توصيات إلي مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء ووزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية حول إدماج منظور وقضايا النوع الاجتماعي في آليات العدالة الانتقالية

ورقة بحثية

25 يوليو 2013

تحركت جموع الشعب المصري داخل العاصمة وخارجها في يوم 30 يونيو 2013 معبرة عن مطالبها بعزل الرئيس محمد مرسي، في موجة جديدة لثورة الشعب المصري ضد سلطة تحكمها والتي بدأت في يوم 25 يناير 2011. وفي يوم 3 يوليو أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، عزل الرئيس مرسي وقدم خارطة طريق للمرحلة الانتقالية القادمة. واشتملت خارطة الطريق على 10 بنود من بينها "تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات". وأصدر رئيس الجمهورية قرار رقم 484 لسنة 2013 بتشكيل حكومة برئاسة الدكتور حازم الببلاوي وتتضمن القرار تعيين المستشار محمد أمين المهدي وزيرا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. ويعتبر استحداث وزارة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية خطوة هامة وإشارة إيجابية لاهتمام الحكومة بهذا الشأن، إلا أنه لم يتبين إلي الآن الآليات التي ستعمل الوزارة وفقا لها.

تقدم هذه الورقة توصيات حول الآليات التي من الممكن أن تنشئها وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والتي تلعب دورا جوهريا في المراحل الانتقالية وفي عملية بناء دولة ديمقراطية:


1. إنشاء لجان الحقيقة (وهي لجان يعتبر الهدف الرئيسي من وراء إنشاؤها هدف اجتماعي وهو رفع وعي الشعب بانتهاكات الماضي لتفادي وقوعها مرة أخرى. وتعترف لجان الحقيقة بأن هناك "حقيقة" غائبة يسعى المجتمع لاكتشافها وتسعى لجان الحقيقة للاستماع للناجيات والناجيين من مخلف الانتهاكات كوسيلة للاعتراف وتقدير تجربة الناجيين والناجيات).


2. إنشاء لجان تقصي الحقائق حول وقائع محددة تأثرت فيها النساء بصفة خاصة (وهي لجان تؤدي صلاحيات محددة بوضوح وتقوم بالتركيز على أحداث محددة مسبقا  وتقدم نتائجها لتكون أمام الجهات القضائية الرسمية).


3. تغيير تعريف ومعاني مصطلحات التعذيب والاغتصاب (حيث أن إحدى المشكلات القانونية الأساسية أن أنماط وأشكال الانتهاكات الواقعة تتجاوز بمراحل قيود وحدود التعريفات المعمول بها في القانون المصري).


4. إنشاء نظام تعويضات قائم على منظور النوع الاجتماعي لتعويض النساء عن الأضرار المباشرة والغير مباشرة، ويتضمن أشكال تعويضات مادية ومعنوية.


5. إجراء تحقيقات ومحاكمات في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت بشكل عام وضد النساء على وجه الخصوص منذ بداية ثورة 25 يناير.


6. الشروع في عملية إعادة هيكلة منظومة جهاز الشرطة.

 

ملخص عن الآليات والأسباب كيفية عملها

تقدم هذه الورقة بإيجاز توصيات حول الآليات التي من الممكن أن تنشئها وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وكيفية عمل تلك الآليات. فلضمان تعزيز الحقيقة والعدالة والمحاسبة لانتهاكات حقوق الإنسان المبنية على النوع الاجتماعي التي ارتكبت في سياق الانتهاكات واسعة نطاق التي تميز بها فترة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وفترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، التي امتدت من 11 فبراير 2011 إلى 30 يونيو 2012، وفترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، نرى ضرورة تأسيس برنامج للعدالة الانتقالية يأخذ في اعتباره منظور النوع الاجتماعي.

وتعتبر آليات العدالة الانتقالية من الآليات الفعالة لتحقيق العدالة في انتهاكات حقوق لإنسان وتوفر ضمانات عدم تكرارها، مدركة أن انتهاكات حقوق الإنسان لا تؤثر فقط في المواطنين والمواطنات المباشرين، ولكن في المجتمعات ككل، وهو الأمر الذي يستدعي مراعاة عدم تكرار هذه الانتهاكات.

