"المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين".
هكذا نصت المادة الثالثة من الدستور المصري لسنة 1923، وعلى مر التاريخ والمجتمع المصري- نظراً لكثرة التغيرات التي طرأت عليه- فهو يتميز بالتعددية الدينية والثقافية العرقية والفكرية واللغوية، وكان من الضروري أن تتولى التشريعات المتعاقبة حماية حقوق المواطنين بلا تمييز بينهم على أي أساس، فقد حاولت التشريعات القانونية في كل مراحل تطورها في النص على المساواة بين المواطنين في الحقوق وعدم التفرقة بينهم أمام القانون على أي أساس.
وبعد ذلك نص الدستور المصري لسنة 1956 في المادة 31 منه على أن: "المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
ثم جاء بعد ذلك دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ليؤكد على ما نصت عليه الدساتير السابقة، فنص في المادة 40 على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
ونظراً للتغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وخروج فئات الشعب المصري المهمشة للمطالبة بحقوقها المشروعة من قبل النظام الحاكم الذي عبث بمبدأ المواطنة واستخدم التفرقة بين المواطنين وإشعال الفتن بينهم واتهامهم بعدم الانتماء على أساس ديني أو عرقي، وتفشت في عهده مظاهر التمييز على أساس طبقي، ونتيجة لذلك فما كان من الدولة إلا القيام بتعديل تشريعاتها القانونية لتجريم التمييز. في عام 2011، قام المجلس العسكري بتعديل قانون العقوبات وإضافة مادة جديدة للباب الحادي عشر من الكتاب الثاني من القانون نصت على: "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وترتب على هذا التمييز إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت الجريمة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة من موظف عام أو مستخدم عمومي أو أي إنسان مكلف بخدمة عمومية".
ثم في 21 يناير 2014، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 82 لسنة 2014 الخاص بتنظيم وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي جاء في المادة الأولى منه أن الوزارة تهدف إلى:
"1- ضمان العبور الآمن للمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بأقل تكلفة وأكثر عائد على نحو يدعم الوحدة الوطنية ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة.
2- تحديد المسائل والموضوعات التي تؤثر في وحدة نسيج المجتمع المصري ووضع حلول جذرية لها و آليات تنفيذها.
3- ترسيخ قواعد المسائلة ومعنى العدالة
4- دعم احترام حقوق الإنسان وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك."
وتوسع المشرع في النص على أنواع التمييز في دستور 2012 المعدل فقد نص في المادة 53 منه على: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
فقد نصت المادة صراحة على إنشاء مفوضية لمكافحة كافة أشكال التمييز التي نصت عليها المادة، ونحن نرى أن قانون إنشاء المفوضية لابد أن يكون من أولويات البرلمان المصري القادم لمكافحة كافة أشكال التمييز الموجودة في المجتمع المصري في الوقت الحاضر، والتي تفشت في الآونة الأخيرة ومنها التعرض للكنائس واستهداف أشخاص بسبب دينهم أو معتقدهم واستهداف النساء في المجالين العام والخاص، سواء عن طريق العنف أو التمييز المبني على أساس الجنس أو النوع وتهميش دور النساء في المشاركة السياسية وضعف التشريعات القانونية للتصدي لمثل هذه الممارسات، وعجز الدولة في التصدي أو طرح حلول للمشكلات العرقية المتفاقمة في الآونة الأخيرة والتي تسببت في إزهاق أرواح كثير من المواطنين المصريين.
ومفوضية التمييز ليست بالشيء الجديد، فلدينا أمثلة لكثير من الدول الديمقراطية التي توجد لديهم مفوضيات لحقوق الإنسان ومفوضيات ضد التمييز ومنها:
مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية:
تأسست مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية بموجب قرار صادر عن البرلمان الاتحادي عام 1986 من أجل السعي نحو الوصول إلى مجتمع استرالي تحترم فيه حقوق الإنسان وتصان وتعزز.
وتتكون المفوضية من رئيس وخمس أعضاء مفوضين معنيين بتطبيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ما بين السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس، ومعنيين أيضاً بالتمييز ضد المعاقين والتمييز العنصري والتمييز على أساس الجنس والسن.
وتعد هذه المفوضية هيئة قانونية مستقلة توفد تقاريرها إلى البرلمان الاتحادي من خلال النائب العام.
المفوضية الكندية لحقوق الإنسان:
أنشئت المفوضية الكندية لحقوق الإنسان في عام 1977 طبقاً للقانون الكندي لحقوق الإنسان، وقانون المساواة في العمل لتطبيق الحقوق والحريات مما أدى إلى تعزيز الديمقراطية لضمان حماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لجميع الكنديين.
