ورقة موقف حول العنف الجنسي ضد النساء وارتفاع معدلات الاغتصاب الجماعي بميدان التحرير والمناطق المحيطة

ورقة بحثية

4 فبراير 2013

تقدم نظرة للدراسات النسوية في هذه الورقة مداخلة نظرية وتحليلية لكيفية القراءة والتعاطي مع جرائم العنف الجنسي التي تزايدت وتيرتها في الشهور الأخيرة من منظور نسوي نؤمن به، وبأهمية طرحه حتى لا يتم استخدام قضايا النساء من أطراف سياسية عدة -حتى وإن كانت حسنة النوايا- ولكي نساهم من واقع تجربتنا في العمل على التصدي للعنف ضد النساء في النقاش الدائر الآن حول تلك القضية الشائكة والذي نرحب به وطالما دعونا إليه من خلال أنشطة الدعم التي نقوم بها سواء في مجال مكافحة العنف ضد النساء أو دعم المدافعات عن حقوق النساء في كافة محافظات مصر أو في إطار سعينا لربط قضايا النساء بالمجال السياسي عن طريق دعم المرشحات في مختلف التيارات السياسية التي تؤمن بقضايا النساء وتضعها على أجندة أولوياتها.

وبالرغم من التطورات الإيجابية المتمثلة في تطوير حس ووعي نسوي يتشكل يوما بعد يوم ويشكل جزءا من الحراك السياسي الحالي في مصر وإحدى أبرز سماته الهجمة الشرسة على المكتسبات التي نالتها النساء المصريات سواء من الناحية الاجتماعية أو السياسية، فإننا نشهد كذلك هجمة مجتمعية شاملة على المرأة تتجلى بشكل واضح في قضية العنف ضد النساء بشكل عام والعنف الجنسي بشكل خاص.

 

- أولا: مقدمة.
- ثانيا: ماذا حدث؟.
- ثالثا: رؤيتنا النسوية لتلك الجرائم وكيفية التصدي لها.
- رابعا: من يتحمل المسئولية؟.
- خامسا: ما ندعو إليه.

 

أولا: مقدمة

إن تجربة الشهور القليلة الماضية والمؤلمة قد أظهرت عددا من الحقائق الجديدة التي نود طرحها للنقاش الجاد كجزء من الحوار حول هذه الجرائم المفزعة وما الذي تعنيه تلك الجرائم لنا كنساء وكمدافعات عن حقوق النساء وكجزء من حركات سياسية وثورية تصف نفسها بمناصرة قضايا النساء. وقد اختارت نظرة للدراسات النسوية أن تطرح تلك الآراء والتوصيات الأولية في ورقة موقف واضحة بناء على خبرة المجموعات الميدانية وخبرة مجموعة العمل بنظرة وانطلاقا من منظور نسوي يؤمن بأن قضايا النساء قضايا سياسية في المقام الأول بالمعنى الشامل لكلمة سياسة والذي يتضمن، إلى جانب المؤسسات والفاعلين والأدوار السياسية المختلفة، الإطار العام الاجتماعي الشامل الذي يتحرك فيه الفاعلون السياسيون ويحدد إطار ردود أفعالهم وتحركاتهم وحدوده. ويتضمن هذا التصور الأخذ بعين الاعتبار مسألة تقسيم الأدوار الاجتماعية على أساس تقسيم جنسي وطبقي. فالفاعلون السياسيون، رجالاً ونساءً، لا يتحركون في فضاء خال بل في ظل واقع اجتماعي أبوي وطبقي يحدد إطار تحركاتهم السياسية ويتفاعل معها وينتج تجليات مختلفة تشكل فرص ومخاطر لكافة الفاعلين وليس فقط للنساء. ومما لا شك فيه أن النساء المصريات ومنذ قيام الثورة قد بذلن جهدا مضنيا في كسر عدد كبير من الحواجز التي تعيق من حدود فعاليتهن في الإطار الاجتماعي الواسع. وقد أظهرت النساء مستويات مختلفة ومرتفعة من المشاركة في كافة الفعاليات والأطر السياسية التي ظهرت في مرحلة ما بعد الثورة، إلا إنهن كذلك قد دفعن ثمنا غالية مقابل ذلك وخاصة فيما يتعلق بحرية حركتهن وسلامة أجسادهن. إن مثل تلك الأعمال البطولية قد منحت أصوات النساء بعدا جديدا أكثر قوة وجعلت من قضيتنا أمرا واقعا ومحسوسا ومرئيا كما جعلت من تنظيمنا ضرورة. ونؤكد على رفضنا للخطابات الداعية بأن قضايا النساء قضايا فئة مرفهة من نساء الطبقة الوسطي أو تلك الخطابات التي ترى أن الدفاع على قضايا المرأة حكر على فئة واحدة من النساء سواء هؤلاء اللاتي يعملن في أطر مؤسسية (المجلس القومي للمرأة مثلا) أو في المنظمات الحقوقية التي تمارس أنشطة محدودة وتدخليه فقط في بعض المجالات أو أن قضايا المرأة مقصورة على تمثيلها داخل الأحزاب أو في الحياة السياسية.