وللانتهاكات الخاصة بالنوع الاجتماعي طبيعة معقدة، وهو الأمر الذي يفسر غياب المنظور الخاص بالنوع الاجتماعي في الكثير من آليات برامج العدالة الانتقالية. حيث تستطيع آليات العدالة الانتقالية إذا تضمنت منظور النوع الاجتماعي أن تحدث انفصالا عن الحقبات التي تميزت بالانتهاكات المرتكزة على النوع الاجتماعي عن طريق معالجة الأسباب الهيكلية لعدم المساواة بين الجنسين، من خلال تحديد العوامل التي ساهمت في ارتكاب هذه الانتهاكات والاعتراف بها ومعالجة الممارسات التمييزية التي تساهم في إضعاف واستهداف النساء خلال فترات القمع والنزاع.

ومن المهم أن يكون القائمين على خلق آليات العدالة الانتقالية على وعي بطبيعة الانتهاكات التي ارتكبت ضد النساء منذ بداية ثورة 25 يناير وأن لا يحصروها فقط في الجرائم ذات الطابع الجنسي فقط. حيث وثقت منظمات حقوقية ونسوية، منها نظرة للدراسات النسوية، انتهاكات ضد النساء مشابهة لتلك التي يتعرض لها الرجال، كالضرب والاعتقال بدون سند قانوني والإرهاب الجنسي وأحيانا الاغتصاب، على سبيل المثال.

و نظرا للظروف الاجتماعية الموجودة بالفعل من قبل وقوع الانتهاك، تكون عواقب الانتهاكات على النساء مختلفة ومن المهم أيضا إدراك أن تجارب النساء مختلفة وتتأثر بظروفهن الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية المختلفة.

أولا: لجان الحقيقة

1. إنشاء لجان الحقيقة والتي تعد آلية هامة نظرا لقدرتها على التحقيق في الظروف التي ساعدت على وقوع الانتهاكات وتحديد ظروف الانتهاك. فعلى سبيل المثال تساعد لجان الحقيقة في تحديد ما إذا كان الانتهاك قائم على النوع الاجتماعي للناجيين والناجيات أو لا. كما تعد آلية لجان الحقيقة هامة نظرا لاستحالة محاكمة جميع المسئولين عن الانتهاكات أمام المحاكم الجنائية لقلة الموارد التي يجب أن تتوفر لمحاكمة الآلاف من المتهمين محاكمات عادلة ومنصفة. وتتعامل المحاكمات الجنائية مع المسئولين الكبار كوزراء الداخلية أو الرؤساء على سبيل المثال، مما يترك عدد كبير من الأشخاص في مناصب ودرجات سلطة مختلفة متورطين في الانتهاكات بلا محاسبة. وتفشل آليات المحاسبة الجنائية أيضا في شرح الآليات المستخدمة من قبل الأنظمة المستبدة لضمان استمرارية حكمهم، وهي الشروح والمعلومات التي من الممكن للشعوب الحصول عليها عبر آليات عدالة مختلفة منها لجان الحقيقة. ويجب أن تتمتع لجان الحقيقة بصلاحيات مختلفة من بينها تقديم توصيات بتحريك الدعاوى القانونية، والإصلاح وإعادة الهيكلة، والتعويضات. كما تستخدم تقارير لجان الحقيقة أيضا في حشد الإصلاحات المؤسسية لمنع تكرار الانتهاكات في المستقبل. ولابد أن يتوفر التزاما مؤسسيا بإعطاء أولوية للانتهاكات التي ارتكبت ضد المجموعات المهمشة، ومن بينها النساء. كما يجب أن تتشارك لجان الحقيقة مع منظمات المجتمع المدني، التي تضم أفرادا قادرين على إفادة اللجنة بالانتهاكات التي ارتكبت ضد النساء.

2. أثبتت تجارب محلية مختلفة أن إعطاء لجان الحقيقة صلاحيات مثل صلاحية استدعاء أشخاص محددة وصلاحية العفو عن أشخاص محددة أفضل من أخذ قرارات من مؤسسات الرئاسة، على سبيل المثال، بالعفو عن مجموعة كبيرة من الأشخاص بدون أن يكون واضحا للعامة الأسباب التي أدت للعفو. من الممكن للعفو الذي تمنحه لجان الحقيقة لمرتكبي الانتهاكات الغير جسيمة لحقوق الإنسان (وهو التعريف الذي يجب أن تحدده لجنة الحقيقة قبل مباشرة عملها) أن يساعد الحكومات خلال الفترات الانتقالية التي غالبا ما تتسم بقلة الموارد، حتى على الصعيد القضائي، كما يمكنها أيضا أن تقلل من الغموض المحيط بآليات عمل الأجهزة الأمنية وكيفية عملها ونوعية الجرائم التي ترتكبها.