وتتشكل المفوضية من رئيس للمفوضية ونائبه وهما أعضاء متفرغين في المفوضية يتم تعيينهم من قبل وزير العدل والنائب العام بكندا، وتعيين ما لا يقل عن ثلاثة أعضاء أو أكثر من ستة أعضاء آخرين على أن يتم تعيينهم من قبل المجلس الحاكم ويمكن أن يكونوا متفرغين أو مؤقتين، ويجوز تعيين الأعضاء للمفوضية لمدة لا تجاوز سبع سنوات وتعيين عضو مؤقت لمدة لا تزيد عن ثلاثة سنوات.
وتعمل المفوضية على تعزيز فهم الجمهور للقانون الكندي للحقوق الإنسان واستلام الشكاوى المتعلقة بالممارسات التمييزية، وتلقي التوصيات، والاقتراحات، والطلبات المتعلقة بالحقوق والحريات البشرية، وتقديم تقرير وتوصية بها إلى وزير العدل.
جنوب أفريقيا:
فقد نص الدستور في جنوب أفريقيا الصادر في 1996 في الفصل الخاص بمؤسسات الدولة الداعمة للديمقراطية الدستورية على النصوص الآتية:
المدافع العام، لجنة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا، لجنة تعزيز وحماية حقوق الجماعات الثقافية والدينية واللغوية، لجنة المساواة بين الجنسين، المراجع العام واللجنة الانتخابية.
وهذه المؤسسات مستقلة، ولا تخضع سوى للدستور والقانون، ويجب أن تكون محايدة وأن تمارس سلطاتها، وتؤدي مهامها دون خوف أو محاباة. وتقوم الأجهزة الأخرى في الدولة بمساعدة هذه المؤسسات وحمايتها لضمان استقلالها وحيادية وفعالية هذه المؤسسات. ولا يجوز لأي شخص أو جهاز في الدولة التدخل في عمل هذه المؤسسات. وتخضع هذه المؤسسات لمساءلة الجمعية الوطنية، ويجب أن تقدم تقريراً عن أنشطتها وأداء مهامها للجمعية الوطنية مرة كل سنة على الأقل.
وترى نظرة للدراسات النسوية المعنية بقضايا النوع الإجتماعي وإشكاليات تواجد النساء في المجال العام والخاص أهمية بالغة لطرح هيئة وطنية مستقلة لمكافحة كافة أشكال التمييز كالمفوضية، ومن ثم صيغ مشروع قانون ينظم تشكيل المفوضية أدناه:
مشروع قانون مفوضية مكافحة كافة أشكال التمييز
(المادة الأولى)
تنشأ مفوضية تسمى "مفوضية مكافحة كافة أشكال التمييز" تتبع مجلس النواب، وتهدف إلى القضاء على كافة أشكال التمييز طبقًا لأحكام الدستور.
وتكون للمفوضية الشخصية الاعتبارية، ويكون مقرها الرئيسي في مدينة القاهرة، ولها الحق في فتح فروع وإنشاء مكاتب في محافظات الجمهورية وتتمتع المفوضية بالاستقلالية في ممارسة مهامها وأنشطتها واختصاصاتها.
(المادة الثانية)
تشكّل المفوضية من رئيس للمفوضية ونائب وخمسة وعشرين مفوض ويحل نائب رئيس المفوضية محل رئيس المفوضية في حال غيابه.
ويراعى في اختيار أعضاء المفوضية أن يكونوا من الشخصيات العامة المشهود لها بالخبرة والاهتمام بالقضايا التمييزية، أو من ذوي العطاء المتميز في هذا المجال.
ويصدر بتشكيل المفوضية قرار من مجلس النواب لمدة خمس سنوات يكون أعضاء المفوضية غير وارد عزلهم خلال تلك المدة، على أن يكون من حق رئيس الجمهورية تعيين كل من: آخر رئيس لمحكمة النقض، آخر رئيس لمحكمة الاستئناف، وآخر رئيس لمحكمة القضاء الإداري.
(المادة الثالثة)
تختص المفوضية في سبيل تحقيق أهدافها بما يأتي:
١- تلقي الشكاوى المتعلقة بالتمييز ودراستها.
٢- إنشاء مكتب قانوني تابع للمفوضية لمساعدة الناجين من التعرض لمشكلات تمييزية، وإعداد الأبحاث القانونية.
٣- إنشاء مكتب لفض النزاعات، ويختص بتسوية النزاعات المتعلقة بالقضايا التمييزية في ما عدا البلاغات التي لا يجوز فيها الصلح طبقًا للتشريعات المصرية.
٤- إحالة الشكاوى لمكاتب النيابة العامة المختصة للتحقيق فيها طبقًا للمادة السابعة من هذا القانون، مع إرفاق تقرير المفوضية عن ملف الشكوى.