إن تلك التطورات تستلزم نقاشا صادقا نتشارك فيه جميعا ولا ينحصر في الحديث عن تأثير الغياب الأمني على قدرة الجميع رجالا ونساء على التحرك في المجال العام وعن قدرة جميع الفاعلين السياسيين في المجال السياسي من عدمها على التعاطي مع تلك الظواهر المفزعة التي تستهدف إرهاب النساء وكسرهن نفسيا وبدنيا.

ثانيا: ماذا حدث؟

شهدت منطقة ميدان التحرير ومحيطه جرائم اغتصاب مروعة في الشهور القليلة الماضية وصلت إلي مستويات غير مسبوقة من الإجرام والتوحش والعنف. وقد بدأ المؤشر التصاعدي لتلك الجرائم يتزايد منذ تظاهرات أواخر نوفمبر 2012 والتي شهدت تطورا خطيرا تمثل في وقوع حالات اغتصاب جماعي مؤكدة وموثقة في محيط ميدان التحرير والشوارع المحيطة به خلال الفترة من ٢١ نوفمبر إلى٢٥ نوفمبر وسط إدانة شديدة الخفوت وتجاهل من معظم الأطراف الرسمية وغير الرسمية. وكنتيجة لحالة الإنكار والتواطؤ من الجميع فقد استمرت تلك الجرائم واتسع نطاقها أثناء تظاهرات الذكرى الثانية للثورة والتي بدأت يوم 25 يناير 2013 حيث تم توثيق وتأكيد وقوع حالات اغتصاب جماعي متوحشة تمت كلها بنفس الأسلوب والنمط واستهدفت جمهور النساء بغض النظر عن انتماءاتهن السياسية حيث كانت معظم اللاتي تعرضن لتلك الجرائم إما من جمهور المتظاهرات أو من فرق الميدانية الناشطة التي تعمل ضد التحرش أو ضد الفتيات المارات. وتمكنت جهود الرصد من تأكيد وقوع أكثر من 19 حالة اغتصاب واعتداء جنسي. وتشير جهود الرصد والتوثيق الأولية لتلك الجرائم وللطرق والوسائل الوحشية التي تمت بها إلى وجود أنماط متكررة في أشكال الاعتداء ووسائله وتواجد أفراد ومجموعات لم تحدد هويتهم حتى الآن تمارس تلك الجرائم وتتعامل مع المظاهرات والفعاليات السياسية باعتبارها فرصة سانحة لاستباحة أجساد النساء.

وقد تصاعدت وتيرة الأحداث واتسع نطاق تلك الجرائم ليشمل مناطق جغرافية أخرى مثل محاولة اختطاف الفتيات من أحد مخارج كوبري 6 أكتوبر خلال ليلتي 27 و28 يناير 2013، ومحاولة اقتحام مقر اجتماع إحدى المجموعات العاملة في مجال التصدي الميداني لجرائم العنف الجنسي على خلفية التحرش بإحدى المشاركات في الاجتماع والتي تطورت لاشتباكات ومحاولة اقتحام المكتب الذي تواجدت فيه الفتاة.

ثالثا: رؤيتنا النسوية لتلك الجرائم وكيفية التصدي لها

وكناشطات نسويات فإننا نطرح قضيتنا كما هي في الواقع، قضية عامة تؤثر على كافة النساء المصريات في جميع شوارع مصر سواء في إطار حركتهن اليومية وحرية أجسادهن أو في إطار قدرتهن على الاستفادة من قدراتهن ومهاراتهن كمواطنات أحرار في مجتمع أبوي يحد من إمكانيات وجودهن.