‌أ. من المهم توخي الحذر الشديد في منح صلاحية العفو إلي لجان الحقيقة، التي لابد أن تقترن بسلطات تحقيق قوية، والتي لا تتوافر لدى الكثير من لجان الحقيقة، والتزام دقيق بحقوق الناجيين والناجيات في إجراءات العفو والاعتراض على طلبات العفو. ويمكن للجان الحقيقة وصلاحيتها آخذ أشكال مختلفة، فعلى سبيل المثال قدمت دولة تيمور الشرقية شكلا مختلفا من سلطة العفو في مقابل الحقيقة، حيث تم منح لجنة الحقيقة سلطة إنهاء المسئولية الجنائية والمدنية عن الجرائم غير الخطيرة (التي لا تشمل القتل والاغتصاب) بشرط الاعتراف الكامل، والاعتذار وأداء خدمة مجتمعية، أو تقديم مبلغ رمزي متفق علية للناجية أو الناجي أو إلى المجتمع، وتتم إجراءات دفع التعويض أو أداء الخدمة المجتمعية تحت إشراف المحاكم.


3. تكوين لجنة توجيهية للتشاور مع المنظمات الحقوقية والنسوية حول تشكيل لجان الحقيقة وكيفية عملها، ولابد أن يكون تشكيل اللجان متوازن نوعيا، الأمر الذي يشجع الناجيات في التقدم للتحدث عن ما حدث لهن. كما يجب مراعاة التوازن النوعي في الوظائف الأخرى باللجنة، مما يشمل الموظفون المسئولين بالتواصل مع المجتمع المحلي، ومقدمين الدعم القانوني والنفسي. نظرا لأنه لا يمكن الافتراض أن الجنس الذي ينتمي له أعضاء اللجنة كافيا وحدة لضمان تواجد القدرة على تحليل العنف المرتبط بالنوع الاجتماعي، فلابد من مراعاة اختيار أعضاء اللجنة بناء على معايير من بينها إلمامهم بقضايا النوع الاجتماعي. كما يجب أن تتوفر أيضا صلاحية عقد جلسات استماع مقصورة على النساء فقط وترأسها نساء للاستماع للناجيات.

4. إجراء تدريبات خاصة بطبيعة الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي للعاملين في لجان الحقيقة، حتى للذين يتمتعون بهذه الخبرة، وذلك بالاستعانة بخبرة المنظمات النسوية القادرة على القيام بمثل هذه التدريبات. ولابد أن يشمل برنامج التدريب المجالات التالية على الأقل:


أ. تاريخ أنماط انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بنوع الجنس.
‌ب. مناهج تسجيل الأقوال وجمع البيانات.
‌ج. كيفية حماية الشهود والناجيات اللاتي يتقدمن للتحدث عن تجربتهن. حيث لابد للجان الحقيقة إنشاء بيئة آمنة للناجيات والناجيين، الأمر الذي من الممكن أن يستلزم وجود خدمات للدعم النفسي والأمن الجسدي والاستشارات القانونية والخدمات الاجتماعية. ولابد لشبكة الدعم أن تولي اهتمام خاص بالأطفال والنساء الناجيات من الانتهاكات.
‌د. التحقيقات التي تراعي التعقيدات الخاصة بالانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي.
‌ه. جلسات الاستماع العلنية التي يكون الشهود فيها من النساء.
‌و. كتابة التقارير النهائية.


5. الالتزام بنسبة محددة من الشهادات التي لابد أن تأتي من النساء. فعلى سبيل المثال، في تجربة لجان المصالحة في دولة تيمور الشرقية ساعد تحديد كوتا 30% لشهادات من النساء في محاولات اللجنة المستميتة في الوصول لأكبر عدد ممكن من النساء. نظرا لأن اللجنة توصلت إلى 6 آلاف حالة قتل واختفاء قسري، والغالبية العظمى منها من الرجال، كما توصلوا أيضا إلي وجود آلاف الأرامل.

ثانيا: لجان تقصي الحقائق

1. تعد لجان تقصي الحقائق كيانات تؤدي صلاحيات محددة بوضوح وعادت ما تركز لجان تقصي الحقائق على أحداث محددة مسبقا، وهي تختلف في ذلك عن لجان الحقيقة، التي يعد الهدف الرئيسي من وراء إنشاؤها هدف اجتماعي وهو رفع وعي الشعب بانتهاكات الماضي لتفادي وقوعها مرة أخرى. فعمل لجان تقصي الحقيقة أقرب لأعمال المحاماة حيث تستطلع جرائم محددة وتقدم نتائجها لتكون أمام الجهات القضائية الرسمية. تعترف لجان الحقيقة، من خلال أسمها، بأن هناك "حقيقة" غائبة يسعى المجتمع لاكتشافها، في حين أن مسمى لجان تقصي الحقائق، أكثر حيادية، حيث تعترف بأن هناك واقعة ما تحتاج للتحقيق. وتسعى لجان الحقيقة للاستماع للناجيات والناجيين ليس بغرض تحديد المتهمين أو براءتهم، ولكن للاستماع إليهم كوسيلة للاعتراف وتقدير تجربة الناجيات والناجيين.

2. تشكيل لجان تقصي الحقائق حول وقائع محددة تأثرت فيها النساء بصفة خاصة. وتضم هذه الوقائع: أحداث ماسبيرو (أكتوبر 2011)، وأحداث محمد محمود (نوفمبر 2011)، وأحداث مجلس الوزراء (ديسمبر 2011)، وقائع الاعتداءات الجنسية الجماعية (نوفمبر 2012)، والذكرى الثانية لثورة 25 يناير (يناير 2013)، ووقائع الاعتداءات الجنسية الجماعية في أحداث 30 يونيو 2013 (والتي تشمل الفترة من 30 يونيو 2013 إلى 7 يوليو 2013).

3. تنظيم دورات تدريبية للعاملين في لجان تقصي الحقائق لضمان تضمين منظور النوع الاجتماعي في جميع أعمال اللجان، وأن يتم التدريب بصفة دورية ليستفيد أعضاء اللجنة الذين ينضمون للجنة بعد بدء عملها.

ثالثا: التحقيقات والمحاكمات

1. إجراء تحقيقات في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت بشكل عام وضد النساء على وجه الخصوص منذ بداية ثورة 25 يناير، حيث وثقت العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية، منهم نظرة للدراسات النسوية، عشرات الشهادات لناجيات من الانتهاكات التي لم يتم فتح التحقيقات فيها حتى الآن. كما تم إهمال نتائج عمل لجنة تقصي الحقائق التي تم إنشاؤها بقرار جمهوري في يوليو 2012 لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق في الفترة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2012، وهو تاريخ تسليم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة للرئيس المعزول محمد مرسي، وقرر محمد مرسي آنذاك أن يحيط التقرير بالسرية ومنع ﻧﺷرﻩ ﻓﻲ وسائل اﻹﻋﻼم، الأمر الذي يتنافى مع حق المواطنين في معرفة حقيقة الانتهاكات التي عانوا منها، وهو الأمر الذي يجب أن تراعيه آليات العدالة الانتقالية ومع الأخذ في الاعتبار معايير مختلفة توازن بين الحق في المعرفة والحفاظ على خصوصية المتهمين تجنبا لإفلاتهم من العقاب.

2. تغيير تعريف ومعاني مصطلحات التعذيب والاغتصاب. تكمن إحدى المشاكل في منظومة العدالة غياب القوانين التي من شأنها أن توفر الحماية للنساء. حيث وثقت نظرة للدراسات النسوية شهادات لانتهاكات ضد النساء تندرج تحت التعريف الدولي للتعذيب وليس التعريف الوارد في القانون المصري، والذي يشترط فقط أن يكون الضحية متهما وأن يكون الغرض من التعذيب هو انتزاع الاعتراف، وبالتبعية توجد ضرورة قوية لتغيير معني التعذيب وأن لا يقتصر على الشرطين السالف ذكرهما. كما ينبغي تغيير تعريف الاغتصاب، حيث يعتبر القانون المصري أن الإيلاج هو الركن المادي في جريمة الاغتصاب، أما دون ذلك (مثل الاغتصاب بأصابع اليد أو استخدام أدوات) فيعتبر من قبيل هتك العرض. ويعد هذا التعريف محدود للغاية ولا يشتمل على مختلف الحالات التي تعد اغتصابا وفق التعريف الدولي للجريمة، والتي وثقتها نظرة للدراسات النسوية. كما يجب على السلطات أن تتشاور مع المنظمات الحقوقية والنسوية بشأن التعديلات القانونية التي يجب اتخاذها قبل الشروع في تطبيق آليات العدالة الانتقالية.