٥- في حالة عرض مشكلة على المفوضية لا تتضمن أية حقوق قانونية قابلة للتنفيذ، فعلى المفوضية تقديم تقرير لمجلس النواب بالنقاط الأساسية للشكوى مضاف إليها توصيات لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
٦- تلتزم المفوضية خلال أول ثلاث سنوات من عملها بتنقية التشريعات المصرية بما يتطابق مع المادة ٥٣ من الدستور، عن طريق طرح مشاريع قوانين على مجلس النواب، على أن يلتزم البرلمان بأن يناقش المقترح في مدة لا تتجاوز ٦ أشهر واتخاذ إجراء بشأنه.
٧- متابعة تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتمييز، والتقدم إلى الجهات المعنية بالمقترحات والملاحظات والتوصيات اللازمة لسلامة التطبيق.
٨- إنشاء مركز توثيق لجمع المعلومات والبيانات والدراسات والبحوث المتعلقة بالقضايا التمييزية وإجراء الدراسات في هذا المجال.
٩- التنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية بالقضايا التمييزية، والتعاون في هذا المجال مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والمجلس القومي لشئون الإعاقة وغيرهما من المجالس والهيئات ذات الشأن.
(المادة الرابعة)
يجتمع أعضاء المفوضية بدعوة من رئيس المفوضية مرة على الأقل كل شهرين، أو كلما رأى رئيس المفوضية ضرورة لذلك، ويكون اجتماع المجلس صحيحًا بحضور أغلبية أعضائها، وتصدر قراراتها بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، وعند التساوي يرجح الجانب الذي منه الرئيس.
(المادة الخامسة)
تشكل بالمفوضية خمسة مكاتب لتقوم بمهامها على النحو الآتي:
١- مكتب المفوض لمكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الدين أو العقيدة.
٢- مكتب المفوض لمكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الجنس.
٣- مكتب المفوض لمكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة.
٤- مكتب المفوض لمكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الإعاقة.
٥- مكتب المفوض لمكافحة كافة أشكال التمييز بسبب المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي.
على أن يتولى عضوية كل مكتب خمسة أعضاء من أعضاء المفوضية يختاروا من بينهم رئيس للمكتب.
وللمفوضية إنشاء مكتب خاص أو مؤقت لمباشرة عمل معين يحدد في قرار إنشائه.
(المادة السادسة)
على أجهزة الدولة معاونة المفوضية في أداء مهامها، وتيسير مباشرتها لاختصاصاتها، وتزويدها بما تطلبه من بيانات أو معلومات تتصل بهذا الاختصاص. وللمفوضية دعوة أي ممثل لهذه الأجهزة للمشاركة في أعمالها واجتماعاتها دون أن يكون له حق التصويت.
(المادة السابعة)
تخصص النيابة العامة والنيابة الإدارية مكتب مختص في كل نيابة كلية، يكون اختصاصه النظر في القضايا المحالة إليه من المفوضية.
(المادة الثامنة)
تستعين المفوضية بعدد كاف من العاملين المؤهلين، ويلحق بها من الخبراء والمتخصصين من يلزم لأداء مهامها والنهوض باختصاصاتها.
(المادة التاسعة)
تكون للمفوضية موازنة مستقلة تشتمل على إيراداتها ومصروفاتها، وتبدأ السنة المالية وتنتهي مع بداية ونهاية السنة المالية للدولة.
(المادة العاشرة)
تتكون موارد المفوضية مما يأتي:
1- الاعتمادات التي تخصص للمفوضية في الموازنة العامة للدولة.
2- الهبات والمنح والإعانات التي تقرر المفوضية قبولها بأغلبية ثلثي أعضائها على الأقل.
وينشأ حساب خاص لحصيلة هذه الموارد في أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي المصري، ويراعى ترحيل الفائض من هذا الحساب في نهاية كل سنة مالية إلى موازنة المفوضية للسنة التالية.
(المادة الحادية عشر)
تلتزم المفوضية برفع تقرير نصف سنوي لمجلس النواب عن أنشطتها وأداء مهامها في تلك المدة، ثم تقدم تقرير ختامي في آخر مدة دورة المفوضية كل خمس سنوات.
(المادة الثانية عشر)
تضع المفوضية لائحة لتنظيم العمل فيها، ولائحة لتنظيم شئون العاملين والشئون المالية والإدارية.
(المادة الثالثة عشر)
رئيس المفوضية هو من يمثل المفوضية بعلاقتها بالغير وأمام القضاء.
(المادة الرابعة عشر)
ينشر هذا القانون بالجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره.