قررت محكمة شمال القاهرة الابتدائية اليوم 11 يناير 2017 منع كل من النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان مزن حسن - المؤسسة والمديرة التنفيذية لـ"نظرة للدراسات النسوية" - وشركة "نظرة للدراسات" وجمعية "نظرة للدراسات النسوية" من التصرف في أموالهم السائلة والمنقولة والعقارية. ويذكر أن هذا القرار تم بناء على طلب قاضي التحقيقات في القضية "173" لعام 2011 والمعروفة بقضية "التمويل الأجنبي للمنظمات”. وتعتبر هذه السابقة الأولى في القضية 173 الي يتم فيها التحفظ على أموال جمعية أهلية، كما تعتبر نظرة للدراسات النسوية كذلك أول جمعية أهلية يتم التحفظ على أموالها في تاريخ الجمعيات المدنية العاملة على حقوق النساء.
تأتي تلك التطورات في سياق استهداف "نظرة للدراسات النسوية" على خلفية القضية 173، بالرغم من كون نظرة جمعية أهلية مشهرة منذ عام 2007؛ ففي يوم 22 مارس 2016 تم استدعاء ثلاث عضوات من فريق نظرة للدراسات النسوية للتحقيق، كما تم استدعاء مزن حسن يوم 29 مارس 2016 ومثلت أمام قاضي التحقيقات الذي قرر تأجيل التحقيق إلى أجل غير مسمى ولم يتم استدعائها منذ هذا التاريخ. وبالرغم من عدم التحقيق مع حسن في أي من الاتهامات الموجهة إليها، إلا أنه تم منعها من السفر يوم 27 يونيو 2016، ثم التحفظ على أموالها وأموال الجمعية على أساس تلك الاتهامات.
"نظرة للدراسات النسوية" هي مجموعة حلمت بأن يكون لها دور في التغيير داخل المجتمع، وآمنت بضرورة وجود مستقبل أفضل لنساء مصر. وقد ساهمت نظرة خلال السنوات التسع الأخيرة في خلق والمحافظة على استمرارية حركة نسوية مصرية. فمنذ إشهار "نظرة" وحتى هذه اللحظة كانت دائما حقوق النساء وقضاياهن هي قِبلة فريق العمل، ولذلك لا نتردد في إثارة القضايا التي تخص حقوق النساء وسلامتهن مهما كانت شائكة، وساهمنا إلى جانب منظمات وفاعلين آخرين في وضع قضية العنف الجنسي - وبالأخص قضية الاغتصابات - على الأجندة السياسية وطرحها للحوار المجتمعي.
ففي نهاية عام 2012 وبداية 2013، مع ازدياد وتيرة العنف ضد النساء في محيط ميدان التحرير والذي وصل إلى حد اغتصاب النساء بالآلات الحادة، كان لنا وغيرنا من المنظمات النسوية دور هام في كسر الصمت والتواطؤ المؤسسي والمجتمعي والسياسي على ما تتعرض له النساء من عنف في المجال العام. ولم نكتفي بتقديم الخدمات النفسية والقانونية والطبية للناجيات من العنف، بل ساهمنا في طرح هذه القضية بإلحاح على الدولة والمجتمع والأطراف السياسية عن طريق نشر شهادات لناجيات، وكتابة أوراق الموقف، والحملات، والضغط من أجل الاعتراف بوجود هذه الوقائع.
وقد ساهم طرح قضية الاغتصابات في محيط التحرير بشفافية في طرح قضية العنف الجنسي ضد النساء بشكل عام، وربط هذه الجرائم بما تتعرض له النساء يوميا من عنف في المجالين الخاص والعام، وإطلاق صافرة إنذار لضرورة الاستجابة لاحتياجات الناجيات. ولولا الدور الذي لعبته المنظمات النسوية في هذه الفترة - ومن بينهن نظرة - لتم تجاهل قضية الاغتصابات والعنف الجنسي كنهج عادة ما يتم اتباعه مع قضايا النساء، إلا أن المنظمات النسوية نجحت في فرض أهمية هذه القضية حتى أصبح رئيس الدولة نفسه يتحدث عن العنف الجنسي في خطاباته ويعتذر عن الجرائم التي ارتكبت ضد النساء يوم حلف يمينه.
لم تساهم "نظرة" فقط في طرح قضية العنف الجنسي، فمن منطلق إيماننا بالتمكين السياسي للنساء وأنه لا تحول ديمقراطي ولا تغيير إيجابي دون مشاركة النساء، عملت نظرة على تدريب ودعم عدد من الكوادر النسائية لمساعدتهن على خوض المعارك الانتخابية المختلفة التي شهدتها مصر بعد الثورة، وذلك لضمان مشاركة النساء وطرح قضاياهن عبر القنوات الديمقراطية المتاحة في المجال السياسي المصري. ولأننا نؤمن كذلك بأن الحركات تُبنى وتستمر بوجود أجيال شابة ومجموعات جديدة، دعمت "نظرة" المبادرات النسوية الشابة التي بدأت تتشكل أنويتها في المحافظات بعد ثورة يناير. فكل ما قمنا به في السنوات الماضية كان نابعا من إيماننا العميق بحقوق النساء والدور المهم للحركة النسوية في تمكينهن.
وفي مقابل تلك الجهود التي قمنا بها وقام بها غيرنا من المنظمات، تصر الدولة عبر قرارات التحفظ على أموال المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وأموال مؤسساتهم أن تحصر معركة المجتمع المدني في قضية "تلقي الأموال"، ووصم الأماكن الشرعية الموجودة وربط وجودها فقط ب"التمويل الأجنبي" وما تراه الدولة مؤامرة خارجية ضدها. وإن كانت الموارد المالية مقوم ضروري لوجود وعمل أي منظمة وضمان استمراريتها، إلا أن عمل منظمات المجتمع المدني لا يقوم حصرا على تلقي الأموال، بل الإيمان بمبادئ وأفكار مرتبطة بحقوق المواطنين\ات والسعي من أجل تحقيقها، ومحاولة هذه المجموعات التأثير الإيجابي في مجتمعاتها. وبالرغم من أن التحفظ على أموال جمعية "نظرة" سيعرقل عملنا بشكل واضح، إلا أن فريق العمل يتعهد بأن يستكمل ما بدأه بكل ما تبقى له من طاقة وأدوات للعمل يكفلها الدستور والقانون.
فالمستقبل الذي نحلم به لنساء مصر مازال بعيدا، وسنظل نعمل من أجله ومن أجل حياة أفضل للمصريات، ومن أجل استمرار حركة نسوية مصرية قوية ومستقلة.