رابعا: التعويضات

1. تلعب التعويضات دورا في عملية بناء دولة ديمقراطية، وتعد التعويضات مسألة سياسية ولا تندرج فقط بالمجال القانونية حول كيفية تحديد التعويضات المناسبة وفئة المستحقين. نظرا لأن التعويضات جزء من آليات العدالة الانتقالية التي تهدف في الأساس إلى مساعدة المجتمعات التي تمزقت بسبب الانتهاكات الموسعة لحقوق الإنسان أو الاضطرابات الأهلية الناتجة عن غياب أو فشل الدولة، يجب أن ينظر للتعويضات على أنها وسيلة للتأكيد على الحقوق ولخلق نظام سياسي يحترم هذه الحقوق، عوضا عن محاولة معالجة كل نتائج الانتهاكات التي تعرضت لها النساء ومحاولة "إعادتهن" إلى حالتهن قبل الانتهاك، الأمر الذي يصعب التعامل معه نظرا للأعداد الكبيرة للناجيات والناجيين من الانتهاكات ولضعف الموارد الذي غالبا ما يصاحب حالات المجتمعات الانتقالية. وتعد التعويضات طريقة لزيادة الثقة في مؤسسات "الدولة الجديدة" وشرعيتها. وبالتبعية تمثل التعويضات اعترافا بالناجيات من الانتهاكات وبأخطاء الماضي والمسئولية المستقبلية عن أنماط معينة من السلوك والأخطاء، وتأخذ التعويضات أشكال مادية ورمزية ولا تعني إطلاقا إلغاء المحاسبة على الانتهاكات، حيث أن التعويضات لا تعد طريقة لـ"شراء" تأييد الناجيات والناجيين، وإنما اعترافا من السلطات بما تعرضوا له والتأكيد بصورة ملموسة على أن الانتهاكات لن تتكرر.

2. تساعد فلسفلة التعويضات على معالجة نقاط الضعف والإشكاليات في المنظومة إلي أدت إلي وساعدت على عدم المساواة بين الجنسين، الأمر الذي يستلزم تضمين منظور النوع الاجتماعي في تعريف الضرر أو الجريمة أو الانتهاك الذي تتشكل برامج التعويضات لمعالجتهم.


أ. على سبيل المثال، لا يتضمن الضرر على النساء الضرر المباشر فقط، كالقتل أو الاغتصاب، ولكن الضرر المترتب على الانتهاكات التي طالت أقارب النساء والتي تسببت في ضرر اقتصادي. على سبيل المثال، تضمين فقدان العائل الرئيسي، كالأب أو الأخ، سواء كان الفقدان يرجع إلى انتهاك تركه عاجز عن العمل أو بسبب اختفاء قسري أو أي انتهاكات أخرى، في تعريف الضرر. يكون تعريف الضرر في هذة الحالة مبني على بحث حول تأثير فقدان أحد المعيلين على الوضع الاقتصادي للأسرة، بغض النظر عن ما إذا كان في المنزل رجل آخر، كالأخ بعد فقدان الزوج، الذي يفترض أنه سوف يعيل الأسرة. لابد أن يكون للنساء في مناطق الريف أيضا تعويض أعلى من نظيراتهن في المدن، نظرا لقلة الخدمات في المناطق الريفية بصورة عامة عن نظيراتها في المدن. كما لا يتضمن التعريف الضرر الاقتصادي فقط، ولكن النفسي والمعنوي أيضا مثل الأمهات اللاتي تعرض أبنائهن للتعذيب وأمهات الشهداء يجب أن يتضمنوا في برامج التعويضات. وبالتبعية لا بد من التشاور مع المنظمات الحقوقية والنسوية لتعريف "الضرر". في تجربة جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، تم التشاور مع المنظمات الحقوقية والنسوية التي أعدت قائمة من الأفعال التي تندرج تحت التعذيب، ومنها ضرب الحوامل، إعطاء معلومات خاطئة عن مقتل إحدى الأقارب، التعذيب الجنسي (والذي يتضمن الاغتصاب)، التهديد بالاغتصاب، تعرية الناجيات، الإهانات الجنسية، وجرائم أخرى.