وإننا ننظر لجرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم عنف تستهدف النساء بشكل خاص بوصفهن نساء وبأنها لا تنفصل عن نظرة عامة ودونية للمرأة ولجسدها في المجتمع بشكل عام. كما إننا ننظر لجرائم العنف الجنسي بوصفها جرائم عنف في المقام الأول وعنف موجه ضد النساء كنساء. فالأمر بالنسبة لنا يتجاوز وبشكل قاطع الحدث نفسه على بشاعته (فعل الاغتصاب) وموقع الحدث (ميدان التحرير وساحات التظاهر) ليشمل العنف الجنسي كجريمة تتعرض لها النساء على اختلاف فئاتهن كل يوم سواء في الشارع أو في مواقع عملهن أو أثناء ممارستهن لأي عمل عام.

إننا مؤمنات بأن وجود مثل ذلك المناخ الاجتماعي الذي قد بدأ يشكل حربا نفسية يومية على النساء قد ساهم بشكل مباشر في التشجيع على تلك الجرائم البشعة وعلى تطورها للدرجة التي وصلت إليها. فالتحرش الجنسي قد بات عنوانا دائما لحياة أي امرأة مصرية بغض النظر عن موقعها الاجتماعي والطبقي. وبالتالي لا يمكن النظر لتلك الأفعال الشنيعة بمعزل عن مناخ عام تناضل فيه النساء المصريات بشكل يومي حتى تتمتع بحق التواجد في شارع آمن بدون تهديد أو مضايقات وبدون التعرض لهن سواء بالقول أو باللفظ أو بالفعل.

فالنساء شاركن في الثورة كما كن فاعلات طوال العقود الماضية في المجال العام المصري ولكن كان ثمن تلك المشاركة بدء محاولات إقصائهن من قبل الحركات السياسية أو القوى الاجتماعية، وتصاعد الأحداث في الآونة الأخيرة واتساع نطاق الجرائم ودرجتها، مما يؤكد على رؤيتنا وينذر بتفشي ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء في شوارع مصر إن طال الصمت والتجاهل.

ومع تسليمنا للطابع السياسي المباشر للجرائم الواقعة في محيط التحرير، فإننا لا يمكن أن نفصل ذلك عما تتعرض له النساء بشكل عام في مصر من مضايقات في المجال العام. وما الأحداث الأخيرة إلا تعبيرا بشعا عما يمكن أن يحدث نتيجة لتجاهل قضايا النساء العامة وعدم فتح حوار موسع حولها. فما حدث من وجهة نظرنا هو تصاعد شديد القسوة لمرض اجتماعي مستشري وهو العنف الجنسي. فالتواطؤ المجتمعي مع جرائم التحرش والعنف الجنسي قد سهل نقل تلك الجرائم إلى هذا النطاق ولمثل تلك الدرجة التي أصبح يستعصى معها التدخل المباشر. فالتساهل مع التحرش والاعتداء الجنسي شجع على الاغتصاب الجماعي والوحشي ضمن الفعاليات السياسية. وهذا تطور لابد أن يعي له الجميع ويتعامل مع تبعاته بمنتهى الجدية. ومع تسليمنا بأن قضية التحرش الجنسي والجرائم الجنسية أمر أكثر عمومية و تعقيدا ويتطلب تدخلا وحلولا طويلة المدى منها تغيير الثقافة الأبوية في المجتمع بمعنى عام إلا أننا نرى أن الوعي والتسليم بتصاعد وتيرة جرائم العنف الجنسي بشكل عام داخل وخارج الميدان وساحات التظاهر وشوارع مصر لابد وأن يكون جزء من خطاب أي من القوى أو الجماعات التي تهدف لمواجهة تلك الظاهرة. فلا يمكن خلق خطاب حقيقي يهدف للتدخل بدون وضع مسألة العنف الجنسي في إطارها المجتمعي الشامل.

ومن هذا المنظور، نود أن نطرح للنقاش ردود أفعال كافة القوى السياسية والثورية التي تعاطت مع تلك المسألة خلال العامين الماضيين. فالاعتداءات التي تعرضت لها النساء تصاعدت بشكل تدريجي وسط حالة من الصمت والتجاهل من مختلف الحركات والقوى والأفراد الداعية والمشاركة في تلك الاعتصامات والتظاهرات. فقد بدأت حوادث التحرش الجنسي تأخذ منحنى جماعي ومنظم منذ وقت طويل. فيمكن رصد ذلك منذ تنحي مبارك في فبراير2011 حتى بات التحرش الجنسي جزء مؤسفا ومتوقعا حدوثه على هامش أي فعالية أو دعوة سياسية. وأصبحت تلك الحوادث أمرا متوقعا لا يستدعي أكثر من تعبيرات الشجب والإدانة السريعة التي لا يعقبها أي محاولة جادة من الأحزاب والتيارات والمجموعات السياسية المنتمية إلى القوى المدنية الاعتراف بكون تلك الحوادث صارت تشكل ظاهرة، فضلا عن عدم التعامل معها بالجدية المطلوبة. فبينما كانت حوادث التحرش الجنسي وغيرها من أشكال العنف الجنسي ضد النساء تتزايد منذ فبراير 2011، فقد دأبت الحركات ومجموعات العمل التي تشكلت لمحاولة التعامل مع تلك الظاهرة على محاولة لفت الانتباه لخطورة ما يحدث وتزايد حدته ووتيرة حدوثه. وتضمنت محاولات تلك المجموعات التدخل الميداني المباشر لإنقاذ من يتعرضن لذلك وتقديم العون المادي والطبي والنفسي للاتي يتعرضن لتلك الانتهاكات الوحشية. إلا أن مثل تلك المحاولات الجادة قد قوبلت إما بالتجاهل أو بالاهتمام المؤقت والعابر أو بتحذيرات مبطنة ضد طرح المسألة للنقاش بشكل موسع تخوفا من تفسير ذلك كدعوة للنساء للانسحاب وعدم المشاركة في التظاهرات والفعاليات السياسية.

وانطلاقا من رؤيتنا النسوية لتلك الظاهرة، فنحن لا نطرح هذا النقاش ليتم استخدامه من قبل أي طرف من الأطراف للتقليل من النساء أو من أدوارهن أو من حقهن في التواجد أو التظاهر أو غيرها من الأنشطة. وفي نفس الوقت الذي نؤكد فيه على تصدينا لأي توجهات حمائية تحمل نوايا إقصائية تجاه النساء، فإننا نشدد على ضرورة تحمل الجميع رجالا ونساء مسئوليتهم تجاه ما يحدث من فظائع ستنعكس على الجميع وعلى مستقبل الحراك السياسي في مصر بشكل عام.

فنحن نرى أن كل من خطاب الحماية الذي يدفع النساء للحذر والخوف ويحملهن بالتبعية بشكل غير مباشر مسئولية ما يحدث لهن، والخطاب المتجاهل لحقيقة ما يحدث والذي يمجد شجاعة النساء في مواجهة العنف الجنسي دون طرح حلول جماعية تتضمن مشاركة الجميع في تحمل مسئولية ما يحدث والبحث عن حلول له إنما هما وجهان لعملة واحدة. فالنساء المصريات الصامدات لن يتحملن وحدهن عبء الأمر، كما لن ينسحبن من المشهد السياسي لإرضاء رغبات البعض في الهروب من المشكلة برمتها كما لن يصمتن عن التعبير سواء عن معاناتهن وآلامهن لما يتعرضن له باعتبارهن أجساد مستباحة في المجال العام يعانون من تلك الجرائم نتيجة لكونهن نساء.


رابعا: من يتحمل المسئولية؟

وهنا يمكن أن ننتقل للحديث عن المسئولية وعلى من تقع وما تصوراتنا حول ما يمكن فعله. فإن تزايد حدة تلك الحوادث ومستوى العنف المصاحب لها في الآونة الأخيرة قد بات أمرا لا يمكن أن تتصدى له أي جماعة نسوية أو حقوقية أو سياسية بمفردها وبات يستدعي نقاشا سياسيا وجماعيا جادا حول ما يمكن فعله للتصدي لتلك الظاهرة في إطار واسع يتجاوز إلقاء التهم وتحميل أطراف بعينها المسؤولية إلى نقاش يتحمل فيه الجميع رجالا ونساء داخل التيارات والأحزاب السياسية والحركات الثورية عبء فهم ما يحدث أولا، وضرورة التصدي له من كافة جوانبه ثانيا. ونؤكد على مسئولية كافة الأطراف والجماعات السياسية في المشاركة الفعالة وطرح تلك القضايا واتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها التعامل مع تلك الظاهرة المخيفة وما ورائها.

ورؤيتنا للمسئولية السياسية تتضمن رد الفعل الداعم لجهود مجموعات التدخل التي تعمل الآن بجسارة للتصدي لتلك الأحداث في ظل قلة عددهم والموارد المتاحة لهم. وإن ذلك الدعم على أهميته يجب أن يصاحبه جهد كبير حتى تتبنى القوى السياسية المعنية بقضايا الحرية والمساواة خطابا مناصرا للنساء أثناء نقاش طرق التصدي لجرائم العنف الجنسي. ونحن ننظر للمسئولية هنا من منظور نسوي يتضمن شقين متصلين لا ينفصلان من وجهة نظرنا: مسئولية سابقة عن الحدث وأخرى لاحقة عليه.

وتتضمن المسئولية السابقة للحدث المساهمة الجادة في ضبط خطاب كافة الأطراف المعنية سياسيا ومجتمعيا حول مشاركة النساء في المجال السياسي وما يتعرضن له كنتيجة لتلك المشاركة ليتجاوز ثنائية الحماية وإلقاء اللوم على النساء أنفسهن. وذلك عن طريق تطوير خطاب عن المسئولية الجماعية والأبعاد المجتمعية والنوعية لجرائم العنف الجنسي كأداة للإرهاب السياسي. حيث أن خطاب جميع القوى السياسية والثورية لا يزال عاجزا عن الاشتباك مع إشكاليات القضايا النسوية وما زال يتهرب من طرح قضايا النساء بكل تعقيداتها وهو دور أصيل لأي حركة ثورية أو سياسية تطرح قضايا الحرية والمساواة. ومن ضمن المسئولية السابقة للحدث اتخاذ التدابير اللازمة لتأمين التظاهرات والمسيرات والفعاليات السياسية للتصدي لجرائم العنف الجنسي ويجب أن يكون هذا الأمر بند على أجندة القوى السياسية كجزء أساسي من الاستعداد للتظاهرات والفعاليات السياسية.

أما المسئولية اللاحقة فتتضمن الاعتراف بحدوث تلك الجرائم البشعة والمشاركة في الضغط من أجل إجراء التحقيق حول تلك الجرائم لتحديد الفاعلين ومحاسبتهم وتحمل المسئولية السياسية فيما يخص تأمين التظاهرات والفعاليات التي تدعو لها كافة تلك الحركات والجهات. كما تتضمن المسئولية اللاحقة قضية الإعلام الرسمي وتعاطيه المخجل مع تلك الجرائم المروعة والذي لا يخرج عن نطاق التعتيم الكامل أو التعامل معها بمنطق الإثارة وعدم احترام خصوصية من تم انتهاك أجسادهن. إن الحركات والأحزاب السياسية تتحمل معنا عبء مسئولية التصدي لهذا الخطاب الإعلامي غير المهني الذي تترتب عليه أشكال جديدة من الانتهاك. وهو الأمر الذي لا تتحمله فقط الفتيات اللاتي تعرضن للانتهاك، وإنما أيضا المجموعات التي تسعى لتقديم مساعدات مختلفة لهن في ظل ظروف صعبة وموارد قليلة وغياب تام لأي نوع من المساندة من كافة الحركات و الأحزاب في مصر.

وأخيرا، لا يمكن لنا تجاهل مسئولية الدولة ومؤسساتها في التصدي لظاهرة العنف الجنسي المتزايد وفي ضمان سلامة المواطنات المصريات وحرية حركتهن. ومع إقرارنا باستهداف أجهزة الدولة للفتيات والسيدات الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان قبل ثورة يناير وبعدها، وعدم اتخاذ تدابير عادلة لمحاكمة المسئولين عن ارتكاب تلك الجرائم، فإن المسئولية تقع على الدولة للتحقيق في تلك الجرائم المروعة وتحديد الفاعلين ومحاسبتهم. فاغتصاب النساء وانتهاك أجسادهن جزء لا يتجزأ من تبعات تردي الأوضاع والأجهزة الأمنية التي تدفع فيها النساء ثمنا باهظا يتعدى الثمن المجتمعي الذي يدفعه الجميع.

