، كل المدرسين كانوا شايفين إني عشان شاطرة أروح أدرس طب أوصيدلة، بس أنا اخترت علوم سياسية لأني كنت بشوف برامج سياسية في التلفزيون، وكنت عايزه ده من وأنا في إعدادي والمجال ده مرتبط بفكرة إني حسافر كتير وده اللي حصل".
ورغم عدم تعرضها هي وأختها لتجربة الختان، إلا أنه كان من المواضيع الحاضرة جداً في فترة مراهقتها. وذلك بسبب إصرار بعض من أفراد عائلتها أن تتختن هي وأختها خاصة نساء العائلة، حيث أن ممارسة العنف والتمييز ضد النساء ليس حكراً على الرجال، وإنما هي منظومة من الأفكار والممارسات يتشبع بها أفراد المجتمع نساءً ورجالاً، بحيث يعيدون إنتاجها طول الوقت: "وكان في خناقة الختان. أنا مواليد 82 فبالصدفة البحتة كان فيه مؤتمر المرأة والسكان في 1994 وكانوا بيتكلموا عن إن الختان غلط. وماما كانت بتحاول تقنعني وتغريني بالفساتين والحاجات الحلوه عشان اتختن، وبابا ساكت خالص، وكل الناس عمالة تقول لا إلا عيلة أمي ماما وستو وخالو وأهل أبويا عماتي وبنات عماتي، ان أنا أعملها وكان عندي وقتها 12 سنة وقلتلهم لأ. أمي كانت وقتها قاسية جداً وقالتلي حنلمك من الشقق وحتبقي قليلة الأدب وبتقول الألفاظ القاسية. بابا جه حسم الموضوع بطريقة الأبوية الفعالة functional patriarchy إن الرسول لم يثبت إنه ختن بناته، والحديث ضعيف السند. وبالفعل أنا وأختي متختناش بس بنت خالتي عملتها، وعندها تجربة مؤلمة. كانت متألمة جداً ونزفت ولغاية دلوقتي ما بتطيقش الدكتور، ولا تعدي من العمارة اللي فيها العيادة اللي عملت فيها العملية. الحاجات دي أثرت فيا جداً، ولما بسمع ذكريات ماما عن ختانها ما كانتش أفضل حاجة؛ غطوا وشها بفستانها وعملولها الختان من غير بنج فكانت حاجة بشعة. بس هي كانت وقتها عايزة تختنا عشان كان في عروسة من العيلة جوزها رجعها عشان ماكنتش مختنة فهي كانت خايفة ده يحصلنا. فكانت أمي بتعيد إنتاج الأبوية طول الوقت"
بالإضافة إلى أن القمع الذي واجهته من قبل والدتها في الطفولة بسبب رغبتها في استكشاف جسدها، كان لديها سؤال كبير حول الجنسانية والجسد بشكل عام لا تزال تتعامل مع تبعاته حتى الآن: "في فترة هوس الأطفال في استكشاف أجسامهم في سن 7 سنين ماما كانت تقولي محدش يقلعك ويشوف جسمك، بعد كده متلعبيش مع الصبيان. كنت بتضايق من فكرة إني بنت، وعشان أنا بنت مفروض عليا حاجات. متلبسيش شورت ومتخرجيش تلعبي في الشارع ولازم تعملي حاجات في البيت والولد مبيعملش أي حاجة. لغاية ما جاتلي الدورة، كنت زعلانة إني طلعت بنت. وفكرة الذنب المرتبطة باستكشاف الجسد كانت حاجة بشعة. ابتديت أتعرف على العادة السرية وأنا عندي 9 أو 10 سنين، وأختي راحت قالت لماما، فاتضربت وأتولد عندي عقدة ذنب. لذلك تراكم المواقف دي كونت عندي مشكلة في موضوع الجنسانية، وليها تجليات مختلفة وليها علاقة طول الوقت بالوصم المجتمعي والديني". لذلك تجلى اهتمامها بقضية العنف ضد النساء بعد التحاقها بالجامعة، وقراءاتها التي فتحت مداركها لما تستطيع أن تقوم به. وازداد شغفها بمسيرة نسويات الأجيال السابقة، وقرأت مذكراتهن وعملت في مجال حقوق النساء، وتعرفت أكثر عن أنواع الانتهاكات التي تحدث لأجساد النساء، واستخدامهن كأدوات لتعذيب الرجال في السجون. كل هذه التجارب شكلت نقلة في وعيها من التجارب الشخصية إلى قضايا عامة حقوقية وسياسية واجتماعية يشترك فيها الكثير من النساء: "وده كان النقلة من حالة التجارب الشخصية للمعرفة بشكل عام وللشغف اللي اتكون، وكنت بحس إن أنا بطلع من دوائر ضيقة إلى دوائر أوسع وأوسع".
وتتفق راندا وهي ناشطة وصحفية وإعلامية في أواخر العشرينات -مع فايزة في أن وعيها النسوي نقلها من مركزية الحكايات والتجارب الشخصية إلى الاهتمام بقضايا النساء بشكل أوسع في المجال العام. خاصة أنها لم تتعرض لتجارب عنف أو تمييز صارخة كان لها أثر في حياتها: "انا ما كانش عندي المشاكل الطبيعية بتاعة الناس. انا لغاية 18 سنه مكنتش أعرف يعني إيه ختان الإناث أنا عرفته بالصدفة. كنت في الجامعة وكانوا بيصوروا حملة قومية لختان الإناث، وبابا دكتور أمراض نساء فرحت سألته يعني إيه ختان [...] ابتديت أدرك الحاجات دي بالتدريج لما دخلت الجامعة. رغم إن معظم الطلبة من القاهرة، كان في طلبة جايين مغتربين، وابتديت أسمع عن ثقافات إن بنت تيجي متجوزة، أو أسمع عن إن في بنت محجبة غصب عنها [...] بعد كده مع الوقت، اتعرفت على نسويات الجيل اللي نشأ بعد الثورة، اللي عندهم تجارب شخصية مع العنف في المجال الخاص. أنا يمكن ما كانش عندي ده قوي بس كنت مراقب لبعض من التجارب دي. ولما اشتغلت في الاعلام ابتديت اقرب منها بطبيعة شغلي. فابتدى يكون عندي وجهة نظر أوسع، إن العنف ده مش بعيد وإحنا مالناش دعوة. وابتديت أدرك إن العنف ده منتشر. ده احنا اللي قليلات اللي ما بنعانيش من العنف ده [...] وكمان فيه حاجات كانت بتحصلي تعتبر نوع من أنواع العنف، وأنا مكنتش مفسراها كده وابتديت استوعب إنها عنف. يعني مثلاً أكون في علاقة بحد، وبلاقي الشخص ده بيمارس عليا نوع من أنواع الوصاية، وأنا أكون شايفاها عادي مش مشكلة. مببقاش مترجماها إنه بيمارس عنف مجتمعي، نتيجة إنه أصلاً قلقان إن الناس مش حتديه صفة الذكر والفحولة لو مامارسش عليا ده. فانتي تستوعبي إنه إحنا الإثنين مرضى. أنا ازاي قابله تسلطه، وهو إزاي خايف من الناس ومعتمد على التقييمات بتاعتهم؟!". بالإضافة إلى تعرضها لحوادث تحرش وابتزاز جنسي في رحلة بحثها عن عمل، "وقبل التخرج بشوية كان في محاولات إني أشتغل. هنا ابتديت أتعرض للتحرش، وابتديت أشوف فكرة الابتزاز الجنسي، اللي إنتي تقدمي على شغل تلاقي حد بيطلب منك حاجات جنسية في المقابل ولحد قريب. أدركت نظرة المجتمع إن البنت اللي بتشتغل في الإعلام دي بنت صايعة، وحتتأخري بالليل وحتلبسي كذا وإيه مشكلتك ولو قلتيلي لأ ليه؟ بس لما قامت الثورة ابتدت نقطة التحول عشان أنا كنت متمركزة وقتها حول ذاتي. وشفت الناس التانية وفكرة إن إحنا عندنا إيمان بقدرتنا على التغيير دي خلتني أقرر إني مش حتمركز حولين ذاتي، حتمركز حولين الآخرين وابتدي أحاول اساعد. وكانت من هنا بداية انخراطي في المجال العام وإن أنا ابتدي أساعد".
لذلك فالبرغم من أن منار من رائدات الموجة الرابعة للنسوية، بانخراطها في الحراك النسوي منذ مدة طويلة حتى قبل الثورة، إلا أنها ترجع إدراكها الواعي وتعزز صحة اختيارها للاستمرار في هذا النهج إلى قضية العنف الجنسي ضد النساء، خاصة في تجليها في أبشع صورها في حوادث الاغتصابات الجماعية، التي طالت المئات من النساء في التجمعات والمظاهرات والمليونيات في أوقات متفرقة من أحداث الثورة. خاصة في ظل تواطؤ الجميع وتسامحه مع هذا العنف، سواء المجتمع أو الدولة. وهول الأثمان الباهضة التي دفعتها النساء من أجسادهن عقاباً لتواجدهن وانخراطهن في الحراك في المجال العام: "اللحظة اللي تجلى فيها إحساسي إن أنا عايزه أكمل في ده (وتعني هنا العمل النسوي) وإن ده اللي أنا بحبه، هو تصاعد أحداث العنف الجنسي في نوفمبر 2012 ويناير 2013. كنت شايفه إن هو ده الاختيار الواعي للي أنا بعمله". كما تحكي عن الازدواجية في المواقف تجاه حوادث العنف الجنسي من قبل "رفقاء النضال" من الرجال من الأوساط الثورية والعاملين في المجال العام. حيث يتم التعامل بجدية مع تلك الانتهاكات إن كانت مرتكبة من قبل الدولة في حق ناشطات في سياق عملهن العام والسياسي، بينما يتم الاستخفاف بانتهاكات مماثلة إن تمت في سياقات أخرى غير سياسية أو من قبل أفراد من المجتمع غير فاعلين في الدولة. فتعطي منار مثلاً عن "الفرق الشاسع في تعامل الناس في مجتمع العاملين في المجال العام مع وقفة نقابة الصحفيين وقت التعديلات الدستورية المسمى بالأربعاء الأسود في 2005، وحالة الصدمة والرعب والتعامل الرهيب إن هناك بنات إتقلعت، وبين حالة الاستهانة والتريقة والمزايدة لما حصلت تحرشات بعدها بسنة في العيد 2006 في ميدان التحرير". مثل هذه المواقف عززت لديها الإدراك بالحاجة لوجود خطاب نسوي مستقل بحد ذاته ولا يتبع أي حركات أخرى؛ بسبب إشكالية الخطاب الذي تتبناه حتى بعض القوى الثورية والديمقراطية، التي لا ترى غضاضة في استغلال قضايا انتهاكات النساء عندما يكون مرتكبيها فاعلين في الدولة، بينما يتم تهميشها في سياقات أخرى، "فحسيت إن في مشكلة في الخطاب. عشان السؤال مرتبط بالدولة. يعني استغلال الموقف اللي بتكون الدولة هي المسؤولة أو الفاعلة، بينما يتم الاستهانة بانتهاك النساء في سياقات اجتماعية أخرى. حالة مزايدة في تمييز وتقديرالستات اللي بيحصلها انتهاكات وهيا بتعمل عمل سياسي وبتقول لا لمبارك والدولة بتعمل فيها كده، رغم إن الانتهاكات اللي حصلت للبنات في العيد كانت أعلى".
فترى أن هذا الخطاب لا يولي الاهتمام، أو يعتبر قضايا العنف الجنسي ضد النساء كأولوية في النضال الوطني من أجل العدالة الاجتماعية، وإنما يتم التعامل مع قضايا النساء بشكل انتقائي: "إنه من الممكن أن نتكلم في الموضوع أحياناً وأحياناً نعديه ومنتكلمش فيه. أو ممكن منبقاش شايفينه جزء أصيل من النضال. بس أنا فعلاً بحب أعمل الشغلانة دي. إني أكون نسوية بشتغل في المجال العام وخاصة طرح موضوع العنف الجنسي"، حيث ترى أن تطور حوادث العنف ضد النساء أثار القضية الجوهرية المرتبطة بسؤال أجساد النساء. وأن العنف الذي يستهدف أجسادهن يخلق وعياً لدى النساء بشتى طبقاتهن واختلافاتهن عن مكانتهن الثانوية في المجتمع، ويخلق حالة من التضامن الذي يوحد حوله النساء. لذلك هي ترى أن سؤال الجسد هو جوهر النسوية؛ "لأنها من أكثر الحاجات اللي بتصدمني في الأسئلة النسوية، حتى على صعيد ما يكتب في الكتب. إن مفيش ستات ينفع تعمل أي حاجة في الدنيا لو هي فعلاً جسدها منتهك، والناس متواطئة على الموضوع كده. حتى لو بقت رئيسة الجمهورية. حتى لو في ستات موجودة في العام والخاص. لأن سؤال الجسد مربك وإشكالي وفكرة التلاعب حواليه عشان توصلي لحالة تمكين للستات ينفع كاستراتيجيات. بس أنا شايفة إن العنف الجنسي بالنسبة لي هو اللي خبطني في كل الحاجات دي. اللي هو البنات بتغتصب في الشارع! لأنه فعلا سؤال الجسد مش سؤال الطبقة الوسطى بس. لأنه فعلاً الحاجة المشتركة بين كل الستات وبتخليهم متوحدين هو فعلاً جسمهم وتعامل المجتمع ده معاه، سواء بيتحرش بيها في المترو أو في حفلة دافعة فيها ألف جنيه، وبرضو أصحاب جوزها بيتحرشوا بيها. فأنا شايفة إن سؤال الجسد هو فعلاً بيعمل تضامن وبيعمل ربط في الحركة النسوية. لأنه ممكن قضايا تانية تفصصي فيها مثل سؤال العمل مرتبط بالطبقة العاملة أوالغنية. لكن أنا شايفة إن جوهر النسوية هو سؤال الجسد".
وتشاركها في الرأي هناء وهي أستاذة علوم سياسية، وتعمل محاضرة في إحدى الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة. وهي مشغولة بسؤال النسوية في المجال الأكاديمي وبناء الحركة. فرغم أن وعيها النسوي تشكل في سن مبكرة بحكم أنها كانت نهمة في القراءة، وقرأت الكثير من الكتب النسوية التي كانت فارقة في حياتها، والذي أدى إلى انضمامها للحركة النسوية من قبل الثورة، إلا أن أهم المواقف واللحظات التي عززت وعيها بأهمية الخطاب النسوي والحاجة لوجود النسوية كخطاب وحركة مستقلة، هو انخراطها السياسي مع الحركات اليسارية، وصدمتها وشعورها بالخذلان من موقف وتعامل الرجال من تلك الحركات مع موضوع التحرش والعنف الجنسي ضد النساء: "اللي صدمني حقيقي هو ممارسة اليسار المصري خصوصاً رجال اليسار المصري لموضوع الستات. لأنه المفروض إنتوا ناس تقدميين وبتدعوا ده وإنتوا أصحابنا. دايما كان فيه في الشارع عنف وتحرش جنسي، يعني هو ما ظهرش فجأة في الألفينات. بس إحنا بدأنا نعيه ونسبته زادت وقتها. فلما بدأنا نطرح المواضيع دي في المجموعات السياسية أو في القعدات الاجتماعية والكلام ده كله. كانوا بيتهمونا بالأفوره (بمعنى المبالغة). واحد صديق عزيز قلنا إنتوا مشكلتكوا إن إنتوا نساء طبقة متوسطة متدلعات. روحوا اشتروا عربية، إنتوا قارفانين من الناس ما تمشوش في الشارع. هو شايف إن دي مشكلة ستات الطبقة الوسطى المرفهات، إنه اللي شكلهم نضيف هما دول اللي بيحصلهم تحرش في الشارع. وإحنا نحلف إن بائعات المحلات وأمي المحجبة وكل الستات بيحصلهم كده. فكان فيه دايماً إنكار من قبلهم، إن دي مشكلة وكان في دايماً إعتقاد عقائدي إن إحنا دايماً لازم نتكلم عن الناس بالذات الفقر والصراع الطبقي والمسألة الاجتماعية، وإن موضوع الستات ده حيتحل لما المسألة الاجتماعية تتحل. طبعاً ابتدينا نتصدم معاهم صدامات فكرية وإنسانية لأن كان أنا وغيري داخلين معاهم في علاقات عاطفية. واكتشفنا هوة مروعة ما بين اللي بيتكلموا عنه طول الوقت وما بين تعاملهم معانا، وكل ده واحنا لسه شايفين نفسنا -وأنا بقول ده بصيغة الجمع لأني شايفة إنه أنا كنت ومجموعة من البنات كنا لسا شايفين نفسنا- جزء من المجموعات دي أو الحركات دي سواء اليسارية أو التقدمية. أنا كان عندي فكرة إن النسوية جت من الحركة اليسارية، وإنها جزء من اليسار بشكل عام. أنا لسه مؤمنة بده، بس هو التصادم كان جاي على أساس إن إحنا كان بيتم التسفيه من النسوية، إنها تبقى حركة لوحدها أو إن موضوع الستات يستاهل إنه يبقى ليه حركة لوحده، أو انه لازم فكرياً ينطوي تحت لواء اليسار بشكل عام أو إن مسألة الستات حتتحل لما الصراع الطبقي يتحل. كل دي كانت حاجات ممكن يعمل توفيق بينها نظرياً، لكن لما بدأ الموضوع يخش في صدامات حقيقية في مصر وفي حياتنا، خصوصاً في موضوع التحرش الجنسي. ودي كانت بداية خناقاتنا. ساعتها بدأ يظهر التصادم. إنتوا فعلا مش حاسيين ومش شايفين وفيع مشكله في ده!".
وتشاركهن إيناس الإدراك بوجود إشكالية في الخطاب اليساري نحو قضايا النساء، ولكنها بحكم عملها السياسي الحزبي ترى أن هذه الإشكالية تأتي بسبب الهيمنة الذكورية على المجال السياسي والحزبي بشكل عام في مصر. الأمر الذي يؤدي إلى التصادم والاختلاف في ترتيب الأولويات والمصالح، ولكن ليس في الأساسيات. فتجادل بأن اليسار في اتساقهم مع الفكر النسوي، وخاصة مع قضايا العنف الجنسي: "أحسن من غيرهم في القاعدة الأساسية. إنه مش حتقعد تناقش حاجات زي كانت لابسه إيه وماشية ازاي وبتاع... أنا شايفة إن اليسار سياسياً عنده الأساس اللي تعرف تبني عليه من أجل الجندرة. التيارات الأخرى القومية والإسلامية معندهاش هذا الأساس أصلاً. مشكلة اليسار مشكلة تانية، إنه مهيمن عليه الرجال زي كل السياسة في مصر. فنيجي في تحديد الأولويات ودرجة تبني المشروع هنا بنختلف. لكن الأساسيات موجودة مبيختلفوش معاكي فيها، لكن الانحيازات الذكورية بتطلع في العمل. وده بالذات قوي بيبان في تجارب العمل الجماعي. لما بتكوني بتعملي حزب مثلاً أو حملة انتخابية. وزن القضايا الستات والجندر فبتختلفي معاهم على الوزن اللي تديه للقضايا دي، وترتيب الاولويات مع الرجالة والستات اللي مش نسويات. وده يفرق مع واحدة زيي إني أقدر أفضل ناشطة سياسية مع الناس وهيا مش نسوية. وتفضلي في تقدم أحياناً وأحياناً تراجع، لكن فيه أساس موجود ينفع تبني عليه في السياسة".
كما تحكي هناء عن حادثة تحرش جنسي كانت بالنسبة لها نقطة محورية في حياتها. وهي قضية "نهى الأستاذ التي حصلت في 2007" وهي أول قضية يتم رفعها ضد متحرش، وتم فيها الحكم عليه بالحبس 3 سنوات. حيث ساهمت في نقل قضية العنف والتحرش الجنسي إلى قضية رأي عام. تجلى في هذه التجربة التناقض والازدواجية التي تحدثت عنها سابقاً: "وهنا أعتقد بدأ عندنا كلنا حس من التضامن كبير بين بعضنا كنسويات، ما كانش موجود قبلها. كنا نعرف بعض بس ما كناش صحاب قوي. وبدأنا نفكر إنه إحنا ليه بنعرف الناس دي وهما بيعملوا فينا كدا؟! وبدأ يحصلنا تساؤلات وجودية حوالين علاقتنا ومحيطنا اللي بيقول على نفسه تقدمي. هنا بدأ يحصل عندنا كلنا انتباه إنه مينفعش كده. بعد قضية نهى بدأ فيه نقلة نوعية في موضوع العنف الجنسي. فبقى في كلام وإهتمام عليه. وظهرت ساعتها للوجود مبادرات الرعيل الأول اللي اشتغلت على موضوع التحرش والعنف زي هاراس ماب ونظرة. وطبعاً البحث الشهير اللي عمله المركز المصري لحقوق المرأة إن 99% ولا 97 % من الستات المصريات بيتعرضن للتحرش. وبدأ الموضوع يتحول لحاجة على أجندة الرأي العام. وهو اتحط على أجندة الرأي العام من قبل الثورة، بس الثورة عملت نقلة تانيه خالص. وقتها أنا كنت برا بعمل الدكتوراه، وكنت مقررة إني عايزة أتخصص أكاديمياً في موضوع الجندر. عشان موضوع الستات هو همي. عايزة أبقى إنسانة بكتب وبشتغل في موضوع الستات والجندر، وبتعلم المنهجيات والأدبيات بتاع الموضوع ده عشان أعرف أعمل إسهام نظري في ده مهم في المنطقة. وكنت مهتمة بالإنتاج المعرفي النسوي، إن دي حاجة محتاجين نعملها كستات من المكان ده، مش نستنى لحد الباحثين الأجانب بجوا يدرسونا. أنا الموضوع ده كان بيحركني بشكل رئيسي في فكرة إن أنا عايزة أطلع أعمل دكتوراه بره والكلام ده كله".
وتشاركها لمياء نفس الاهتمام الأكاديمي بقضايا النساء من منظور نسوي، خاصة عندما يصبح السؤال أكثر تعقيداً. فبالرغم من إدراكها منذ سن صغيرة ل"الخناقة النسوية" المتعلقة بالتمييز والعنف الممارس ضد النساء، والأدوار الجندرية المبنية على موازين قوى غير متكافئة بين الرجال والنساء بحكم عمل أحد أفراد عائلتها في نفس المجال، إلا أنها ترى أن النسوية هي الأداة والنهج الأنسب للتعامل مع سؤال الجسد، خاصة في المساحات التي تتخطى الحديث عن العنف والتمييز: "إنه سؤال النسوية بعد شويه بيبقى على مستوى أعلى من التعقيد. مش بس بتتكلمي عن العنف والمساواة، إنتي بتتكلمي عن الاختيار بشكل عام. الاختيار زي فكرة حق الستات في تحديد مصيرهم في كل حاجة من أول شكلهم ومظهرهم وميولهم الجنسية ونمط علاقتهم الجنسية وغير الجنسية، وكل ما هو مرتبط بالاختيار اللي هو نمط الحياة هو سؤال مهم جداً ومحوري وجوهري. وكمان السؤال الأكثر راديكالية المرتبط بالهويات الجندرية والحريات الجنسية والمرتبطة بالدور الإنجابي. فدي كلها أسئلة ابتديت أكون واعية بيها في وقت متأخر وبدأت من ماهو شخصي مش مما هو عام. بالذات فكرة الدور الإنجابي. يعني أنا مثلاً فاكرة أول مرة سألت نفسي أنا عايزه أبقى أم أو لا ما كنتش ساعتها رابطاها بالنسوية. بس لسبب ما كنت مش مصدقة إن الأمومة دي غريزة ولحد دلوقتي مش شايفة ده. أنا شايفة إن الأمومة مرتبطة بالدور الجندري بتاع الستات وإنها متكونة اجتماعياً وإن فكرة الضغط على إن الله الأمومة جميلة دي كلها ضغط اجتماعي إنتي بتلبسيه كست، فالبتالي بيولد عندك الرغبة إنك تبقي أم مش إن هي غريزة. من أواخر الجامعة عندي السؤال ده. مش حاسة إني عايزة أبقى أم. وفي نفس الوقت حاسة إن البنات عايزين يبقوا أمهات عشان يعملوا المتوقع منهم من أدوار اجتماعية المتعلقة بالدور الإنجابي والجندري و يعني إيه إن الأدوار الجندرية socially constructed أي بتتشكل بالنشأة الإجتماعية. وبدأت أفكر بالحاجات دي من منظور نسوي. وابتديت أحس إن المنظور الحقوقي مش كافي يجاوب على الأسئلة دي. وابتديت أحب أعرف عنها أكتر، ولقيت فيها مخرج لشوية حاجات كانت شغلاني ومش لاقيالها مخرج أو حل من المنظور الحقوقي. وابتديت أقرا حاجات والموضوع كبر معايا، لما بدأ يكون عندي هم أكاديمي لان انا واحده بشتغل في العلوم الاجتماعية، والمنظور النسوي من أحد المناظير المهمة في الدراسات الاجتماعية خاصة في المساحة البحثية اللي انا شغالة عليها. اللي هي جزء منها متعلق بالسؤال الجندري بوجه عام وفكرة مفهوم الرجولية والأنثوية وازاي بيترسموا وبتعلموا ثقافياً وبتكون مزروعة داخل الستات على أجسامهم وسلوكهم..و..و..و..وده السؤال الأساسي اللي شاغلني من بداية دراستي الأكاديمية في الماجستير والدكتوراه. ومن ناحية تانية سؤال العنف الجنسي اللي لقيت نفسي بتناوله من منظور نسوي مش حقوقي. لأن السؤال أكثر تعقيداً من مجرد وقوعه. إنه دا بيحصل ليه وازاي وتبعاته عاملة ازاي على الستات وتواجدهن في المجال العام والخاص عامل ازاي، وكمان على وجود الرجالة في العام والخاص عامل ازاي، وعلى فكرة ارتباط ده بيعني إيه أنثوية ويعني إيه رجولية وهكذا. فأول ما بدأت أنشغل بسؤال العنف الجنسي أكاديمياً، كانت النسوية هي المدخل اللي لقيت نفسي مباشرة مشتبكة فيه".
لذلك ترى منار أن تطور الخطاب في قضايا العنف ضد النساء وطرح سؤال الجسد كقضية نسوية بالدرجة الأولى هو نتاج جهود نسويات هذه الموجة، والذي ساهم في إثراء الحركة: "أنا شايفة المساحة بتاعة سؤال الجسد ده، اللي هو تطور جزء منه وبقى الخطاب السائد بتاعه العنف، أنا شايفه إن ده جزء من مجهود جيل اللي هو جيلي انا وأخريات. إن إحنا فعلاً كسرنا الحاجز في المجتمعات حتى في الأكاديميا عن سؤال العنف وانه فعلاً مرتبط بالجسد. فبقى الكلام عن التحرش الجنسي مافيهوش بس الابتزاز الطبقي، لسا فيه بس مش بس ده، أو الطريقة الأبوية بتاعة الحكومة والريس بتاعة ربوا أولادكو. بقى فيه خطاب عن حسيت بإيه وقرفت وبكره الشارع ونفسي ألبس فستان. كل الحكايات دي على قد ما بتبان تافهة بس كمان مرتبطة بالجسد. بس طول ما إحنا بنتحدى كل الحاجات دي بتسمح للحركة تبقى أوسع وأعمق وفاتحه على كل الطبقات".
سؤال الدين والعادات والتقاليد:
يعتبر الدين مكوناً أساسياً من مكونات المجتمعات العربية ويلعب دوراً هاماً في تكوين الهوية والوعي الجمعي للمجتمعات. حيث إن تعاليمه تتغلغل في أركان المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. والدين هنا يشير إلى الدين الإسلامي كونه الدين الرسمي للدولة ومعتنقوه يشكلون الأغلبية، بالإضافة إلى كون الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع في الدستور المصري. ويجادل البعض أن الدين في جوهره يتبنى خطاب أبوي يعكس ويعزز التمييز والتفاوت بين الرجال والنساء. كما أن المعتقدات الدينية تعمل كأيديوجية أبوية تضفي شرعية للمكانة الثانوية للنساء في ظل المجتمعات الأبوية القائمة على الهيمنة الذكورية. ويتجلى ذلك في سيطرة الرجال على المؤسسات الدينية، بحيث يكون دور النساء هامشي ولا يجوز للنساء أن تصبح إمامة، ويجلسن في الصفوف الخلفية أو يتم الفصل بين الرجال والنساء في دور العبادة، ويحتل الرجال الصفوف الأولى والأماكن الأكثر تقديساً. كما يسيطر الرجال على حق التفسير الفقهي للنصوص الدينية، بينما تحرم النساء من قراءة النصوص الدينية أو الدخول لدور العبادة عندما تكون حائض مثلاً، حيث يعتبر الحيض والولادة من الملوثات. كما أن القوانين والتشريعات المستمدة من الدين تعطي للنساء حقوقاً أقل من الرجال في العديد من المجالات، وتعزز عدم المساواة في المعاملة مثل الميراث والحصول على الطلاق والتفريق في عقوبة الزنا وخلافه. كما قد تؤثر القيم الدينية على العادات والتقاليد والعكس صحيح. بحيث تعزز من الممارسات التقليدية المؤذية للنساء مثل عادة تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات والتزويج المبكر. كما تتحكم بعض تفسيرات النصوص الدينية بأجساد النساء، وتؤكد على أدوارهن الجندرية التقليدية، وتنظم دور النساء المقتصر على أدوارهن الإنجابية. مثل التفسيرات المتعلقة بتحريم الإجهاض ووسائل تنظيم الحمل، بالإضافة إلى التحكم في حرية الملبس والحركة والأدوار المقبولة منها باسم الدين والعادات والتقاليد المجتمعية. ومن ناحية أخرى، يجادل البعض، أن الدين في حد ذاته ليس السبب المباشر في تعزيز الأدوار الثانوية للنساء، بل إن ذلك يعود إلى ظهور أشكال أبوية للمجتمعات التي بدورها أثرت على الدين وإعادة تشكيله. حيث أعاد الرجال تفسير المعتقدات الدينية بطرق تعزز من هيمنتهم. خاصة في ظل انحسار الحركة التنويرية أمام التيارات المتشددة المتمثلة في الوهابية والإسلام السياسي بل والحركات التكفيرية والجهادية.
كما ساهمت ظاهرة ما يسمى بالصحوة الاسلامية التي بدأت منذ السبعينيات وهو مصطلح يشير إلى إحياء تعاليم الدين واعتماد الثقافة الإسلامية، كما يتم تفسيرها في شتى مجالات الحياة الظاهرية منها قبل الباطنية كالملبس وطريقة التعبير والفصل بين الجنسين وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والالتزام بالقيم والأخلاق الدينية. وترتبط هذه الصحوة بأشكال مختلفة مثل التيار السلفي والوهابي، الذي زاد مع الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات. بالإضافة إلى صعود الإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان ،وظهور الجماعات الجهادية والتكفيرية، بالإضافة الى ظاهرة الدعاة الجدد التي بدأت منذ التسعينات، ليس بالشكل التقليدي في الجوامع ودور العبادة وإنما عبر وسائل الاعلام الحديثة. وبعيداً عن جدلية إذا ما كان الدين في جوهره ذو طابع ذكوري أبوي أم أن التفسيرات الخاطئة للدين وهيمنة الرجال عليه هي ما تجعله كذلك، فإن واقع الدين الحالي بتفسيراته يساهم في قمع النساء وفرض شرعية سلطة الرجال على النساء.
حيث يشكل الدين بهذا التعريف مع العادات والتقاليد أداة من أدوات القمع التي تعزز من التمييز والعنف ضد النساء بشكل عام. وتميل المجتمعات إلى التحجج بالدين والعادات والتقاليد، خاصة عندما يكون الشأن متعلق بالنساء وذلك بغرض التحكم أكثر بأجساد ومصائر النساء؛ بسبب قدسية الدين حيث أن انتقاده لا زال يمثل تابوهاً عند معظم الناس. ونجد ذلك متجلياً في أنه ما زالت القوانين والتشريعات التي تختص بشئون النساء مستمدة من التفسيرات للشريعة الإسلامية. والتعامل مع النساء في شتى المؤسسات خاضع لمفهوم المجتمع عن العادات والتقاليد. والضغط الذي تتعرض له الفتيات في البيوت في اختياراتهن لملبسهن ودراستهن وشريك حياتهن وحتى أجسادهن، كلها لها تفسيرات دينية يستند إليها المجتمع لتعزيز تلك الممارسات. مثل مفهوم الشرف والعذرية المرتبط بالنساء وحرمة الممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج خاصة للنساء وطريقة اللبس والحجاب. سواء أكانت هذه الممارسات بسبب النصوص الدينية أو تفسيراتها الخاطئة، فليس هذا المقام لنقد سؤال الدين في حد ذاته ولكن طرحه كعامل من العوامل التي ذكرتها النسويات أثناء المقابلات، والمواقف التي أثرت على إدراكهن ووعيهن واختياراتهن النسوية. لذلك في رحلتهن لنقد والتحرر من تلك القيود، تضطر معظم النساء للاشتباك مع سؤال الدين وسلطته وتجد نفسها في مواجهات سواء على الصعيد الشخصي أو العام، سواء اختارت الاشتباك مع سؤال الدين بشكل خاص أو لم ترد. فإن معظم النسويات احتكت بذلك السؤال بشكل أو بآخر في مراحل مختلفة من حياتهن. حيث اهتمت بعض النسويات بتحرير النصوص الدينية من الهيمنة الذكورية من خلال العمل على إبراز التفسيرات التنويرية للدين، والعمل من داخل منظومة الدين نفسها لتحسين أوضاع النساء وتحريرهن من القيود المجتمعية المفروضة عليهن باسم الدين فيما يسمى بالنسوية الإسلامية، سواء لاعتبارهن الدين جزء من هوياتهن أو استخدام الخطاب الديني كأداة للإصلاح والتغيير من داخل المنظومة الدينية. بينما اختارت أخريات التحرر والإنفصال الكامل عن سؤال الدين، وفصله من مجال عملهن من أجل تحسين أوضاع النساء.
فتجادل هناء أن جميع النسويات تناولن مسألة الدين بشكل أو بآخر. وتزعم أنه لا نستطيع الفصل بشكل حاسم بين النسويات الإسلاميات وبين النسويات العلمانيات أو الليبراليات أو اليساريات خاصة في منطقتنا. فتنوي الكتابة بشكل نقدي عن هذا الموضوع، بحكم عملها الأكاديمي: "بحلم إني أكتب مقالة طويلة بالعربي عن تاريخ الحركة النسوية في مصر، وعن موضوع سؤال الإسلام ده. لأن أنا زهقت من التقسيم الحاد لموضوع النسويات الإسلاميات والنسويات العلمانيات في المنطقة كلها. لأنه مفيش حد في الحركة النسوية إلا واتكلم عن الإسلام بما فيهم نوال السعداوي. ده مكون رئيسي في المجتمع. ونضال الحركة النسوية في التاريخ في مصر كان حوالين تغيير الأحوال الشخصية. قانون الأحوال الشخصية إسلامي وقايم على الشريعة. إحنا ما نقدرش نتحاشي الإسلام. إنما موقفنا منه سواء بنفسره إزاي أو بنستخدمه إزاي كأداة استراتيحية أو احنا مقتنعين بيه أو لأ دي حاجة تانية، بس مفيش أي مجهود إصلاحي في مصر على قوانين الأحوال الشخصية، سواء من قبل نسويات راديكاليات أو نسويات الدولة زي حملة تغيير قانون الخلع، إلا وتطرقوا لده".
وتحكي عن تجربتها الخاصة في الاصطدام مع سؤال الدين وإشكالياته، وكيف أنه شكل وعيها وإدراكها واقتناعها بحاجتنا للنسوية لمحاربة المكانة الثانوية التي توضع فيها النساء باسم الدين والعادات والتقاليد. حيث إن الصحوة الدينية التي حدثت في التسعينات أثرت على قناعات وممارسات ومفاهيم عائلتها لما يجب ان تكون عليه المرأة: "أنا نشأت في أسرة عادية متسوطة عليا شوية من القاهرة. أب وأم لطاف جداً جداً. مصريين متأثرين بكل التأثرات المصرية. عائلة عادية جداً مش مثقفة ولا سياسية. بس اتأثرت جداً بالصحوة الإسلامية في التسعينات. فهم ناس كانوا بيشربوا وعاديين خالص فجأة بقوا ناس متدينة أكتر والعيلة الواسعة الممتدة. فلقيت نفسي وأنا عندي 18 سنة فجأة الوحيدة اللي مش محجبة في العيلة. وبعد ما كنت أنا دودة القراية والنرد اللي في العيله، بحكم إن أنا كنت إنسانة نهمة للمعرفة جداً جداً. فجأة بقيت الصايعة عشان مش محجبة. بس في نفس الوقت عيلتي دي أتاحتلي إني أشوف تأثيرات الصحوة الإسلامية على الطبقة الوسطى المصرية. حتى اللي كانوا منفتحين ومتحررين بدرجة كبيرة في بداية ومنتصف وأواخر التسعينات. أنا اتربيت عادي بصلي وبصوم ومبفكرش كتير. بس بدأت اتسائل: هو الناس مالها اتجننت ليه؟ موضوع الدين بقى ملح. ولما كنت بقرأ كتير كنت بقرأ في موضوع المرأة تحديداً. موضوع المرأة والإسلام. وده كان أول صدام بالنسبة لي. يعني أقدر أقول إن أنا قصة إن أنا فكرت في موضوع الستات هي دخلت من فكرة إن أنا ابتديت أفكر في الدنيا بشكل أرحب من فكرة إن أنا مسلمة. لا، أنا مسلمة بس أنا مصرية، بس أنا مواطنة في العالم. طب يعني إيه أخلاق طب دا يعني إيه؟ قعدت أفكر كتير في موضوع حقوق المرأة في الإسلام. بغض النظر عن تاريخية هذه الحقوق في ذلك الزمن اللي هي ممكن تكون تقدمية جداً في الزمن ده معنديش أي إعتراض. بس هي مش متناسبة خالص مع الزمن ده. أو جزء كبير من الحاجات اللي بتتطبق أو الانتقائية في تطبيق تصورات معينة. يعني الناس مثلاً ما بتتكلمش عن الذمة المالية للستات وحق الستات في ده. بس مصرين يتكلموا عن إن الرجالة ممكن تتجوز كتير اقتداءً بسنة النبي وضرب الستات والكلام ده. يعني أول ما بدأت أتكلم عن حقوق الستات في محيطي سواء في البيت أو المدرسة كان أول حاجة تتقال الإسلام. فطبيعي إن الواحد أول حاجة يفكر فيها الإسلام. ده كان مدخل معين وأنا عندي 16 و 17 سنة".
وتحكي سهى كيف أن سلطة الدين كانت كبيرة في عائلتها، حيث أن والديها سلفيين متشددين. فالصراع مع الدين شكل جزءاً كبيراً من وعيها، خاصة في مرحلة البلوغ والمراهقة. وكيف أن سلطة الدين كانت تؤدي إلى ممارسة الأهل للعنف والقهر والإكراه والترهيب حتى تمتثل الفتاة لتلك التعاليم، لدرجة محاولتها إنهاء حياتها. وهذا ترك بصمة كبيرة داخلها وولد لديها رغبة شديدة في التحرر من تلك القيود الدينية والاجتماعية: "عائلتنا إسلامية جداً وبابا خطيب مشهور في محافظتنا، وماما منقبة وأنا اتفرض عليا أتحجب حجاب إسلامي. ولا كنت بسمع أغاني ولا نشوف التلفزيون. وفاكرة موقف لما بلغت قعدت أعيط عياط السنين لأن أنا كنت مدركة وقتها إنه مش حيبقى مسموحلي إني أعمل أي حاجة في الحياة. كنت محجبة قبل البلوغ، بس بعد البلوغ كانت لحظة مدمرة إن معنديش حتى حرية إني أختار لبسي. وكان لازم أخرج أشتري لبس الحجاب الإسلامي اللي هو إسدال وجيبات وحاجات طويلة. فمرضوليش أخرج بلبسي العادي وماما لبستني من هدومها. كنت في تانية إعدادي وقتها، وفاكرة إني قعدت 3 سنين مثلاً أقنع بابا إني ألبس بنطلونات برجل واسعة بدل الجيبات. وأنا كنت الكبيرة، وكنت بخوض كل الخناقات دي واخواتي اللي أصغر مني مضطروش يخوضوها".
كما تتحدث فريدة عن إشكالية فرض الحجاب من قبل الأهالي، بغض النظر عن اقتناعهن من عدمه -كشيء مسلم به دينياُ- وكجزء من العادات والتقاليد التي لا يجب التخلي عنها، واضطرارهن لعيش حياة مزدوجة أو خوض مواجهات عنيفة مع أهاليهن بسبب رفض مجتمعاتهن للتغيير: "الحجاب، المشكلة اللي بتواجهني أنا وكل البنات في محافظتنا. إن أهلنا مش موافقين على الموضوع ده خالص. لما جيت أتكلم معاهم عشان أقلع الحجاب، قالولي لأ عشان الناس متتكلمش عليا مش عشان الدين. حتجيبيلنا العار [...] أنا اتحجبت في أولى إعدادي مش عن اقتناع. فأنا بقلعه في الأماكن اللي أقدر أكون فيها أمان شوية وأنا بعيدة عنهم. فبقيت بعيش حياة مزدوجة".
أما روان فتذكر أن الدين كان يشكل حيزاً هاماً في حياتها، وأنها تحجبت لفترة عن اقتناع وخوف من العاقبة إن لم تمتثل لتعاليم الدين: "أنا كنت محجبة عشان الدين والجنة والنار والخوف. اتحجبت في ثالثة ثانوي وسيطر عليا الدين لفترة الكلية. بس بعد الكلية كنت عايزة أقلعه. أبويا رفض وقالي العيلة وأنا اتشتمت كتير بسببك. فلسه بلبسه لغاية الآن، بس ببين رقبتي وجزء من شعري، لكن ما أقلعوش كامل. أهم حاجة عندهم الطرحة، حتى لو بينتي دراعك أو رجلك" هذه الازدواجية في المعايير والإهتمام بالمظاهر الخارجية دفعتها إلى إدراك أن التحجج بالدين تارة وبالعادات والمجتمع تارة أخرى كان من أهم العوامل للعديد من مظاهر الظلم والقهر والتحكم في الحركة واللبس فقررت الثورة على ذلك : "قررت إني أسيب الدين ده نهائي. وحنتقم من كل الممارسات اللي كنت بعملها بسبب الدين. كان جوايا ثأر. عارفة لما بيخنقوكي على رأي نزار، ضاع من عمرنا ألف ربيع؟ ضيعوا ربيع حياتنا كله عشان كذبات إللي ألفها رجال. وابتديت أخوض معركة النسوية في الدين. ليه مفيش ستات نبيات؟ ليه يتقالي لأ إني أقلع الحجاب؟ مين اللي ليه الحق يقول أيوه أو لأ على شيء يخصني؟ القرارات دي مين اللي بياخدها؟ وقعدت فترة ما بقولش إن أنا بقلع الحجاب".
كما تحكي مها عن تجربة تدينها لفترة مع ظهور موجة دعاة القنوات الفضائية، وقرارها أن تتحجب بسبب ابتزاز أمها العاطفي وخوفها من الذنوب، واضطرارها لاحقاً لخوض معركة خلع الحجاب: "بعد ما اشتغلت واستقليت مادياً خضت خناقة الحجاب مع أمي اللي كانت في البيت وبابا برا مصر. وماما بتبتزنا عاطفياً إن هيا حتاخد ذنوب لو قلعنا الحجاب. وأنا أول واحدة قررت أعمل ده، رغم إني كنت دايماً بحاول أبسط أمي بعد انفصالها عن أبويا. واتحجبت فترة من أولى ثانوي وقت عمرو خالد ومحاضراته في 6 أكتوبر والشرايط الدينية وصلوات الجامع. وبعدين ابتديت أغير لبسي على الموضة أكتر. وبعدين خدت القرار مرة وأنا في شغل بره القاهرة. قررت إن أنا أقلعه ورجعت من دونه، واتخانقت مع ماما وفرضت سياسة الأمر الواقع. وماما فضلت سنة ما بتتكلمش معايا. كنت وقتها بتكلم عن مساحتي وحقي، بس لسا ما كنتش أعرف إن دي مباديء نسوية". وعلى نفس الصعيد تحكي سناء: "موضوع الحجاب واللبس ده من الحاجات اللي كانت بتضايقني. مثلاً لما كنت أخرج مع جوز عمتي أو جوز خالتي ويقلي اللبس ده وحش. وأنا أرد إن ده بالنسبة لي مناسب، ويقولي حتقابلي ربنا ازاي وأنا أقوله دي علاقتي بيني وبين ربنا. وحسيت إن من الحاجات اللي بسطاني إني بعرف أرد عليهم في ده. وبنت عمتي ابتدت تعمل حاجات زيي وتلبس براحتها عشان كنت بدافع عنها، وأعرف أناقشه وأحاول أبسطله الموقف بلغته. فبقى فيه تطور وتغيير والبنت بقت بتلبس براحتها، وغير تصرفاته ناحية بنات العيلة لأنه كان بيتدخل في طريقة لبسهم".
أما أماني فتطرقت لسؤال العذرية ومفهوم الشرف، الذي يُلقى على عاتق النساء بإسم الدين والعادات والتقاليد، والذي تتجلى فيه الازدواجية التي تعيشها المجتمعات فيما يتعلق بالنساء. فتحكي عن إدراكها لتلك الازدواجية أثناء دراستها في الخارج: "فاكرة إن لما كنا بنتناقش في فصل من الفصول وبنتكلم على فكرة العذرية، وبيسألوني على الوضع في مصر. فكنت بقولهم إن بنات كتير بتلجأ للجنس الشرجي عشان تحافظ على عذريتها، فهما ماكانوش بيبقوا فاهمين يعني إيه؟ إزاي لسا حتبقى عذراء وهي مارست جنس؟ عشان تقنياً حتبقى عذراء. وحسسني ازاي البلد اللي أنا جاية منها ليها خصوصية أكبر، وازاي إن سؤال الجسد وفكرة العذرية فيها تملك أكتر، وفيه نظرة فيها دونية أكتر، وإن العذرية إن حتة الجلد دي أهم حاجة. ودي كانت من الحاجات اللي بالنسبة لي صادمة".
وعلى صعيد آخر فإن الدين يشكل بالنسبة لفايزة جزء هام من انتمائاتها أو الأيديولوجيات التي تؤمن بها. إلا أنها واجهت إشكالية في تقبل العديد من التعاليم والنصوص الدينية التي تعزز من النظرة الدونية للنساء، خاصةً مع بداية وعيها النسوي وتناقض مبادئها مع التعاليم الدينية، واضطرارها لمواجهة إشكالية التناقض في الإنتماءات. ولكنها أدركت في نهاية المطاف إمكانية التقاطعية intersectionalityفي الانتماءات والأيديولوجيات. حيث وجدت في النسوية الإسلامية مساحة من الممكن أن تخلق نوعاً من الموائمة بين أيديولوجياتها المختلفة الدينية والعرقية. وهذه من مميزات الفكر النسوي المتنوع والغير جامد، الذي يضم في طياته طيفاً واسعاً من الأيديولوجيات المختلفة تحت مظلة النسوية: "أنا كنت طول الوقت تقية. كنت بلتزم بالنص الديني حتى لو كنت حاسة بقهر من الفكرة. مثلاً فكرة ليه الستات عورة، والرجالة ممكن تمشي عريانة، وممكن تكون سكسي أكتر من بنات كتير؟ ليه أنا أعتبر شيء جنسي وهو لا؟ من هنا بدأت الخناقة بتاعة الحجاب. اتحجبت وأنا عندي 15 سنة بعد ما صاحبتي رجعت من عُمان محجبة. كان في 1997 وقت عمرو خالد، وكنت بتفرج على حلقاته عندها. ماما كانت مبسوطة بحجابي وبابا ما كانش موافق. وكنت بلبس واسع وبصلي ومسلمش على حد بإيدي. ومكنتش برتاح أروح أماكن فيها شرب. بعدين ابتديت أواجه الأسئلة المستفزة إنه ليه القرآن بيقول إن من حق الراجل يضرب مراته؟ وليه حق الميراث للأخ أكتر، حتى لو أنا براعي أهلي أكتر منه؟ ليه السفر بمحرم؟ وكان في حاجة بتضايقني إني عالقة في النص، لا أنا البنت المتدينة تماماً، ولا أنا البنت المتحررة تماماً اللي قادرة تكسر كل التابوهات. فدايماً خياراتي طول الوقت معقدة".
كما تحكى عن تجربة كانت فارقة في حياتها، حيث شاركت في إحدى الورش لمجموعة نسوية إقليمية تُعنى بسؤال الدين -كممثلة عن المنظمة النسوية التي كانت تعمل فيها آنذاك: "رحت وشفت واحدة بعتبرها مثلي الأعلى، نسوية إيرانية، كتبت عن الجندر في الإسلام، وعن الفرق بين الفقه والشريعة وده فرق معايا في طريقة إيماني أصلاً. وبعدين ابتديت أدرك تقاطع الأيديولوجيا مع الفكر النسوي. واكتشفت إن أنا نسوية إسلامية وإن أنا دايماً مؤمنة بحقوق المرأة، وكمان مؤمنة إن ربنا عادل بس التفاسير فيها أزمة. وحتى النص نفسه ساعات بيبقى فيه أزمة، فمهم فهم السياق التاريخي للنص، وده اللي اشتغل عليه حد زي نصر حامد أبو زيد واللي تم تكفيره بسبب فكره التنويري. فلقيت نفسي في النسوية الإسلامية وكنت بكتب في ده".
كما ان الدين بالنسبة لنرمين يشكل جزءاً هاماً من هويتها، واختيارها للعمل على قضايا النساء من خلال نقد التفسيرات للنصوص الدينية: "أيام ما كنت في الثانوية العامة في بداية الألفينات، وكانت وقت صحوة إسلامية. وفي السن ده كنا بنهتم نقرب من ربنا، وكمان في الصعيد فتحول إن إحنا نبقى متدينين. مكنتش محجبة وقتها، بس إتحجبت في الجامعة من منطلق إني بحب ألبس لبس نوعاً ما واسع وطويل. ولما دخلت الجامعة الأمريكية الجو كان متسامح نوعاً ما فأنا خفت -كان عندي 16 سنة- خفت من فكرة إن أنا أنحرف. خاصةً إنه وقتها كان فيه إعلام مغلوط إن طلاب الجامعة الأمريكية بيضربوا مخدرات وبيرة على الصبح. فساعتها خدت قرار الحجاب. و طبعاً عمرو خالد كان له أثر كبير، هو اللي خلاني طول ما أنا في المدرسه أقول لماما إني عايزة أتحجب وهي كانت معارضة إني أتحجب بدري".
كما أنها تحكي عن أن بداية مواجهتها وإدراكها للتمييز بين النساء والرجال كان يتجلى في حصص الدين في المدرسة. حيث يتم استدعاء الدين كالرد الحاسم أثناء النقاشات: "من أيام المدرسة في حاجة دايماً بالنسبة لي مش مفهومة، ليه أنا مينفعش أعمل ده علشان أنا بنت؟ إحنا بيتنا كان بيتعامل بطريقة عكس كل البيوت، بس كان لازال جزء من المجتمع اللي حواليه، فكان لازم يتقالك مش حينفع تعملي الحاجة الفلانية عشان إنتي بنت ميصحش. فكان دايماً عندي المشكلة دي. وكانت مشكلتي دي في المدرسة بتبان أكتر ويتقالنا الكلام ده بشكل واضح في حصص الدين أو حصص التاريخ. مينفعش عشان كانوا بنات. ودايماً كنت برفع إيدي واسأله ليه؟ إيه السراللي يخليني مثلاً مينفعش إن أنا أعمل الحاجة الفلانية أو أورث قد أخويا عشان أنا بنت؟ مش منطقي. وأنا أصغر شوية بدأت أشوف صحباتي أهاليهم بيقولوهم ما ينفعش تلعبي في الشارع عشان إنتي بنت. بعدين لقيت مامتي بتقولي ما ينفعش ألعب مع الولاد في الشارع عشان إنتي بنت... ليه؟ رغم إني كنت بلعب طول الوقت في الشارع، وبنلعب مع بعض كولاد وبنات. كان عندي 9 أو 10 سنين. وطول الوقت بندرس نصوص واجبات المرأة مفيش نص العكس. وكمان بيخلونا نحفظ النصوص دي. وفي الثانوية العامة لازم تكتبي تعليق على النص، ولازم يكون تعليق الكتاب مش رأيك الشخصي" بالإضافة إلى نفس الإشكالية على صعيد محيطها العائلي: "دايماً كان فيه الجملة المستفزة بتاعة إنتي بنت ما ينفعش تعملي الحاجة الفلانية. أكبر المشكلات اللي واجهتنى لما مات أبويا، إن أخويا كان دايماً يقولي إني لازم أسمع الكلام. فماما تقولي أيوه عشان هو وليّك، وأنا اقلها فوق ال21 سنة وحتى لو مش كده. هما ما سكتوش إلا لما دخلت عليهم من منطق ديني. اللي هوا، مش الدين بيقول إني لو عملت حاجه غلط أنا اللي حتحاسب مش إنتي؟ تقولي أيوه، أقلها إزاي هوا وليي؟ فابتديت أدخل معاهم من منطلق إنه حتتعاملوا معايا بالدين، أنا كمان بالدين. فاكتشفت إن هي الأزمة مش إنهم بيستخدموا الدين ضدي. بس هي كمان ثقافة معينة، سواء طالعة من ثقافة الصعيد، أو عامة من الثقافة الموجودة في مصر كلها إن البنت ليها أدوارمعينة، فطول الوقت بالمنظر ده".
حيث أدى إدراكها بأهمية الإشتباك مع سؤال الدين إلى اهتمامها بالنسوية الإسلامية، والتي تهتم بتحرير النص الديني من السلطة الأبوية والهيمنة الذكورية: "أول علاقة لي بالنسوية كان في تدريب اتعمل تبع إحدى المجموعات. فابتديت أفهم يعني إيه نسوية. وابتديت أدرك إن جزء من اللي بعمله في حياتي فيه جزء نسوي. وابتديت آخد بالي إن في مصطلحات بستخدمها مش gender sensitive أي غير منضبطة جندرياً. ولسه عندي موروثات ذكورية عن إيه المفروض الراجل يعمله وإيه الست تعمله. فابتديت أراجع نفسي وأفكاري. وكنت بحط نفسي في الفكرة لو عايزه أعرف إنها صح أو لأ هل حقبلها على نفسي أولأ؟ يبقى مش حقبلها أو أفرضها على حد غيري. فبقيت بستمتع جداً في العمل من خلال النسوية الإسلامية، بالرغم إني ما بوصفش نفسي نسوية إسلامية عشان بالنسبة لي هوا مش غاية هو وسيلة. بس عامة فكرة الإيمان والأديان والمنهجية بتاعة الفقه عامة، خاصة الفقه الإسلامي اللي اشتغلت عليه النسويات الإسلاميات، بالنسبة لي فكرة مشوقه جداً. إزاي بدأو يفسروا المعلومات ويتأكدو من مصادرها، وتربطي ده بالسياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي. الفقه الإسلامي نفسه والتأثيرت عليه كانت غنية. فأنا كنت وقتها متحمسة لده، عشان طول الوقت كان الناس تقولي ما ينفعش تعملي كذا عشان الدين بيقول كده".
لذلك فالبرغم من أن هناء لا تنتمى إلى الفكر النسوي الإسلامي، إلا أنها ترى أن تجديد الخطاب الديني من خلال جهود النسويات الإسلاميات شيء هام، يساهم في إثراء الحراك النسوي باختلاف أطيافه بشكل عام: "أنا رأيي إنه يا رب يبقى فيه نسوية إسلامية. أنا عايزة أي موجات نسوية تطلع في مصر. لأن النسوية على عكس كل الحركات الأخرى، قوتها في تنوعها، قوتها مش في خلق خطاب واحد. لما بتخلق خطاب واحد في النسوية بيبقى حاجة جامدة أياً كان هذا الخطاب. حتى لو كان خطاب رائع ومنضبط. لازم يبقى فيه أصوات كتيرة، لأن دي بلد متنوعة. والناس هتختلف فيها والإسلام مكون رئيسي فيها. الله غالب [...] أنا مش هبقى نسوية إسلامية، ومبنتميش للتيار ده لأن أنا عملت قطيعة مع الإسلام من زمان بشكل شخصي، مش بس مصدر فكري ومصدر للإلهام. أنا عملت قطيعة عقائدية مع الإسلام. ولكن ياريت يبقى فيه نسويات إسلاميات لأن طبعاً مستقبل البلد دي مش حينفع غير بإصلاح الخطاب الديني. كون الدولة محافظة وبتستعبط ومش عارفة تعمل ده، ده موضوع تاني، بس التيار الواسع الإسلامي المحافظ ده، يطلع قدامه تيار متفتح شوية. أنا شايفة إن ده مكسب لينا وللجميع".
الثورة والحراك السياسي والاجتماعي:
أدت ثورة يناير عام 2011 إلى السماح بانفتاح المجال العام بشكل غير مسبوق أمام العاملات والعاملين في مجال حقوق الإنسان والثقافة والفن والسياسة والكثير من النساء للخروج للمجال العام، والانخراط في المجالات المختلفة، وازدهرت الحركة النسوية منذ ذلك الوقت بالرغم من أن إرهاصات تلك المرحلة بدأت من قبل الثورة بفترة كبيرة. حيث نشطت العديد من رائدات الموجة الرابعة من النسويات من قبل الثورة بسنوات عديدة، وانخرطن في العمل العام والسياسي من أجل تحسين أوضاع النساء في المساحات المتاحة حينها؛ مثل المطالبة بإصلاحات في التشريعات والقوانين والاهتمام بنقد الخطاب النسوي بشكل أكاديمي وتنظيري، بالإضافة إلى بناء الحركة التي كانت على مستوى ضيق قبل الثورة. ولكن المجال انفتح أكثر بعد الثورة بسبب الحراك المجتمعي آنذاك، وانخراط النساء في المجال العام من خلال تكوين مبادرات وأنشطة مختلفة والمشاركة في فعاليات الثورة والانخراط في الحركات الثورية والسياسية. فكانت الثورة بالحراك السياسي والمجتمعي الذي أفرزته بالنسبة للنسويات، بمثابة السياق المثالي لوضع العديد من الأسئلة النسوية على المحك. بالإضافة إلى كونها فرصة لاستقطاب البنات للحركة النسوية، والعمل على إستمرارية الحراك حول قضايا النساء. وفي نفس الوقت فإن هذا الحراك المجتمعي والسياسي، وما أفرزه بشكل واضح من صدام وعنف ضد النساء، شكل محطة هامة في تكوين وعي وإدراك النسويات الجدد، وساهمت الثورة في خروجهن من مركزية الحياة والاهتمامات الشخصية إلى الإنفتاح والإنشغال بالقضايا العامة. حيث إن معظمهن خرجن في باديء الأمر بدافع محاربة الفساد والتعذيب والمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية. وتطور الأمر لإدراكهن العنف والتمييز والتهميش لقضايا النساء، والصدامات التي كانت تحدث حتى داخل الحركات الثورية نفسها. حيث إن مشاركة النساء في الثورة لم تكن بالأمر الهين، وإنما واجهت النساء الكثير من الصعوبات على المستوى الخاص والعام. الشيء الذي دفعهن لإدراك أهمية انتهاج مسار مستقل، وعزز وعيهن بأهمية تبني خطاب نسوي مستقل للمطالبة بحقوقهن.
فتحكي أماني أن قيام الثورة أدى إلى احتكاكها بالمجال العام بشكل أعاد إليها الأمل في أن تعمل فيما تحب، بعد أن كانت محبطة من الوضع العام في البلد. بالإضافة إلى إحساسها باليأس من أن تجد مجموعات أو منظمات نسوية تؤمن بنفس أفكارها. فقررت الانغلاق على نفسها بأفكارها النسوية التي لا يفهمها أحد: "بعد ما رجعت من دراسة الماجستير في الخارج جالي إكتئاب عشان مكنتش قادرة أتكيف مع الوضع تاني. كان عندي Reverse Cultural Shock أي صدمة حضارية عكسية. وكنت ساعتها معتقدة إن مافيش حاجة نسوية حقيقية بالتفكير الراديكالي اللي أنا مؤمنة بيه موجود في مصر. ووصلت مع الإكتئاب أنه يلعن أبوكو كلكو. وده اللي أنا مؤمنة بيه وححاول أكيف نفسي على أساسه، وأتقبل إني أبقى غريبة عن المجتمع اللي حواليا، ومش لازم أنه هوا دا اللي آكل منه عيش. فقررت أشتغل في التنمية والأبحاث". ولكن مع حراك الثورة تعرفت على الحركات الثورية، وقررت أنه حان الوقت أن تعمل فيما تحب. وأخيراً انضمت إلى منطمة نسوية: "أنا كنت ضد الثورة وكنت برا الدنيا دي خالص. بس في يوم 28 يناير كنت نازلة أقص شعري، وفيه منظر عمري ما هنساه في ميدان الساعة في مصر الجديدة. شفت واحدة ست أربعينية جسمها قليل وشعرها قصير وماسكة يافطة مكتوب عليها حاجة، وأمن مركزي قدامها 4 أو 5 صفوف واقفين قصادها وهيا ماسكة اللافتة وبتمشي تجاهم. فأنا وقفت العربية وبراقب المنظر وخايفة إنهم يشدوها أو يضربوها أو أي حاجة. فجأة قررت أنزل أشوف إيه النظام بنفسي. فنزلت من العربية على كوبري 6 أكتوبر قبل نزلة التحرير ولقيت دوشة وغاز[...] قررت إني مش حسمع كلام الناس. ونزلت التحرير وشفت حالة اليوتوبيا إللي كانت في الميدان. وإن الرجالة بتعتذر لما تخبط بحد والستات والبنات قويات. فحسيت نفسي هناك. وبعدين بدأت أحداث العنف اللي بعد التنحي. وكنت بنزل وأتكلم مع الناس وأصور وأكتب الحاجات اللي بتحصل. وبعدين دخلت في المجال العام واتعرفت على حركات ثورية. وكنا بندخل في أحداث وفعاليات كتير. واتعرضت للاذى أثناء الثورة في أحداث مجلس الوزراء[...] وكنت طول حياتي بطريقة أو بأخرى بحس إني باخد بالي من أهل البيت بشكل أو بآخر. فحسيت إنه كفاية وإنه لازم أرجع أشتغل. سمعت عن وظائف شاغرة في منظمة نسوية وقدمت واتقبلت. ودي كانت نقطة تحول في حياتي. حسيت إن هو ده المكان اللي كنت بدور عليه طول عمري. وإنه هو ده التوجه الراديكالي اللي بدورعليه طول عمري. حسيت إنه المكان بجد فعلاً بيشتغل على بنى حركة وإنه راديكالي ونسوي بشكل خالص. حسيت إن كان فيه لمبة مطفية وعليها تراب مردومة فجأه بدأت تنور، أول ما جيت المكان ده. وحاسة إن أنا بطريقة أو بأخرى بعوض جهلي كل السنين اللي فاتت إن أنا مدورتش كويس، ومكنتش أعرف عن المنظمات النسوية اللي بتشتغل بجد".
أما بالنسبة لمها، فبالرغم من أن مجال عملها ودراستها كان في مجال السياحة -وهي من القطاعات التي تضررت بشكل كبير بعد الثورة- إلا أنها تحكي أن قيام الثورة والأحداث المتوالية لها فتح مداركها ووضع أسئلتها في المحك عن وضع ومكانة النساء في المجتمع، وأين هن من كل ما يحدث. بالإضافة إلى إدراكها أن الخطاب الثوري آنذاك لم يكن كافياً ليتناول قضايا النساء. فانخرطت في الحركات التي كانت تناهض العنف والتحرش الجنسي، وانضمت للعمل في منظمة نسوية بعدها وفهمت أكثر ووجدت نفسها في هذا الفكر: "إبتدت حاجات تتفتح مع الثورة، ليها علاقة بإحنا كستات مكاننا فين مع شغلي مع مجموعات ضد التحرش والمظاهرات، اللي ليها علاقة بالعنف الجنسي والتحرشات والاغتصابات وكده خاصة في 2013. ابتديت أحس إن فيه حاجة تانية، فيه حاجة ناقصة من الخطاب اللي كان موجود ساعتها في الثورة اللي ما كانش فيها حاجة ليها علاقة بالستات. وكنت مهتمة جداً بشكل شخصي أنزل معاهم وبعدين مع شغلي في منظمة نسوية ابتدا يتشكل أكتر وعيي النسوي. وابتديت أفهم يعني إيه نسوية ويعني إيه الأيديولوجيا دي. وابتديت أعرف نفسي كنسوية، وإن ده بينطبق عليا فعلاً. وابتديت أتخانق خناقات إن الناس بتقول إن النسويات أشرار ومبيحبوش الرجالة والكلام السخيف اللي كنا بنسمعه حتى من زمالائنا في النضال. وإن إزاي بيعتبروا نزول الستات في نشاطات مواجهة التحرش في الميادين عبء على المجموعة اللي بتنزل في التدخلات. كانت الحاجات دي بتستفزني. وابتديت أبقى فاهمة أكتر السياق إزاي كنسوية جوا الإطار ده بيبقى في هخناقات مهمة جداً لازم نخوضها، وازاي إحنا مش متشافين".
أما ميسون فتحكي أن انخراطها في الحملة الانتخابية لأختها جعلها تدرك أن النسوية هي الطريق الذي تريد أن تكمل فيه. لأن التجربة أبرزت الديناميات الاجتماعية التي تبين طريقة تعامل المجتمع مع مشاركة النساء في السياسة والعمل العام، ابتداءً من الأسرة مروراً بالمجتمع الخارجي وانتهاءً بالدولة ومؤسساتها. لذلك فهي ترى أن النسوية مهمة للإجابة على تلك الإشكاليات: "أختي قررت تنزل إنتخابات مجلس النواب، وبابا كان موافق بس بعد ما اتوفى، الأهل كانوا ممانعين إن بنت تنزل الانتخابات وتتحط صورها في كل مكان. بس هي صممت تنزل وأنا شجعتها وكنت ماسكالها الحملة. وشفت الحاجات وهي بتتكسر قدام عيني واحدة واحدة. فكرة إن الدعاية موجودة على الكباري، وصورة واحدة ست مش رموز وشعارات. بعديها عمل المؤتمرات الجماهيرية. وبعديها تجربة إني ألف أوزع الدعاية، وحملات طرق الأبواب والإحتكاك بناس تجي تسأل عايزين حقوقكوا ليه فاضل إيه في حقوقكم ماخدتوهوش؟ فاضل كتير[...] الحملة عززت عندي فكرة ضرورة وجود ستات أكتر في البرلمان. حسيت إن التجربة دي إنك بتكسري الصنم اللي عند الناس، إن الستات متعرفش تعمل ده أو متقدرش تعمل ده في حاجات كتير. حتى في المؤتمرات الجماهيرية والناس تبقى عارفة إن فيه حالة عملتها واحدة وإخواتها البنات بحملة صغيرة، وتحسي إن الحاجات بتيجي واحدة واحدة من خلال العمل حتى لو بحاجات صغيرة لأن الحاجات مبتتغيرش بس بالتفكير ولكن بالفعل".
وتحكي داليا أن انخراطها في العمل السياسي والحقوقي من سن مبكرة كان من أهم أسباب تكون إدراكها وورعيها النسوي. فبالرغم من أنها لم تنتهج النسوية بشكل واضح من البداية، ولكن تعرضها لمواقف مختلفة من التمييز جعلتها تدرك لاحقاً أنها كانت تحدث لها بسبب كونها امرأة ناشطة سياسياً، وأن المنظور الحقوقي المجرد غير كاف للتعامل مع التمييز الذي يحدث على أساس النوع: "كنت مختلفة عن إخواتي إني بحب أنزل وأجرب وأشتبك وانخرطت في السياسة من سن مبكرة. من أيام الثانوي وأولى جامعة وأنا بلعب سياسة وكنت بنتمى لحركات ولحزب سياسي ودخلت إتحادات طلبة واشتبكت مع الثورة. لسه وقتها مكنتش مدركة إن في حاجات بتحصل في حياتي وسببها إن أنا ست. بس كان في مشاهد مختلفة في العمل السياسي مريبة لما بحاول أفهمها دلوقتي كان بيحصلي ده عشان أنا ست. إني يتفرض عليا أجي بدري وأروح بدري. ولما حد يقلي أو ينصحني أصل انتي بنت. كان دايماً بالنسبة لي مربك. ولما جت الثورة، أنا وأخويا كنا بننزل بس ساعتها ماما تقولي هو اللي يبات في الاعتصامات إنتي ما تباتيش. بس الثورة ساعدتني أكسر الحاجات دي وفرضت إني حنزل الشارع وحبات في الشارع وفي الحزب [...] بعد الثورة ابتديت أدرك وأتعلم يعني إيه عمل حقوقي، وابتديت أركز مع العمل الحقوقي أكثر من النشاط السياسي. حتى لما كنت بشتبك مع حقوق النساء بشوفها من منظور حقوقي مش نسوي، ودي في رأي الآن إنها نظرة سطحية وبعيدة عن الحقيقة. بس بعدين فهمت الفرق بين المنظور الحقوقي والنسوي بعد ما انخرطت في عدة نشاطات مع مجموعات نسوية".
أما نرمين فتحكي أن الثورة بالنسبة لها كانت التجربة المريرة، التي تجلى فيها التمييز بينها وبين أخيها والتمييز ضد النساء عموماً. وتذكر بحسرة عدم قدرتها على المشاركه في العديد من أحداث الثورة بسبب هذا التمييز: "الثورة دي الكلكيعة، اللي هي أكبر من عقدة، الكلكيعة الكبرى في حياتي. يوم 24 يناير2011 كنت أنا وماما في القطر من القاهرة للاسكندرية. وأنا كنت بحاول نأجل رجعتنا للأسكندرية عشان عايزة أنزل يوم 25 يناير، وماما رفضت وأصرت نرجع عشان عارفة إنه كان هيحصل قلق، ومنعتني حتى إني أروح أبات في حتة أو عند أصحابي. وأنا كان أسهلي أفضل في القاهرة عشان ليا أصحابي أنزل معاهم، أما في الاسكندرية معرفش حد. فلو كنت حنزل حنزل لوحدي. وقد كان. وفي الوقت اللي كانت بتتخانق معايا متروحيش متنزليش وأنا بسببها ما نزلتش لغاية يوم 9 فبراير. في نفس اللحظة كانت تبص لأخويا وتقوله إنت حتفضل قاعد مش ناوي تنزل؟ من منطلق إنه هوا ولد ولو جراله حاجة هوا راجل وهوا اللي عليه الجهاد مش إنتي.أنا فاكرة إنها يوم 28 يناير جابتني من الشارع. كنت أياميها لسا داخلة موجة التدين. فقالتلي أنا مش هقلك غير إن إنتي لو نزلتي وحصلك حاجة أنا مش مسمحاكي. وأنا أيامها كنت خايفة فعلاً إنه لو مت أو حصلي حاجة وهي غضبانة عليا أكيد هخش النار. كان فيه ابتزاز عاطفي طول الوقت. وأنا لحد دلوقتي مش قادرة أسامحها على ده [...] أنا مكنتش عندي انتماءات سياسية بس كنت عايزة تغيير، وكارهة اللي بيجرا خاصة إني اشتغلت في مناطق زي عين الصيرة مع جمعيات خيرية. اللي تشوفي الحكومة فين؟ الناس بتضرب بعض عشان كيس لحمة لما كنا بنوزع الاضحية".
أما روان فتحكي أن أكبر دافع لها للمشاركة في الثورة، كان الحصول على حريتها على الصعيد الشخصي: "الثورة خلتني أتمرد. كنت بنزل عشان حياتي أنا. ماكانش في دماغي لا عيش ولا كرامة، بس أنا نازلة عشاني أنا. طبعا كنا بننزل مظاهرات من ورا أهالينا، ويكون عندنا امتحانات وأبويا يشوفني في التلفزيون في مظاهرة أو بعمل لقاء في التلفزيون ويتخانق معايا […] في المظاهرات في الشارع كانوا يمنعونا نهتف عشان بنات، وعشان جسمي كبير مكنتش أعرف أجري وأنا ماسكة المايك. بينما الرجالة يجيبولهم عربية نص نقل بيهتفوا منها وما كانوش يخلونا نطلع معاهم. فأنا كنت أجري وأنا بهتف". إلا أن انخراطها في الثورة والعمل السياسي والعام أظهر لها مدى التمييز ضد النساء، فتحول دافعها من الشخصي الى العام. وكان من أهم نقاط التحول في حياتها عندما حضرت إحدى الدورات النسوية مما دفعها فيما بعد أن تكون مجموعة نسوية شابة في محافظتها مع أخريات تعنى بقضايا النساء ودعمهن: "واجهت مشاكل من انخراطي السياسي. إن الناس تروح لأبويا في البيت إنه عيب بنتك في الشارع وصوتها عالي، وإحنا خايفين عليها وسمعتها وإنت راجل بتخش الجامع، ولبسها وبتجري في الشارع. أبويا مش قاسي، كان قدام الناس يدافع عني بس بيني وبينه بيضغط عليا. إنتي مش حتتجوزي وجبتيلي العار والناس بتشتمني بسببك. كنت في اللحظة دي متمردة لحد العصيان العظيم. كنت أدغدغ البيت وأقله محدش يكلمني أنا حرة، الكلمة دي بتعصبهم. من أيام الثوره بقت قضية البنات على عاتقي، وكنت عايزه أفهم في المواضيع دي أكتر. وموضوع الحرية كان بيمسني قوي في حياتي الشخصية. كنت فاكرة إنه لو الدولة اتحررت، الحياة كلها هتتحرر. حتى على حياتي الشخصية، إن أنا حكون حرة في حياتي الشخصية. إن أنا هقلع الحجاب وأشتغل اللي أنا عايزاه وأحب اللي أنا عايزاه. كنت عايزه آخد كورسات أكتر عن الاشتراكية والمواطنة، وكنت على تواصل مع محاميين حقوقيين. لقيت إعلانات عن المدرسة النسوية في 2011 ماكنش الإعلان واضح قوي. قدمت فيها زيها زي أي ورشة سياسية، عشان أبقى قيادية أكتر في الحزب اللي كنت وقتها فيه، وكنت ماسكة فيه عمل جماهيري. بعد كده لقيته دوجما وعواجيز، قلت حسيبه وأشتغل مع الأحزاب اليسارية. أول يوم في المدرسة لقينا المحاضرة الصبح بتقولنا دي مساحة آمنة للستات إتصرفوا زي مانتوا عايزين، إقعدوا القعدة اللي انتوا عايزينها، إلبسوا اللي انتوا عايزينه. أنا أول ما سمعت كده قلعت الطرحة والجزمة وكل حاجة خنقاني.[...] أنا قاعدة مربعة 10 ساعات وبشوفها بانبهار. شعور غل. بقول لنفسي يعني أنا صح يعني أنا كل السنين دي بيتضحك عليا".
وبالنسبة لرندا فإن الثورة دفعتها للانخراط في العمل العام، وألهتمها فكرة القدرة على التغيير. حيث إنها أرادت أن تساهم في تغيير واقع وتمثيل النساء في مجال الإعلام. وساهم انخراطها في أحداث الثورة وما بعدها في بلورة دورها ومشروعها لخلق مساحة إعلامية تعبر عن قضايا واحتياجات النساء الحقيقية في ظل العنف والتمييز والتهميش الذي تتعرض له النساء:" أول انخراطي بعد الثورة كان في السياسة وانتمائي للاشتراكيين. ما انخرطتش قوي عشان كنت لسه عايزة أشتغل في الإعلام، وما كنتش عايزة يكون عندي توجه يبقى محسوب عليا. بس كان عندي رؤى سياسية. وقررت وقتها إني مش عايزه أبقى مذيعة، حسيت إني مش هبقى مبسوطة وأنا بسعى لده وأتعرض للتحرش والكلام ده كله. قررت إني عايزة أبقى مراسلة عشان أنزل ميدان التحرير، وعشان أنزل الشارع وأبتدي أحتك بالناس. ولو مش ميدان التحرير أبقى بصور في أي فعاليات. اللي هي فكرة القرب من الناس. الفترة دي كمان ابتدى تظهر وقائع التحرش في التحرير، وقائع التحرش اللي ظهرت بشكل عنيف وملموس أكتر بسبب انعدام الأمن وفيه توحش أكتر. كمان ابتديت أشوف البنات اللي كنت بشوفهم منكسرين قبل الثورة بتتغير. مثلاً واحده كانت محجبة غصب عنها قلعت الحجاب وجت القاهرة استقلت وبتشتغل. فكرة التغيير اللي حواليكي دفعتني دفع إني أتغير وأحس إني عايزة أبقى جزء من التغيير ده".
كما تحكي آمال وسمية أن سبب تكوينهن لمجموعة شابة في محافظتهن جاء بعد مشاركتهن في الحراك الثوري. حيث مرت المجموعة بالعديد من التطورات في الأهداف والرؤى، لتصبح في آخر المطاف مجموعة نسوية. بسبب إدراكهن أهمية العمل على قضايا النساء من هذا المنطلق. فتقول آمال: "فكرة تكوين المجموعة جت بعد الثورة بعد أحداث ليها علاقة بالمجلس العسكري. بس كانت دي أول مظاهرة البنات يقرروا ياخدوا طريق مختلف عن اللي بياخدوه الولاد. وفكرة المجموعة كانت منطلقة إن البنات مش تابع لحد في الحراك الثوري، بس ساعتها لسا ما كناش عارفين إن في مصطلح إسمه نسوية. عرفنا ده مع أول تخطيط إستراتيجي للمجموعة اللي نظمته منظمة نسوية. وابتدينا نفهم إن فيه مصطلحات تانية تشرح الحالة دي. وابتدينا نقرأ عن الموضوع أكتر ونحدد إحنا عايزين نشتغل على إيه. وبدل ما كانت الفكرة بس أنه نعمل لوبي للبنات اللي بتشتغل في المجال العام عشان تضغط على رفقائها في العمل في إنهم ميتمش استغلالهن في الأعمال العامة وإقصائهن في الأدوار الفعالة، أصبح من أولويات أجندتنا العمل على قضايا العنف والتمييز في كل من المجال الخاص والعام اللي بتعاني منه البنات في محافظتنا".
وتحكي سلوى عن دور الثورة في إدراكها للتمييز أو العنف الذي قد تتعرض له النساء بسبب كونهن نساء، خاصة عند رغبتهن الانخراط في العمل العام: "قبل الثورة مكنتش بعرف نفسي بأي هوية سياسية أو نسوية أو أي حاجة متعلقة بالشأن العام. تزامن كذا حاجة مع بعضها كنت باخد كورس جندر في الجامعة، حسيت إني مهتمة أكتر بالحاجات دي قبل ما أعرف نفسي بيها. الثورة نفسها فتحت عنيا لموضوع التمييز على أساس النوع بشكل أساسي، لأني قبل الثورة مكنتش بحس بالتمييز شخصياً لأن عليتي متحررة. كنت بصاحب الولاد عادي وصاحبي يجي البيت وكنت بلبس اللي أنا عايزاه ومكانش ليا كيرفيو. وكنت عندي امتيازات كنت محمية من الشارع، وكنت محاطة بمجتمع المدرسة الخاصة ومكنتش بركب مواصلات. الثورة عرضتني لفكرة إن فيه حاجات مينفعش أعملها عشان أنا بنت. إني مينفعش أتظاهر أو أبات في التحرير بشكل واضح عشان أنا بنت. لو كنت ولد كنت هنزل وهبات. وكنت حاسة طول ال18 يوم بعذاب إن في حد حابسني ومقيد حريتي جداً، وإن مكاني أكون في التحرير مع الناس اللي مؤمنة باللي بيعملوه ده. في سلطة ما مخلياني معملش ده. أهلي مقالوليش متنزليش عشان إنتي بنت، ما منعونيش أنزل عشان شايفين إن البنت ما يتنفعش تشارك، بس هم خايفين عليا وعشان أنا بنت يقدروا يمنعوني. لو كنت ولد حيقلقوا عليها نفس القلق بس مش حيقدروا يمنعوني، لكن في الآخر هو حر مش حيقدروا يمنعوا الولد لأن الولد له حرية الاختيار إنه ينزل وميتحبسش. كمان فكرة المناقشات اللي كانت بتحصل جوا الحزب حوالين الاعتداءات الكبيرة اللي حصلت في التحرير، مكنتش وقتها نشطة في الحزب، مكنتش وقتها مدركة الخناقات الكبيرة إن الحزب بيتكلم عن الاغتصابات ولا لأ، بس فاكرة كويس جداً مناقشات وحدة الجيزة. وواحدة من قياديات الحزب وهي بتتكلم وإصراراها إن إحنا نفتح الموضوع ده، وإن إحنا يكون لينا دور. كنت معجبة قوي بده، وعشان هي كانت بتعرف نفسها بوضوح إنها نسوية، فده كان بداية إعجابي وإدراكي بالنسوية. عشان أنا كنت بقول أيوه أنا نسوية، وعايزة أكون نسوية عشان أنا عايزة أقول نفس الخطاب ده. وده كانت بداية إني أقول بوضوح إني نسوية".
أما بالنسبه لهناء وهي باحثة وأكاديمية من رائدات هذه الموجة من الحركة النسوية، فالثورة والحراك الاجتماعي والسياسي الذي تبعه كان بمثابة فرصة جديدة للاشتباك والانخراط في الخطاب النسوي. من خلال المنظمات والمجموعات التي ظهرت ونشطت مع الثورة. حيث اختارت تعليق رحلة دراستها في الخارج، والرجوع إلى مصر للانخراط في أحداث الثورة. كما أنها اختارت بشكل واع التواجد مع تلك المجموعات لأن الخطاب في بقية الأحزاب والمجموعات لم يكن كافياً للتعامل مع قضايا النساء كما يجب. حيث ساهمت الأجيال الجديدة من الشابات في خلق حراك حول قضايا النساء وأنعشت الحركة النسوية: "أعتقد إن الثورة جت علينا إحنا كمان كمجموعة كنا أولريدي كان عندنا هم، هيا كانت بمثابة ميلاد جديد لينا على مستويات كتير. مش إحنا بس، بل الأجيال اللي أكبر وأصغر مننا القادمين الجدد للمشهد السياسي والعمل العام. فطبعاً أنا أول ما قامت الثورة كنت خارج مصر بحضر الدكتوراة. رجعت فوراً وخدت إجازة من الدراسة، وأصريت إن أنا أرجع وكان عندي إحساس إن أنا لازم أبقى موجودة. ولما رجعت مصر نهائي بداية 2013، قررت إن أنا أرمي نفسي تماماً. كنت عضوة في مرحلة من المراحل في حزب ما،. كنت في 2011 شوية ناشطة وبحضر الاجتماعات وكده. بس حسيت إن اليسار لسه على حطة إيدي متغيرش، والحوار النسوي كان دون المستوى. ولقيت الحوار النسوي الحقيقي بيحصل في مجموعات نسوية وفي مجموعات مناهضة العنف الجنسي وفي مجموعات البنات اللي بتطلع دي. يعني ما هو مهم بيحصل في مكان تاني مش في الأحزاب. فبالتالي قررت أروح مكان ما بيحصل حراك في المواضيع اللي هاماني وشاغلاني. قررت أروح مكان ما بيحصل أكشن فيما يتعلق بموضوع الستات، والمكان اللي أقدر أقدم فيه مسامهات، وده كان خياري الواعي من 2012".
وتشاركها منار نفس الرأي -وهي أيضاً من رائدات هذه الحركة- في أن الخطاب النسوي اختلف وتطور بعد الثورة، حيث تمحور الخطاب قبلها حول نقد الخطاب النسوي والاشتباك مع سؤال الجسد والجنسانية بشكل مجرد خارج أي سياق. ولكن الثورة جاءت ووضعت الأسئلة النسوية على المحك. فتحكي عن الاختلاف في شكل وأهداف المجموعة النسوية التي أسستها من قبل قيام الثورة، والتي نشطت بشكل كبير وبرز دورها بعدها تزامناً مع الحراك السياسي والاجتماعي الذي حدث: "الفكرة في المجموعة زمان واللي غيرتها الثورة إنه مكان مرتبط بخطاب النسوية والتوثيق وسؤال الجنسانية وتوثيق حكايات البنات مش الانتهاكات تحديداً. بس الثورة خلقت مساحة للاشتباك مع الخطاب النسوي بشكل أفعال أكثر من تنظيرات. وأعتقد إن ده عشان الثورة عملت مساحة للحراك. السؤال إتغير أصلاً لأن إحنا كنا مهتمين بس بالخطاب أو بنقد الحركة أو الجنسانية خارج إي نطاق. الثورة حطتنا قدام سؤال أساسي حطتنا على المحك. اللي هوا إيه عايزين تعملوا حاجة؟ أهه الفرصة قدامكم إتفضلوا ورونا حتعملوا إيه. كان فيه حراك والثورة بالنسبة لي كانت سياق. كل اللي بتقريه في الكتب حصل. بني آدمين وموجودين، مجال عام ومفتوح وموجود، بنات كتير كتير موجودين، اللي عشتي طول حياتك بتقولي فين البنات؟ السؤال إتغير بدل ما كان إزاي نجيب ناس أصلاً وتعملي خطاب نسوي بيهم؟ إنه الناس بقت موجودة. فالسؤال تحول إلى إزاي تحافظي على وجود الناس دي؟ وإزاي فكرة سؤال الحركة النسوية كتنظيم بمجموعات مختلفة في المحافظات، وناس بتندمج على خطاب معين ومحاولة تحجيم السياسيين وخطابهم طول الوقت لو معرفتيش تجيبيهم على أرضيتك." فهي ترى أن اشتباك النسويات مع سؤال السياسية يعد هدفاً استراتيجياً يخدم الحركة النسوية ومصالح النساء على المدى البعيد وليس بالضرورة غاية في حد ذاته: "وشايفة كمان تكتيكياً واستراتيجياً مساحة السياسة مهمة جداً للنسويات. إنه الاشتباك مع هذه المنظومة بكل أدواتها وتحديها، وإنه ما يبقاش الغاية هو الانخراط السياسي فقط ولكن الاشتباك. ده كمان بيعمل على استمرار إحياء الحراك وبيطور ويفرز الناس اللي بتعمل في السياسة، وإثبات نواياهم ناحية حقوق المرأة، إنه ممكن الكلام يكون سهل ولكن وقت التنفيذ ما يرضاش يمرر قانون أو دستور. وهكذا".
لذلك ترى إيناس رغم إيمانها بالفكرالنسوي منذ سن مبكرة ومحاولة إدماجه طول الوقت في عملها السياسي، إلا أن الثورة كانت السبب في بلورتها لموقفها النسوي بشكل أكثر حسماً وأكثر تعقيداُ. فتحكي عن سمات انخراطها في العمل الطلابي والسياسي منذ مرحلة الجامعة: "كان نشاطي في الأول اجتماعي يساري تقدمي، وفيه حد أدنى من الوعي بالقضايا الاجتماعية زي قضية الفقر والطبقية وقضية قهرالستات من منطور نسوي، وكمان البعد الديني والطائفي [...] كان لسا وقتها عندي مقاومة للمسمى ده (وتعني النسوية) في أيام الجامعة من منطلق أنا إيه نوع النشاط اللي عايزة أنخرط فيه وأبقى مركزة فيه، مش إن أنا مش عايزه أسمي نفسي نسوية. أنا كنت بسمي نفسي نسوية اشتراكية، بس الإنتماء التنظيمي عمري ما كنت في مكان نسوي بحت. بس أنا الجانب السياسي شدني أكتر. و كنت بتابع الحراك النسوي ساعتها. و كان في خناقة قانون الخلع و الجنسية لأبناء الأم المصرية. كنت بتابعها أو اطلع عليها بس كنت بنشط أكثر سياسياً [...] بس ده اتغير مع الوقت والوعي بإن كل هذا الحراك السياسي الواسع من أجل الديمقراطية مش بالضورة إن كل الناس مهتمة بقضايا الستات وانهم شايفين إن لازم يتم مواجهتهها الآن [...] بس الثورة هي محطة كبيرة في علاقتي بالنسوية وحاجات كتير. إتحسم أكتر وإتعقد أكتر. إتحسم إنتمائي للنسوية والنظارة النسوية ابتديت أبقى لابساها طول الوقت مبتتقلعش حتى في القضية الطائفية. والمسألة تعقدت بالنسبة لي أكتر عشان أنا بعد الثورة حسمت أمري إني مش حبقى ناشطة بشكل فردي. أنا عايزة أبقى جزء من كيان بشكل تنظيمي عشان كان عندي رعب شديد إن القوى الرجعية منظمة والتقدمية مش منظمة بنفس القدر. وكان السؤال لما مبارك يمشي أين اليسار؟ فاطرح وقتها إنه يتعمل حزب سياسي جديد لليسار كان في 11 فبراير قبل تنحي مبارك. فحسمت أمري انه ما عادش عندنا رفاهية النشاط السياسي الفردي. لازم أشكال جماعية حتى لو ده بيخليك تتفق مع آخرين على برنامجه. بس في نفس الوقت الإنحياز النسوي إتحسم واتبلور أكتر، لأنه الاستحقاقات السياسية لما كان بيتم اقتراحها علينا، الواحد خد باله إنه الإنحياز ده لو مش محدد ومش متبلور ومش متفقين عليه وكاتبينه، وقت ما تيجي الإستحقاقات السياسية، الستات وحقوقها بتضيع. مثلاً في أول إنتخابات برلمانية في 2012 ما أخدناش موضوع الجندر كوتا بجدية كافية. فالقانون محطش كوتا وجوا أحزابنا القايمة الإنتخابية كانت نسبة الستات فيها محدودة جداً. منتبهناش إنه السؤال بتاع أين النساء في هذا المشهد الكبير؟ إنه لازم يكون موجودة طول الوقت" لذلك هي ترى أن موقفها من النسوية كالتالي: " أنا حاسة إن أنا منتمية للحركة النسوية بس مش التنظيم. موقعي من الحركة إن أنا ينفع أبقى صديقة وقريبة للأنشطة اللي بتعملها المنظمات النسوية، وأحاول أدمجها بقدرالإمكان في العمل السياسي. خاصة إني بنتمي لمجموعة سياسية تعتبر هامشية في تمثيلها في الدولة. محدودة ومعارضة وبيتنكل بيها طول الوقت. فبحاول أن إحنا كحزب نتبنى الحراك ده وبقدر الإمكان، وحتى على مستوى الأحزاب الأخرى".
الوعي والإدراك النسوي:
مما سبق أصبح من الواضح أكثر كيف تكون الوعي والإدراك النسوي، من خلال استعراض مواقف وحكايات هؤلاء النسويات. والتي أثارت لديهن تلك الأسئلة وأثرت على وعيهن وعلى اختياراتهن الحياتية في المجال الخاص والعام. حيث تبدأ الحكايات من خلال الاكتشافات الشخصية الصغيرة التي تدرك من خلالها النساء أنه يتم التعامل معهن بشكل مختلف عن الرجال بسبب كونهن نساء، وأن هناك أمر ما في هذا المنطق. "تلك الاكتشافات التي تقوم بها معظم النساء بشكل أو بآخر في مراحل مختلفة من حياتهن، ذلك الإدراك الأنثوي الذي يستوقفهن لأنه من الصعوبة أن تختار التجاهل بعد الإدراك، من الصعب أن تختار ألا ترى تلك الحقائق بعد أن رأيتها لأول مرة. ببساطة أنه يتم التفريق بين النساء والرجال بسبب اختلافاتهن البيولوجية باسم الدين أو العادات والتقاليد أو أي منطق آخر. ورغم بساطة هذا الإدراك، إلا أنه من الصعب إقناع الآخرين بعدم جدواه، فهذا الإدراك يتحول إلى نظرة جديدة للحياة، الذي يختلف كثيراً عن النظام الموجود حولنا" قد تبدو تلك المواقف بسيطة أو تافهة تارة وقد تكون عنيفة تارة أخرى، وربما تبعتها العديد من المواقف والحكايات. ولكن تظل تلك الحكايات والمواقف الأولى هي التي أشعلت وميض ذلك الإدراك. جميعهن أجمعن أنه لم تكن هناك لحظة حاسمة واعية قررن على إثرها أن يكن نسويات. ولكنها تراكمات للحظات واعية متفرقة من حياتهن، تشكل فيها هذا الوعي وتبلور وتحول من فكر إلى أفعال واختيارات وقرارات مصيرية على المستوى الشخصي والعام.
وعن ذلك الوعي والإدراك النسوي تجادل منار أنه بالرغم من إمكانية اكتساب هذا الوعي بالعلم والمعرفة، إلا أنه ليس بالضرورة أن يصل الجميع لنفس ذلك الوعي رغم التعرض لنفس التجارب: "أنا طول عمري مقتنعة إن الوعي النسوي زي الفايرس virus يا بيجيلك يا ما بيجيش. عشان كده فيه ستات كتير الواحد بيبقى متنرفز منهم إنهم اتعرضوا لحاجات كتير بس ملقطوش الوعي ده. رغم ذلك الوعي ممكن يكتسب بشكل منظم بالخبرة والتعليم المنظم والنقاش. و شايفة إن دي أكبر مساحة ممكن الحركة تفضل مكملة عليها، رغم الضغوطات اللي بيتعرض لها الحراك ومعندهاش مساحات زي السنين اللي فاتت. حتى زمان المساحات المتوفرة كانت قليلة، بس احنا كنا بنحتفي بيها. المساحة دي هي اللي بتدي الأمل وبتخلي ناس تانية تيجي".
وتوافقها هناء أن المعرفة النسوية من الممكن أن تكتسب، ولكنها لا تستمر إلا مع الإدراك والوعي النسوي الذي يؤدي إلى الأفعال من منطلق أن النسوية تجمع بين المعرفة والعمل، وأن رفع الوعي من المساحات الهامة لاستمرارية الحركة النسوية في ظل انحصار الحراك ومساحات الاشتباك والعمل المجتمعي والسياسي: "أنا رأيي إن الوعي النسوي ممكن يكتسب بس هوا ما بيكملش غير بالفايرس ده. بمعني، من خلال تجربة المدرستين النسويتين، إحنا بندي نفس الجرعة المكثفة لمدة 10 أيام على المستوى العاطفي والنفسي كمان مش بس على المستوى الفكري والمعرفي. لأنك بتدي للناس جرعات معرفية مروعة، وبتأثر معاهم وبتخبط في الشخصي. بس مش كلهم استفادوا من الوعي ده بنفس الشكل. فالبتالي إحنا كان هم المدرسة النسوية إن إحنا نساعد التجارب المختلفة دي إن هي تكمل في سكتها. وده عن طريق رفع الوعي وإن إحنا نقدملهم ده اللي عندنا وإنتوا شوفوا هتطوروه إزاي وهتستفيدوا منه إزاي. والحقيقة إن إحنا بنفخر بده، إن معظم الناس اللي حضرت المدرسة مش كلهم استفادوا من النسوية بشكل ما. الأغلبية عملت مجموعات أو مبادرات أو كانت عاملها قبل كده واستفادت من تطويرها. وناس كتير استفادوا على مستوى حياتهم الفردية. فيه بنت كانت في المدرسة النسوية الأولى، كنت حاسة إنها شاطرة قوي وبتاع، بس كنت حاسة إنها أقل واحدة ممكن تعمل حاجة أو مجموعة. بس فوجئت إنها رفعت قضية على متحرش وكسبتها. فالمدرسة أثرت على مستويات مختلفة في كل الناس حتى اللي معملوش مجموعات استخدموا المعرفة في حاجات تانية". وتوافقهن الرأي آمال وهي إحدى النسويات الشابات: "النسوية مش حكر لحد يعلمه. بس بحس إنه النسوية وعي وطلب للمعرفة قبل ما تبقى تلقي. خاصة إن إحنا عايشين في وقت المجال مفتوح والمعلومات متوفرة على الإنترنت. معنديش مشكلة إن كل الناس تتعلم نسوية، بس أنا متأكدة إنه من 20 بيتلقوا نفس التدريب، 5 بس ممكن يطلعوا متشبعين بالأفكار دي وعايزين يشتغلوا على نفسهم".
فبالنسبة للنسويات صاحبات حكايات هذا البحث، هذا الإدراك والوعي النسوي دفعهن إلى تبني الخطاب النسوي بأشكال مختلفة وتقاطعها مع انتمائاتهن واهتماماتهن المختلفة، حيث تعتبرها البعض جزء أصيل من هويتها ووصفها لنفسها، بينما تعتبر بالنسبة لأخريات أداة ووسيلة للمقاومة أو العمل على قضايا معينة. فانصب اهتمام بعضهن على العمل الأكاديمي المعرفي، بينما اهتمت أخريات بدمج تلك الهوية مع الاشتباك مع سؤال السياسة والعمل العام. كما انصب اهتمام العديد منهن بالنسوية في سياق بناء الحركة واستمرارية الحراك. جميعهن مارسن النسوية على مستويات مختلفة في حياتهن، سواء في الحياة الشخصية أو المجال العام. فتعريف النسوية يختلف باختلاف أطياف النسوية المتعددة والمتنوعة. وهنا نسرد ما هي النسوية بالنسبة لهن وما هو تعريفها من وجهة نظرهن الخاصة.
فتعبر عنها ميسون في سياق شرحها لإدراكها للنسوية وتعزيزها من انخراطها في السياسة، وكأنها شيء تمتلكه وجزء منها بشكل تلقائي: "حسيت بنسويتي أكثر لما انخرطت في الحملة الإنتخابية لأختى في الإنتخابات البرلمانية اللي فاتت" وتشرح في موقف آخر لماذا اختارت النسوية بديلاً عن أي منهج آخر: "فكرة النسوية بتتكلم عن فكرة إن الستات مختلفة، لأن الست لما بتبقى نسوية بتدور على الحق في القضية ليها وللي بعديها، لكن اللي بيدور على الحق في المطلق ما بيهتمش بالضرورة بفكرة إن اللي بعده كمان يعمل ده. بشوف إن النسوية مختلفة عن فكرة حقوق الإنسان بشكل عام؛ لأنها بتهتم بفكرة تحقيق المساواة التامة وتعيشي بشكل مختلف. الفكرة دي مش موجودة في فكرة الحقوق بشكل عام". وبتعريفها الخاص.. النسوية هي: "فكرة إن الست تعيش حياتها كاملة متكاملة فيها كل الحقوق والحريات، وتتمتع بكل حاجة ومن دون القيود المجتمعية بأي شكل من الأشكال".
كما تعتبرها منار جزءاً أصيلاً من هويتها: "النسوية حسنت حالتي النفسية، حسستني إن أنا مش مجنونة وإن فيه حاجة إسمها كده وإنها مش حاجه صعبة. الهوية دي مريحاني في حياتي رغم تعب تبعاتها. بحس إنها الهوية الوحيدة في حياتي اللي متغاضاش عنها لأنها شبهي"، كما تسترسل: "النسوية بالنسبة لي هوية بتعريف إن هي حاجة أنا بمارسها في العام والشخصي، وبراجعها في نفسي طول الوقت. هو ده أوفر أو صح أو ظلم. أنا شايفاها هوية لأنها حاجة إنسانية بالنسبة لي. أنا ببص من المنظور ده. النسوية أيديولوجية بتخلي عندك منظور تحليلي ومنطقي". كما ترى أن الحركة النسوية حركة ستظل مستمرة، وليست حركة تصحيحية تنتهي بتحقيق مطلب ما؛ لأن الخطاب النسوي سيظل دائماً في تطور، ويجد ما يشتبك معه ويعمل من أجل تحقيقه: "العالم قبيح وغير متساوي وبيستضعف فئات على مر العصور، فهي حركة مش حتخلص. البني آدمين بطبعهم صعبين ومحتاجين تهذيب طول الوقت، والنسوية جزء من أدوات تهذيب المجتمعات".
لذلك ترى لمياء أن النسوية تعتبر أداة ليس فقط لإيجاد الحلول، ولكن أيضاً لفهم الأسباب التي تؤدي إلى هذا الظلم والتفاوت في موازين القوى: "هي خناقة سياسية وشخصية مرتبطة بأن فيه مجموعة من البشر أو فكر ما شايف أنه فيه عدم توازن في موازين القوى في الدنيا، مش من منطلق يساري بس بشكل عام بين البشر وبعضهم بناء على جنسهم البيولوجي. وهذا الجنس البيولوجي بيلبسهم عباءات كثيرة جداً جداً. عادةً بتكون ضد الجنس البيولوجي اللي إسمه ستات. وبالتالي النسوية هي فكر منشغل أولاً يفهم مش بس إنه يحل. يفهم الحاجات جاية منين وفين وإمتى. لأنه لسا ما عندناش إجابات واضحة وسهلة في المواضيع دي. إنه ليه العالم بهذا المستوى من انعدام العدالة بين الستات والرجالة. فالنسوية هي فكر أو أيدلوجيا مهتمة أولاً بالأسئلة المرتبطة بعدم تساوي علاقات القوى بين الرجال والستات على المستوى البيولوجي وعلى المستوى الجندري. وفي نفس الوقت بيحاول إنه يخرج من هذا المأزق، من خلال مجموعة من الحلول المختلفة اللي بتتبنى في جوهرها فكرة إن من الطبيعي إن الحاجات مفروض تكون أكثر سيولة ومرونة، وفيها مساحة أعلى للحركة والاختيار والتجريب".
كما تجلى مفهوم أن الشخصي هو العام في وصف النسويات لمفهومهن عن ماهية النسوية. حيث أن النسوية بالنسبة لـ سها تكمن في النضالات التي قد تبدو صغيرة على المستوى الشخصي وليس فقط في المجال العام: "النسوية بالنسبة لي هي كل حاجة وهي الصراع في المجال العام وكل حاجة. بس أنا بفضل بتعريفي الشخصي هو الشخص اللي بيصارع في مجاله الخاص الضيق جداً، وإدراك إن اللي بيقع عليه ده تمييز، ويبتدي يقول لأ من غير ما يعرف ده إسمه إيه وإيه اللي بيحصل. فيه كمية كبيرة من البنات اللي قاومت ورفضت حاجات كتير بتحصلها، وعملت حاجات كتير من دون ما تعرف إن اللي بتعمله ده نسوية، ودول بجد نسويات. أنا بالنسبة لي مش شرط المسميات. النسوية ممكن تكون على صعيد نضالات أبسط وأصغر بكتير، وهي دي النسوية من دون تسميات". كما أن أغلب التعريفات تتمحور حول السعي نحو المساواة والعدالة والحرية والاستقلال، فبالنسبة لسناء فالنسوية تعني لها: "الحرية والمساواة والاستقلال بكل معانيه ومستوياته المادية والنفسية. وحاسة إن هي بالنسبة لي حاجة كبيرة بس مبعرفش أعبر عنها بالمفهوم الصح ليها".
كما أن أهم مفهوم تجلى في التعريفات هو قيمة التضامن والدعم غير المشروط للنساء مهما كانت اختلافاتهن للدفاع عن حقوقهن. فالنسوية بالنسبة لـرنا هي: "فكرة إن ستات عرفت تاخد حقها، وبتضغط إنها تاخد حقها، وبتساعد الستات التانية اللي مخدتش حقها"، وتوافقها سلوى في أن النسوية: "هي بجد انحياز للستات إن هم ميتعرضوش لأي تمييز. وانحياز لنفسي إني متعرضش للتمييز. وهو وعي بيتطور طول الوقت فالنسوية مش دايماً بالنسبة لي نفس الحاجة. أوقات ببقى راديكالية وأوقات لا. فهي بتتطور وتتغير بالتجربة والمعايشة". أما بالنسبة لفايزة فهي: "نضال من أجل حياة أفضل للستات وكمان الرجالة، بس من أجل المساواة بينهم. وكمان فكرة التضامن والعدالة. الهدف الأوسع من النسوية هو التضامن، إنك بتمدي إيدك لحد، هو ممكن يكون محتاجها وانها تكسر حالة من حالات السلطة؛ لأني بحس إن الأبوية والذكورية هي سعي للسلطة مش أكتر سعي للسيطرة". كما تجلى مفهوم الحرية والانحياز للنساء في تعريف سمية: "بيعنيلي إن أنا بنت حرة، ليا حقوق المفروض أدافع عنها، وإن أنا عارفة ومدركة إن وجود الراجل في حياتي مفروض يكون مساوي ليا في كل حاجة، ومفيش حاجة بتعليه عني أو تعليني عنه درجة. وطول الوقت وأنا ماشية إنحيازي للستات بمبدأ أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. هنصر أختي ظالمة أو مظلومة لأن أنا شايفة إن ده من حقنا في الوقت ده لغاية ما الكفة تتعدل. والانحياز النسوي بمعنى إني أعرفها غلطها ما بيني وبينها، بس مش حقف ضدها قدام الناس، حقف محايدة على الاقل". وعن اهمية الدعم غير المشروط تقول آمال: "إن الناس تدعم اختيارات بعض أيا كانت، حتى لو مختلفين عننا تماماً على كل المستويات. لأنه لما بتدعمي الناس بيعود ده ليكي بعدين. يعني ممكن واحدة ندعمها ما تحملش نفس الأيديولوجية. فبالتالي مش هتحمل عداء غير مبرر ضدي. دي ثقافة قبول الآخر. وكمان هيدينا مساحة من الناحية التانية إن الذكور تفهم إن النسوية مش حاجة ضد الرجالة. هيبقى فاهم إني ممكن أدعم خياراته طالما ما بتجيش على حقنا كستات".
وعلى صعيد آخر، تتردد العديد من النسويات في تعريف أنفسهن بالنسويات انطلاقاً من مفهومهن عن أن النسوية هي الجمع بين الفكر والعمل، وأهمية بذل مجهود في طلب المعرفة والعمل لاستحقاق هذا اللقب. بالإضافة لإدراكهن أهمية المراجعة الذاتية للأفكار والمواقف بشكل مستمر للتأكد من الاتساق مع الأفكار النسوية التي قررن تبنيها بسبب الترسبات والموروثات الذكورية التي قد تبدرمن البعض؛ بسبب ظروف النشأة في هذه المجتمعات الأبوية. لذلك تحكي أماني : "كنت طول عمري بعرف نفسي إني مهتمة بالقضايا النسوية، ومكنتش مرتاحة إني أعرف نفسي نسوية. بحس إن الكلمة كبيرة وتقيلة قوي، وبحس إنه مش بس لقب بس هي هوية مش سهل ان الواحد يقول أنا نسوية. فبلاقي نفسي دايماً بسأل نفسي هو أنا فعلا نسوية؟ لأن بحس إن الموضوع سهل إن كل واحدة تقول إنها نسوية بس هل هي فعلاً نسوية؟ لسببين؛ أول حاجة إنه بحس إن موضوع النسوية أكبر من إني مجرد بتحلى بمباديء معينة أو بطبقها في حياتي اليومية سواء في حياتي الخاصة أو المجال العام. والحاجة التانية إن فيه مواقف يومية عادية ممكن عشان الأمور تمشي ممكن متكونش مواقفي نسوية". وعلى نفس الصعيد تحكي شيرين: "أنا شايفة إني لسا ما وصلتش لكم المعرفة أو الشغل على الأرض اللي يخليني أقول إني نسوية. ده غير إني في مواقف كتير بحاسب نفسي فيها، هل أنا بتصرف تصرف أبوي أو نسوي فيها. أنا شايفة إنه عشان أكون نسوية لازم أكون حققت حاجات في المجال العام والخاص وفي وعيي الشخصي تخليني أحس إني متأكدة وواقفة على أرض صلبة.". كما تحكي عن تطور فهمها للنسوية: "في الأول كان عندي مفهوم ضيق عن النسوية إنه متعلق بمفهوم المساواة وإنه الرجالة والستات لازم يبقوا زي بعض، وكنت واخدة الموضوع من منظور عيالي قوي اللي هي خناقة بين الرجالة والستات، وإنها خناقة ما بينا وبين الرجالة إنهم بياخدوا حقوقنا وإحنا لازم ناخد حقوقنا. بس دلوقتي شايفة إن الموضوع عدالة أكثر منه مساواة. يعني أنا شايفة إن النسوية هي مجموعة من المباديء اللي بترسخ لفكرة العدالة بين الرجالة والستات، وليه عدالة مش مساواة عشان أنا شايفة إنه الأبوية نفسها بتظلم الرجالة صح مش أكتر من الستات بس هم كمان بيبقوا مظلومين ومش فاهمين. لما بيتحتم عليهم إنهم يكونوا في قوالب معينة وإنهم لازم يبقوا أقويا وميعيطوش ولازم يكونوا مسؤولين بطريقه معينة. كلمة لازم في حد ذاتها حاجة مش لطيفة وأي حد بيحاول يخرج برا القوالب دي أو يكسرها بيقابل عنف. فأنا شايفة إن النسوية مجموعة من المباديء اللي بترسخ العدالة بين الرجال والستات وتكسر من القوالب النمطية، بحيث إنه ميكونش فيه حد محبوس جوا قالب هو مش عايز إنه يكون جواه، وإن كل حد مختلف تماماً عن التاني".
وعن أهمية إدراك التنوع والإختلاف ومراجعة الذات المستمرة في النسوية تقول مها: "إدراك إن إحنا ستات واقع علينا قهر بسبب نوعنا الاجتماعي، وإن إحنا في نضال مستمر على كل الأصعدة في المجال الخاص والعام إن إحنا كستات ما ينفعش نعمل حاجات معينة عشان إحنا ستات. وإن إحنا لازم نكون مؤمنين بالإختلاف، ونكون شايفين إن البنى المجتمعية هي قابلة للتغيير مثل أدوار الرجالة وماهية الرجولة، وليه في فرق وفجوة بين الرجالة والستات وإدراك إن المسطرة واسعة قوي من الهويات الجندرية مش محصورة في الرجال والستات بس. وموضوع الجنسانية إنه مش بس ثنائية الذكر والأنثى. النسوية إنك تبقى شايفة وفاهمة ده وبتطبقيه في حياتك الخاصة والعامة، وبتبقى بتراجعي نفسك دايماً قبل ما تراجعي حد تاني في كلامك وأفكارك وتصرفاتك وحكمك على الناس، وتبقى حاطة عينك وسط راسك، ونشتغل على تقييم نفسنا قبل الآخرين بسبب التربية والمباديء المزروعه فينا مسبقاً. ودي من أهم الحاجات اللي نعملها، خاصة لو فكرنا نعمل حزب أو تنظيم إنه الناس تعمل جلسات قراية وتقييم ذاتي بشكل مستمر. قبل ما نبتدي نقيم الآخرين نبتدي بنفسنا الأول".
إلا أن التنوع والاختلاف في التسميات والتعريفات لماهية النسوية بسبب الطيف الواسع من الأيديولوجيات التي تتبناها النسويات باختلافاتهن قد يخلق إشكاليات رغم مميزاته، حيث أبدت بعض النسويات عن تحفظهن أحياناً لتسمية أنفسهن بالنسويات بسبب تلك الإشكاليات. مثل التعرض للابتزاز والوصم من قبل المجتمع الذي قد يتصيد بعض الممارسات والأفكار التي تبدر من بعض النسويات لتشوية جميع النسويات. لذلك ترى بعض النسويات أن مايهمهن هو جوهر ما يقمن به وليس المسميات. فتجادل رشا: "أنا مبحبش المسميات من زمان في أي حاجة، لأننا غصب عننا هنخرج عنها، وطيف النسوية واسع في ناس بتقول وتطلع عنه. عشان كده أنا مبعرفش نفسي نسوية. بعرف نفسي إن كل الناس زي بعض ولازم يتعاملوا بنفس الطريقة. عشان ما بحسش إن كل تعريفات النسوية الماركسية أو الليبرالية ما بتناسبنيش أنا، بس بؤمن إن كل واحد ياخد حقه. بس أنا متحيزة مع الستات لأنهم مش واخدين حقوقهم، وبدافع عن حقوق الستات وبكره الفكرة النمطية عن الستات بغض النظر عن المسمى. أنا مع حقوق الستات بغض النظر عن المسميات".
كما برزت أثناء المقابلات إشكالية التعرض للإقصاء حتى بين النسويات أنفسهن، حيث برز سؤال من يملك صك النسوية؟ ومن له الحق أن يعطي هذه الصفة أو ينتزعها من الغير؟ وهذا من أحد أسباب تردد البعض في تسمية أنفسهن بنسوية. فتجادل داليا: "أنا نسوية بصراحة بس عندي أزمة رهيبة مع صك النسوية. حاسة إني محتاجة أكتب عن مشكلة عدم إدراك الناس إن فيه مدارس في النسوية. عندي إشكالية مع تعريفي إني نسوية؛ لأنه أصلاً تعريف النسوية صعب في أطياف كتيرة راديكالية وليبرالية وعندك أنواع كتيرة من النسوية. فهبتدي أخش في تصنيف جوا التصنيف عشان أقول أنا إيه. بس أنا عارفة جوا نفسي أنا إيه. عشان كده مبقيتش مهتمة أدخل في صراع إني أعرف نفسي أنا إيه للتانيين. أعمال الشخص أو رؤيته أو تبنيه لمنظور ما هو بيخليه يتبعه، بس كينونتي مش محصورة في النسوية. وعشان كده دي الأزمه بتاعتي إنه لما يتم التبرؤ من أفعال راديكالية من بعض النساء إنه ده مش النسوية مع إني بشوف طرحهم نسوي بس من مدرسة مختلفة. وعندي إشكالية إني مبعرفش أعرف نفسي إن أنا نسوية بس أنا فاهمة إني متبنية النسوية، ومبحبش أصنف الناس إنهم نسويات أو لا، وبقى عندي أزمة إن طرح النسوية على إنه يبقى يا إما وصمة أو تعالي".
وتشاركها راندا إشكالية الوصم أو الإقصاء التي تأتي مع المسميات، فتجادل أن: "الإشكالية مش في الإسم. الإشكالية في الناس اللي حواليكي. أنا بفضل أعرف نفسي إني مهتمة بالدفاع عن قضايا النساء من خلال الأدوات الإعلامية. بس لما أجي أقول أنا نسوية فالناس تيجي تحطلك criteria أي معاييرمعينة. فلو أنا في حاجة منهم وقعت، فأنا بدعي أو بفرض نفسي عليه أو يقولوا شوف فلانة النسوية. فمثلاً عشان تبقي نسوية لازم الناس تتوقع منك إنك تتكلمي بنفس طريقة واحدة نسوية تانية، أو يكون كلامي مبني على قواعد ومباديء مؤسسة نسوية ما. أنا بحب يكون لي شخصيتي المستقلة. أنا إعتراضي على التسمية إني عايزة أبعد عن إني أبقى محسوبة على فئة معينة وفق النمطية اللي المجتمع بيحطها للنسوية. وبتتعرضي للمسألة إنك لو بعدتي عن حاجات معينة يقولك إنتي ما بتعمليش ده ليه، سواء من النسويات أو الناس عموماً. كل واحدة ليها نمط، وتتوقع إن الناس تكون شبها. فلو الخناقة على المسميات خلوهالكم. بس أنا مؤمنة بالنسوية جداً، خاصة إن الثورة نمت عندي فكرة إنه لابد من تغيير. فخليلكم إشكالية المسمى ده وأنا ههتم بالتغيير [...] بالنسبة لي هو مفهوم شامل لكل الحاجات اللي بعملها بس بالنسبة للناس لا. بس أنا بشكل واعي استراتيجي مبسميش نفسي نسوية، رغم إيماني بده. أنا مؤمنة بيه جداً بس كل واحد بيعرف النسوية تعريف ويحطه بإطار معين، بيفرضه على التانيين وأنا مش عايزة ادخل نفسي في معارك فرعية".
كما تسترسل أن النسوية بالنسبة لها: "بشكل بسيط من دون الكلام المجعلص اللي إحنا حافظينه ده. الفكرة أنا بالنسبة لي النسوية هي التحرر من الطوق والقيد. فكرة الطوق والإسورة. أنا معتقدة إن إحنا بنحرر بعض بالفكر النسوي. النسوية في اعتقادي الكلمة نفسها هي فكرة القوة الكامنة عند كل واحدة فينا، إن إحنا إزاي نستخدمها عشان نكسر الطوق والإسورة اللي إحنا كلنا محاطين بيها بإختلاف الدرجات. مثلاً البنت اللي بتيجي من الأقاليم، عندها الطوق والإسورة متمثل في الجهل وفي مفهوم الشرف، أو ممكن يكون فيه خوف من المجتمع اللي حيتكلم عليهم لأن إحنا مش عايشين لوحدنا. ممكن الطوق يكون عدم الثقة والخوف من الناس والازدواجية. ففكرة النسوية إنه يكون دايماً يبقى فيه تضامن نسوي بينا وبين بعض كنساء، وإن إحنا نقدر ندعم بعض بأن إحنا نقدر نكسر الطوق أوالإسورة، لأن ده كمان لما نقدر نكسره بنكسر معاه للرجالة إنهم نفسهم بيعانوا. لأن النسوية مش بتحرر الروح، عندنا لكن كمان بتحرر الرجال من القيود اللي هما حاطينها على نفسهم أصلاً، لأن هم دايماً يا عيني في صراعات داخلية حتى لو هم مؤمنين باللي إنتي بتقوليه، بيبقى خايف من المجتمع حيقول عليه إيه لو عمل كده. ففكرة إن إحنا نتضامن كنساء إن إحنا نحرر بعض من المشكلة دي فإحنا بنحرر مجتمع بأكمله". لذلك تؤمن روان أن النسوية هي الحل والمنهج الأمثل لتغيير المجتمات ككل: "أنا شايفة إن الحل الأمثل لتغيير ثقافة المجتمعات جذرياً هي المباديء النسوية لأنها مش خاصة بست، هي متعلقة بكل حاجة بالدين والعقلية والحرية والجنس والراجل والأطفال والتربية والتعليم، وفي المجال العام ممكن نقول إن القضية النسوية قادرة إنها تحكم العالم كله".
كما ترى النسويات الحق في تقرير المصير للنساء ودعم حرية الإختيار مهما كانت إختلافاتهن هو جوهر النسوية بلا منازع، فتقول هناء: "النسوية بالنسبة لي هي الحق في تقرير المصير للستات، بجد مفيش بقى كاتالوج لده. ممكن يكون الحق في إنك عايزة تتجوزي وتخلفي على عينا وعلى راسنا، بس ده مصيرك إنت مقرراه. بس مفيش حاجة تتجبر عليكي، متحسيش بالقهره، متحسيش إن كان ممكن تبقي حاجة ومابقيتيهاش. أنا كم الستات اللي بتكلم معاهم كبار، منهم أمي. مؤخراً اللي بيقولوا إحنا كان ممكن نبقى حاجة ومبيقينهاش مرعب. طبعاً الرجالة أكيد بتحس كده والحياة بتحبط الناس كلها. بس الستات في إحباط مضاعف كده إنهم حتى ما جتلهمش الفرصة وهما ضيعوها. مينفع حد يتظلم الظلم ده كله. يعني موضوع الختان ده بالنسبة لي مينفعش إنه ميبقاش الجريمة اللي تتحط في أولويات أجندات الدولة والمجتمع ده. ده في حد ذاته يدل إحنا ليه محتاجين النسوية وحنفضل محتاجينها. مينفعش كل الستات ديه بيتعمل فيها كده". وعلى نفس الصعيد تقول لمياء أن الاختيار: "هو فكرة حق الستات في تحديد مصيرهم في كل حاجة. من أول شكلهم ومظهرهم وميولهم الجنسية ونمط علاقتهم الجنسية وغير الجنسية وكل ماهو مرتبط بالاختيار، اللي هو نمط الحياة هو سؤال مهم جداً ومحوري وجوهري. وكمان السؤال الأكثر راديكالية المرتبط بالهويات الجندرية والحريات الجنسية والمرتبطة بالدورالإنجابي".
وكما تم ذكره سابقاً، أن كل هذه التساؤلات قد تبدأ من ما هو شخصي من واقع حيوات النساء الخاصة، إلا أن الوعي النسوي وإدراك أن الشخصي هو العام، يساعد على نقل تلك التجارب من الحيز الشخصي وترجمتها في المجال العام. فتقول هناء: "النسوية زي ما بتبتدي بالتجربة الحياتية، إللي أنا كلمتك عليها دي والوعي بيتفتح إزاي شخصياً، زي ما هي لازم تنتهي إن أنا أخرج من الشخصي ده للعام. إن تجربتي الشخصية دي مهمة بس إللي يهم هو المجموعة. إن تجربتي الشخصية خلتني أبقى إيه وإن أنا أقدر أفهم العام. بس مينفعش أقيس وفقاً لتجربتي الشخصية إن كلنا حاجة واحدة". وذلك لأن مفهوم الشخصي هو العام لا يعني بأي شكل أن تتمحور النساء حول تجاربهن الشخصية مما قد يؤدي إلى حالة من المزايدة بين تجارب النساء. فليس بالضرورة أن تتعرض النساء لنفس أشكال العنف أو التمييز لتصبح ناشطة نسوية. وإنما تعني إدراك أن ما يحصل في حياتنا الشخصية هو بالتأكيد له تبعاته على المجال العام، وأنه جزء من منظومة أكبر تحكم المجتمعات. كما أن ما يحدث في المجال الخاص لا يجب أن يتم حصره وإخفاؤه كقضايا ثانوية، وإنما هي قضايا شأن عام ولا تعني النساء فقط وإنما المجتمع ككل. لهذا لطالما اهتمت الحركة النسوية عبر موجاتها المختلفة بالاشتباك مع تقاطعات النسوية في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية والفنية بأدوات ومقاربات متنوعة. لأن الاحتكاك والاختلاف مع قطاعات وبنى المجتمع بمؤسساته المختلفة هو جوهر العمل النسوي والذي يساهم في إثراء الحركة النسوية بشكل عام.
لذلك تواجه النسويات دوماُ العديد من التحديات بسبب إدراكهن ووعيهن واختياراتهن النسوية على الصعيد الشخصي والعام. نظراً لأن السؤال النسوي متعلق بالأساس بالعمل على تغيير البنى المجتمعية والمؤسسية الأبوية المبنية على علاقات قوى غير متكافئة والتى تعزز من عدم المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع. فتواجه النسويات على الدوام هجمات شرسة من المستفيدين من هذه المنظومة في محاولتهن للدفاع عن حقوقهن والسعي نحو تحسين أوضاع النساء والعدالة والمساواة لجميع أفراد المجتمع. وهنا نسرد أهم التحديات التي تواجه النسويات على الصعيد الشخصي والعام بسبب وعيهن واختياراتهن النسوية.
تحديات الوعي النسوي:
أجمعت النسويات أن الإدراك والوعي النسوي في حد ذاته له تبعاته وتحدياته. فيشكل العبء النفسي المترتب على هذا الوعي أهم التحديات التي تواجهها النسويات، حيث أنه يخلق حالة من الكآبة والعزلة والإحباط ويجعلهن أقل تقبلاً للواقع الذي يعشنه. وعلى صعيد الاختيارات والأفعال تضطر النسويات لخوض معارك في حياتهن الشخصية والعامة للدفاع عن معتقداتهن أو لمواجهة الأفكار التي تعزز وتكرس من مكانة النساء الثانوية، وتبرر العنف والتمييز ضدهن.
فتحكي منار أن: "الاختيار النسوي بيخليكي أكثر كآبة ويخليكي شخص بضان لأنك في حاجات ما بتاخديهاش كده ومتقدريش تكملي كده. فأنا واحدة من الناس اللي فعلاً الناس بتبقى متوترة من وجودي في أي حفلة. وبقيت مبتعزمش في أماكن كتير جداً. ليه مثلاً أبقى سهرانة في مكان وتشوفي واحد بيتحرش بواحدة والمفروض تتعاملي معاه بلطف؟! أو إن هو يفضل يتكلم عن اد إيه هو متفتح ومع حقوق الستات وازاي بيتعامل مع بنته، بس إنتي بتبقي عارفة إنه كداب، فأنتي مفروض تقوليله واو إنت عظيم يا أستاذ!". كما أن هذا الإدراك قد يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب، فتسترسل منار: "إدراك عدم المساواة والظلم دي حاجة وحشة وبتخبط فيكي كل شوية، بالذات لو إنتي واخدة الموضوع ده بشكل إنساني مش بس كشغل في المجال العالم. ده حاجة سخيفة إنك تبقى مدركة إنه كل موقف بيبقى مرتبط بفكرة (إنهم حقاً لا يحبوننا يا أمي) هما شايفنا أقل منهم مهما عملنا. دي حاجة كئيبة ممكن الشعور ده يوصل للرغبة بالإنتحار. وبشوف في بنات من بنات المبادرات، ابتديت أحس إن النسوية كأبتهم وهم كانوا جاينلنا منورات عن كده. بس هو يكئب على المستوى الإنساني. كمان مع التواطؤ الرهيب على الحاجات اللي بتحصل عادي كده وكمان الناس بتتعامل معاكي إن انتي إللي أوفر. دي حاجة بجد مستفزة".
فتحكي روان تبعات إدراكها ووعيها النسوي إثر إلتحاقها بإحدى المدارس النسوية التي تنظمها إحدى المنظمات النسوية كل عام: "بعد المدرسة النسوية، كنت كل يوم بحس إني بشيل جبال وأحطهم على قلبي مش العكس. لغاية آخر يوم في المدرسة حسيت إني كبرت 20 سنة. حسيت إن فعلاً الهم كبير وحقيقي. مش مشكلتي الشخصية دي مشكلة ستات العالم مش بس مصر. حسيت إن الأزمة وجودية عالمية من كوننا إناث". كما تحكي فريدة شعورها بالعزلة والإحباط: "الناس إللي شبهك بيبقوا قليلين جداً اللي فاهمين، وعندهم وعي سواء من الستات والرجالة. ده بيخليكي طول الوقت بتتعاملي مع ناس مش شبهك، وبخليني طول الوقت عايزة كل الناس شبهي وكل الناس تفهم. وده بيحبطني، بحس بالعزلة. أنا مبسوطة إن أنا كده بس حاسة إن محدش شبهي. بس أنا بيصعب عليا إني عايزة إن الناس يبقوا فاهمين وعندهم وعي بحقوقهم. مثلاً ماما مش شبهي وعايزاها طول الوقت تبقى فاهماني".
وتشاركها أماني نفس إحساس العزلة وعدم تقبل الواقع بشكل يومي: "بحس إن ناس كتير حوليا ما بيفهموش اللي بقوله أو يعتبروا أفكاري شاذة جداً أو يستهزؤا بكلامي. إن أنا بشكل يومي فيه حاجات كتيرة بتزعجني ومبقبلهاش زي العنف والتحرش اللي بيحصل للستات. وإن الناس تتريق وتتعامل إن الحاجات دي عادي. وفاكرة إن أهلي ما كانوش مصدقين إنه كان بيحصل حالات عنف واغتصاب جماعي، وكانوا بيتريقوا عليا إني بصدق الناس الممولة، رغم إنه حصلي أنا شخصياً". كما ترى مها أن تحديات الوعي النسوي أكثر من إيجابياته: "كل ما الوعي بيزيد المشاكل بتزيد أكتر من المميزات. عشان المعرفة بتخليكي تدركي اد إيه فيه ظلم وقهر وتمييز واقع على النساء. بتخليني أشوف أكثر الناس اللي بتدعي إن هما مناصرين للقضية النسوية وحقوق الإنسان، ولكن هما بيشتمونا وبيحسوا إنه إحنا مأفورين وبنكره الرجالة. والحاجة دي محبطة لأنهم مش بيحاولوا يبذلوا مجهود بسيط إنهم يعملوا بحث ولو حتى على ويكيبيديا عن إيه هي النسوية. النوع ده من الخطاب مستفز ومحبط بالنسبة لي". ولهذا السبب يتم تسمية النسويات بأنهن (قاتلات للبهجة) كما تعتقد فايزة: "وعيك النسوي بيكشفلك أنواع القهر والتمييز. مثلاً مكنتش أعرف إن في حاجة إسمها الدخلة البلدي. لما أعرف عن طقس زي ده وغيره من حوادث الاغتصاب والختان بتوجع نفسياً جداً وبيفضل في خلفية دماغي وبستدعيه ساعة الألم. بسبب مرضي، الحاجات السيئة بتعلم في قلبي ومش بتروح وتفضل بأثر كبير".
أما إيناس فتتطرق إلى نوع آخر من الشعور بالوحدة والعزلة بسبب كونها نسوية وفي نفس الوقت قيادية في حزب سياسي فتحكي عن: " شعور مستمر بالغربة والوحدة بحسه عن الطرفين، عن رفيقاتي في الحركة النسوية وعن زملائي وزميلاتي في السياسة، في جيلي بالذات ممكن الجيل الأصغر فيه ناس حاسمة الموضوع ده أكتر. بس أنا في جيلي مش لاقية رفيقة نعمل ده مع بعض. فهي حاجة نفسية وحاسه إن أنا double agent أي عميل مزدوج، بشتغل من هنا شويه وهنا شويه [...] مثلاً في بنى الحزب اليساري اللي بنتمي ليه، أنا مؤمنة إن اليسار مش ممكن يتبنى إلا وسط حركة إجتماعية، والإنحياز للفئات التي تعاني من القمع الإجتماعي. و شايفة إن الحركة النسوية والاجتماعية بشكل عام هي مستقلة مش منبثقة من اليسار، وضد إن اليسار لازم يضم جواه كل الحركات الاجتماعيه وكإنها منبثقة منه مثل الحركة النقابية، أنا شايفاها بتنشط من موقع إجتماعي مش من منحنى سياسي. فأنا مؤمنة باستقلالية الحركات الاجتماعية بشكل عام وخاصة الحركة النسوية. غير كده هنكون بنعيد إنتاج النموذج الشمولي السوفييتي الناصري ده تاني [...] الحزب اليساري بمفهومي أنا مش حيتبنى إلا بكده، في علاقة تبادلية بين الحزب والحركة الاجاتماعية. بس تلاقي إن فيه اهتمام إن ده يحصل مع الحركة النقابية مثلاً لكن مش بالضرورة الاهتمام بالحركة النسوية. عشان تنوع الحركة النسوية بيخضهم لأن البنات النسويات إنتماءاتهم مختلفة" هذا بالإضافة إلى تحديات على مستوى العمل الحزبي في ترتيب الأولويات والموارد، خاصة في ظل شح الموارد وزيادة القمع على الحراك السياسي والاجتماعي. فتضطر طول الوقت إلى الموائمة وتقديم التصحيات.
وتوافقهن راندا الرأي بالإضافة إلى كم التضحيات التي قد تضطر النسويات تقديمها في سبيل انخراطهن في العمل النسوي، وشعورهن بالمسؤلية تجاه القضية حيث ترى أن: "إدراكك للمشاكل بسبب وعيك النسوي بيجيبلك إحباط أكتر. الإدراك ده محبط ومؤلم وموجع. أنا بقيت من نفسي بدور على المشاكل أصلاً. بدور إن أنا أعرف أكتر. ده نفسياً مهلك جداً، وده بيتهيألي التحدي فعلاً مش كل اللي الناس بتعمله ولا اللي بيحصل. ولكن فكرة العبء النفسي، وفكرة إني لما عملت في حياتي تجربة نسوية في حياتي بقت مؤثرة جداً في حياتي إن أنا بقيت عايزة أحافظ عليها جداً لأن أنا من خلالها بساعد بنات تانية. وأدركت إن أنا ضحيت بحاجات وفرص كتير في مستقبلي عشان أحافظ على ده. وأتمنى أكون على المدى البعيد مش غلطانة في ده. فكرة إن إنتي بديتي القضية النسوية على حاجات تانية تخص مستقبلك. أتمنى أكون على المدى البعيد إخترت الاختيار الصح، عشان أنا دلوقتي محبطة ومتخيلة إن أنا ضحيت بحاجات كتير وعمالة أكبر في السن". وعن ذلك العبء النفسي تقول فايزة: "فيه حاجات باخدها على قلبي كنسوية. كان فيه واحدة صاحبتي كانت في علاقة وحملت، فكرة إني مش عارفة أتكلم أو أساعدها ومينفعش أقول لمامتها عشان أنا نسوية ومينفعش تسيبيها. لو كنت بنت عادية مش نسوية كان تعاطفي حيكون أقل، وممكن أقول هيا الي عملت بنفسها كده بس كنسوية مينفعش أسبيها. فده كان تقيل وكمان مفيش نظام دعم نفسي للنسويات. وخلق النظام ده صعب في حد ذاته لأنه المجتمع كله ضدك إلا الناس القليلين اللي حواليا".
وتباعاً ننتقل إلى تحديات أكبر تواجهها النسويات على مستوى العلاقات الشخصية والعاطفية بسبب اختيارهن تبني المبادئ والاختيارات النسوية، ليس فقط في مجال العمل العام وإنما على صعيد حياتهن الخاصة في ظل الوصم والأفكار النمطية التي يصدرها المجتمع على النسويات. فتحكي منار أن: "النسوية تقيلة وفعلاً بتأثر في حياتي الشحصية من أول علاقتي بصحباتي. وإن أنا أكتشف إن نص صحباتي جوازاتهم فعلاً متوترين إن أنا صاحبتهم وفي علاقاتي الحميمية. لأن إيمانك بده مرهق فعلاً . لأن مهما كان الرجل المصري ده متفتح هو بجد عنده مشكلة معانا. وفكرة إن النسوية بالنسبة للناس هي وصم إنها مجنونة أو شرموطة. بس إنتي بتعمليها لأنك بتحبيها". كما تحكي راندا عن التحديات التي تواجهها في علاقتها مع الرجال: "في تحديات ليها علاقة مثلاً في علاقاتي الشخصية بالذكور. فكرة إن عندك أفكار ممكن يتقبلها لحدود، مهما كان المستوى الثقافي والاجتماعي بيبقى فيه حدود لتقبل أفكارك وبيفترض إنه مقابل تقبله ده إنه يبقى في تنازل من طرفي وده مينفعش. على المدى البعيد مش هينفع بالنسبة لي وبتعملي أزمة مع الذكور. لأن فيه نظرة دايماً ليا إني صايعة. حتى في المجالات العامة، طبعاً أول ما يعرفوا إني بشتغل في حقوق المرأة يبقى أنا صايعة، وبيوصل في أوقات إن حد يعرض عليكي عرض جنسي لأنه متخيل إن إنتي عادي، دي حقوق المرأة يعني. بس أنا بكبر دماغي مبتشكليش أزمة". وتحكي شيرين عن تضارب مشاعرها وأفكارها فيما يخص علاقاتها الحميمية: "تحديات الأحاسيس والمشاعر وإزاي أفصل بين العاطفة وأفكاري ومبادئي. إنه نفسي أستقر وأتجوز ويكون لي بيت. وفي نفس الوقت مش لاقية حد بيؤمن بنفس مبادئي النسوية وده بيصعب عليا. وفي مراحل بوصل فيها لليأس وأفكر زي ما كان أخويا بيقولي طالما إنتي دايماً متاحة وموجودة محدش بيتقدم رسمي ويتحمل مسؤلية العلاقة. وأوقات بشوف إن هما كمان نشأتهم الجندرية بتطلعهم أشخاص مش مسؤلين. وأرجع أرضى بأنصاف الحلول أو حاجات أو علاقات نص نص وأرجع مقبلهاش". وتحكي سمية عن الوصم والتهديد بالعنوسة من قبل الأهل والمجتمع بسبب كونها نسوية: "بتتقال بشكل صريح طول مانتوا ماشيين في ده حتعنسوا ومش حتلاقوا راجل يسمح بده. إنه تحطي رأسك براسه ولو لقيتيه يبقى راجل لا مؤاخذه. وماما ابتدت تكرر الجمل دي كتير. ده بيشكل تحدي لأنه أحياناً بنبقى محتاجين نكون في علاقة ومتجوزين، وأحياناً بنحس طز في الرجالة. يلعن أبو الرجالة كلهم. بس بالنسبة للمجتمع دي تعتبر حاجة كبيرة إنك تفضلي معنسة زي ما بيقولوا".
كما تذكر روان تحدياً آخر تواجهه النسويات في حال رغبتهن بالإرتباط وتكوين أسرة خاصة في ظل المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه النساء، وغياب نماذج لأسرة نسوية تحتذي بها وخوفها من تأثير أفكار المجتمع على أبناءها عند احتكاكهم بالعالم الخارجي: "كون الست نسوية أو غير نسوية هي بتخوض نفس المعارك في المجال الخاص والعام. لكن أنا شايفة إن الأزمات بتكون أقوى لما تكون نسوية. يعني مثلاً لو أنا زمان ما كنتش عايزة أخلف عشان عايزة أعيش حياتي أو أتفسح، بس الآن بقى الموضوع رعب عشان لو جبت ولد هربيه إزاي؟ ولو جبتي بنت إزاي حتكوني مسؤلة إنك تخليها تعيش بطريقة ميسرقوش من عمرها ولا ربيع؟ كمان موضوع الإسم، إزاي أتقبل إن أنا يتشق بطني ويكتبوه بإسم جوزي؟ إزاي في المدرسة حدخلها حصة الدين؟ ازاي أدخلها مدرسة تقولها الولاد في صف والبنات في صف؟ ازاي أبقى مسئولة عنها في مجتمع زي ده؟ وهي لو طلعت شايفة إن الحرية حرام وغلط وحتخشي النار. ازاي حعرف أعيش بعد كده؟ ولو جبت ولد ولما يكبر ويختلط بالمجتمع، وحس إن تربيتي غلط وإنه تربية نسوان وإتجه لأبوه أكتر، ويكون رجل شرقي وهل حيطلع حد إبن كلب زي الرجالة التانية وإلا لا؟". وتشاركها نرمين نفس هذا الهم: "على الصعيد الشخصي كمان بصراحة إني في يوم من الأيام لو خلفت هل حعرف؟ مش فكرة إن أنا هعرف أتعامل معاهم بطريقة فيها مساواة وعدالة لأن ده الطبيعي بالنسبة لي. بس هل هعرف مثلاً إنه حاجة معينة المجتمع سامحها للولاد ومش سامحها للبنات. هل أنا هقبل بيها عشان أنا خايفة على بناتي من المجتمع؟ وإلا أنا هيقلهم ميتين أبوهم إعملوا اللي إنتوا عايزينه. هنا بقى السؤال لما اللي بتؤمني بيه حيتحط على المحك أنا مش عارفة حتعامل ازاي".
أما إيناس تطرح هذا التحدي من واقع تجربتها الواقعية كأم لطفلين وناشطة نسوية وسياسية في نفس الوقت فتحكي: " الأمومة دي فيها كذا بعد، فيه بعد متعلق بترتيب أولويات الحياة. إنه جزء من وقتي ومجهودي رايح لحاجات أنا مهتمة بيها وولادي مختاروهاش. فأنا ممكن وقتي ده يكون أعمل حاجات معاهم أو أشتغل في حاجات تدخل فلوس أكتر فيكونوا مرتاحين ماديا أكثر من كده. إبني مثلاً الكبير واضح إنه طول الوقت بيقارن بين الأمهات التقليديات اللي مش بيخرجوا أو يسافروا أو يكونوا متعرضين لخطر أمني، بس هو لسا عنده طول الوقت فخر إن أمه متميزة وإنها بتفهم وإنها ست دماغها تقيلة مش تافهة. وفيه جزء تاني إن أنا خلفت ذكور مش بنات، وده تحدى إنه إبني مثلاً في إطار سن المراهقة -عنده 13 سنة- بينتقد التوجه النسوي والاشتراكي. يعني يتناقش إنه مينفعش الحاجات تبقى كلها بالمجان، ولازم يبقى فيه شكل تاني وكمان في موضوع الجندر إنه في تعميم ومبالغة [...] البنات اللي بيتربوا في أسر متحررة أكثر إحتمالية إنها تطلع متحررة، لأن الأسر بتديهم امتيازات المجتمع مبيديهاش ليهم. أما الذكور هما دايماً اللي في خطورة أو احتمالية يطلعوا رجعيين، لأنه الأسرة بتنتزع منهم امتيازات المجتمع عاطيهالهم. فده التحدي اللي دايماً عندي عشان أنا خلفت ولاد، إنه ازاي أنا هقدر أحسس أولادي أنه شكل وترتيب الأسرة ده، أنا وأبوهم كنموذج للأسرة بيديهم هما كمان امتيازات، بس من نوع مختلف زي إنه بيديك حريات. أنا مش متأكدة وطول الوقت خوفي إنه ازاي أولادي حيحبوا ويبقوا ميالين للنموذج بتاعنا أكثر من النموذح الموجود في المجتمع. هما شايفين نماذج تانية في المجتمع. الأم ليها أدوار معينة ماتسافرش لوحدها. الراجل ليه صلاحيات أكتر من الأم بكتير. فهو إيه اللي هيخلي إبني في النهاية يحب الستات اللي زيي، ويبقى عايز يرتبط بالستات اللي زيي، نسويات ومستقلات ومتحررات. ويتخلى عن الامتيازات الذكورية اللي المجتمع بيديهاله عن إنه يرتبط بست تقليدية. غير إنهم ممكن يلوموني في وقت من الأوقات على انخراطي في النشاط السياسي والاجتماعي، وان جزء كبير من وقتي وحياتي بيروح في حاجة ما بتدخلش دخل للأسرة [...] وفيه تحدي تاني إني لما ببقى بواجه صعوبة في ترتيب وقتي وأولوياتي و يتقالي (طبعاً ما انتي عايزة كل حاجة!) رغم إن أنا شايفة إن ده هو الطبيعي ومحدش بيقول للرجالة اللي بيشتغلوا في السياسة ازاي إنت في حزب، وازاي عندك أسرة وازاي إنت أب؟ خاصة لو إتقال الكلام ده من زميلة. الموضوع بيوترني والناس بتاخد إنطباع إنك مش ممكن تقدري توفي بكل هذه الادوار".
وكما ذكرنا فإن الوصم المجتمعي والصورة النمطية عن النسويات تعد من أهم التحديات التي تواجه النسويات. الشيء الذي يؤدي إلى إقصائهن اجتماعياً وتجنب الآخرين التعامل معهن أو اعتبارهن منحلات أخلاقياً. فتحكي رشا إن الوصم المجتمعي للنسويات من أكبر التحديات التي تواجهها: "بيدايقني وبيحبطني إن الناس تكون دايماً شايفة النسويات يا صايعة، يا معقدة. وده بيتصدر للناس اللي بنشتغل معاهم. فبحس إنهم رغم إن ممكن يكونوا فاهمين الكلام كويس جداً، بس مش عايزين يطبقوه وياخدوا خطوة عشان ما يتقالش عليهم صايعة أو معقدة. فده أكتر حاجة بتحبطني وبحسها سلبية". وتحكي سها أن: "النسوية هي بصراحة وصمة مجتمعية حقيقي. أي تصرف صغير إنتي بتعمليه بيتفسر على إنك نسوية مجنونة حتى لو التصرف ده تلقائي فشخ، ومالوش علاقة بنسويتك. زي أي تصرف في الشغل. مثلاً إن حد زميلي يجي يقول تعالى شوف البنت المزة دي -على واحدة جديدة في الشغل- وبيفتحوا الفيسبوك بتاعها وأنا أقرر إن اللي بيحصل تمييزي وsexist جداً. فأنا أقرر ماقبلش الحوار ده. فهم ينتقدوا إنه أنا بطلع عليهم أفكاري النسوية وكأنها حاجة وحشة". كما توافقها الرأي آمال: "فكرة إقحام النسوية في أي حوار حتى لو الموضوع مالوش علاقة. قلش رخيص على المستوى الخاص. وفي الشغل مثلاً شايفين إن أنا واحدة ماشية على حل شعري وصايعة بس ما بيتجرأوش يقولوا ده عشان خايفين وعارفين إني هفشخهم. كنت شغالة في مستشفى وسبتها من كتر الكلام الكتير. ورحت أشتغل في حتة معزولة في الصحرا عشان أعرف أكمل في الحياة. وعلى مستوى شغلنا في المجال العام، مثلاً لما نقرر كمبادرة نسوية نعمل شراكات مع جهات تانية في مشاريعنا، الناس ساعات بتخاف مننا وميحبوش يشتغلوا معانا عشان ميتحسبوش على معسكر النسوية. يعني ممكن يشتغلوا على حقوق المرأة والختان بس من غير ما تفهم زميلها في المجموعة إن اللي بيقوله ذكوري جداً، بينما إن إحنا مش حنعدي ده وهم بيتنازلوا عن الخطاب ده".
كما يوجد نوع آخر من التحديات تضطر النسويات مواجهته على صعيد المجال العام، وهو اضطرارهن لبذل مجهود مضاعف للدفاع عن المباديء النسوية. بالإضافة إلى الاشتباك مع قضايا النساء المختلفة بسبب هذا الوصم المجتمعي. فتحكي ميسون عن تحدي: "إدراك إن فعلاً الموضوع محتاج شغل كتير خاصة إن فيه وصمة على النسويات أنهن متوحشات، وإن إنتي لازم تحاولي تقنعي الناس إن النسويات مش كده. وكمان المجهود المطلوب عشان تقنعي الناس إن في حد آخد حقوقه، وحد لأ. فبحس إن ده مجهود مضاعف من الستات اللي مش واخدين حقهم، وكمان بيحاولوا يقنعوا الناس إنها تتغير، وإنها في نفس الوقت تحاول تاخد حقوقها. خاصة إن الناس بتستنكر إن الستات بتطالب بحقوقها ويقولك إيه الحق اللي انتوا عايزينه".
لذلك تضطر النسويات على المدى الطويل خوض نفس المعارك، والعمل على نفس القضايا بدل من الانشغال بتطوير الخطاب النسوي بسبب جهل المجتمع واستهتاره وتهميشه لقضايا النساء. فتحكي منار: "الحاجة التانية هي فكرة العودة للأساسيات حتى على المدى الطويل. أنا نسوية في حياتي الشخصية والعامة على مدى سنين. مثلاً كنت قاعدة امبارح مع صديق بيسألني نفس الأسئلة والأساسيات. إنه بيتفاجأ إن الستات لحد الوقت ده في الدستور مالهاش ولاية تعليمية على عيالها، أو إن الستات متقدرش تعمل عمليات لأولادها القصر، لازم موافقة الراجل. إيه يا جماعة بجد؟! جهل الناس بالأساسيات. وإن فعلاً الحاجات مبتتطورش. أنا نفسي أعدي الأساسيات ونتناقش نقاشات أعمق من كده. اللي هي فعلاً مشاكل النسوية اللي هوا فعلاً إحنا دوجما ولا لأ؟ وإن الحركة فعلاً لازم تبقى راديكالية ولا لأ؟ فيه أسئلة أعمق، لكن بجد المجتمع بيخليكي ما تخرجيش عن مستوى الأساسيات". وعلى نفس الصعيد تحكي أماني: "مؤخراً ساعات بحس إن الموضوع بيتطور شوية وبعدين يرجع. وده حاجة محبطة جداً خاصة في العمل على قضايا العنف. وأدركت إزاي الموضوع مش أولوية حتى داخل الثوريين أنفسهم. وإن الموضوع مش مطروح. ولا زال الموضوع فيه إشكاليات كتير حتى بعد ما الناس بدأت تتكلم عنه. ساعات بحس إن أنا في داخل إطار المنظمات والمؤسسات الصديقة لينا بحس إني جوا فراغVacuum . وأول ما بخرج منه بحس إني مقدرش أتكلم اللغة دي. الناس مش حتفهمني وممكن أبقى مستهدفة أو ممكن الناس تستهزء بيا".
كما تحكي مها عن إحباطها من تهميش قضايا النساء في الحراك الوطني واضطرار النسويات لخوض نفس المعارك في كل مرة: "حاسة كمان إنه الآن لو في مظاهرات مش حقدر أنزل وأشتبك معاها لو هي مش متبنية خطاب نسوي، ولو مفيش فيها من المطالب النسوية اللي بنادي بيها. حاسة إن ده تحدي كبير لما أبقى شايفة إن فيه حراك وطني، وقضية الوطن ميكونش فيها قضايا النساء أولوية. وده تحدي كبير لأنه مش عارفة إنه عمره حيحصل. مش عايزة أنزل مظاهرات ونكرر نفس الخناقات والحوارات والتعامل مع الستات كفاقدين الأهلية، ويطلب مننا مننزلش في الاشتباكات ونتهمش في الإجتماعات اللي أغلبها رجالة، وتهميش قضية العنف الجنسي اللي أخدت وقت وخناقات كبيرة عشان تتشاف. وإن من حقنا الدفاع عن قضيتنا بنفسنا في موضوع العنف الجنسي. وميجيش رجالة تقولنا لأ إنتوا ما ينفعش تكونوا في مجموعات التدخل، الرجالة هي اللي تدافع ووجودكم مضر وبيعرض الآخرين للخطر. حاسة إنه تحدي كبير إنه ننزل بنفس الفكر ونكرر نفس الحاجات. والتحدي كمان إنه من بعد الثورة لسا المطالب من 2011 متحققتش، وفيه تضييق على الحراك والمجال العام مقفول بل بالعكس الموضوع أسوأ. بحس إن أكيد هيبقى فيه حراك. لكن التحدي هل الخطاب هيتغير ولا لأ؟".
كما تحكي شيرين عن التحديات التي تواجهها النسويات على مستوى المجتمع والدولة: "بداية من إن أنا بنت مستقلة قاعدة لوحدي، الناس بيعتبرونا مستهدفين مستباحين. وقاعدة مع بنات لوحدنا وإنهم من حقهم يتدخلوا في كل حاجة، وأتخانق مع الجيران والشارع. لحد القوانين التمييزية وإن الدولة مش شايفانا كنساء مستقلات ونسويات. لأن الدولة بترسخ للحاجات الأبوية في كل حاجة، وحتى صياغة القوانين بتكون أبوية لأن الذكور هما اللي بيحطوا القوانين. وإننا بنبقى متهددين في الأمن إنهم بيمسكوا علينا ملفات يبتزونا إنهم حيبعتوها لأهالينا. إحساس إن أنا متراقبة طول الوقت من الأمن، ويدخلوا أهلي في الموضوع ببقى طول الوقت خايفة. غير التقفيل على الشغل، مافيش حاجة بتحصل وفيه حالة مستشرية من اليأس والإحباط. المجموعات ما بتشتغلش وكل المبادرات حتى لو على الإنترنت ما بتشتغلش".
حيث تواجه النسويات والحركة النسوية تلك التحديات والصدامات ليس فقط مع المجتمع، وإنما بشكل مباشر مع الدولة ومؤسساتها. يحدث هذا في ظل سياسية التضييق بل وغلق المجال العام بشكل فج في وجه العاملين في المجال العام من منظمات المجتمع المدني والحقوقي والسياسي، وحتى الرقابة المفروضة على المؤسسات والمبادرات الفنية والثقافية. فنجد أن النسويات يتم استهداف حياتهن وأمنهن الشخصي بل وتقييد حركتهن ومنعهن من السفر، والتحفظ على المنظمات والجمعيات النسوية التي تخدم قضايا النساء بسبب ما يقمن به من أنشطة، وبسبب تحديهن للأنظمة السلطوية المستبدة والتي تحكم المجتمع ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بمؤسسات الدولة في محاولة من الدولة للإنفراد بالتعامل مع قضايا النساء، وفرض الوصاية والسيطرة على كل ماهو متعلق بهن.
مكتسبات الوعي النسوي:
وبالرغم من مواجهة النسويات والحركة النسوية بشكل عام لكل هذه التحديات، إلا أنها نجحت على عدة أصعدة بفرض نفسها كحركة سياسية واجتماعية مستقلة عن كل الانتماءات. ونجحت في طرح العديد من قضايا النساء على أولوية الأجندة الوطنية. كما أن اختيار النساء للانتماء للفكر النسوي له العديد من المكتسبات التي ذكرتها عدد من النسويات. فزيادة الوعي النسوي في حد ذاته ساهم في توسيع مداركهن وفهمهن لكيفية تكون البنى الاجتماعية وعلاقات القوى والأدوار الجندرية، وخلصهن من حيرتهن وأجاب على الكثير من تساؤلاتهن من خلال رؤيتهن النقدية الجديدة عبر المنظور النسوي. وهذا جعلهن أكثر اتساقاُ مع أنفسهن وقناعاتهن وممارساتهن، بل وأكثر تفهماً وتعاطفاً مع اختيارات الآخرين. كما منحهن هذا الوعي إرادة وقوة لتغيير الواقع، وشكل الخطاب النسوي أهم أدوات المقاومة التي تستخدمها النسويات للوصول لأهدافهن على الصعيد الشخصي والعام. والأهم من كل ذلك هي روح التضامن التي تتولد بسبب ذلك الوعي بين النسويات وجميع النساء بشتى اختلافاتهن وانتماءاتهن.
فتحكي شيرين: "ساعات ببقى ناقمة على الوعي اللي عندي لأني ببقى مش متقبلة حاجات كتير وبتخانق على حاجات كتيرة جداً. وساعات ببقى مبسوطة إن عندي الوعي ده. والوعي النسوي مؤلم جداً بس كمان بيخليكي شخص مختلف تماماً، بيخليكي إنتي. وإني لقيت إجابات لكل أسئلتي واكتشفت إن هو ده شغفي والحاجة اللي أنا عايزياها". وعن الاتساق مع النفس تحكي مها: "بحس باتساق أكتر مع نفسي على الصعيد الشخصي، وحاسة إن أنا نفسي، وإن أنا منتمية للفكرة والعقيدة النسوية، وحاسة إن طول ما إحنا نسويات وموجودات في المجتمع الذكوري الأبوي حنفضل نتخانق خناقات مختلفة بشكل يومي على مساحات بشأن ثقافة العنف الجنسي. وابتديت أشوف بشكل أوضح التمييز اللي بتتعرض له النساء في كل المجالات على كل الأصعدة حتى لو حاجات صغيرة. ومعرفتها خلاني اشوف الصورة بشكل أوضح زي الPuzzle أي الأحجية اللي بتتركب للحاجات اللي كنت حاساها غلط وكانت موجودة في حياتي. وحاسة باتساق وراحة نفسية للمكان اللي أنا فيه الآن عن زمان، وحاسة إني عارفة نفسي وهويتي أكتر. وأنا مين وبعمل إيه وإيه اللي أنا عاوزة أعمله في حياتي بشكل أوضح".
وعن زيادة الوعي والمعرفة تحكي أماني: "بحس إني بقيت واعية بحقوقي أكتر، وقادرة أساعد ناس وقادرة أربط ناس بشبكات وجهات ممكن تساعدها. وفخورة إن عندي الإيمان والمعرفة دي. بدأت أفهم حاجات أكتر عن نفسي والحاجات اللي مريت بيها في حياتي. بقى عندي شبكة من الصديقات والمقربات عارفة إن كلنا بنتكلم بنفس اللغة، وإنه ينفع نتكلم في أي حاجة ودي أهم المميزات. وبقيت قادرة أفهم الناس بشكل أكتر وأفهم الناس بشكلcompassionate أي متعاطف أكتر ومتفهم أكتر. وده نابع من فكرة التضامن الموجودة في النسوية المنطلقة من كونا ستات بنتعرض لأنواع مختلفة من التمييز والعنف والممارسات اللي عايزة تدفن الستات تحت الأرض. بيخليني أبقى فاهمة اللي قدامي جاية منين حتى لو اتعرضنا لحاجات مختلفة. حتى لو إحنا مش صديقات بتأدي لنفس النتيجة. فكرة إن أنا ازاي بكتشف نساء بتجارب وحيوات جديدة وازاي تجاربهم أثرت في حياتهم وقيمهم ازاي. وكمان غيرني في علاقاتي مع الناس عموماً، بيخليني أكون شخص متفهم جداً لأني كنت شخصJudgmental أي سريعة الحكم على الناس جداً، فبقيت أقل حكم على الناس. حاسة إن أنا برغم من كل الاضطهاد والحاجات اللي بقيت واعية بيها وما كنتش بشوفها قبل كده، حاسة برضواإن أنا عندي القوة معرفش ازاي بس هو تناقض غريب. حاسة إن أنا بقيت فاهمة ديناميكيات أكتر ممكن تؤدي لاكتئاب أكثر. بس حاسة في نفس الوقت إن أنا قوية كفاية إني أواجه الكلام ده. وممكن أحبط شويه وبعدين أرجع تاني أكمل عادي".