‌ب. يجب تسمية الشوارع والميادين العامة بأسماء نساء شاركن في أحداث الثورة، وتسمية المناطق التي تم فيها انتهاك النساء، كما يجب أن يتم تخصيص أيام معينة للاحتفاء بذكراهن. حيث تعد التعويضات الرمزية جزء هاما لتذكير المجتمع والأجيال المستقبلية بأن النساء كانوا جزءا من النضال نحو الديمقراطية.


‌ج. يجب مراعاة ظروف النساء اللاتي مررن بانتهاكات جنسية في جلسات لجان الحقيقة. نظرا لعدم رغبة النساء في الحديث عن تجاربهن مع الانتهاكات الجنسية بصورة علنية، يجب مراعاة توفير مناخ يتسم بالخصوصية والآمان لأخذ شهادات النساء.


‌د. تخصيص نسبة محددة مسبقا من الميزانية لتعويضات للنساء. عادة ما يكون عدد النساء اللاتي يتواصلن مع لجان الحقيقة أقل من عدد الرجال لاعتبارات كثيرة، كعدم القدرة على الإفصاح عن الانتهاكات ذات الطابع الجنسي، أن يكون عدد النساء اللاتي تعرضن للانتهاكات أقل من عدد الرجال نظرا للتحديات المجتمعية التي عادة ما تواجه النساء في مشاركتهن السياسية، أو لاعتبارات اقتصادية كفقدان العائل الرئيسي وعدم قدرة النساء المعيلات أن يقتطعن من أوقاتهن لحضور الإجراءات المطولة التي عادة ما تتطلبها لجان الحقيقة. ونظرا للاعتبارات السابقة، لابد أن تتضمن الفئات المستحقة للتعويضات الأرامل والنساء المعيلات والأطفال الذين عانوا من انتهاكات، نظرا لأن مسئولية الاهتمام بهم عادة ما تقع على النساء.


خامسا: إجراءات لضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل

1. الاستجابة إلي وتنفيذ التوصيات التي سوف تصدر عن لجان الحقيقة ولجان تقصي الحقائق بالتقارير النهائية لضمان عدم تكرار الانتهاكات.

2. الشروع في عملية إعادة هيكلة منظومة جهاز الشرطة التي طالما اعتمدت على العنف المفرط في التعامل مع المواطنين والمواطنات، والاستخدام المنهجي للعنف كان أحد أبرز أسباب اندلاع ثورة 25 يناير.

3. تنظيم دورات تدريبية لأفراد الشرطة وغيرهم من موظفي إنفاذ القانون لزيادة وعيهم بالدور الفعال الذي تلعبه المدافعات عن حقوق الإنسان في الدفاع عن حقوق الإنسان وللقضاء على القوالب النمطية حول أدوار المرأة في المجتمع والتي تشكل جزء أساسي من أسباب اضطهاد موظفي إنفاذ القانون للمدافعات وللنساء في المجال العام.

4. تدريب موظفي إنفاذ القانون على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة المرتبطة بالتعامل مع الحشود والمظاهرات والاضطرابات العامة. ولابد أن تتضمن هذه المعايير الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، ومدونة القواعد الخاصة بسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والمبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة من قبل موظفي إنفاذ القانون الصادرين عن الأمم المتحدة، وعن الدور الذي تلعبه النساء اللاتي يستهدفن وأنهن يقعن تحت فئة "المدافعات".

5. الشروع في اتخاذ خطوات عملية لحماية النساء المتواجدات في سياقات التجمعات (مثل المظاهرات والاعتصامات)، نظرا لأنها فترات قد تشهد ارتفاع في نسبة تعرض النساء لانتهاكات شديدة، ومن بين تلك الخطوات تشكيل برامج حماية، وأنظمة إنذار مبكرة تتضمن تدابير فورية لحماية النساء، وتدريب وتأهيل موظفي إنفاذ القانون على التعامل مع النساء وذلك ضمن خطوات إعادة هيكلة منظومة قطاع الشرطة.

رابط دائمhttp://nazra.org/node/247