خامسا: ما ندعو إليه

إن أحداث الشهور الماضية تتطلب من الجميع تحمل مسئولية التفكير في هذه المسائل ومناقشتها قبل استفحالها أكثر. وما ندعو إليه يتطلب طرح صادق وأمين لإشكالية مشاركة النساء في المجال العام من منظور النوع الاجتماعي الذي يجب أن يكون بندا على أجندة القوي السياسية مثله مثل الاستعداد للمظاهرات والفعاليات السياسية وتأمينها. ويجب التعامل مع هذا الأمر باعتباره جزء أصيل من مسئولية القوى السياسية والتي لا يصح أن تكتفي بطرح خطاب معتمد على قوة النساء وحدها في التصدي لهذه الجرائم وبدعوى أن المسئولية تقع على عاتق النساء وحدهن لتجاوز ما يحدث لهن من أشكال العنف الجنسي المختلفة. فعلى القوى السياسية أن تعمل على كيفية تأمين مناخ مناسب للنساء للمشاركة السياسية. فترى نظرة للدراسات النسوية أن طرح قضايا العنف الجنسي مع التأكيد على خصوصيتها وقسوتها يجب أن يتم كجزء من قضية المشاركة السياسية للنساء عموما. فلا يصح سياسيا ولا أخلاقيا أن يثمن الجميع مشاركة النساء سواء من خلال العمل السياسي أو الحزبي اليومي أو طرحهن للترشح على قوائم الأحزاب أو النظر للنساء بوصفهن كتلة تصويتية فاعلة بدون الاشتباك مع قضايا العنف ضد النساء من منظور نسوي.

فإننا ندعو إلى ضرورة إجراء حوار جاد وصريح حول ما تتعرض له النساء وحول ما يمكن فعله. وإننا نعلم أن شروط هذا الحوار لابد أن تعتمد وفي المقام الأول على موقف شجاع رافض لدفن الرؤوس في الرمال ومؤمن بضرورة التصدي للأصوات الداعية بعدم أهمية تلك القضية في حد ذاتها أو على تخويف النساء وإرهابهن بهدف التقليل من مشاركتهن. وفي نفس الوقت، فإن هذا الحوار يجب أن يتم بشكل يحترم خصوصية من يتعرضن لمثل تلك الحوادث ويهدف إلى التركيز على هوية الفاعلين وأهدافهم ومسئولية الجميع في التصدي لهذه الجرائم البشعة. وإننا نشدد على ضرورة التصدي لمحاولات استخدام هذا النقاش كوسيلة حمائية تؤدي إلى إقصاء النساء أو الجور على حقوقهن في التظاهر أو المشاركة في مختلف الأنشطة السياسية. ونرى أهمية إجراء هذا النقاش في ظل التأكيد على أن نساء مصر كن ولا يزلن يخضن معارك يومية للدفاع عن مساحاتهن وأدوارهن في الحراك السياسي. كما يخضن معارك يومية داخل وخارج ساحات التظاهر في مصر لكي يشاركن في كافة نواحي الحياة وسط انتهاكات يومية لا تعد ولا تحصى وسط مجتمع أبوي يحتاج لقطع أشواط طويلة لكي يحترم حقوق النساء في التواجد والفعل على مستوى المجال العام والمجال الخاص. ونشدد على ضرورة تحمل الجميع مسئولياتهم أمام ما يحدث من فظائع ستنعكس علينا رجالا ونساء.

إننا ندعو كافة القوى السياسية والثورية أن تعي أن قضية المرأة ليست قضية موسمية وليست مجرد ورقة نستخدمها في وجه خصومنا السياسيين ذوي المرجعية الدينية أو غيرهم بل هي جزء أصيل من الثورة ومن الحراك السياسي الحالي ومن النضال من أجل الحرية التي لعبت فيه النساء دورا محوريا وضحين من أجله بالكثير. إن تلك الجرائم البشعة والعنف الجنسي بمختلف أشكاله ظاهرة لا تنفصل عن الوضع المجتمعي المتردي تجاه النساء وعلينا جميعا تحمل المسئولية تجاه ذلك قولا وفعلا وعلى الجميع أن يصغين لأصوات النساء ولا يتجاهلنهن من أجل حسابات سياسية أو ميدانية محدودة وإلا فسيفقد نضالنا للحرية نفسه معناه بفقدانه للنساء المصريات.

عاش نضال نساء مصر.

رابط دائمhttp://nazra.org/node/196