وعن الدعم غير المشروط وتقبل الآخر تحكي فريدة: "الحاجة الحلوة إني بقيت بحس إني عايزة أدعم كل البنات أياً كانوا. بحب كل البنات أياً كانوا. بقيت بفهم حاجات أكتر واتقبل مثلاً اللي ميولهم الجنسي مختلف، كنت بكرههم ومتقبلهمش، بس بقيت بفهم كل الناس حتى المسيحيين بقيت بحبهم. حتى ماما وبابا لما يقعدوا يشتموهم بناقشهم إنهم زينا وحرام تعملوا كده".
حيث تتجلى قيمة التضامن النسوي كأهم المكتسبات النسوية كما تحكي داليا عن تجربتها مع المدرسة النسوية: "التجربة خلقت عندي الوعي النسوي، مش بس إنه نفهم مفهوم التمييز والعنف وتاريخ الحركة. بس إحنا كمان بنتعلم يعني إيه تضامن، ومن هنا بقيت فاهمة يعني إيه أنا عندي وعي نسوي. يعني إيه إحنا مجموعة أكتر من 20 شخص نشتغل مع بعض. ازاي كلنا نطلع عندنا حالة التضامن دي. ازاي بنشيل بعض. التضامن النسوي يعني إيه إنه ناشطات نسويات اخترن تعرية جسدهن كوسيلة مقاومة. وإني مطلعش أقول عليهم شراميط وولاد وسخة مثلاً. بس ممكن أختلف معاهم بس ما أجردهمش من إنسانيتهم. وخاصة إننا كنا من خلفيات مختلفة. فإن أنا أنجح أطلعهم بيتضامنوا ويقدروا يفهموا اختلافات بعض. وليه ممكن واحدة تستخدم جسدها أداه عشان تعترض بيها". لذلك تحكي رشا أن الوعي النسوي زاد من جرأتها وإيمانها بوجود الدعم والتضامن بين النسويات: "أنا طول عمري ما بتكسفش، بس لما ابتديت أشتغل في منظمة نسوية وفيه ناس شبهي كتير اتجرأت أكتر أعمل اللي أنا عايزاه، وأواجه المجتمع لأني بحس إن ورايا ستات ورجالة".
كما تقول لمياء أن النسوية بالنسبة لها أداة تمكين فعالة للنساء: "هي حاجة empowering طبعاً و أكيد فيه مكاسب. أكيد الموضوع تقيل ويخليكي طول الوقت منشغلة بأسئلة تقيلة ومأزومة ومش حتتحل قريب خالص، بس أنا أقوى وأنا نسوية. عندي بعض المميزات اللي بتمتع بيها مرتبطة بحريتي في تحديد نمط حياتي، وحريتي في إن فيه حاجات بعينها أنا ما بتفاوضش فيها. ودي حاجة بالنسبة لي مريحة جداً جداً. خاصة في الحريات الشخصية زي حرية اللبس وجنس ما قبل الزواج مثلاً. على المستوى الشخصي مريح ومكسب، وبتمارسي نفسك إن أنا بمارس نفسي أسهل وأوضح. وإن أنا مش مضطرة إني أبرر أو أشرح لحد إن ده يصح أو ما يصحش".
كما تحدثت العديد من النسويات أن من أهم مكتسبات كونهن نسويات هو استعدادهن الدائم للدفاع عن حقوقهن، وعدم التغاضي عن أي تجاوزات قد تحط من شأن النساء، أوالسكوت عن أي انتهاكات قد تحدث لهن أو لأخريات. فتحكي ميسون أن: "زيادة الوعي أكبر، وإدراك إكبر إنه الحاجات متبقاش مسلم بيها. خاصة في قضايا العنف وإنه الواحد ميقبلش الحاجات عشان هي كده. ويسأل طول الوقت ليه كذا وليه وماعملش كذا وأفكر بطريقة مختلفة. وعلى صعيد العيلة فهمت ليه فيه تمييز بين الولد والبنت في البيت. وليه ماما بتعمل كده ليه. عشان تفكيرها إن البنات هي في الأول والآخر هتتجوز وتقعد في البيت. فبحاول أغير الذكورية عن طريق إثبات إن إحنا قادرين نعتمد على نفسنا، ونعمل كل اللي ممكن يعملوه اخوتنا الصبيان. ومش لازم نوقف حياتنا على وجود راجل في البيت. وكنت بستغرب لما اشوف حالات عنف حواليا، وبستغرب لما الناس إزاي تقبل ده. بعدين فهمت إن دي اختيارات الناس [...] لكن الناس بتبقى عارفة إن إنتي مش من الناس اللي بتقبل ده ولا حتسكت عن حقها ولا حتعدي حاجه زي كده. لدرجة إن الناس اللي حواليا مثلاً لو حصلهم موقف تحرش أو عنف بيقولوا لو ميسون معانا كنا عملنا محضر. ودي حاجة كويسة في حد ذاتها إن الناس يبقى عندها الوعي ده".
وتوافقها فايزة عن أن زيادة الوعي يمنح النسويات القدرة على فهم ونقد الواقع بشكل مختلف، وعدم التنازل عن حقوقهن: "طول الوقت عندك القدرة إنك تبصي للأشياء بشكل مختلف، والقدرة على تبني وجهة نظر مغايرة. مش شرط إن السائد هو الصح أو وجهة نظري. وفي الآخر بحس إن ده مهم لأنه بيغربلك الناس اللي شبهك، فبيعملك شبكات دعم وشبكات أخوية. الحاجة التانية إن إنتي تقدري تقفي وتقولي لأ في الحاجات المهمة ليكي. مثلاً لو إنتي متجوزة وجوزك بيضربك، لو أنا بنت عادية حقبل ده ساعات واديله العذر. بس وأنا نسوية بيخليني أدافع عن نفسي وعن حقي. وكمان بتقدري الستات في حياتك. طول عمري بحب أمي، بس لما عرفت دورها كست جوا المنظومة وإنها قدرت تعمل حاجات بقدرها أكتر".
كما تحكي سلوى أن النسوية جعلتها أكثر جرأة لمواجهة الواقع، والإهتمام بدعم قضايا النساء: "حسيت إن النسوية قوتني قوي وحسستني إنه عندي حاجات أحارب عشانها، وعندي سبب أتخانق عشانه. وإنه العالم ده ما بياخدناش بجدية. وإنه لازم تتخانقي عشان تبقي ده. وبحس إن النسوية ادتني مبرر أكبر عشان أبقى صدامية. وبعدين بقى جزء واضح جداً من هويتي. وبقت جزء مهم جداً من اهتماماتي. في أحداث الثورة مثلاً إنه حنأمن البنات ازاي وكده، خاصة إن الموضوع كان بيطرح في الحزب بقوة، وكنت محتارة مثلاً بعد كده لما رحت أعمل الماجستير إني أدرس جندر أو سياسة عشان كنت خلاص بقيت متأكدة إن أنا نسوية زي ما كنت متأكدة من زمان إني يسارية، بقى جزء من هويتي".
وعلى نفس الصعيد تحكي سها أن من أهم الإيجابيات: "إن الناس بيخافوا مني فشح ويعملولي حساب. في الشغل مثلاً حصلي موقف، إنه كنت بدور على واحد زميلي وقلتلهم أنا عايزة مصطفى دلوقتي، قالولي اللي يجيب مصطفى إنه يبقى فيه بنات حلوة، ولما استفهمت قالي واحد روحي احلقي شعرك الأول. فالمدير لما سمع النقاش بيحتد قالهم دي سها تقفلكم المنظمة. خاصة إني مسكتش وبعتلهم إيميل عريض عن فكرة التمييز في العمل وإنه ده يعتبر سب وقذف وإيه الإجراءات القانونية اللي ممكن تتعمل والفرق بينه وبين التحرش. وبعد كده طلبت إني أعمل معاهم اجتماع. المدير خاف فشخ وأخذ صفي. واللي حصل ده تحرش ولازم تعملي محضر رغم إني أعرف إنه حد متحرش في نفسه. أنا بحس إني أقدر آخذ حقي وببقى مبسوطة إنهم بيعملولي إعتبار وميتكلموش قدامي في حاجات معينة أنا مبقيتش أقبلها. حتى صاحبي الحالي، بيحاسب على تصرفاته الذكورية ويعتذر لما يغلط".
وبالنسبة لرشا فإن النسوية بمثابة أداة مقاومة للواقع. وتفخر أن تورثها لإبنتها والأجيال القادمة فتقول: "الاستفادة على المستوى النفسي إني لأول مرة بشتغل شغل مرتاحة فيه نفسياً، وبحس إني هقدم حاجة للمستقبل، حتى لو وأنا لسا عايشة التانيين حيكملوا عليها. وحسيت إن شغلي في مؤسسة نسوية خلاني بحس إني بعمل حاجة لبنتي. إني مش هسيبلها فلوس، بس هسيبلها فكر وأدوات تعرف تستخدمها لمواجهة المجتمع. أدوات مثل إني مكنتش أعرف يعني إيه خطاب. أو ازاي ممكن أقنع اللي قدامي بفكرتي أو معنى المناصرة. ومكنتش أعرف إنه ممكن عن طريق الفن ممكن نعمل حاجة ونقدم رسالة. فكل الحاجات دي بحس إني ممكن أعلمهالها. وبحس فعلاً إني بعمل حاجة وبسيبلها إرث فكري وأدوات تعرف تستخدمها في المستقبل. قبل كده كنت هكلمها عن شغلي كمترجمة أو عن تنظيم المؤتمرات والفعاليات اللي هي حاجات مش هتعلم معاها. والإحساس ده حسيتوا لما بنتي كبرت".
على نفس الصعيد تقول راندا: "أعتقد إنه لو أنا يوم بقى عندي ولاد، بقى عندي فخر إن أنا أحكي عن تجربتي دي. عندي حاجة في حياتي جت غيرت كل حاجة في حياتي. فأنا ملتزمة إن أنا أرد الجميل حتى لو الحاجة دي في الخيال أو حاجة في السما زي روح بتحيط حواليا بفكرة الثورة والتغيير اللي عملته جوايا في نفسي، وخلتني أتعرف على الناس دي ويبقى عندي الوعي ده. وإن أنا يبقى عندي الوعي إن أنا قدر الإمكان أحاول أحافظ على الروح دي تفضل موجودة من خلال اللي أنا بقدمه ده أكيد. وأكيد من الناحية التانية أنا فخورة جداً باللي أنا بعمله بس هو عبء نفسي وجسدي طبعاً".
إذ إن تماهي بعضهن مع هويتهن النسوية يجعلهن يشعرن بالفخر بانتمائهن لهذه الهوية، وصعوبة تصور كينونتهن بدونها. الشيء الذي يدفع سمية للتفكير: "أنا ساعات كمان بفكر أنا حياتي حتبقى عاملة ازاي لو مكنتش نسوية، أو لو مخترتش الطريق ده. حاسة إني مكنتش هعمل حاجة مفيدة عشان أنا مش فاكرة أنا كنت قبلها بعمل إيه".
بل وتذهب روان إلى أبعد من ذلك في تصويرها لمشاعرها التي تلخص إيجابيات كونها نسوية، والتي تعتبرها بداية ميلاد حياتها الحقيقية: "الموضوع عندي متلخص في ثلاث كلمات؛ الخوف والحب والسعادة. بطلت أخاف خالص واللي كان بيخوفني كل حاجة، المجتمع، أهلي، قرايبي، الدين. كل حاجة، الهوا، الناس، الشارع، الرجالة. الخوف، بطلت أخاف. الحب، حبيت كل حاجة في الدنيا. حبيت الحيوانات وبقيت بربي مع إني مكنتش بحب الحيوانات. أنا كنت كائن سوداوي مرعب، رافض للحياة وكاره الحياة. وكنت شايفه إن الدنيا دي فعلاً فانية وفيه الآخرة. بس النسوية حررتني من كل الأفكاردي. النسوية كانت مدخل حياتي، يعني أنا حاسة لو هحتفل بميلادي حيكون عندي 5 أو 6 سنين مش هحتفل إن عندي 28 خالص عشان مش فاكرة حياتي قبل كده. حاسة إني كنت في حلم ما قبل الحياة. السعادة، بقيت سعيدة جداً. أي حاجة بعملها بقيت ما بخافش منها. يعني مثلاً لما كنت برقص برجع أندم إني ممكن أكون غضبت ربنا. بقيت حد متسق مع مبادئه، ومبقيتش من الناس المزيفة اللي بدعي المثالية. وبعمل حاجات صح وحاجات كتير غلط. قبل كده كنت ممكن أخاف شوية، وطول الوقت بسعى إني أكون مثالية. الآن بقيت بكره ده وبكره إن حد يقولي إني مثالية. متحملنيش فوق طاقتي. مقدرش أكون مثالية ومفيش حد مثالي".
لذلك فبالنسية لهناء كان من الصعب أن تحصر إيجابيات كونها نسوية بسبب تأثيرها البالغ على جميع أركان حياتها فتحكي: "صعب الواحد يفكر هي النسوية أثرت عليها لأي درجة، لأن النسوية كانت حاجة مؤثرة جداً في حياتي لدرجة إن أنا مش قادرة أمسك الموضوع. بس النسوية بالنسبة لي كانت وسيلة مقاومة في الأساس. مقاومة حياة مملة باهتة، إنتي متوقع منك فيها إنك تأدي أدوار معينة وليس متوقع أو منتظر منك إنك تروحي أبعد من ده. مقاومة بلادة معينة لأن الحياة في مصر كانت بليدة، قبل الثورة كانت مملة وبليدة. مقاومة مظالم إنتي طول الوقت شايفاها قدامك. فحاسة إنه ما ينفعش. فيه حاجة غلط. يعني النسوية بتجاوب على أسئلتي نظرياً وفكرياً، وكمان بتديني وسيلة مقاومة. وسيلة مقاومة للتهميش. لحياة إنها تبقى رتيبة ومملة. وإن أنا ألعب نفس الأدوار فيها. وسيلة مقاومة إن أنا أقول لأ وأرفض العريس اللي اتقدملي وأنا عندي 19 سنة. والحقيقة إن النسوية هي كانت الوسيلة إن أنا أقدر أتكلم في ده. يا جماعة أنا مش حتجوز كده عشان أنا حرة بعيد عن أي اعتبارات أخرى. أنا حرة في تقرير مصيري. الحق في تقرير المصير زي ما قلتلك".
لذلك وبالرغم من كل الصعوبات والتحديات التي تواجهها كرائدة في الحركة النسوية في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض له الحراك حالياً، والذي طالها شخصياً من تقييد لحركتها وتهديد لحريتها، إلا أن منار تعتبر حبها لممارسة العمل النسوي كشيء أناني وكأن النسوية متعة من متع الحياة بالنسبة لها: "بشكل مبتذل جداً، إني ببقى مبسوطة زي ما بحب أعمل shopping أي تسوق، بحب أعمل ده. بحب أدخل في نقاشات مع البنات، بحب بنات المبادرات النسوية، بحب أشوف الانتماءات الصغيره دي، بحب أشوف إن فيه ده وإن ده ممكن يحصل، بحبه. دي شكل الحياة إللي أنا بحبها. بحب أشوف الحالة دي. يعني مثلاً لما كنت بدخل القاعة وقت المدرسة النسوية أو مدرسة الكادر ببقى مبسوطة. وده إحساس أناني مش فكرة إني بضحي بنفسي عشان الحركة. مثلاً فكرة إنك لما كنتي بتتكلمي مع الناس الشغالين في الدولة عن حاجات زي العنف وحق النساء في السياسة أو في القضاء وكانوا بيتريقوا عليكي. بس الخطاب بيتغير بسبب الأجيال القادمة إللي بتضغط ويضطروا يتبنوا هذه الأفكار اللي كنا بنهاتي فيها من سنين. الإستثمار في البني آدمين حاجة كويسة للشخص نفسه، وكويسة على المدى البعيد بتحسسني بالراحة والسعادة. أنا بحب ده وبحب الإستثمار في البني آدمين. وبحب أحس إن فيه بنات بقوا نسويات وخاضوا المعركة دي، بحب ده".
وبالرغم من أن الوقت لا زال مبكرأ لتحليل شامل عن الموجة النسوية الرابعة بتحدياتها وإنجازاتها، إلا أن الحركة النسوية نجحت على عدة أصعدة، بفرض نفسها كحركة سياسية واجتماعية مستقلة من كل الانتماءات. ونجحت في طرح خطاب مستقل للتعامل مع قضايا النساء خاصة قضايا العنف الجنسي، والذي خرج من حيز النضال النخبوي إلى الإنشغال الجماهيري به. خاصة وقت تجليها في أبشع صورها على شكل الاغتصابات الجماعية في المظاهرات والاحتفاليات منذ قيام الثورة. "فخــلال الســنوات الماضيــة خاضــت النســويات المصريــات معركــة عســيرة لتحقيــق مكاســب متعلقــة بهــذه القضيــة، قوبلــت بعــدم الاهتمــام تــارة، وبالتكذيــب أو التواطــؤ تــارة أخــرى، إلا أنهــن فــي النهايــة نجحــن فــي خلــق حــراك واســع علــى مســتويات مختلفــة، وتطويــر خطابهــن ســواء داخــل الحركــة النســوية نفســها أو الحركــة السياســية والديمقراطيــة الأوســع". فتستطرد هناء بكل الفخر والأسى في آن واحد أن ميلاد استقلال الحركة النسوية المتمثلة في الموجة الرابعة في مصر، تزامن مع قمة الهجمة الشرسة على النسويات والمنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني ككل: "يعني أنا رأيي إن أكثر الفصول راديكالية في تاريخ الحركة النسوية في مصر هو الفصل بتاع يونيو 2013 بتاع التفويض. لأن اللي حصل وقتها كان مروع ولحد دلوقتي بحاول أوصف اللي حصل وبحاول أفهم وأكتب عنه في الرسالة. بس هو الفكرة إن أنا رأيي إن الحركة دي كانت حركة باسلة فعلاً. وكانت حركة كسرت كل التوهمات عن الحركة النسوية أنها نخبوية وإن هي مقتصرة على شغل المنظمات. وإن هي ستات بتكره الرجال، كسرت كل حاجة . أو إن هيا محسوبة على تيار معين في الثورة أو إن هيا مسيسة، هي مسيسة طبعاً والتسيس مش حاجة وحشة، بس قصدي إنه كنا واقفين بمواجهة كل شي بما فيهم مواجهة رفاقنا. يعني الخناقات اللي إحنا بنخوضها من 2005 كانت وصلت لذروتها وقتها في 2013. لأن إحنا كل اللي كنا بنقوله من 2005 و 2006 وبنقلوكوا يا جماعة إن الموضوع ده وحش وآخرته وحشة. وإن اللي بدأ في الأعياد حينتهي باغتصابات في الشارع. إحنا طلعنا صح وما كناش مبسوطين إن إحنا نطلع صح. وكنا نتمنى إنه نبقى غلط وكان فيه كسره كبيرة. بس كان في مصادقة من الجميع، وحصل مصادقة معينة للخطاب ده من كل الناس. بس ده كان على ثمن كبير قوي. وللأسف إن مأساوية الحراك ده كمان تكمن إن المصادقة دي حصلت في نفس القمة اللي بدأت فيه الهجمة الأمنية الشرسة علينا وعلى الكل. أنا أول مرة أفكر في ده بصوت عالي معاكي [...] كان الفكرة كلها إن إحنا لحد وقتها كنا محسوبين على الحراك الثوري، اللي هوا تقدمي شوية ليبرالي شوية يساري وكذا، في مواجهة العسكر أو الإخوان والتيارات الإسلامية. بس في اللحضة دي بقينا حركة مستقلة بذاتها، في نفس اللحضة اللي ابتدينا نتضرب فيها. لأن احنا كنا بنتخانق مع كل الناس وكنا بنقول لكل الناس إنهم عندهم مشكلة في الموضوع ده. وكنا شايفين إن الستات دفعت ثمن من أجسادها في الثورة دي. فهم نالوا حق إنهم يبقى عندهم حركتهم الخاصة ومساحاتهم الخاصة بيهم. وإن الحراك الثوري ده اللي أنكر في الأول اللي بيحصل عشان شرف الميدان ومش عارفة إيه والهبل ده، هو مقدرش ينكر ده. خاصة ان كان فيه اعتراف من الدولة لكل حاجة، و كان فيه اعتراف من جميع الأطراف. اغتصاب الستات في الشارع في قلب القاهرة، وكإن إحنا في دولة كونغو الديمقراطية. فهي الناس اتخضت وخلت كل الناس مش عارفة تتعامل مع اللي حاصل. فكان إعلان ميلاد الحركة دي، طبعاً كانت موجودة من قبلها، واستقلالها عن الجميع بما في ذلك الثورة والحراك الثوري الواسع، كان نفس لحظة وبداية ضربها ومهاجمتها أمنياً [...] والهجمة الأمنية اللي أنا رأيي إن إحنا بنتعاقب عشان قلنا على موضوع العسكرة وعلى موضوع المجتمع. إحنا بنتعاقب لكوننا راديكاليين. لكوننا بنهتم بالقضية بشكل تقاطعي متعدد الجوانب intersectional. إحنا بنتعاقب إن إحنا اتكلمنا على العسكرة زي ما اتكلمنا عن الإسلام السياسي بالضبط. واتكلمنا على الانتهاكات في كل الحالات. واتكلمنا عن حق الستات في تقرير مصيرها بعيداً عن كل الحاجات دي [...] مينفعش نبقى كبش الضحية لكل الناس دي حتى بتاعة الثورة. كان فيه الإحساس ده يمكن محدش قاله بشكل واضح. بس كان فيه كمان فكرة إن إحنا مش حنبقى ضحايا الثورة بس، وحكاياتنا في التاريخ المنسي.لا إحنا لازم نبقى حاجة وحاجة بتاعتنا مش جزء من أي حركة سياسية أو ثورية تانية".
وختاماً، بهذه الكلمات نأمل أن يساهم هذا البحث، بسرده لكل تلك الحكايات الخاصة بهؤلاء النسويات، في تسليط الضوء على التاريخ ليس كما يكتب من قبل البعض، وإنما كما تعيشه وتختبره المناضلات في سبيل الحرية والعدالة والمساواة.